مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) - صـ 611

جلسة 21 فبراير سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

(231)
القضية رقم 75 سنة 4 القضائية

آثار. متى تعتبر الأرض أثرية لا تملك بوضع اليد المدة الطويلة؟
(المادة 9 من القانون المدنى والقانون رقم 14 الصادر فى 12 يونيه سنة 1912 بشأن الآثار)
إن الفقرة العاشرة من المادة التاسعة من القانون المدنى، إذا كانت نصت على "أن الآثار العمومية وكافة ما يكون مملوكا للحكومة من مصنوعات الفنون أو الأشياء التاريخية" يكون معتبرا بذاته من المنافع العامة، وكانت الفقرة الحادية عشرة منها قد ذكرت أن المال الثابت أو المنقول إذا تخصص بالفعل للمنفعة العامة كان عاما أيضا - إذا كان هذا هو نص القانون المدنى، فان المادة السادسة من قانون الاثار رقم 14 الصادر فى 12 يونيه سنة 1912 تجرى بأن "أراضى الحكومة المقرّرة أو التى سيتقرّر أنها أثرية تعدّ جميعها من أملاك الحكومة العامة". وهذا النص واضح الدلالة على أن الأرض لا تعتبر أثرية إلا إذا تقرّر ذلك من قبل الحكومة، أى صدر به قرار من مجلس الوزراء أو على الأقل من قبل وزير الأشغال المكلف بتنفيذ هذا القانون فيما يخصه بمقتضى المادة الثانية والعشرين منه. فكل ورقة أو مخاطبة إدارية ليست قرارا من هذا القبيل فلا يمكن - فى علاقة الحكومة بالجمهور- أن تعتبر مغيرة لوصف الأرض ومخرجة لها من ملك الحكومة الخاص إلى ملكيتها العامة. وإذن فلا يكفى لاعتبار الأرض أثرية غير ممكن اكتسابها بوضع اليد بمضى المدّة لا مجرد صدور خطاب من مصلحة الآثار باعتبارها كذلك ولا وصفها بأنها أثرية فى قوائم المساحة والتحديد.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى، على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن المذكرات والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة، فيما يأتى:
رفعت وزارة المالية هذه الدعوى أمام محكمة مصر الأهلية وقيدت بجدولها برقم 2073 سنة 1931 ضد حسب عبد الخالق سلام قالت في عريضتها المعلنة بتاريخ 12 سبتمبر سنة 1931 إنها تمتلك قطعة أرض مساحتها 26 فدانا وقيراطان و8 أسهم كائنة بناحية نزلة السمان بالكوم الأخضر مركز ومديرية الجيزة، وإن هذه الأرض كانت قبلا فى حيازة مصلحة الآثار ثم تسلمتها منها مصلحة الأملاك فى آخر سنة 1916 وإن المعلن إليه ينازعها فى ملكيتها بدون حق مع أنه سبق أن نازعها فيها أمام محكمة مصر المختلطة فى قضية كانت مقامة بين المصلحة وأحد الأجانب وكان هو ممثلا فيها، وحكمت فيها المحكمة حكما انتهائيا بتاريخ 12 نوفمبر سنة 1929 أثبتت فيه بطلان ما يدعيه. لذلك طلبت الحكم بتثبيت ملكيتها لهذه الأرض وتسليمها إليها فى ظرف ثمانية أيام من تاريخ إعلان الحكم الذى سيصدر مع حفظ حقها فى المطالبة بالريع بدعوى على حدة وإلزام المعلن إليه بالمصاريف وأتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ وبلا كفالة.
نظرت محكمة مصر فى هذه الدعوى ورأت أمام ادعاء المدّعى عليه اكتساب ملكية الأرض موضوع النزاع بوضع اليد المدة الطويلة بدون منازع وأمام إنكار وزارة المالية عليه وضع يده - رأت إحالة الدعوى على التحقيق فقضت بتاريخ 7 أبريل سنة 1932 باحالتها على التحقيق ليثبت حسب عبد الخالق سلام وضع يده على الأطيان المتنازع عليها المدة الطويلة المكسبة للملكية وذلك قبل منازعة وزارة المالية له فى الملكية سنة 1917 وصرحت للوزارة بالنفى.
استأنفت وزارة المالية هذا الحكم بالاستئناف رقم 815 سنة 49 قضائية وطلبت فى عريضة استئنافها الحكم بالغاء الحكم المستأنف وإعادة القضية لمحكمة أول درجة للحكم فيها بالحالة التى هى عليها. واستندت فى طلبها هذا على وجهين: (الأوّل) أن مسألة التملك بوضع اليد سبق الحكم فيها من المحكمة المختلطة. (الثانى) أن الأعيان موضوع النزاع كانت مخصصة لمنفعة عامة لغاية سنة 1916 فلا يجوز تملكها بوضع اليد فى المدّة المذكورة. فقضت محكمة الاستئناف بتاريخ 18 مارس سنة 1934 بتأييد الحكم المستأنف.
فطعنت الوزارة فى هذا الحكم بطريق النقض فى 30 يوليه سنة 1934، وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدّه فى 6 أغسطس سنة 1934، وقدّمت الوزارة مذكرتها فى الميعاد ولم يقدّم المطعون ضدّه شيئا، وقدّمت النيابة مذكرتها فى أوّل يناير سنة 1935.
وبجلسة اليوم المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن وجه الطعن يتحصل فى أن الوقائع الثابتة فى الحكم المطعون فيه تدل على أن محكمة الاستئناف بعد أن أثبتت أن الأعيان موضوع النزاع كانت مخصصة لمصلحة الآثار عادت وقالت بأنه ما دام قد ظهر فيما بعد أن العين لم يكن بها آثار فلا يمكن القول بأنها كانت حتى سنة 1916 من الأملاك العمومية، وبنت على هذا أنه يجوز تملكها بوضع اليد فى المدّة التى كانت فيها مخصصة للمنفعة العامة، وهذا يخالف الفقرتين الأولى والحادية عشرة من المادة التاسعة من القانون المدنى اللتين لم تشترطا إلا شرطا واحدا لأجل عدم إمكان تملك المنافع العمومية بوضع اليد وذلك أن تكون العين مخصصة لمنفعة عامة. أما كون الفائدة التى كانت مقصودة من تخصيص الأرض للمنفعة العامة قد تحققت فعلا فليس هذا بشرط. ويكون إذن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون ويتعين نقضه.
وحيث إنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أن محكمة الاستئناف، بعد أن ذكرت دفاع وزارة المالية فى هذا الصدد وهو يتحصل فى أن الأرض المتنازع عليها كانت لغاية سنة 1916 من الأملاك العامّة فلا يعتبر وضع اليد حتى هذه السنة ذا أثر فى التملك بالمدّة الطويلة، وبعد أن بينت المستندات التى تعوّل عليها الوزارة فى إثبات هذه الصفة لأرض النزاع وهى تنحصر: (أوّلا) فى قائمة تحديد محرّرة فى 4 أغسطس سنة 1906 مذكور فى نهايتها أن هذه الأطيان لازمة لمصلحة الآثار ومحجوزة على ذمتها بناء على مكاتبتها المؤرّخة فى 16 يناير سنة 1907. (وثانيا) فى خطاب صادر من مدير عموم الآثار بتاريخ 15 سبتمبر سنة 1915 يقول فيه إن هذه الأرض ليست مهمة من الوجهة الأثرية ولا ترى هذه المصلحة (أى مصلحة الآثار) مانعا من تسليمها للمديرية - بعد أن بينت ذلك قالت: "ومن حيث إنه عما ذكر فى قائمة التحديد المذكورة وبعد تاريخها من أنها محجوزة لمصلحة الآثار فلا يفيد بأن الأرض هى من الآثار العمومية حقيقة وكل الذى يؤخذ من عبارتها - إذا حصل تكميلها بخطاب مدير عموم الآثار السابق ذكره - أن مصلحة الآثار كانت تظن أن قطعة الأرض المذكورة قد يكون فيها من الآثار ما يكون له قيمة فنية، ولما تحققت أنه ليس لها هذه القيمة سلمتها للمديرية. فلا يمكن القول مع هذا أن الأرض كانت حتى سنة 1916 من الآثار وقد ثبت أن لا شىء فيها".
وحيث إنه يقطع النظر عما أوردته محكمة الاستئناف فى حكمها المطعون فيه من الأسباب التى وضعتها لنفى صفة المنفعة العامّة قانونا عن الأرض المتنازع فيها فان الفقرة العاشرة من المادة التاسعة من القانون المدنى إذا كانت نصت على "أن الآثار العمومية وكافة ما يكون مملوكا للحكومة فى مصنوعات الفنون أو الأشياء التاريخية" يكون معتبرا بذاته من المنافع العامّة، وكانت الفقرة الحادية عشرة منها قد ذكرت أن المال الثابت أو المنقول إذا تخصص بالفعل للمنفعة العامة كان عامّا أيضا - إذا كان هذا هو نص القانون المدنى فان مسألة الآثار بخصوصها قد صدر بشأنها جملة أوامر بعد القانون المدنى وآخرها هو القانون الصادر فى 12 يونيه سنة 1912 نمرة 14 فهذا القانون قد جمع فيه الشارع كل ما أشير إليه بخصوص الآثار فى المادة التاسعة من القانون المدنى وزاد عليه بحيث أصبحت نصوصه هى وحدها الواجب الرجوع إليها فيما يتعلق بمسائل الآثار. وإذا صح أن الأراضى الزراعية والأراضى الفضاء قد لا يكون فى ظاهرها شىء يدل على أن بها آثارا أو على أنها مخصصة بالفعل للمنفعة العامّة مع أنه ربما يكون بها آثار فعلا أو يظن أن بها آثارا فقد تنبه الشارع لذلك ووضع فى القانون المذكور حكما خاصا أورده بالمادة السادسة بالنص الآتى: "أراضى الحكومة المقرّرة أو التى ستقرّر أنها أثرية تعدّ جميعها من أملاك الحكومة العامّة" وفى النسخة الفرنسية:
"Tous terrains appartenant à l’Etat qui sont ou seront déclarés antique par le Gouvernement, font partie du Domaine Public".
وحيث إن هذا النص واضح الدلالة على أن الأرض لا تعتبر أثرية إلا إذا تقرّر ذلك من قبل الحكومة أى صدر به قرار من قبل مجلس الوزراء أو على الأقل من قبل وزير الأشغال المكلف بتنفيذ هذا القانون فيما يخصه بمقتضى المادة الثانية والعشرين منه. فكل ورقة أو مخاطبة إدارية ليست قرارا من هذا القبيل فلا يمكن - فى علاقة الحكومة بالجمهور- أن تعتبر مغيرة لوصف الأرض ومخرجة لها من ملك الحكومة الخاص إلى ملكيتها العامة. وعليه فقائمة المساحة والتحديد المشار إليها فى الطعن وفى الحكم المطعون فيه لا هى ولا خطاب مصلحة الآثار الصادر فى سنة 1907 المشار إليه فى ذيل القائمة يمكن أن يخرجا الأرض المتنازع فيها من ملك الحكومة الخاص إلى ملكها العام فى علاقتها مع الجمهور.
وحيث إنه لذلك يكون ما قضت به محكمة الاستئناف من تأييد حكم الإحالة على التحقيق، ذلك القضاء الذى يتضمن الفصل القطعى فى صفة الأرض المتنازع فيها وكونها مما يصح تملكه بوضع اليد، هو قضاء صحيح قانونا للأسباب التى أوردتها محكمة النقض فيما تقدّم. وإذن يتعين رفض الطعن.