مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الادارية العليا
السنة العاشرة - العدد الثانى (من أول فبراير سنة 1965 الى آخر مايو سنة 1965) - صـ 1470

(133)
جلسة 23 من مايو سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعلى محسن مصطفى وعبد الفتاح بيومى نصار ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

القضية رقم 231 لسنة 9 القضائية

أ - طعن - محكمة ادارية عليا - الطعن أمام المحكمة الادارية العليا يفتح الباب أمامها لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون ثم تنزل حكمه فى المنازعة - لا تقييد فى ذلك بطلبات الطاعن أو الأسباب التى يبديها - الطعن فى شق من الحكم - يعتبر مثيرا للطعن فى شقه الآخر اذا كان الشقان مرتبطين ارتباطا جوهريا - الادعاء بأن الطعن فى الحكم قد اقتصر على شقه الخاص بالتعويض وأنه لا يثير المنازعة فى شقه الخاص بالالغاء - لا وجه له - مثار المنازعة فى الواقع مشروعية أو عدم مشروعية القرار المطعون فيه.
ب - اختصاص - مجلس الدولة - ترقية - قرارات الوزير فى الترشيح للترقية من الدرجة الثانية الى الأولى ومن الأولى الى ما يعلوها - امتناع التعقيب القضائى عليها سواء كان طعنا بالالغاء أو طلبا للتعويض - أساس ذلك من المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - القول بأن مناط اعمال هذه المادة أن يكون القرار الوزارى قد طبق تطبيقا صحيحا - لا وجه له - تأويل غير صحيح لمقاصد المشرع - مقصود المشرع من تنظيم اجراءات هذه الترقية من ناحيتى الاخطار والتظلم - لم يك تقييدها بمواعيد محتمة وأوضاع مفروضة ان لم تتبع ينقلب قرار الوزير فى شأن التظلم خاضعا للرقابة القضائية.
جـ - قانون - نفاذه - مجلس الدولة - اختصاص - حقيقة التعديل التشريعى للمادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الحاصل بالقانون رقم 13 لسنة 1957 - أنه أنشأ حصانة خاصة لقرارات الوزير فى شأن التظلمات من فصيلة بذاتها من الترقيات تجعلها معصومة من التعقيب عليها من القضاء الادارى - صدور تشريع لاحق ينشئ الرقابة القضائية على هذه الترقيات - لا يمس ذلك بالقرارات الحصينة بمولدها التى صدرت فى ظل العمل بالتعديل التشريعى المشار اليه - المادة 21 من قانون العاملين رقم 46 لسنة 1964 - ليست تشريعا معدلا للاختصاص وانما الغت حصانة كانت مضفاة على قرارات بعينها - لا يجوز أن يسرى حكمها على القرارات السابقة على تاريخ نفاذ هذا القانون.
1 - ان قضاء هذه المحكمة جرى على أن الطعن أمامها يفتح الباب أمامها لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون ثم تنزل حكمه فى المنازعة غير مقيدة بطلبات الطاعن أو الأسباب التى يبديها اذ المرد هو الى مبدأ المشروعية نزولا على سيادة القانون فى روابط هى من روابط القانون العام التى تختلف فى طبيعتها عن روابط القانون الخاص ذلك أن رقابة القضاء الادارى على القرارات الادارية هى رقابة قانونية تسلطها عليها لتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون ومن ثم فلا وجه لما ذهب اليه رئيس ادارة قضايا الحكومة من أن طعنه فى الحكم قد اقتصر على شقه الخاص بالتعويض وانه لا يثير المنازعة فى شقه الخاص بالالغاء لا وجه لذلك لأن مثار هذه المنازعة هى فى الواقع من الأمر مشروعية أو عدم مشروعية القرار الادارى المطعون فيه. وقد قام الطعن فى هذا القرار أمام محكمة القضاء الادارى بشقيه الغاء وتعويضا على أن القرار غير مشروع فهما فرعان يخرجان من أصل واحد ونتيجتان مترتبتان على أساس قانونى واحد، واذا كان الطعن على القرار بالالغاء هو طعن فيه بالبطلان وبالطريق المباشر فان طلب التعويض عنه على اساس أنه غير مشروع هو طعن بالبطلان بالطريق عير المباشر ومن هنا يبين مدى ارتباط أحدهما بالآخر جوهريا بحيث أن الحكم فى أحدهما يؤثر فى نتيجة الحكم فى الآخر وأية ذلك اذا بان عند استظهار قرار ادارى انه مطابق للقانون فرفض طلب الغائه فلا يستقيم بعد ذلك قيام الحكم بالتعويض عن هذا القرار اذا كان مؤسسا على أنه خالف القانون والعكس بالعكس والا لكان مؤدى القول بغير ذلك قيام حكمين متعارضين وهو ما لا يجوز فلا مندوحة من أن يعتبر الطعن فى شق من الحكم مثيرا للطعن فى شقه الآخر اذا كان الشقان مرتبطين أحدهما بالآخر ارتباطا جوهريا كما سلف القول.
2 - ألغى الشارع بالقانون رقم 73 لسنة 1957 التعقيب القضائى على قرارات الوزير فى الترشيح للترقية من الدرجة الثانية الى الأولى ومن الأولى الى ما يعلوها للاعتبارات التى ارتآها وقد قرن ذلك فى الوقت ذاته باستحداث تنظيم جديد يكفل لذوى الشأن عدم حرمانهم من الضمانات الكافية بأن أوجب على الوزارة أو المصلحة اخطار من تتخطاهم فى الترشيح للترقية كى يستطيعوا التظلم الى الوزير خلال شهر من اخطارهم على أن تكون قرارات الوزير فى شأنهم بعد ذلك نهائية غير قابلة للتعقيب عليها من القضاء الادارى. وواضح من ذلك بما لا يدع مجالا لأى شك هو امتناع التعقيب القضائى على أى شكل أو موضوع سواء كان طعنا بالالغاء أو طلبا للتعويض لأن ذلك هو هدف الشارع الذى على مقتضاه أصدر التنظيم الجديد بالقانون رقم 73 لسنة 1957 وجاء فيه نص المادة 38 عاما بأن حظر على أية جهة قضائية أن تعقب على قرارات الوزير عن طريق الطعن فيها والأمر فى هذا الحظر سواء بالنسبة لقضاء الالغاء أو قضاء التضمين وبالتالى يكون الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى فى شقيها الغاء وتعويضا فى محله متعينا الأخذ به. ولا وجه للقول بأن مناط أعمال المادة 38 معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 أن يكون القرار الصادر من الوزير فى تظلم من تخطى فى الترشيح للترقية قد صدر بالتطبيق لأحكام هذه المادة أى طبق تطبيقا صحيحا - لا وجه لذلك لأنه تأويل غير صحيح لمقاصد المشرع فالمشرع انما قصد أن يحجب عن قرارات الترقية الى الدرجة الأولى وما يعلوها رقابة القضاء الادارى بكافة صورها لحكمة ابتغاها من بعد ما كفل لذى الشأن فى هذه الترقيات من ضمانات جعلها فى ضمان الوزير، وفرض عليه ولوج باب التظلم اليه فى موعد حدده له بعد اخطاره بتخطيه فى الترشيح ثم جعل نظر الوزير فى هذا التظلم هو القول الفصل الذى يتأبى على التعقيب القضائى وفقا للفقرة الأخيرة المعدلة من المادة 38 من قانون نظام موظفى الدولة رقم 210 لسنة 1951 ولم يكن مقصود الشارع من تنظيم هذه الاجراءات فى ناحيتى الاخطار والتظلم أن يقيدهما بمواعيد محتمة وأوضاع مفروضة ان لم تتبع ينقلب قرار الوزير فى شأن التظلم خاضعا للرقابة القضائية، لأن قصارى ما كان يرمى اليه هو ايصال صوت المتظلم الى سمع الوزير، وسواء على الوزير أبلغ بالتظلم قبل اعتماد الترشيحات أو كان اعتماده أياها حاصلا قبل الفصل فى التظلم، فالحكمة من اباحة التظلم طبقا لهذا التعديل محققة على كل حال اذ لا ريب فى أن الوزير يملك انصاف المظلوم دواما، سواء بالمعالجة برفع الظلم عنه عند اقرار الترشيحات فى الصورة الأولى أو العدول عما رآه من تخطيه فى الصورة الثانية وقراره على أى وجه هو قرار نهائى لا يقبل التعقيب القضائى، واذن فغاية ما يقتضيه المقام فى خصوص التظلم الذى يسبق هذا القرار النهائى أن يكون مقيدا بالتزام ميعاد التظلم المعتاد حتى لا يتحصن قرار اعتماد الترقيات فيحال بين الوزير وبين الرجوع فى قراره انصافا للمظلوم ويجوز التظلم بالأولى لو أبلغ به الوزير قبل أن يتخذ قرارا فى الترشيحات المعروضة عليه، اعتبارا بأنه له جدواه فى استدراك الأمور قبل وقوع المحذور.
3 - لا حجة فيما ساقه ورثة المدعى فى مذكرتهم المؤرخة 25 من يناير سنة 1965 من أن قانون العاملين الجديد رقم 46 لسنة 1964، قد استبدل بالفقرة الأخيرة من المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المادة الحادية والعشرين من قانون العاملين التى يجرى نصها بأن تكون الترقيات بالأقدمية المطلقة لغاية الترقية الى الدرجة الثالثة أما الترقيات من الدرجة الثالثة وما فوقها فكلها بالاختيار للكفاية مع التقيد بالأقدمية فى ذات مرتبة الكفاية، ومن انه يجوز للموظف بموجب هذا النص ان يطعن فى كافة الترقيات اعتبارا من أول يوليه سنة 1964 سواء تمت بالأقدمية أو بالاختيار وإذ كان هذا النص الجديد متعلقا بقاعدة من قواعد الاختصاص، فانه يسرى على الدعاوى التى لم يفصل فيها نهائيا ومن ثم يصبح القضاء الادارى مختصا بالفصل فى موضوع الطعن الحاضر طبقا لقانون العاملين، لا حجة فى كل ذلك لأن حقيقة التعديل التشريعى للمادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الحاصل بالقانون رقم 73 لسنة 1957، أنه أنشأ حصانة خاصة لقرارات الوزير فى شأن التظلمات من فصيلة بذاتها من الترقيات تجعلها معصومة من التعقيب عليها من القضاء الادارى، فاذا صدر بعد ذلك تشريع لاحق ينشئ الرقابة القضائية على هذه الترقيات فلا يمس ذلك بالقرارات الحصينة بمولدها التى صدرت فى ظل العمل بالتعديل التشريعى المشار اليه لأن قانون العاملين رقم 46 لسنة 1964 لم ينزع اختصاصا لأية هيئة من الهيئات القضائية حتى يجوز وصفه بأنه تشريع معدل للاختصاص، وانما ألغى حصانة كانت مضفاة على قرارات بعينها فهو موضوعى بالنظر الى هذه الناحية لأنه اذ أنشأ الرقابة القضائية على طائفة من قرارات الترقية فقد نسخ ما كان لها من نهائية غير قابلة للتعقيب القضائى ومن ثم لا يجوز أن يسرى حكم المادة 21 من قانون العاملين رقم 46 لسنة 1964 على القرارات السابقة على تاريخ نفاذه.


اجراءات الطعن

بتاريخ 11/ 2/ 1963 أودع السيد رئيس ادارة قضايا الحكومة عريضة طعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بتاريخ 13/ 12/ 1962، فى الدعوى رقم 580 لسنة 15 قضائية المرفوعة من محمد فوزى عبد التواب الانصارى ضد وزير الخزانة القاضى بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بالنظر فى طلب الغاء القرار المطعون فيه وألزمت المدعى مصروفات هذا الطلب والزام الوزارة بأن تدفع للمدعى مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت ومصروفات هذا الطلب وطلبت ادارة قضايا الحكومة للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم بعدم الاختصاص ولائيا بنظر الدعوى واحتياطيا برفض الدعوى والزام المطعون ضدهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن الطعن الى ورثة المدعى 28/ 3/ 1963 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 2/ 5/ 1964 وأخطرت الحكومة وورثة المدعى فى 30/ 3/ 1964 بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت المحكمة احالة الدعوى الى المحكمة الادارية العليا وحددت لذلك جلسة 10/ 1/ 1965 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوما لسماعه من ملاحظات ذوى الشأن على الوجه المبين بالمحضر قررت ارجاء النطق بالحكم الى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث ان عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن فى أن المدعى أقام دعواه طالبا الحكم بالغاء قرار وزير الخزانة الصادر فى 14/ 1/ 1961 باعتماد محضر لجنة شئون موظفى مصلحة الضرائب وذلك فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية الى الدرجة الأولى مع ما يترتب على ذلك من آثار والزام الوزارة المدعى عليها المصروفات وقال فى بيان ذلك أن الوزارة لم تراع تنفيذ أحكام المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة اذ لم تخطره عقب موافقة لجنة شئون الموظفين وقبل أن يعتمد قرارها بتخطيه فى الترشيح وعلى ذلك يكون القرار المطعون فيه خاضعا لرقابة القضاء حسبما انتهت الى ذلك المحكمة الادارية العليا وأضاف المدعى أن مؤهلاته الدراسية والوظائف التى يشغلها ونشاطه فى أداء عمله وتقاريره السرية كل ذلك يشهد بكفايته ومركزه ويؤكد بطلان تخطيه فى الترقية. وبجلسة 5/ 3/ 1962 أضاف المدعى الى طلباته طلبا آخر بصفة احتياطية وهو الزام الوزارة المدعى عليها بأن تدفع له مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة ودفعت الوزارة أصليا بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى عملا بأحكام المادة 38 المشار اليها، وأن المدعى أخطر بالقرار المطعون فيه وتظلم منه ورفض تظلمه، وعلى ذلك فالاجراءات التى رسمتها المادة 38 المذكورة قد روعيت كما ذكرت الوزارة أنه لا يتصور اخطار المتخطى بقرار لجنة شئون الموظفين لأنه ليس قرارا اداريا نهائيا فضلا عن أن فى الاخطار به قبل اعتماده افشاء لسريته وانما المفروض أن يكون الاخطار بعد الاعتماد من الوزير المختص وانتهت الوزارة الى طلب رفض الدعوى بصفة احتياطية. وأوضح المدعى تعقيبا على الحكومة أن هيئة مفوضى الدولة قد انتهت الى كفايته وأقدميته وأقرت بأحقيته فى طلب التعويض بناء على ذلك لخطأ الادارة عندما تخطته وأنه يؤكد هذا الخطأ أن المدعى رقى فعلا الى الدرجة الأولى بالقرار الوزارى رقم 546 لسنة 1962 اعتبارا من 25/ 4/ 1962.
وبجلسة 13/ 12/ 1962 قضت محكمة القضاء الادارى بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بالنظر فى طلب الغاء القرار المطعون فيه وألزمت المدعى المصروفات عن هذا الطلب وألزمت الوزارة بأن تدفع مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت ومصروفات هذا الطلب. وأقامت المحكمة قضاءها على أن التأخير فى اخطار المدعى بتخطيه فى الترقية الى ما بعد اعتماد قرار الترقية وقبل انقضاء ميعاد الطعن فيه بمدة كافية للنظر فى التظلم وسحبه اذا رؤى ذلك يحقق الغرض الذى من أجله شرع فضلا عن أن المادة 38 لم تحدد موعدا للاخطار ومن ثم يتم صحيحا طالما كان من الممكن سحب قرار الترقية المتظلم منه لعدم انقضاء الميعاد الذى يجعله حصينا من السحب. ولما كان القرار المطعون فيه صدر فى 14/ 1/ 1961 وتم اخطار المدعى بتخطيه فى 19/ 1/ 1961 وبذلك انقضى الشهر المحدد لتقديم التظلم قبل انقضاء المدة التى يحظر سحب قرار الترقية خلالها ويكون الغرض المقصود من التظلم قد تحقق وفقا لحكم المادة 38 المذكورة. ولما كانت هذه المادة قد نصت على أن قرارات الترقية بالاختيار من الدرجة الثانية الى الأولى ومن الأخيرة الى ما يعلوها من درجات غير قابلة للطعن أمام أية جهة بالاستثناء من أحكام قانون مجلس الدولة فيتعين الحكم بقبول الدفع بعدم اختصاص القضاء الادارى بنظر طلب الالغاء. وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة لطلب التعويض على أن أركان المسئولية وهى الخطأ والضرر ورابطة السببية متوافرة بالنسبة للمدعى لتخطيه فى الترقية مع أنه أحق ممن رقوا بالقرار المطعون فيه لذلك قضت المحكمة بتعويض المدعى بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت.
ومن حيث أن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون لأنه لم يقض بعدم الاختصاص بنظر الدعوى بشقيها اذ أن المحكمة غير مختصة أيضا بطلب التعويض عن القرار المطعون فيه لأنه طالما أن المحكمة غير مختصة بطلب الغاء قرار ادارى فهى أيضا لا تختص بطلب التعويض عنه. ثم نعى الطعن على الحكم المطعون من حيث الموضوع انه حكم بالتعويض مع أن القرار الصادر بالترقية سليم ومتفق مع القانون لأنه الترقية لم تكن مشوبة بسوء استعمال السلطة.
عن الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى:
من حيث أنه يجب التنبيه أولا أن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الطعن أمامها يفتح الباب أمامها لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون تنزل حكمه فى المنازعة غير مقيدة بطلبات الطاعن أو الأسباب التى يبديها اذ المرد هو الى مبدأ المشروعية نزولا على سيادة القانون فى روابط هى من روابط القانون العام التى تختلف فى طبيعتها عن روابط القانون الخاص ذلك أن رقابة القضاء الادارى على القرارات الادارية هى رقابة قانونية سلطتها عليها لتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون ومن ثم فلا وجه لما ذهب اليه رئيس ادارة قضايا الحكومة من أن طعنه فى الحكم قد اقتصر على شقه الخاص بالتعويض وأنه لا يثير المنازعة فى شقه الخاص بالالغاء لا وجه لذلك لأن مثار هذه المنازعة هى فى الواقع من الأمر مشروعية أو عدم مشروعية القرار الادارى المطعون فيه. وقد قام الطعن فى هذا القرار أمام محكمة القضاء الادارى بشقيه الغاء وتعويضا على ان القرار غير مشروع فهما فرعان يخرجان من أصل واحد ونتيجتان مترتبتان على أساس قانونى واحد واذا كان الطعن على القرار بالالغاء هو طعن فيه بالبطلان بالطريق المباشر فان طلب التعويض عنه على أساس أنه غير مشروع هو طعن فيه بالبطلان بالطريق غير المباشر ومن هنا يبين مدى ارتباط أحدهما بالآخر ارتباطا جوهريا بحيث أن الحكم فى أحدهما يؤثر فى نتيجة الحكم الآخر وأية ذلك اذا بان عند استظهار قرار ادارى انه مطابق للقانون ورفض طلب الغائه فلا يستقيم بعد ذلك قيام الحكم بالتعويض عن هذا القرار اذا كان مؤسسا على أنه خالف القانون والعكس بالعكس والا لكان مؤدى القول بغير ذلك قيام حكمين متعارضين وهو ما لا يجوز فلا مندوحة من أن يعتبر الطعن فى شق من الحكم مثيرا للطعن فى شقه الآخر اذا كان الشقان مرتبطين أحدهما بالآخر ارتباطا جوهريا كما سلف القول وهذا هو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة.
ومن حيث أن مبنى هذا الدفع ان صدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 73 لسنة 1957 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفى الدولة أصبح معلوما به من تاريخ نشره فى 4 من ابريل سنة 1957، ومن تلك الأحكام ما تضمنته الفقرة الأخيرة من المادة 38 من تعديل فى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى وذلك بالغاء تعقيبه على قرارات الترقية من الدرجة الثانية الى الدرجة الأولى ومن الأولى الى ما يعلوها من درجات فكان يتعين على محكمة القضاء الادارى أن تنزل على حكم القانون وتقضى بعدم اختصاصها بنظر الدعوى بشقيها الغاء وتعويضا ولكنها فى الوقت الذى قضت فيه بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بالنظر فى طلب الغاء القرار المطعون فيه قضت بالزام الوزارة بأن تدفع للمدعى مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت.
ومن حيث أن الفقرة الأخيرة من المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 سالف الذكر تنص على أنه "أما الترقيات من الدرجة الثانية الى الدرجة الأولى ومن الأولى الى ما يعلوها من درجات فكلها بالاختبار دون التقيد بالاقدمية وعلى الوزارة أو المصلحة المختصة اخطار من تتخطاهم فى الترشيح للترقية بالاختيار من هؤلاء الموظفين ولهم التظلم الى الوزير خلال شهر من اخطارهم وتكون قرارات الوزير فى هذا الشأن نهائية وغير قابلة للطعن أمام أية جهة كانت وذلك استثناء من أحكام المواد 8، 12، 15، 16، 18 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة". وجاء بالمذكرة الايضاحية لهذا القانون فى هذا الخصوص ما يلى (تقضى المادة 38 بأن الترقيات الى الدرجة الثانية فصاعدا تكون كلها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية. ولما كانت هذه الطائفة من الموظفين لا تخضع لنظام التقارير السرية وانما يتصل أفرادها بحكم مناصبهم فى درجات الوظائف العليا أوثق صلات العمل برؤساء الجهات الادارية التابعين لها ولذلك يجتمع لهذه الجهات أقرب الحقائق والمعلومات عن كفايتهم وأهليتهم فيما يجعل من الملائم أن يكون القول الفصل فى ترقياتهم الى جهات الادارة المذكورة دون تعقيب عليها من سلطة القضاء ورؤى لذلك وتحقيقا لاستقرار الأوضاع فى الوظائف ذات الدرجات العليا مع عدم حرمان شاغليها من الضمانات الكافية استحداث حكم جديد يوجب على الوزارة أو المصلحة المختصة اخطار من تتخطاهم فى الترشيح للترقية بالاختيار من الموظفين المذكورين مع فتح الباب أمامها للتظلم الى الوزير خلال شهر من اخطارهم على أن تكون قرارات الوزير فى شأنهم بعد ذلك نهائية وغير قابلة للطعن أمام الجهات القضائية) ويظهر من ذلك ان الشارع ألغى بالقانون رقم 73 لسنة 1957 التعقيب القضائى على قرارات الوزير فى الترشيح للترقية من الدرجة الثانية الى الأولى ومن الأولى الى ما يعلوها للاعتبارات التى ارتآها وقد قرن ذلك فى الوقت ذاته باستحداث تنظيم جديد يكفل لذوى الشأن عدم حرمانهم من الضمانات الكافية بأن أوجب على الوزارة أو المصلحة اخطار من تتخطاهم فى الترشيح للترقية كى يستطيعوا التظلم الى الوزير خلال شهر من اخطارهم على أن تكون قرارات الوزير فى شأنهم بعد ذلك نهائية غير قابلة للتعقيب عليها من القضاء الادارى وواضح من ذلك بما لا يدع مجالا لأى شك هو امتناع التعقيب القضائى على أى شكل أو وضع سواء كان طعنا بالالغاء أو طلبا للتعويض لان ذلك هو هدف الشارع الذى على مقتضاه أصدر التنظيم الجديد بالقانون رقم 73 لسنة 1957 وجاء فيه نص المادة 38 عاما بأن حظر على أية جهة قضائية أن تعقب على قرارات الوزير عن طريق الطعن فيها والأمر فى هذا الحظر سواء بالنسبة لقضاء الالغاء أو قضاء التضمين وبالتالى يكون الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى فى شقيها الغاء وتعويضا فى محله متعينا الأخذ به. ولا وجه للقول بان مناط إعمال المادة 38 معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 أن يكون القرار الصادر من الوزير فى تظلم من تخطى فى الترشيح للترقية قد صدر بالتطبيق لأحكام هذه المادة أى طبق تطبيقا صحيحا - ولا وجه لذلك لانه تأويل غير صحيح لقصد المشرع.
ومن حيث أن المشرع انما قصد أن يحجب عن قرارات الترقية الى الدرجة الأولى وما يعلوها رقابة القضاء الادارى بكافة صورها لحكمة ابتغاها من بعد ما كفل لذى الشأن فى هذه الترقيات من ضمانات جعلها فى ضمان الوزير، وفرض عليه ولوج باب التظلم اليه فى موعد حدده له بعد اخطاره بتخطيه فى الترشيح ثم جعل نظر الوزير فى هذا التظلم هو القول الفصل الذى يتأبى على التعقيب القضائى وفقا للفقرة الأخيرة المعدلة من المادة 38 من قانون نظام موظفى الدولة رقم 210 لسنة 1951 ولم يكن مقصود الشارع من تنظيم هذه الاجراءات فى ناحيتى الاخطار والتظلم أن يقيدهما بمواعيد محتمة وأوضاع مفروضة ان لم تتبع ينقلب قرار الوزير فى شأن التظلم خاضعا للرقابة القضائية، لأن قصارى ما كان يرمى اليه هو ايصال صوت المتظلم الى سمع الوزير، وسواء كان الوزير أبلغ بالتظلم قبل اعتماد الترشيحات أو كان اعتماده اياها حاصلا قبل الفصل فى لتظلم، فالحكمة من اباحة التظلم طبقا لهذا التعديل محققة على كل حال اذ لا ريب فى أن الوزير يملك انصاف المظلوم دواما، سواء بالمعالجة برفع الظلم عنه عند اقرار الترشيحات فى الصورة الأولى أو العدول عما رآه من تخطيه فى الصورة الثانية وقراره على أى وجه هو قرار نهائى لا يقبل التعقيب القضائى، واذن فغاية ما يقتضيه المقام فى خصوص التظلم الذى يسبق هذا القرار النهائى أن يكون مقيدا بالتزام ميعاد التظلم المعتاد حتى لا يتحصن قرار اعتماد الترقيات فيحال بين الوزير وبين الرجوع فى قراره انصافا للمظلوم ويجوز التظلم بالأولى لو أبلغ به الوزير قبل أن يتخذ قرارا فى الترشيحات المعروضة عليه، اعتبارا بأن له جدواه فى استدراك الأمور قبل وقوع المحذور.
ومن حيث انه ليس فى نص التعديل التشريعى الوارد على المادة 38 من قانون نظام موظفى الدولة ما يدل على أن المشرع أراد أن تصل ظلامة صاحب الشأن الى الوزير قبل أن يعتمد الترشيحات ولا على أن ميعاد التظلم المنصوص عليه فى التعديل حتمى ولا على أن الوزير يتعين عليه أن يستأنى فلا يعجل باقرار الترشيحات قبل أن يتلقى الظلامات فى الميعاد المقدر لها أن تصل فيه، ويكون على بصيرة من شكاية المتظلمين قبل هذا الاقرار، ليس شئ من ذلك مرادا ولا مفروضا وليس على المفسر بأس لو صرف عبارة التعديل الى دلالة التنظيم لا الى معنى الفرض والتحتيم، وليس على الوزير حرج فى أن يبت فى التظلم بعد اعتماد الحركة لأن له الخيرة - ما دام ميعاد السحب ممتدا - ان شاء مضى فى قراره وأصر عليه وأن شاء عدل عنه لو انكشف له وجه الحق فى هذا العدول وتحرج من أن يظلم لناس حقوقهم ويبخسهم أشياءهم.
ومن حيث ان النزاع فى الطعن الحالى لا يقوم الا على أثر تعجل الوزير باعتماد الترقيات - قبل تلقى تظلم مورث المطعون عليهم - فى القرار الذى اتخذه فى شأن هذا التظلم ولا ريب فى ان قرار رفض التظلم كان قرارا نهائيا وهذه النهائية غير منافية لمقاصد التشريع حسبما سلف الايضاح، وهذا القرار كما يأبى التعقيب القضائى بالنسبة الى طلبات الالغاء لا يقلبه بالنسبة الى طلبات التعويض كيلا يباح تسليط رقابة القضاء الادارى على هذه القرارات بطريق غير مباشر مع أن التعقيب القضائى عليها محرم بصورة مطلقة طبقا للتعديل التشريعى المشار اليه.
ومن حيث انه يستفاد من وقائع الطعن ان المدعى أخطر بتاريخ 11/ 1/ 1961، بأن لجنة شئون الموظفين اجتمعت فى 11/ 1/ 1961 وقررت تخطيه فى الترقية الى الدرجة الثانية وانه تسلم الاخطار فى 19/ 1/ 1961 فتظلم الى الوزير فى 20/ 1/ 1961، وكان القرار المطعون فيه قد صدر فى 14/ 2/ 1962 وأشر السيد الوزير بتاريخ 15/ 3/ 1961 على تظلم المدعى بحفظه لانه لم يتضمن ما يقنع الوزير بالعدول عن مؤدى ترشيح اللجنة الذى اعتمده فضلا عن ان ما أثاره المتظلم بشأن توقيت اخطار المصلحة اياه الترشيح سبق أن أبدى فيه ديوان الموظفين رأيا يؤيد ما انتهت اليه المصلحة فى تظلم موظف آخر وعلى ذلك فقد نظر تظلمه رغم تأخير اخطاره الى ما بعد اعتماد قرار الترقية الذى أصدر فيه الوزير قراره برفضه وكان من الممكن قانونا لو اقتنع الوزير بأحقية المتظلم فى الترقية للأسباب والمبررات التى ضمنها ظلامته أن يسحب قرار الترقية فيما تضمنه من تخطى المتظلم ما دامت مواعيد السحب كانت ما تزال قائمة كما سلف الايضاح ومن ثم فان الحكمة التى أراد الشارع أن يحققها من الاخطار عقب اتمام الترشيح وقبل اعتماده حتى تبحث ظلامة المتخطى ويبت فيها بالقبول أو الرفض هذه الحكمة قد تحققت وتم فعلا فحص تظلم المدعى وصدر فيه قرار بالرفض وكان من الجائز أن يصدر الوزير قرارا بترقيته اذا كان قد رأى وجها لذلك لعدم انقضاء الميعاد الذى يجعل قرار تخطيه حصينا من السحب.
ومن حيث انه لا حجة فيما ساقه ورثة المدعى فى مذكرتهم المؤرخة 25 من يناير سنة 1965 من ان قانون العاملين الجديد رقم 46 لسنة 1964، قد استبدل بالفقرة الأخيرة من المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المادة الحادية والعشرين من قانون العاملين التى يجرى نصها بأن "تكون الترقيات بالأقدمية المطلقة لغاية الترقية الى الدرجة الثالثة أما الترقيات من الدرجة الثالثة وما فوقها فكلها بالاختيار للكفاية مع التقيد بالأقدمية فى ذات مرتبه الكفاية" ومن انه يجوز للموظف بموجب هذا النص أن يطعن فى كافة الترقيات اعتبارا من أول يوليه سنة 1964 سواء تمت بالأقدمية أو بالاختيار واذا كان هذا النص الجديد متعلقا بقاعدة من قواعد الاختصاص، فانه يسرى على الدعاوى التى لم يفصل نهائيا ومن ثم يصبح القضاء الادارى مختصا بالفصل فى موضوع الطعن الحاضر طبقا لقانون العاملين، لا حجة فى كل ذلك لان حقيقة التعديل التشريعى للمادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الحاصل بالقانون رقم 73 لسنة 1957، انه أنشأ حصانة خاصة لقرارات الوزير فى شأن التظلمات من فصيلة بذاتها من الترقيات تجعلها معصومة من التعقيب عليها من القضاء الادارى، فاذا صدر بعد ذلك تشريع لاحق ينشئ الرقابة القضائية على هذه الترقيات فلا يمس ذلك بالقرارات الحصينة بمولدها التى صدرت فى ظل العمل بالتعديل التشريعى المشار اليه لان قانون العاملين رقم 46 لسنة 1964 لم ينزع اختصاصا لأية هيئة من الهيئات القضائية حتى يجوز وصفه بأنه تشريع معدل للاختصاص، وانما ألغى حصانة كانت مضفاة على قرارات بعينها فهو موضوعى بالنظر الى هذه الناحية لأنه اذا أنشأ الرقابة القضائية على طائفة من قرارات الترقية، فقد نسخ ما كان لها من نهائية غير قابلة للتعقيب القضائى ومن ثم لا يجوز أن يسرى حكم المادة 21 من قانون العاملين رقم 46 لسنة 1964 على القرارات السابقة على تاريخ نفاذه وفى ضمنها القرار الادارى مثار الدعوى الحالية ومن ثم يتعين رد هذا الوجه من وجوه الطعن لقيامه على غير أساس.
ومن حيث انه لكل ما تقدم فان الحكم المطعون فيه وقد ذهب غير هذا المذهب وقضى باستحقاق المدعى للتعويض يكون قد أخطأ فى تفسير القانون وتأويله ويتعين القضاء بالغائه فيما قضى به من الزام الحكومة بأن تدفع لمورث المدعين مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض وبعدم اختصاص القضاء الادارى بنظر هذا الطلب وتأييد الحكم فيما عدا ذلك مع الزام ورثة المدعى بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعها الغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من الزام الحكومة بأن تدفع للمدعى مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت وبعدم اختصاص القضاء الادارى بنظر هذا الطلب وتأييد الحكم فيما عدا ذلك وألزمت ورثة المرحوم محمد فوزى عبد التواب الأنصارى بالمصروفات.