مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر إبريل سنة 1962) - صـ 309

(35)
جلسة 10 من فبراير سنة 1962

برياسة السيد/ سيد إبراهيم الديواني نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل وعبد الفتاح نصار المستشارين.

القضية رقم 760 لسنة 5 القضائية

موظف - قرار نقله - مدى اختصاص القضاء الإداري بطلب إلغائه - عدم اختصاصه إذا كان النقل مكانياً صرفاً لا تحركه سوى حوافز الصالح العام وحسن تنظيم المرفق - اختصاصه متى رمت الإدارة من ورائه إلى تفويت حق صاحب الدور في الترقية بحكم الأقدمية - ميعاد الطعن في القرار في هذه الحالة - بدؤه من تاريخ تبينه قصد الإدارة الجاثم وراء قرار النقل بإصدارها قرار الترقية متضمناً تخطيه.
إن قرار النقل ولئن كان القضاء الإداري غير مختص في الأصل بمراقبته إلا أن عدم اختصاصه بهذا القرار مشروط بما إذا كان مكانياً صرفاً ولا تحركه سوى حوافز الصالح العام وحسن التنظيم المرفقي المبرر لتوزيع عمال المرافق على نحو من الأنحاء، أما إذا كانت الإدارة ترمي من ورائه إلى غمط حقوق أصحاب الدور في الترقية من الموظفين المستحقين لها بإلحاقهم بإدارات أخرى ولاستبعادهم من دائرة المتطلعين للترقية بحكم الأقدمية كان قرار النقل من القرارات التي تخضع لرقابة القضاء الإداري لأنه مقدمة للتخطي ووسيلة مستورة للحيلولة بين صاحب الدور في الأقدمية وبين الحصول على حقه في الترقية على أساس الأقدمية بيد أن النقل في ذاته قد يستعصى على صاحب الشأن إدراك مراميه، فلا يحاسب على ميعاد الطعن فيه قبل أن ينكشف له هدفه ودواعيه وتسفر الإدارة عن وجهها فيما كانت ترمي إليه بالنقل وتبتغيه وعلى ذلك إذا تبين أنه لم يتهيأ للمدعي تبين قصد الإدارة الجاثم وراء قرار النقل ولم ينبلج أمام ناظريه مدى تأثر مركزه القانوني بذلك القرار إلا حين صدر قرار الترقية فيما تضمنه من تخطية كان من الحق أن لا يحاسب على ميعاد الطعن إلا من ذلك الحين وعلى ذلك متى ثبت أن القرار المطعون فيه قد صدر في 31 من مايو سنة 1953 وأن دعوى الإلغاء أقيمت أمام اللجنة القضائية المختصة في أول يوليه سنة 1953 متضمنة طلبي إلغاء قراري النقل والترقية معاً، فإن الدعوى تكون مقامة في الميعاد القانوني، ويكون حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من قبول التظلم المرفوع أمام اللجنة القضائية.


إجراءات الطعن

في 2 من إبريل سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيدت تحت رقم 760 لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري وهيئة الترقيات والتعيينات لجلسة 19 من فبراير سنة 1959 في الدعوى رقم 6568 لسنة 8 القضائية المقامة من السيد/ كامل محمد علي ضد وزارة المالية والقاضي "بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه وبإلغاء أمر النقل رقم 115 بتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1952 فيما تضمنه من نقل المدعي من الإدارة العامة للبعثات إلى الإدارة العامة للثقافة وبإلغاء القرار الصادر في 31 من مايو سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الثانية بالإدارة العامة للبعثات مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات" وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء قرار اللجنة القضائية فيما قضى به من قبول طلب الإلغاء والقضاء برفض التظلم وإلزام المتظلم بالمصروفات" وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الخزانة في 30 من يونيه سنة 1959 وإلى المطعون عليه في 11 من يوليه سنة 1959 وفي 14 من يونيه سنة 1960 أبلغ الخصوم بجلسة 26 من يونيه سنة 1960 المحددة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي أحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره أمامها لجلسة 19 من نوفمبر سنة 1960 وفي هذه الجلسة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن قبول الدعوى:
من حيث إنه ولئن كان رئيس هيئة المفوضين قد اقتصر في أسباب طعنه في الحكم المطعون فيه على الناحية المتعلقة منه بموضوع المنازعة ولم يتعرض لشق الحكم الخاص بالدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها إلا أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الطعن في الحكم يثير المنازعة فيه برمتها لتزنه المحكمة بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما أن قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة 15 من قانون مجلس الدولة الصادر به قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 55 لسنة 1959 ثم تنزل حكم القانون في المنازعة أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه فتبقى عليه وترفض الطعن ذلك أن الطعن قد قام على حكمة تشريعية تتعلق بالمصلحة العامة باعتبار أن رأي هيئة المفوضين تتمثل فيه الحيدة لصالح القانون وحده الذي يجب أن تكون كلمته هي العليا، وعليه فإن لهذه الهيئة أن تتقدم بطلبات أو أسباب جديدة غير تلك التي أبدتها في عريضة الطعن ما دامت ترى في ذلك وجه المصلحة العامة بإنزال حكم القانون على الوجه الصحيح في المنازعة الإدارية كما أن للمحكمة العليا أن تنزل حكم القانون على هذا الوجه غير مقيدة بطلبات الهيئة أو بالأسباب التي تبديها، وإنما المرد في ذلك هو إلى مبدأ المشروعية وإلى سيادة القانون في روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص، وعلى هذا الأساس يتعين استظهار الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى.
ومن حيث إنه يبين من أوراق الطعن أن المدعي رفع التظلم رقم 10295 لسنة 1 القضائية إلى اللجنة القضائية لوزارة المعارف بعريضة أودعها سكرتيرية اللجنة في 3 من يوليه سنة 1953 طالباً فيه الحكم بإلغاء القرار رقم 115 في 27 من ديسمبر سنة 1952 بنقله من الإدارة العامة للبعثات إلى الإدارة العامة للثقافة بوزارة المعارف وبإلغاء القرار الوزاري رقم 11288المؤرخ 31 من مايو سنة 1953 فيما تضمنه من ترقية الأستاذ محمد فؤاد حلمي إلى الدرجة الثانية وقال أنه كان قد نقل من الجامعة للعمل كسكرتير إداري للأكاديمية المصرية بروما حتى فوجئ بنقله إلى الإدارة العامة للبعثات بمصر بالقرار الوزاري رقم 10806 الصادر في 16 من يوليه سنة 1952 حيث ألحق بمكتب وكيل الوزارة ثم تلا ذلك صدور القرار الوزاري رقم 1288 بتاريخ 31 من مايو سنة 1953 متضمناً ترقية الأستاذ محمد فؤاد حلمي إلى الدرجة الثانية مع أن المدعي أقدم المستحقين للترقية إليها ولما بحث الأمر تبين له أنه كان قد صدر الأمر رقم 115 في 27 من ديسمبر سنة 1952 بنقله من الإدارة العامة للبعثات إلى الإدارة العامة للثقافة وهو ما لم يكن يعلمه إلا بعد صدور قرار الترقية المطعون فيه في 31 من مايو سنة 1953 وهو القرار الذي تخطاه رغم كونه أقدم موظفي الدرجة الثالثة بإدارة البعثات وقال أن نقله لا شك قد فوت عليه دوره في الترقية في حركة 31 من مايو سنة 1953 وذلك مخالف لحكم المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المعدلة بالقانونين رقم 94 ورقم 142 لسنة 1953 ودفعت الجهة الإدارية بعدم قبول طلب إلغاء النقل النوعي الصادر بالقرار رقم 115 بتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1952 باعتبار أن المدعي علم به علماً يقيناً في 31 من ديسمبر سنة 1952 بحكم تنفيذه إياه، وأنه لم يتظلم منه في الميعاد القانوني حتى يحفظ ميعاد طلب الإلغاء من السقوط، بل تقاعس عن ذلك أمداً متطاولاً حتى قدم ظلامته إلى اللجنة القضائية المختصة في أول يوليه سنة 1953 ومن ثم تكون دعوى الإلغاء غير مقبولة بالنسبة لطلب إلغاء النقل وأما طلب إلغاء القرار الوزاري رقم 11288 في 31 من مايو سنة 1953 والمتضمن ترقية السيد/ محمد فؤاد حلمي إلى الدرجة الثانية فهو نتيجة مترتبة على طلب إلغاء القرار الأول الخاص بالنقل ومن ثم يتعين رفضه. وقد أصدرت اللجنة القضائية لوزارة المعارف العمومية قرارها في 17 من يناير سنة 1954 "بعدم القبول بالنسبة للطلب الأول الخاص بإلغاء أمر النقل رقم 115 بتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1952 والمتضمن نقل المتظلم من الإدارة العامة للبعثات إلى الإدارة العامة للثقافة وبرفض الطلب الثاني بإلغاء القرار الوزاري الخاص بترقية الأستاذ محمد فؤاد حلمي إلى الدرجة الثانية فيما تضمنه من ترك المتظلم" وبَنت قضاءها على الأسباب التي قام عليها دفع الجهة الإدارية بعدم قبول الدعوى، وقد طعن المدعي في هذا القرار بالدعوى رقم 65628 لسنة 8 القضائية بعريضة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 15 من إبريل سنة 1954 طالباً إلغاء قرار اللجنة القضائية الصادر في 17 من يناير سنة 1954 في التظلم رقم 10295 لسنة 1 القضائية والمعلن في 17 من فبراير سنة 1954 طالباً إلغاء قرار نقله من الإدارة العامة للبعثات إلى الإدارة العامة للثقافة المشار إليه وكذا القرار الصادر في 31 من مايو سنة 1953 بترقية الأستاذ محمد فؤاد حلمي إلى الدرجة الثانية فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة وقال أنه تظلم من قرار النقل إلى الإدارة العامة للثقافة إلى وكيل الوزارة الذي يتبعه في 14 من يناير سنة 1953 وأن هذا التظلم القاطع مجر لميعاد الأربعة الأشهر التي يستفاد من انقضائها الرفض الضمني للتظلم طبقاً للمادة 12 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة وأنه يتعين إقامة دعوى الإلغاء خلال ستين يوماً من تاريخ هذا الرفض الحكمي وهو ما فعله حين تظلم إلى اللجنة القضائية في أول يوليه سنة 1953، وفضلاً عن ذلك فإن مصلحته في طلب إلغاء قرار النقل لم تنشأ إلا بصدور قرار الترقية في 31 من مايو سنة 1953 وخلص من ذلك إلى طلب الحكم بإلغاء قرار اللجنة القضائية وقبول دعواه.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري قضت في 19 من فبراير سنة 1959 بقبول طلب المدعي إلغاء قراري النقل والترقية الصادرين في 27 من ديسمبر سنة 1952 و31 من مايو سنة 1953، مؤسسة قضاءها بقبول الدعوى على أن الطاعن (المدعي) ولئن كان قد نقل إلى الإدارة العامة للثقافة في 27 من ديسمبر سنة 1952 وعلم بقرار نقله علماً يقينياً في 31 من ديسمبر سنة 1952 إلا أنه لم تتكشف له مصلحة في الطعن على القرار المذكور إلا بعد صدور القرار رقم 11288 بتاريخ 31 من مايو 1953 بترقية الأستاذ محمد فؤاد حلمي مراقب البعثات من الدرجة الثالثة إلى الدرجة الثانية بالكادر الإداري العالي بالأقدمية وإذ تقدم المدعي إلى اللجنة القضائية في أول يوليه سنة 1953 متظلماً من قرار النقل وطاعناً على الترقية، فإن تظلمه يكون قد تقدم في الميعاد.
ومن حيث إن هذه المحكمة تقر الحكم المطعون فيه على النتيجة السليمة التي انتهى إليها، ذلك أن قرار النقل، ولئن كان القضاء الإداري غير مختص في الأصل بمراقبته، إلا أن عدم اختصاصه بهذا القرار مشروط بما إذا كان مكانياً صرفاً ولا تحركه سوى حوافز الصالح العام وحسن التنظيم المرفقي المبرر لتوزيع عمال المرافق على نحو من الأنحاء، أما إذا كانت الإدارة ترمي من ورائه إلى غمط حقوق أصحاب الدور في الترقية من الموظفين المستحقين لها بإلحاقهم بإدارات أخرى ولاستبعادهم من دائرة المتطلعين للترقية بحكم الأقدمية كان قرار النقل من القرارات التي تخضع لرقابة القضاء الإداري لأنه مقدمة للتخطي ووسيلة مستورة للحيلولة بين صاحب الدور في الأقدمية وبين الحصول على حقه في الترقية على أساس الأقدمية، بيد أن النقل في ذاته قد يستعصى على صاحب الشأن إدراك مراميه، فلا يحاسب على ميعاد الطعن فيه قبل أن ينكشف له هدفه ودواعيه، وتسفر الإدارة عن وجهها فيما كانت ترمي إليه بالنقل وتبتغيه، وعلى ذلك إذا تبين أنه لم يتهيأ للمدعي تبين قصد الإدارة الجاثم وراء قرار النقل ولم ينبلج أمام ناظريه مدى تأثر مركزه القانوني بذلك القرار إلا حين صدر قرار الترقية فيما تضمنه من تخطيه، كان من الحق أن لا يحاسب على ميعاد الطعن إلا من ذلك الحين، وعلى ذلك متى ثبت أن قرار الترقية المطعون فيه قد صدر في 31 من مايو سنة 1953 وأن دعوى الإلغاء أقيمت أمام اللجنة القضائية المختصة في أول يوليه سنة 1953 متضمنة طلبي إلغاء قراري النقل والتخطي معاً، فإن الدعوى تكون مقامة في الميعاد القانوني ويكون حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من قبول التظلم المرفوع أمام اللجنة القضائية.
(ب) عن الموضوع:
من حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 6568 لسنة 8 القضائية ضد وزارة المعارف بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 15 من إبريل سنة 1954 طالباً الحكم أولاً: - بإلغاء قرار اللجنة القضائية الصادر بتاريخ 17 من يناير سنة 1954 في التظلم رقم 10295 لسنة 1 القضائية المعلن في 17 من فبراير سنة 1954 وثانياً: - بإلغاء قرار نقل المدعي من الإدارة العامة للبعثات إلى الإدارة العامة للثقافة الصادر في 27 من ديسمبر سنة 1952 والقرار الصادر في 31 من مايو سنة 1953 بترقية الأستاذ محمد فؤاد حلمي إلى الدرجة الثانية فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام وزارة التربية والتعليم بمصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة، وقال بياناً لدعواه أنه تلقى دراسته الثانوية بمدارس سان كابريل القسطنطينية في سنة 1910 ثم التحق بقسم الدراسات العليا بكلية روبرت بتركيا في سنة 1917، ثم دراسات عليا بأكاديمية فنيرهاندلس عام 1919 وقد كان لهذه الدراسات المختلفة التي توفر عليها فضل في إتقانه عدة لغات أجنبية حية. وفي سنة 1926 عين سكرتيراً بكلية الآداب بالقاهرة بعد اجتياز امتحان مسابقة في الترجمة واللغات، وسلخ في وظيفته هذه زهاء ربع قرن شهد له رؤساؤه خلالها بالتفوق، ثم حصل على الدرجة الخامسة في عام 1941 ورقي إلى الدرجة الرابعة في سنة 1950 وإلى الدرجة الثالثة في 19 من يونيه سنة 1950 وفي غضون سنة 1950 اختير لكفايته للعمل بمكتب البعثات بروما والأكاديمية المصرية بها، وبتاريخ 16 من يوليه سنة 1952 نقل إلى الإدارة العامة للبعثات بمصر فتقدم بشكاوى من هذا النقل وقد وعده المسئولون بتصحيح هذا الوضع وألحق مؤقتاً بمكتب السيد وكيل الوزارة. وفي 27 من ديسمبر سنة 1952 فوجئ بصدور القرار الوزاري رقم 11288 بنقله من الإدارة العامة للبعثات إلى الإدارة العامة للثقافة فبادر إلى التظلم كتابة إلى وكيل الوزارة الذي كان ملحقاً بمكتبه، وأضاف أنه لم يكن يدري الغرض من هذا النقل حتى انكشف له السر الكامل وراءه وبصدور القرار الوزاري رقم 11288 في 31 من مايو سنة 1953 متضمناً ترقية الأستاذ محمد فؤاد حلمي الموظف بالإدارة العامة للبعثات إلى الدرجة الثانية بالأقدمية مع أن المدعي كان أحق منه لهذه الترقية لحصوله على الدرجة الثالثة منذ 19 من يونيه سنة 1950 ثم اتضح أن نقله إلى إدارة الثقافة قد قصد به إلى تفويت دوره في الترقية وأنه لم يستبن له وجه المصلحة في الطعن على قرار النقل إلا بصدور قرار الترقية المشار إليه آنفاً. ثم أضاف أن وجه البطلان في قرار النقل أنه فوت عليه دوره في الترقية إلى الدرجة الثانية بالأقدمية وبذلك وقع مخالفاً للقانون ومشوباً بعيب الانحراف بالسلطة، أما القرار الصادر بترقية الأستاذ محمد فؤاد حلمي إلى الدرجة الثانية فقد جاء مجافياً لأحكام القانون فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة دون أن يكون للتخطي ما يبرره، وختم صحيفة دعواه بالتصميم على طلباته المشار إليها آنفاً. وقد ردت الجهة الإدارية على الدعوى بأن وزارة المعارف كانت قد تقدمت إلى مجلس الوزراء بمذكرة وافق عليها محصلها استبقاء بعض مكاتب البعثات في الخارج بعد اختزال وظائفها ونتيجة لذلك صدر في 30 من أكتوبر سنة 1952 المرسوم بقانون رقم 260 لسنة 1952 بتحديد الدرجات الملغاة من ميزانية إدارة البعثات وهي درجات الموظفين الزائدين على ما عينه مجلس الوزراء لتلك المكاتب وكان في ضمن هذه الدرجات الملغاة أربع درجات ثالثة كان المدعي يشغل إحداها وتنفيذاً لما جاء بمقترحات وزارة التربية والتعليم، وبالمرسوم بقانون سالف الذكر صدر القرار رقم 115 بتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1952 بنقل المدعي إلى الإدارة العامة للثقافة ونقل أمثاله من موظفي مكاتب البعثات إلى إدارات أخرى ولم يكن من المعقول أن ينقل السيد/ ألفي زكرى كما قال المدعي لأنه من ناحية ليس من موظفي مكاتب البعثات بالخارج ومن ناحية أخرى فإنه يحمل مؤهلاً عالياً يجعله أصلح في إدارة البعثات من المتظلم وخلصت الإدارة إلى التنويه بأن قرار نقل المدعي إلى إدارة الثقافة هو قرار صحيح ونهائي صدر نتيجة لإلغاء درجته من ميزانية البعثات تنفيذاً للمرسوم بقانون المعدل للميزانية ومتى ثبت صحة هذا القرار لم يعد للمدعي مصلحة في طلب إلغاء قرار الترقية، باعتبار كون هذا الطلب غير ذي موضوع. وأضافت الجهة الإدارية إلى ما تقدم أن المطعون في ترقيته وهو السيد/ محمد فؤاد حلمي كان يشغل منذ نوفمبر سنة 1951 وظيفة مراقب البعثات وقد أدرج بميزانية البعثات لعام 1952، 1953 ثلاث درجات ثانية لمديري بعثة ومراقب بعثات ولما ألغيت إحدى وظيفتي مدير بعثة بموجب المرسوم بقانون المشار إليه بقى بالميزانية درجتان ثانية واحدة "لمدير بعثة" والثانية "لمراقب بعثات" رقى عليها المطعون في ترقيته لأنه كان يقوم بعملها فعلاً السيد/ محمد فؤاد حلمي منذ نوفمبر سنة 1951 بينما كان المدعي يقوم بوظيفة سكرتير إداري مكتب البعثات بروما، وهي وظيفة كانت ضمن وظائف الدرجة الثالثة الأربع الملغاة فترقية المطعون في ترقيته إذاً كانت محتمة طبقاً للمادة 22 من قانون موظفي الدولة لأنه كان يقوم بعملها فعلاً منذ نوفمبر سنة 1951 وترقية سواه على هذه الدرجة مخالفة لحكم المادة 22 التي سبقت الإشارة إليها. وفضلاً عما تقدم فإن وظيفة مراقب البعثات هي وظيفة رئيسية تقتضي توافر كفاية خاصة فيمن يشغلها، والمدعي غير حاصل على مؤهلات دراسية وظل يشغل وظيفة منظم للمحاضرات بكلية الآداب إلى أن نقل سكرتيراً إدارياً لمكتب البعثات بروما (أي كاتباً) منذ يناير سنة 1950. فضلاً عما تقدم فإنه عند صدور حركة الترقيات المطعون فيها لم يعد ضمن موظفي الإدارة العامة للبعثات منذ 31 من ديسمبر سنة 1952 حتى يجوز النظر في أمر ترقيته. وبجلسة 19 من فبراير سنة 1959 حكمت محكمة القضاء الإداري بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه وبإلغاء أمر النقل رقم 115 بتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1952 فيما تضمنه من نقل المدعي من الإدارة العامة للبعثات إلى الإدارة العامة للثقافة وبإلغاء القرار الصادر في 31 من مايو سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الثانية بالإدارة العامة للبعثات مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات". وأسست قضاءها بالنسبة إلى الموضوع على "أن أمر نقل المدعي إلى إدارة البعثات صدر في 16 من يوليه سنة 1952، ومن ثم انقطعت صلته من ذلك التاريخ بمكاتب البعثات، وأنه بالرجوع إلى القانون رقم 260 لسنة 1952 بتعديل ميزانية وزارة المعارف للسنة المالية 1952، 1953 تبين أنه نص في مادته الثانية بأن تحذف من ميزانية السنة المالية 52/ 1953 القسم 8 وزارة المعارف الفرع (8) - البعثات العامة - الباب الأول ماهيات وأجور ومعاشات مبلغ 5670 جنيهاً لإلغاء 9 وظائف بالكادر العالي الإداري (ثانية و4 ثالثة و2 رابعة و2 خامسة) ولخفض أربع وظائف في الدرجة الخامسة إلى الدرجة السادسة بالكادر العالي الإداري وعلى ذلك فالقانون المذكور لم يقصد وظائف بعينها أو موظفين بذواتهم بل ورد الحذف عاماً وشائعاً" وعلى أنه "بفرض القول بأن هذا النص قد انبعث عن الفكرة الواردة في قراري مجلس الوزراء في 25 من سبتمبر سنة 1952 و29 من أكتوبر سنة 1952 بتقليل عدد موظفي المكاتب على النحو الوارد بهذين القرارين فإن المدعي كان من موظفي الإدارة العامة للبعثات من 16 من يوليه سنة 1952 وليس من موظفي المكاتب" وعلى أن الثابت من محضر جلسة شئون الموظفين بتاريخ 25 من مايو سنة 1953 الخاص بالترقية المطعون فيها أنه كانت توجد بإدارة البعثات وقت إجراء هذه الحركة درجتان ثانية وأربعة ثالثة خالية "وعلى أن مفهوم سياق نص المادة 35 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن موظفي الدولة قبل تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957 هو وضع شروط ترقية غير ذوي المؤهلات فهو شرط صحة وليس شرط جواز بمعنى أنه للإدارة أن تعمله أو لا تعمله" وعلى مقتضى ما ذكر متى كان المدعي أقدم فما كان يجوز طبقاً للمادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 نقله نقلاً يفوت عليه دوره في الترقية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه طبقاً للمادة 35 من قانون موظفي الدولة قبل تعديلها الأخير كان لا يجوز ترقية الموظفين غير الحاصلين على شهادات دراسية إلى أعلى من الدرجة الخامسة غير أن من يكون من الموظفين الحاليين في هذه الدرجة أو في درجة أعلى منها تجوز ترقيته إلى الدرجة التالية لدرجته فقط، كما يقوم على أن ترقية غير ذوي المؤهلات إلى أعلى من الدرجة الخامسة هو استثناء من القاعدة العامة التي تضمنتها الفقرة الأولى من المادة 35 آنفة الذكر وهو استثناء جوازي للإدارة ومن ثم يجوز ألا تستند إليه وبالتالي لا يكون النقل قد فوت على المدعي دوره في الترقية، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء القرار الصادر بنقل المدعي وتخطيه في الترقية قد خالف القانون.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من واقع الأوراق أن مرسوماً بقانون برقم 260 لسنة 1952 صدر في 30 من أكتوبر سنة 1952 ناصاً في مادته الثانية على أن يحذف من ميزانية السنة المالية 52/ 1953 القسم 8 (وزارة المعارف العمومية) الفرع 8 (البعثات العلمية) الباب الأول ماهيات وأجور ومرتبات مبلغ 5670 ج (خمسة آلاف وستمائة وسبعين جنيهاً) لإلغاء تسع وظائف بالكادر العالي الإداري (1 ثانية و4 ثالثة و2 رابعة و2 خامسة) ولخفض أربع وظائف الدرجة الخامسة إلى الدرجة السادسة بالكادر العالي الإداري "ولما بلغ هذا المرسوم إلى وزارة المعارف في 3 من نوفمبر سنة 1952 لتنفيذه أصدرت القرار الرقيم 115 بتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1952 بنقل المدعي إلى الإدارة العامة للثقافة ونفذ النقل حسبما جاء في هذا القرار في 30 من ديسمبر سنة 1952"، وبموجب القرار الوزاري رقم 11288 بتاريخ 31 من مايو سنة 1953 رقي المطعون ضده السيد/ محمد فؤاد حلمي مراقب البعثات إلى الدرجة الثانية بالكادر الإداري العالي بالأقدمية وكانت الترقية محصورة في إدارة البعثات، وورد في ديباجة هذا القرار إشارة إلى ميزانية الإدارة العامة للبعثات للسنة المالية 52/ 1953 وإلى المرسوم بقانون رقم 260 لسنة 1952 المعدل لهذه الميزانية كما تبين لهذه المحكمة أيضاً أنه يستفاد من الاطلاع على ميزانية 52/ 1953 أن وظائف إدارة البعثات وردت فيها كوحدة واحدة تنظم موظفي هذه الإدارة في الديوان العام بالوزارة وفي الخارج على السواء وأنها وظائف غير متميزة.
ومن حيث إنه يستفاد مما سلف بيانه أن وزارة المعارف إزاء ما تبين لها من حذف أربع من الدرجات الثالثة بالكادر العالي الإداري من ميزانية إدارة البعثات وفقاً للمرسوم بقانون رقم 260 لسنة 1952 لم ترَ بداً من تنفيذ مقتضى هذا الحذف باختيارها أربع وظائف من الدرجات الثالثة، نقلت شاغليها - ومن بينهم المدعي - بموجب قرار 21 من ديسمبر سنة 1952 إلى إدارات أخرى بالوزارة كإدارتي التعليم الثانوي والثقافة. ولا جدال في أن الوزارة إذ قدرت بحق أن ليس لها حاجة إلى خدمات المدعي بإدارة البعثات باعتباره من غير المؤهلين فإن نقله إلى إدارة أخرى كإدارة الثقافة بدرجته التي كان يشغلها هو من قبيل الملاءمات التي تترخص فيها سلطتها التقديرية بلا معقب عليها في ذلك ما دام يحدوها الحرص على رعاية الصالح العام وما دام النقل قد أريد به تحقيق الأغراض التي استهدفها المرسوم بقانون رقم 260 لسنة 1952 من توفير بعض الدرجات الثالثة بإدارة البعثات.
ومن حيث إنه لا حجة فيما ساقه الحكم المطعون فيه من أن حذف بعض الدرجات الثالثة بمكاتب البعثات في الخارج إنما وقع بعد نقل المدعي إلى الديوان العام بالوزارة وانقطاع صلته بهذه المكاتب منذ 16 من يوليه سنة 1952 ذلك أن نقله في هذا التاريخ لم يقطع صلته بإدارة البعثات التي تقرر وفقاً للمرسوم بقانون آنف الذكر حذف بعض درجاتها الثالثة التي كان يشغل المدعي إحداها، وإذن فلم يكن الحذف وارداً على درجات مكاتب البعثات في الخارج بالذات، بل كان وارداً على درجات إدارة البعثات في مجموعها لا فرق في ذلك بين وظائفها في الخارج أو في الديوان العام ما دام قد ثبت انقطاعها جميعاً في وحدة واحدة حسبما يتعين ذلك من ميزانية وزارة التربية والتعليم للسنة المالية 1952/ 1953.
ومن حيث إنه إذا كانت الوزارة قد قدرت بسبب عدم حصول المدعي على مؤهل دراسي وهو أمر لا سبيل إلى المجادلة فيه بعد تحقيق عدم معادلة ما زعم أنه حاصل عليه بالمؤهلات المصرية، أن تختار حذف وظيفته وهي من الدرجة الثالثة مبقية على درجات وظائف أخرى توسمت في شاغليها الصلاحية للنهوض بأعبائها بسبب مستواهم العلمي، وأن تصدر من ثمة قرارها في 27 من سبتمبر سنة 1952 بنقل المدعي إلى إدارة الثقافة بالوزارة فإنها لا تكون منحرفة بسلطتها لأنها إنما نفذت مقتضى هذا الحذف في حدود الصالح العام الذي يقضي باستبقاء من ينتفع بكفاياتهم من المؤهلين والتخلص من غير المؤهلين.
ومن حيث إن نقل المدعي إلى إدارة الثقافة وما أعقبه من ترقيات بإدارة البعثات تضمنها قرار 31 من مايو سنة 1953 لا مخالفة في شيء منها لحكم المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة، لأن حكم هذه المادة لا يجوز تطبيقه إلا إذا وقع النقل لغير مرضاة الصالح العام وأريد به أن تفوت على الموظف المنقول ترقية واجبة على الإدارة أو غير منهي عنها وكلاهما غير متحقق في خصوص المنازعة الحاضرة إذ أن المدعي نقل من إدارة البعثات إلى الثقافة بسبب إلغاء بعض الدرجات الثالثة في ميزانية إدارة البعثات التي كان المدعي يشغل إحداها كما سلف إيضاحه ومن ثم لا يعتبر النقل الحاصل له مفوتاً عليه دوره في الترقية إلى الدرجة الثانية حتى يحق له الطعن في القرار الصادر في 31 من مايو سنة 1953 بترقية بعض موظفي إدارة البعثات إلى الدرجة الثانية.
ومن حيث إنه على موجب ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه فيما قضى به من إلغاء قراري النقل والترقية المطعون فيهما والصادرين على التوالي في 27 من ديسمبر سنة 1952 و31 من مايو سنة 1953 فيما تضمناه من نقله إلى إدارة البعثات وتخطيه في الترقية إلى الدرجة الثانية وما يترتب على ذلك من آثار ويتعين القضاء بإلغاء هذا الحكم وبرفض دعوى المدعي بجميع أشطارها مع إلزامه بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء القرارين الصادرين في 27 من ديسمبر سنة 1952 و31 من مايو سنة 1953 فيما تضمناه من نقل المدعي وتخطيه في الترقية إلى الدرجة الثانية وبرفض الدعوى وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك وألزمت المدعي بالمصروفات [(1)].


[(1)] صدر هذا الحكم وتلي علناً بجلسة يوم السبت 10 من فبراير سنة 1962 الموافق 5 من رمضان سنة 1381 هـ برئاسة السيد - الإمام الإمام الخريبي وكيل المجلس وعضوية السادة المستشارين مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي، أما السادة سيد إبراهيم الديواني نائب رئيس المجلس والدكتور محمود سعد الدين الشريف وعبد الفتاح نصار المستشاران الذين سمعوا المرافعة فقد وقعوا مسودة الحكم.