مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 1433

(130)
جلسة 22 من مايو 1965

برياسة السيد الأستاذ/ الدكتور ضياء الدين صالح - وكيل المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ محمد شلبى يوسف وعادل عزيز وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدى المستشارين.

القضية رقم 1010 لسنة 10 القضائية

( أ ) نقل عام - موظف عمومى - موظفو ادارة النقل العام لمدينة الاسكندرية - موظفون عموميون تربطهم بالجهة التى يعملون بها علاقة لائحية - سريان القواعد الخاصة بموظفى الدولة عليهم فيما لم يرد بشأنه نص خاص فى القرار الصادر من مجلس ادارة هذه المؤسسة بتاريخ 13 من أغسطس سنة 1959 بشأن نظام موظفيها.
(ب) موظف عام - سلوكه - اشتراط حسن السمعة والسيرة الحميدة فى الموظف - وجوب توفره عند التعيين واستمراره طوال مدة الخدمة - سلوك الموظف الشخصى فى غير نطاق الوظيفة ينعكس على سلوكه العام فى مجالها.
(جـ) موظف - مخالفة تأديبية - تواجد المطعون عليه فى منزل زوجية المطعون عليها فى وقت متأخر من الليل فى غيبة الزوج ودون علمه وبصورة معينة يشكل فى حق كل منهما جريمة تأديبية صارخة - أساس ذلك.
(د) موظف - جريمة تأديبية - جريمة جنائية - استقلال الجريمة التأديبية عن الجريمة الجنائية - قائم حتما ولو قام الارتباط بينهما - بيان ذلك.
(هـ) مؤسسة عامة - ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية - موظف - المؤسسة العامة فى حكم القانون رقم 60 لسنة 1963 - هى المؤسسة العامة ذات الطابع الاقتصادى أو غيرها من المؤسسات التى يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية - ليست من هذا القبيل ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية - عدم سريان لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة على العاملين بها - بيان ذلك.
(و) موظف - جزاء تأديبى - تناسب الجزاء التأديبى مع المخالفة التأديبية - مراعاة الحكم التأديبى وهو مقدار لخطورة الذنب الادارى ما اصاب المطعون عليهما من مهانة الضبط ومذلة الاحضار ومرارة المعاينة وما يستتبعه كل ذلك من عذاب وندم - لا تثريب عليه.
1 - ان موظفى ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية من الموظفين العموميين الذين تربطهم بالجهة التى يعملون بها علاقة لائحية ينظمها القرار الصادر من مجلس ادارة هذه المؤسسة العامة فى 13 من أغسطس 1959 بشأن نظام موظفى الادارة، والقواعد الخاصة بموظفى الدولة فيما لم يرد بشأنه نص خاص فى هذه اللائحة، وفيما لا يتعارض مع الأحكام الواردة فيها عملا بأحكام المادة الثالثة من النظام المذكور.
2 - ان السيرة الحميدة والسمعة الحسنة من شروط التعيين فى الوظيفة العامة والبقاء فيها. وتلك مجموعة من الصفات والخصال يتحلى بها الشخص فتجعله موضع ثقة المجتمع. وتجنبه ما يشيعه عنه قالة السوء مما يمس الخلق. ولا يكفى أن يكون الموظف متحليا بذلك عند التحاقه بالخدمة العامة بل يجب أن يظل كذلك طوال مدتها. ذلك لما للوظيفة العامة من سلطة ومقتضيات توجب على صاحبها أن يحافظ على كرامتها، ولا يخرج على مقتضياتها أو ينحرف عنها ما استطاع الى ذلك سبيلا. وأخذا بهذا النظر فان سلوك الموظف العام الشخصى فى غير نطاق الوظيفة ينعكس على سلوكه العام فى مجال الوظيفة من حيث الاخلال بكرامتها ومقتضياتها ووجوب أن يلتزم الموظف فى سلوكه ما لا يفقده الثقة والاعتبار اذ لا يقوم عازل سميك بين الحياة العامة والحياة الخاصة يمنع كل تأثير متبادل بينهما. ولا يسوغ للموظف العام، ولو كان خارج نطاق الوظيفة أن ينسى أو يتناسى، انه موظف تحوطه سمعة الدولة وترفرف عليه مثلها. والكثير من التصرفات الخاصة للموظف قد تؤثر تأثيرا بليغا عليها فى حسن سير المرفق وسلامته، ومنها ما قد يؤثر تأثيرا فاضحا فى كرامة الوظيفة ورفعتها. فعليه أن يتجنب كل ما قد يكون من شأنه الاخلال بكرامة الوظيفة واعتبار الناس لها. وعليه أن يتفادى الأفعال الشائنة التى تعيبه فتمس تلقائيا الجهاز الادارى الذى ينتسب اليه.
3 - ان فى مجرد تواجد المطعون عليه الأول فى منزل زوجية المطعون عليها الثانية فى وقت متأخر من الليل وفى غيبة زوجها صاحب الدار، ودون علمه وبالصورة التى تم بها الضبط، يشكل فى حق كل منهما، ولا شك مخالفة تأديبية صارخة، وهو ذنب قائم بذاته مستقل عن الجريمة الجنائية: سواء أكانت من جرائم العرض Attentats aux moeurs أم من جرائم انتهاك حرمة ملك الغير Violation de la proprieté كدخول بيت مسكون بقصد ارتكاب جريمة (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول، وتخونوا أماناتكم وأنتم تعملون) (ما خلا رجل بامرأة قط الا كان الشيطان ثالثهما). فالذنب هنا قوامه الخروج على مقتضى الواجب والاخلال بكرامة الوظيفة. فضلا عما فيه من اهدار لأصول الدين واستهتار بتقاليد مجتمعنا المصرى العربى الشرقى. (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون. فان لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها). (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم، ان الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن). فكان أسلم وأطهر وأبقى للمطعون عليهما، مهما كانت الدوافع والمبررات، أن يبتعدوا عن مواطن الريب وأن قالوا الحلال بين والحرام بين فان بينهما أمورا متشابهات فاحذروها. واتقوا الله.
4 - ان الجريمة التأديبية قوامها مخالفة الموظف لواجبات وظيفته ومقتضياتها أو لكرامة الوظيفة واعتبارها بينما الجريمة الجنائية هى خروج المتهم على المجتمع فيما ينهى عنه قانون العقوبات والقوانين الجنائية أو تأمر به. فالاستقلال حتما قائم حتى ولو كان ثمة ارتباط بين الجريمتين. وهو ما رددته القواعد التنظيمية العامة المتعلقة بتأديب الموظفين، وما يستفاد من المادة (83) من القانون رقم (210) لسنة 1951 (... يعاقب تأديبيا، وذلك مع عدم الاخلال بالحق فى اقامة الدعوى المدنية أو الجنائية عند الاقتضاء). وتقابل المادة (59) من القانون رقم 46 لسنة 1964 (كل عامل يخالف الواجبات المنصوص عليها فى هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته أو يظهر من شأنه الاخلال بكرامة الوظيفة يعاقب تأديبيا، وذلك مع عدم الاخلال باقامة الدعوى المدنية أو الجنائية عند الاقتضاء). وهذا الحكم يقابل ما نصت عليه المادة (14) من القانون الفرنسى الصادر فى 19 من أكتوبر 1946 بنظام الموظفين فى فرنسا والمادة 52 من نظام موظفى ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية تردد ذات القاعدة.
5 - ان قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 60 لسنة 1963 باصدار قانون المؤسسات العامة Les etablissements publics قد نص فى المادة 34 منه على أن (تعتبر المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادى، القائمة وقت صدور هذا القانون مؤسسات عامة فى تطبيق أحكام هذا القانون. على أن تظل اللوائح الحالية للمؤسسات قائمة الى حين صدور اللوائح الجديدة). ونصت المادة 35 منه على أن (يحدد رئيس الجمهورية بقرار منه ما يعتبر مؤسسة عامة بالنسبة الى الهيئات العامة أو المؤسسات العامة القائمة) فالأمر فيما يتعلق بالمؤسسات العامة (عدا المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادى، وقد نظمها القانون رقم 265 لسنة 1960) متوقف على صدور قرار من رئيس الجمهورية بتحديد ما يعتبر منها مؤسسة عامة فى حكم القانون رقم 60 لسنة 1963 وبذلك تستقر لها صفتها أو لا تستقر. وطالما ان مثل هذا القرار لم يصدر فلا يمكن تحديد صفة معينة للمؤسسات التى كانت قائمة وقت صدور القانون سالف الذكر، وهل تعتبر مؤسسات أم هيئات عامة. واذ كان القرار الجمهورى رقم 800 لسنة 1963 بسريان أحكام لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة الصادر بها القرار رقم 3546 لسنة 1962 على العاملين فى المؤسسات العامة، قد قضى فى مادته الأولى بأن: (تسرى أحكام لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 3546 لسنة 1962 على العاملين فى المؤسسات العامة...) وكان هذا القرار قد صدر فى ذات تاريخ صدور القانون رقم 60 لسنة 1963 - فى 29 من أبريل سنة 1963 - فانه يتعين لتطبيق أحكام القرار رقم 800 لسنة 1963 وسريان أحكام لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة على العاملين بالمؤسسات العامة أن تستقر للمؤسسة صفتها كمؤسسة عامة حسبما تقضى به أحكام القانون رقم 60 لسنة 1963 ما دامت ليست من المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادى. ولما كانت ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية، ليست من المؤسسات ذات الطابع الاقتصادى، فانه لا تستقر لها صفة المؤسسة العامة فى أحكام القانون رقم (60) لسنة 1963 أو صفة الهيئة العامة فى أحكام القانون رقم 61 لسنة 1963 بشأن الهيئات العامة، ما دام لم يصدر قرار رئيس الجمهورية بتحديد صفتها ومن ثم فلا تسرى أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 800 لسنة 1963 على مستخدمى وعمال ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية. طالما ان قرارا لم يصدر من رئيس الجمهورية باعتبارها مؤسسة عامة فى حكم القانون رقم 60 لسنة 1963.
6 - ان الحكم التأديبى المطعون فيه اذ قضى بمجازاة كل من المطعون عليهما بوقفه عن العمل بدون مرتب مدة شهرين، قد راعى وهو مقدر لخطورة الذنب الادارى الذى وقع منهما، ما أصاب المذكورين من مهانة الضبط ومذلة الاحضار ومرارة المعاينة فى تلك الظروف المظلمة. وما يستتبعه كل ذلك فى أى نفس بشرية من عذاب وندم. فالحكم المطعون فيه كان دقيقا فى ميزانه سديدا فى تقديره دون افراط فى الشفقة ولا تفريط فى حق الجهاز الادارى وسلطته فى توقيع الجزاء عند الاقتضاء.


اجراءات الطعن

فى 27 من أبريل سنة 1964 أودع السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة، سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (1010) لسنة 10 القضائية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالاسكندرية بجلسة 29 من فبراير سنة 1964 فى الدعوى التأديبية المقيدة بالسجل العام تحت رقم (21) لسنة 6 القضائية المقامة من النيابة الادارية ضد: (1) السيد/... (2) السيدة/... والذى قضى: (بمجازاة كل من المذكورين بوقفهما عن العمل بدون مرتب لمدة شهرين). وطلب السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة للأسباب التى استند اليها فى تقرير طعنه: (الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء فى الدعوى التأديبية بالعقوبة المناسبة). وقد أعلن هذا الطعن الى كل من النيابة الادارية والمطعون عليهما فى 9 من مايو سنة 1964 و12 منه لسنة 1964 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 7 من نوفمبر سنة 1964 وفيها قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا للمرافعة بجلسة 23 من يناير سنة 1965 وفيها قدم الحاضر عن المطعون عليهما مذكرة بدفاعه وانتهى فيها الى طلب الحكم برفض طعن هيئة المفوضين ثم قررت المحكمة اصدار الحكم بجلسة 27 من فبراير سنة 1965 وفيها قررت مد أجل النطق بالحكم الى جلسة 27 من مارس سنة 1965 وفيها أعيد الطعن الى المرافعة بجلسة 3 من أبريل سنة 1965 لتعذر المداولة بسبب تغير هيئة المحكمة. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ايضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت ارجاء النطق بالحكم الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الايضاحات، وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل فى ان النيابة الادارية أقامت الدعوى التأديبية رقم (21) لسنة 6 القضائية ضد كل من (1) السيد/...، (2) السيدة/... أمام المحكمة التأديبية بالاسكندرية فأودعت سكرتيرية تلك المحكمة فى 24 من ديسمبر سنة 1964 تقرير اتهام ضد المذكورين:
الأول:... - وهو رئيس قسم الميزانية بادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية سابقا ورئيس قلم الأجور بها حاليا.
والثانية:... - وهى كاتبة بالمراقبة المالية لادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية.
لأنهما فى ليلة أول أبريل سنة 1963 بادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية خرجا معا على مقتضى الواجب الوظيفى، وأخلا بما ينبغى أن يكون عليه من حسن السير والسلوك، بأن ضبط الأول فى تلك الليلة بمسكن الثانية فى ظروف مريبة على النحو الموضح بمحضر ضبط الواقعة. وأنهما بذلك يكونان قد ارتكبا المخالفة الادارية المنصوص عليها فى المواد (3)، (52) من قرار مجلس ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية بجلسة 13 من أغسطس سنة 1959 بشأن نظام موظفى الادارة، والمواد (6) فقرة ثانية، (83) من القانون رقم (210) لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة، والمواد (6) فقرة ثانية، (83) من القانون رقم (260) لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة. وطلبت النيابة الادارية لذلك محاكمتهما بالمواد سالفة الذكر وبالتطبيق للمادتين (14، 31) من القانون رقم (117) لسنة 1958 والمواد (1/ 1، 4/ 1) من القانون رقم (19) لسنة 1959. وقد أودعت النيابة الادارية مع تقرير الاتهام مذكرة بموضوعه وقائمة بشهوده، وملف القضية رقم (69) لسنة 1963 اسكندرية (550 د/ 63) المرفق به أوراق.. تحقيق الموضوع وملفى خدمة المذكورين - وتحدد لنظر الدعوى التأديبية بالاسكندرية جلسة 25 من يناير سنة 1964 وفيها حضر المتهمان وأبديا أقوالهما على النحو الثابت بمحضر تلك المحكمة. وقد أودع الحاضر عن المتهمين مذكرة فى أول فبراير سنة 1964 مقسما دفاع المذكورين الى قسمين: الأول: تناول البحث فى النصوص القانونية التى تحكم الدعوى التأديبية، والثانى: أوضح فيه أسانيد براءتهما من التهمة المنسوبة اليهما وانتهى من بحثه الأول الى أن ادارة النقل العام التى يعمل بها المذكوران ان هى من المؤسسات العامة وعلى ذلك يجب معاملة المتهمين قانونا باعتبارهما كذلك، ومن ثم يكون القرار الجمهورى رقم (3546) لسنة 1962 هو الواجب التطبيق فى الدعوى. وتكون الجزاءات الواردة فى هذا القرار هى التى تحكم الدعوى دون تلك المنصوص عليها فى القانون رقم (19) لسنة 1959 على نحو ما ذهبت اليه النيابة الادارية. وقال الدفاع فى أسانيد براءة المتهمين مما أسند اليهما أن المتهم الأول قرر منذ الوهلة الأولى وفى محضر الشرطة جوهر الوقائع التى قررها أمام المحكمة وأن مسرح ضبط الواقعة كان تحت سيطرة زوج السيدة/... وأعوانه، وليس من المتيقن أن تكون الصورة التى شاهدها رجال شرطة النجدة هى ذات الصورة التى كان عليها الوضع عند حضور الزوج وأعوانه الى منزل الزوجية ومن هنا يجب أن يفسر الشك لصالح المتهمين وان حرص الزوج على الانفراد بالضبط والسيطرة هو الذى منعه من الاستغاثة بالشرطة لتضبط الواقعة بنفسها، وأن مسلك الزوج فى عدم اتهام زوجته واصراره بالرغم من ذلك على اتهام الرجل الأول... بدخول منزله بقصد ارتكابه جريمة فيه ينطوى على اقتناعه بعدم صحة الاتهام وسعيه الى ايذاء المتهم الأول بدون وجه حق، وان الحكم على مدى ملاءمة سلوك الموظف ينبغى أن يقوم على مراعاة الهيئة الاجتماعية وأن الزمالة التى تربط بين موظف وموظفة قد أصبح لها كيان فى مجتمعنا اليوم. ثم أضاف الدفاع أنه لا يدافع عن المساس بالروابط الزوجية المقدسة، ولكنه يرى أن زوج المرأة التى تعمل لا بد وأنه يوافق على تصرفات لا يرضاها زوج المرأة التى لا تعمل، لأن العمل يفرض على الموظفة التزامات معينة تضطر الى مواجهتها وأن القلق الذى ساور المتهمة الثانية -... - بسبب خطأ الميزانية أمر طبيعى، ومرتبط بحرصها على أداء عملها على الوجه الأكمل. كما أن حرص المتهم الأول -... - على أن يرد عنها هذا القلق أمر يتفق مع مقتضيات الزمالة. وأن استفساره عن بواب العمارة ثم صعوده الى الشقة ازاء عدم وجود البواب لترجيحه ان الزوج كان موجودا فى الساعة المتأخرة التى صعد فيها، كل هذه أمور لا تخالف مقتضيات الوظيفة - كما لا يخالفها أيضا ان يتجه المتهم -... - الى فتح باب الشقة، والمتهمة - ... - ترتدى بسرعة معطفا على قميص النوع تحت الاعتقاد بأن الطارق كان زوجها الذى كان قد أخبرها بعزمه على الحضور، وأن ما جاوز هذا النطاق العادى، يثبت بدليل قاطع. وانتهى الدفاع عن المتهمين...، ... الى طلب الحكم ببراءتهما من التهمة المسندة اليهما.
وبجلسة 29 من فبراير سنة 1964 حكمت المحكمة التأديبية بالاسكندرية (بمجازاة كل منهما - بوقفهما عن العمل بدون مرتب مدة شهرين). وأقامت المحكمة التأديبية حكمها على أساس أن الواقعة ثابتة قبلهما وأن المخالفة قوامها الخروج على مقتضى الواجب وكرامة الوظيفة. خاصة وان صلة التعارف بين المتهمين انما نشأت بسبب العمل المشترك فى خدمة مؤسسة واحدة. وما كان لهما ان يستغلا هذه الصلة فينحرفا بها، ويسلكا سلوكا كان من نتيجته ان أهدرت الوظيفة العامة، فضلا عما فى ذلك من مخالفة لتعاليم الدين وتقاليد المجتمع. وأضافت المحكمة التأديبية الى ذلك أنه عند تقدير الجزاء فان المحكمة تأخذ فى الاعتبار أنهما بضبطهما بالطريقة والصورة التى أبانتها الاوراق، قد نالا قسطا كافيا من المهانة وأحسا بعذاب النفس، وهو أقسى فى أثره من كل جزاء مما رأت معه المحكمة التأديبية الاكتفاء بمجازاة كل منهما بوقفه عن العمل بدون مرتب لمدة شهرين.
ومن حيث أن الطعن المقدم من السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة يقوم على أن المحكمة التأديبية قد أخطأت فى تطبيق القانون اذ انحدرت بالجزاء الموقع منها على المتهمين الى حد عدم المشروعية. ومرد ذلك أن للسلطات التأديبية، ومن بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الادارى، وما يناسبه من جزاء - الا أن مناط مشروعية هذه السلطة هو الا يشوب استعمالها غلو. ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الادارى وبين نوع الجزاء ومقداره. ففى هذه الصورة تتعارض نتائج عدم الملائمة الظاهرة مع الهدف الذى تغياه القانون من التأديب. وهو بوجه عام تأمين المرافق العامة. ولا يتأتى هذا التأمين اذا انطوى الجزاء على مفارقة صارخة. فركوب متن الشطط فى القسوة يؤدى الى احجام عمال المرافق العامة عن تحمل المسئولية، والافراط المسرف فى الشفقة يؤدى الى استهانتهم بأداء واجباتهم طمعا فى هذه الشفقة المفرطة فى اللين. وكل من طرفى النقيض لا يؤمن معه سير انتظام سير المرافق العامة. وبالتالى يتعارض مع الهدف الذى رمى اليه القانون من نظام التأديب. والذنب الادارى المنسوب الى المطعون عليهما يمس الشرف والاخلاص، والمتهم الأول، كان وقت ضبط الواقعة رئيسا للمتهمة الثانية فلا مشاحة فى أنه قد استغل رئاسته عليها استغلالا منكرا وانحرف بها الى مجال الخيانة الزوجية. وما كان ذلك ينتظر من مثله وهو ذاته زوج وأب لابنة متزوجة بدورها فضلا عن أنه يشغل منصبا رئيسيا فى مؤسسة عامة أما المطعون عليها الثانية فقد خرجت هى الأخرى على مقتضيات وظيفتها، واستهترت بالقيم الاخلاقية وتعاليم الدين، وأوجدت صلة غير مشروعة بينها وبين رئيسها فى العمل، فأصبحت بذلك غير أمينة على الوظيفة التى تشغلها. ولا شك أن المحكمة التأديبية قد لمست هذا الخروج الشديد على واجبات الوظيفة ومقتضياتها الا أنها رأت أخذهما بقدر من الرأفة للظروف التى أحاطت بضبطهما وما عاصرها من مهانة وايذاء. وهذا الذى ذهبت اليه المحكمة التأديبية يعد فى نظر هيئة مفوضى الدولة اسرافا فى الشفقة يصم العقوبة التى أنزلتها بعيب عدم المشروعية. ومن ثم تكون العقوبة المقضى بها لا تتناسب مع خطورة الذنب المسند اليهما ويكون الحكم المطعون فيه قد قام به سبب من أسباب طلب الغائه. وما دامت الدعوى مهيأة للفصل فى موضوعها فان السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة يطلب القضاء بالغاء الحكم المطعون فيه، وفى الدعوى التأديبية الحكم على المطعون عليهما بالعقوبة المناسبة.
ومن حيث ان النيابة الادارية استندت فى تقرير اتهامها المؤرخ 11/ 12/ 1963 الى كل من المطعون عليهما -...، رئيس قسم الميزانية بادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية سابقا ورئيس قلم الأجور بها حاليا بمرتب 48 جنيها شهريا - والسيدة/... ووظيفتها كاتبة بالمراقبة المالية لادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية، بمرتب شهرى قدره 22.5 جنيها، أنهما فى ليلة أول أبريل سنة 1963 بادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية، خرجا معا على مقتضى الواجب الوظيفى وأخلا بما ينبغى أن يكونا عليه من حسن السير والسلوك، بأن ضبط الأول فى تلك الليلة بمسكن الثانية فى ظروف مريبة على النحو الموضح بمحضر ضبط الواقعة. وبذلك يكونان قد ارتكبا المخالفة الادارية المنصوص عليها فى المادتين (2، 52) من قرار مجلس ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية بجلسة 13 من أغسطس سنة 1959 بشأن نظام موظفى الادارة والمادتين (6) فقرة ثانية، (83) من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة. وطلبت النيابة محاكمتهما بالمواد سالفة الذكر وتطبيقا للمادتين (14، 31) من القانون رقم (117) لسنة 1958 والمواد (1/ 1، 4/ 1) من القانون رقم 19 لسنة 1959 فى شأن سريان أحكام قانون النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية على موظفى المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة. ولا تريد هذه المحكمة العليا، وهى فى صدد الفصل فى الطعن الراهن أن تعود الى ترديد وقائع الذنب الادارى المنسوب الى كل من المطعون عليهما، فانها مما يخدش الحياء ويندى لذكرها الجبين، فقد ضبط المطعون عليه الأول بمنزل زوجية المطعون عليها الثانية فى ساعة متأخرة من ليلة 31 من مارس سنة 1963، وفى غير وجود زوجها، ودون علمه، ودون وجود ثالث سواهما بمنزل زوجية الثانية، وقد أغلقا باب الشقة عليهما من الداخل فلم يتمكن زوج الثانية من دخول بيته إلا بعد أن دفع باب مسكنه بقوة حسبما أسفرت عنه المعاينة.
ومن حيث ان كلا من المطعون عليهما يعمل موظفا بادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية وهما بهذه المثابة من الموظفين العموميين الذين تربطهم بالجهة التى يعملون بها علاقة لائحية ينظمها القرار الصادر من مجلس ادارة هذه المؤسسة العامة فى 13 من أغسطس سنة 1959 بشأن نظام موظفى الادارة، والقواعد الخاصة بموظفى الدولة فيما لم يرد بشأنه نص خاص فى هذه اللائحة، وفيما لا يتعارض مع الأحكام الواردة فيها عملا بأحكام المادة الثالثة من النظام المذكور وتنص المادة الرابعة من ذلك النظام على أنه يشترط فيمن يعين فى احدى وظائف الادارة أن يكون محمود السيرة حسن السمعة.
ومن حيث أن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة من شروط التعيين فى الوظيفة العامة وفى البقاء فيها. وتلك مجموعة من الصفات والخصال يتحلى بها الشخص فتجعله موضوع ثقة المجتمع. وتجنبه ما يشيعه عنه قالة السوء مما يمس الخلق ولا يكفى أن يكون الموظف متحليا بذلك عند التحاقه بالخدمة العامة بل يجب أن يظل كذلك طوالها. ذلك لما للوظيفة العامة من سلطة ومقتضيات توجب على صاحبها أن يحافظ عليها، ولا يخرج على مقتضياتها أو ينحرف عنها ما أمكن. وأخذا بهذا النظر فان سلوك الموظف العام الشخصى فى غير نطاق الوظيفة ينعكس على سلوكه العام فى مجال الوظيفة من حيث الاخلال بكرامتها، ومقتضياتها ووجوب ان يلتزم الموظف فى سلوكه ما لا يفقده الثقة والاعتبار.
ولقد نصت المادة (52) من نظام موظفى النقل العام بالاسكندرية، على أن كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها فى هذا النظام أو فى القرارات الصادرة من السلطات المختصة بالادارة أو يخرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته يعاقب تأديبيا، وذلك دون اخلال بالمسئولية الجنائية والمدنية عند الاقتضاء.
ومن حيث ان فى مجرد تواجد المطعون عليه الأول فى منزل زوجية المطعون عليها الثانية، فى وقت متأخر من الليل وفى غيبة الزوج صاحب الدار، ودون علمه وبالصورة التى تم بها الضبط، يشكل فى حق كل منهما، ولا شك مخالفة تأديبية صارخة، وهو ذنب قائم بذاته مستقل عن الجريمة الجنائية: سواء أكانت من جرائم العرض Attentats aux moeurs أم من جرائم انتهاك حرمة ملك الغير Violation de la proprieté كدخول بيت مسكون بقصد ارتكاب جريمة، وقد انتهت النيابة العامة الى عدم توافر أركان جريمة جنائية حيث انتهت فى تحقيق الاتهام الجنائى الى أن جريمة دخول المطعون عليه الأول مسكن زوج المتهمة الثانية، بقصد ارتكاب جريمة، غير متوافرة الأركان، وكذلك انتهت الى عدم قيام أركان دعوى الزنا - Adultere - واستحالة تحريك الدعوى بشأنها بسبب تنازل الزوج.
ومن حيث أن الجريمة التأديبية قوامها مخالفة الموظف لواجبات وظيفته ومقتضياتها أو لكرامة الوظيفة وسلامتها بينما الجريمة الجنائية هى خروج المتهم على المجتمع فيما ينهى عنه قانون العقوبات والقوانين الجنائية وتأمر به. فالاستقلال حتما قائم حتى ولو كان ثمة ارتباط بين الجريمتين. وهو ما رددته القواعد التنظيمية العامة المتعلقة بتأديب الموظفين، وما يستفاد من المادة (83) من القانون رقم (210) لسنة 1951 (... يعاقب تأديبيا، وذلك مع عدم الاخلال بالحق فى اقامة الدعوى المدنية أو الجنائية عند الاقتضاء). ويقابل المادة (59) من القانون رقم 46 لسنة 1964 (كل عامل يخالف الواجبات المنصوص عليها فى هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الاخلال بكرامة الوظيفة يعاقب تأديبيا، وذلك مع عدم الاخلال باقامة الدعوى المدنية أو الجنائية عند الاقتضاء). وهذا الحكم يقابل ما نصت عليه المادة (14) من القانون الفرنسى الصادر فى 19 من أكتوبر سنة 1946 بنظام الموظفين فى فرنسا.
Ľ‚expose à une sanction disciplinaire. Sans préjudice le cas échéant des peines prevues par la loi pénale.
والمادة (52) من نظام موظفى ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية تردد ذات القاعدة وما أخذته المحكمة التأديبية على المتهمين، وحاسبتهما عليه، وتقرها عليه هذه المحكمة العليا هو تواجد المطعون عليهما معا ودون سواهما فى شقة واحدة هى منزل زوجية له قدسيته وله احترامه، وفى وقت متأخر من الليل وفى غيبة الزوج ودون اذنه أو عمله.
(يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول، وتخونوا أماناتكم وأنتم تعملون) (ما خلا رجل بامرأة قط الا كان الشيطان ثالثهما). فالذنب هنا قوامه الخروج على مقتضى الواجب والاخلال بكرامة الوظيفة. فضلا عما فيه من اهدار لأصول الدين واستهتار بتقاليد مجتمعنا المصرى العربى الشرقى. (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون. فان لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها.) - (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما تصنعون.) - (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن.). فكان أسلم وأطهر وأبقى للمطعون عليهما، مهما كانت الدوافع والمبررات، أن يبتعدا عن مواطن الريب - (وان قالوا الحلال بين والحرام بين فان بينهما أمورا متشابهات فأحذروها. واتقوا الله).
ومن حيث انه فيما يتعلق بتحديد نوع الجزاء عن المخالفات الادارية والمالية التى يرتكبها موظفو ادارة النقل العام، فقد ذهب الدفاع عن المطعون عليهما الى أن أحكام القرار الجمهورى رقم (3546) لسنة 1962 بشأن لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة هى الواجبة التطبيق فى مجال هذا الطعن على اعتبار أن ادارة النقل العام بالاسكندرية هى مؤسسة عامة يسرى على العاملين بها أحكام ذلك القرار عملا بالقرار الجمهورى رقم (800) لسنة 1963 باصدار نظام العاملين بالمؤسسات العامة والذى أنفذ أحكام القرار الأول فى حق العاملين بالمؤسسات العامة. وهذا النظر قد أعرضت عنه، وبحق المحكمة التأديبية بالاسكندرية، واتجهت الى أن القانون الواجب الاتباع فى هذا الشأن هو القانون رقم (19) لسنة 1959 فى شأن سريان أحكام قانون النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية على موظفى المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة. وهو الذى صدر فى 15 من يناير سنة 1959 ونصت المادة الرابعة منه على أن (تسرى الأحكام الخاصة بالموظفين من الدرجة الثانية فما دونها فيما يتعلق بتشكيل المحكمة التأديبية والجزاءات التى توقعها على موظفى المؤسسات والهيئات العامة الذين لا تجاوز مرتباتهم ثمانين جنيها شهريا.). آية ذلك أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم (60) لسنة 1963 باصدار قانون المؤسسات العامة: Les Etablissements publics قد نص فى المادة (34) منه على أن (تعتبر المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادى، القائمة وقت صدور هذا القانون مؤسسات عامة فى تطبيق أحكام هذا القانون. على أن تظل اللوائح الحالية للمؤسسات قائمة الى حين صدور اللوائح الجديدة.). ونصت المادة (35) منه على أن (يحدد رئيس الجمهورية بقرار منه ما يعتبر مؤسسة عامة بالنسبة الى الهيئات العامة أو المؤسسات العامة القائمة). فالأمر فيما يتعلق بالمؤسسات العامة، عدا المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادى، وقد نظمها القانون رقم (265) لسنة 1960، متوقف على صدور قرار من رئيس الجمهورية بتحديد ما يعتبر منها مؤسسة عامة فى حكم القانون رقم (60) لسنة 1963 وبذلك تستقر لها صفتها أم لا. وطالما ان مثل هذا القرار لم يصدر فلا يمكن تحديد صفة معينة للمؤسسات التى كانت قائمة وقت صدور القانون سالف الذكر، وهل تعتبر مؤسسات أم هيئات عامة. واذ كان القرار الجمهورى رقم (800) لسنة 1963 بسريان أحكام لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة الصادر بها القرار رقم (3546) لسنة 1962 على العاملين فى المؤسسات العامة، قد قضى فى مادته الأولى بأن: (تسرى أحكام لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم (3546) لسنة 1962 على العاملين فى المؤسسات العامة...) وكان هذا القرار قد صدر فى ذات تاريخ صدور القانون رقم (60) لسنة 1963 - فى 29 من أبريل سنة 1963 - فانه يتعين لتطبيق أحكام القرار رقم (800) لسنة 1963 وسريان أحكام لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة على العاملين بالمؤسسات العامة، أن تستقر للمؤسسة صفتها كمؤسسة عامة حسبما تقضى به أحكام القانون رقم (60) لسنة 1963 ما دامت ليست من المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادى. ولما كانت ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية، ليست من المؤسسات ذات الطابع الاقتصادى، فانه لا تستقر لها صفة المؤسسة العامة فى أحكام القانون رقم (60) لسنة 1963 أو صفة الهيئة العامة فى أحكام القانون رقم (61) لسنة 1963 بشأن الهيئات العامة، ما دام لم يصدر قرار رئيس الجمهورية بتحديد صفتها. ومن ثم فلا تسرى أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم (800) لسنة 1963 على مستخدمى وعمال ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية. طالما ان قرارا لم يصدر من رئيس الجمهورية باعتبارها مؤسسة عامة فى حكم القانون رقم (60) لسنة 1963.
وانه حتى لو صدر قرار من رئيس الجمهورية باعتبار ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية مؤسسة عامة فى حكم القانون رقم (60) لسنة 1963 وبالتالى سريان أحكام لائحة العاملين بالشركات على موظفيها عملا بالقرار الجمهورى رقم (800) لسنة 1963 فان اجراءات محاكمة هؤلاء الموظفين تأديبيا والجزاءات التى توقع عليهم ستظل محكومة بالقانون رقم (19) لسنة 1959 لانها اجراءات وقواعد صادرة بأداة تشريعية أعلى مرتبة من لائحة العاملين فى المؤسسات العامة. ولا يفوت هذه المحكمة أن تنوه فى هذا المقام بأن المادة (53) من قرار مجلس ادارة النقل العام لمنطقة الاسكندرية والمتعلقة ببيان الجزاءات التأديبية الجائز توقيعها على موظفيها قد زادت الجزاءات التى نصت عليها المادة (31) من القانون رقم (117) لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية وهى الجزاءات التى أحال عليها القانون رقم (19) لسنة 1959 فى شأن سريان أحكام قانون النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية على موظفى المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة.
ومن حيث ان تقرير الطعن المقدم من السيد رئيس هيئة مفوضى الدولة مستهدفا الغاء الحكم التأديبى المطعون فيه لأنه جاء هينا لينا بالنسبة لخطورة الاثم الذى وقع فيه المطعون عليهما، متوخيا تغليظ الجزاء عليهما حتى يتلاءم وما اقترفاه من منكر. فتلاحظ هذه المحكمة العليا ان تقرير هذا الطعن قد سلك سبيله هذا متأثرا بأن:
(1) واقعة الاتهام ليست فى حقيقة أمرها الا واقعة (زنا) عبر عنها تقرير الطعن بأنها من أحط الرذائل بما تنطوى عليه من خيانة زوجية وأنها بذلك تكون من أمهات الكبائر.
(2) وان المطعون عليه الأول كان رئيسا للمطعون عليها الثانية ومن ثم فقد استغل رئاسته هذه على الثانية استغلالا منكرا زاجا بها فى خضم الرذائل.
والواقع ان كل هذا يتعارض مع صريح عبارات قرار الاتهام وما لحق به من تقرير لقيام هذين السندين (الزنا، والرئاسة) على وقائع استبعدتها كلية النيابة الادارية من نطاق التهمة الادارية المنسوبة الى المطعون عليهما. فالنيابة الادارية قطعت بأن المذنب لم يكن رئيسا للمذنبة ورتبت النيابة على ذلك استبعاد وقائع مرتبطة بعلاقة الرئيس بالمرؤوس استبعادا كليا من قرار الاتهام. وكذلك استبعدت هذه النيابة واقعة الزنا من قرار الاتهام. وقصرت ثم ركزت قرار وتقدير الاتهام على واقعة ضبط المتهم الأول بمسكن الثانية فى وقت وظروف جد مريبة فلا محل بعد ذلك للرجوع الى الحديث عن الزنا أو عن علاقة الرئيس بالمرؤوس. على أنه مهما يكن من أمر ذلك فان سلوك الموظف فى غير نطاق الوظيفة ينعكس حتما على سلوكه العام فى مجالها. اذ لا يقوم عازل سميك بين الحياة العامة والحياة الخاصة يمنع كل تأثير متبادل بينهما. ولا يسوغ للموظف العام، ولو كان خارج نطاق الوظيفة أن ينسى أو يتناسى، أنه موظف تحوطه سمه الدولة ويرفرف عليه علمها. والكثير من التصرفات الخاصة للموظف قد يؤثر تأثيرا بليغا فى حسن سير المرفق وسلامته، ومنها ما قد يؤثر تأثيرا فاضحا فى كرامة الوظيفة ورفعتها. فعليه أن يتجنب كل ما قد يكون من شأنه الاخلال بكرامة الوظيفة واعتبار الناس لها. وعليه أن يتفادى الأفعال الشائنة التى تعيبه فتمس تلقائيا الجهاز الادارى الذى ينتسب اليه ويتميز بمقوماته وغنى عن القول أن ما سقط فيه كل من المطعون عليهما ينعكس حقا على الوظيفة التى يشغلها انعكاسا من شأنه أن يتساوى هذا الذنب، رغم ارتكابه خارج نطاق الوظيفة، بالذنب الذى يرتكب داخلها من ناحية مدى تأثير هذا الخطأ فيها.
ومن حيث أن الحكم التأديبى المطعون فيه اذ قضى بمجازاة كل من المطعون عليهما بوقفه عن العمل بدون مرتب مدة شهرين، قد راعى وهو مقدر لخطورة الذنب الادارى الذى وقع منهما، ما أصاب المذكورين من مهانة الضبط ومذلة الاحضار ومرارة المعاينة فى تلك الظروف المظلمة. وما يستتبعه كل ذلك فى أى نفس بشرية من عذاب وندم. فالحكم المطعون فيه كان دقيقا فى ميزانه سديدا فى تقديره دون افراط فى الشفقة ولا تفريط فى حق الجهاز الادارى وسلطته فى توقيع الجزاء عند الاقتضاء.
والحكم المطعون فيه انما وقع جزاء لا يخلو من الشدة اللازمة، التى يتغياها تقرير الطعن، حسب تدرج الجزاءات الادارية فى عنفها لأنه يرد فى المرتبة الخامسة من سلم الدرجات التسع. يسبقه الحرمان من العلاوة وتأجيل موعد استحقاقها والخصم من المرتب لمدة لا تجاوز شهرين ثم الانذار (المادة 31 من القانون رقم (117) لسنة 1958). فالجزاء الموقع على المذكورين أشد فى قسوته من أربع جزاءات أخرى. فالمادة 32 بينت الجزاءات التى يجوز توقيعها على الموظفين من تسعة بنود أوردتها فى ترتيب تصاعدى من حيث تغليظ العقوبة، فالانذار فى البند (1)، والعزل من الوظيفة فى البند (9). وعقوبة الخصم من المرتب فى البند (2)، وعقوبة الوقف عن العمل بدون مرتب مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر فى البند (5). وفى ذلك دليل على أن عقوبة البند (5) أشد من عقوبة البند (2).
ومع ذلك يتعين البحث فيما اذا كان هناك تجانس فى الطبيعة بين هاتين العقوبتين بحيث يمكن أن تنطوى احداهما فى الأخرى وتندمج فيها، أم أن لكل منهما كيانا وقواما مستقلا يميزها عن الأخرى ويضفى عليها طبيعة خاصة ومن المسلم أن هاتين العقوبتين تلتقيان فى حرمان الموظف من مرتبه فى الفترة التى حددها القرار الصادر بالعقوبة الا أنهما تتعقدان وتختلفان من حيث السلطة التى تملك توقيع أى منهما. فعقوبة الخصم من المرتب لا يمكن أن يجاوز مداها الشهرين (بند 2) فى حين أن عقوبة الوقف عن العمل بدون مرتب (بند 5) يصل الى ثلاثة شهور. ومن ناحية أخرى فان هذه العقوبة الأخيرة (البند الخامس) لا تملك توقيعها الا المحاكم التأديبية، على حين أن الخصم من المرتب (بند 2) هو عقوبة يجوز أن يوقعها الرئيس الادارى (على الوجه المبين فى المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فى مجال تطبيق المادة 84 من ذلك القانون). وكذلك تختلف كل من العقوبتين عن الأخرى فى أنه فى حالة الخصم من المرتب (البند 2) يستمر الموظف المعاقب فى تأدية عمله. فى حين أنه فى عقوبة البند الخامس يمتنع على الموظف تأدية عمله، وفى ذلك تغليظ للعقاب وتشديد فى الجزاء. ومتى كان الأمر كذلك فلا ريب فى أن جزاء الوقف عن العمل بدون مرتب لمدة شهرين لا يخلو من الشدة التى يتطلع اليها تقرير الطعن الراهن وترى فيه هذه المحكمة العليا ما يكفى لزجر المذكورين على أن لا يعودا ولردع كل عامل بالدولة. والأصل أن ما قد يشين خارج دائرة الوظيفة له جزاؤه الجنائى والمدنى على حسب الأحوال، ومتى توافرت الشروط القانونية اللازمة لذلك.
وتأسيسا على ما تقدم يكون الطعن القائم على وصم الحكم التأديبى المطعون فيه بالغلو فى الجزاء الموقع لأنه أتسم بالتفريط فى الشفقة على المطعون عليهما هو طعن خليق بالرفض...

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ويرفضه موضوعا.