مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة - العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر إبريل سنة 1962) - صـ 320

(36)
جلسة 10 من فبراير سنة 1962

برياسة السيد/ سيد إبراهيم الديواني نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد عبد العزيز البرادعي المستشارين.

القضية رقم 874 لسنة 6 القضائية

عامل - تقدير سنِّه - كتاب المالية الدوري رقم 134 الصادر في يونيه سنة 1949 - جواز ندب طبيبين لتقدير سن العامل الذي لم يقدم شهادة ميلاده عند التعيين دون ضرورة عرضه على القومسيون الطبي العام - ترخص الجهة الإدارية في اتباع أي الطريقين - لا يغير من ذلك نص المادة 17 من لائحة القومسيونات الطبية.
بالاطلاع على النصوص الخاصة بتقدير سن العمال يبين أن كتاب المالية الدوري 134 الصادر في يونيه سنة 1949 أنه يقضى بأن "الموظف أو المستخدم الذي لم يقدم شهادة ميلاده أو مستخرجاً رسمياً منها عند تعيينه وقدر سنِّه بمعرفة القومسيون الطبي العام أو بمعرفة طبيبين مستخدمين في الحكومة يندبان لهذا الغرض يعتبر التقدير نهائياً لا يجوز الطعن فيه بأي حال من الأحوال ولو ظهرت على خلافه شهادة الميلاد" وهذا النص صريح في جواز ندب طبيبين لتقدير سن العامل الذي لم يقدم شهادة ميلاده عند تعيينه دون ضرورة عرضه على القومسيون الطبي العام بل هي تترخص في أن تتبع أي الطريقين فلا تثريب عليها إذ هي عرضت العامل على طبيبين حكوميين تندبهما لتقدير سنِّه دون عرضه على القومسيون الطبي العام وليس ثمت ما يجبرها على عرضه على القومسيون الطبي العام ولا يغير من هذا النظر ما استند إليه الحكم المطعون فيه من نص المادة 17 من لائحة القومسيونات الطبية إذ أن هذا النص خاص ببيان اختصاص كل من القومسيون الطبي العام والقومسيونات الفرعية، وليس هذا النص بمانع من اشتراك جهات طبية أخرى في هذا الاختصاص إذا ما رأت الجهة الإدارية أن الصالح العام يقتضي ذلك كما أنه ليس ثمت ما يوجب عرض تقدير السن الذي قام به الطبيبان الحكوميان على القومسيون الطبي العام لعدم وجود أي نص يقتضي ذلك.


إجراءات الطعن

بتاريخ 27/ 2/ 1960 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة الطعن 874 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية والقروية بجلسة 28/ 12/ 1959 في الدعوى 479 لسنة 5 القضائية المرفوعة من يوسف محمد فرغلي ضد وزارة الشئون البلدية والقروية والقاضي "بإلزام الوزارة بأن تؤدي للمدعي مبلغ ثلثمائة جنيهاً والمصروفات و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وطلب السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استند إليها في طعنه الحكم "بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن للمدعي في 7/ 4/ 1960 ثم تحدد لنظر الطعن أمام هيئة فحص الطعون بجلسة 8/ 10/ 1961 وتأجلت لجلسة 5/ 11/ 1961 لضم الملف ثم لجلسة 19/ 11/ 1961 وفيها قررت الهيئة إحالة الطعن على المحكمة العليا لجلسة 6/ 1/ 1962 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ملاحظات أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة - تتحصل كما هو ثابت من الاطلاع على الأوراق - في أنه بتاريخ 6/ 9/ 1958 أودع المدعي سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية والقروية عريضة الدعوى 479 لسنة 5 القضائية طلب الحكم فيها بإلغاء قرار فصله الصادر في 18/ 4/ 1958 وإعادته إلى عمله مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليها بالمصروفات. وقال شرحاً لدعواه أنه التحق بوظيفة عامل يومية بمصلحة صحة مصر التابعة لوزارة الشئون البلدية والقروية في 3/ 4/ 1946 وقد طالبته المصلحة باستيفاء مسوغات التعيين بتقديم شهادة ميلاده ولما كان من سواقط القيد فقد اتخذ الإجراءات للقيد بدفاتر مواليد بلدة ناسا مركز البدارى في سنة 1897 وقد فوجئ باستغناء المصلحة عنه في 18/ 4/ 1958، ولما كان هذا القرار مخالفاً للقانون لأنه لم يبلغ سن الإحالة على المعاش فمن حقه أن يطلب إلغاء هذا القرار وذلك بعد أن تظلم منه ورفض تظلمه. وقد أجابت بلدية القاهرة على الدعوى بمذكرة قالت فيها أن المدعي عين بوظيفة عامل يومية في 8/ 4/ 1946 ولعدم تقديمه شهادة ميلاد فقد قدر سنِّه بمعرفة قومسيون طبي مكون من طبيبين في 14/ 1/ 1947 بخمسة وخمسين عاماً واستناداً إلى هذا التقدير أصدر مدير صحة القاهرة قراراً بفصل المدعي في 15/ 1/ 1957 لبلوغه سن الخامسة والستين حسب التقدير الطبي فتظلم المدعي من هذا القرار في 26/ 1/ 1957 وأنه لما كان المدعي لم يرفع الدعوى إلا في 6/ 9/ 1958 فتكون الدعوى غير مقبولة لرفعها بعد الميعاد وقررت بالنسبة للموضوع بأنه لما كان المدعي قد عين دون أن يقدم شهادة ميلاده رغم مطالبته بذلك مراراً فقد أحالته إلى القومسيون الطبي لتقدير سنِّه وقد تم ذلك بمعرفة صحة بولاق أول وثاني. ولما كان كتاب وزارة المالية الدوري رقم 134/ 1 - 30 الصادر في 3/ 6/ 1949 يقضي بأن "الموظف أو المستخدم الذي لم يقدم شهادة ميلاده أو مستخرج رسمي منها عند تعيينه وقدر سنِّه بمعرفة القومسيون الطبي أو بمعرفة طبيبين مستخدمين في الحكومة مندوبين لهذا الغرض يعتبر التقدير الطبي نهائياً لا يجوز الطعن فيه بأية حال من الأحوال ولو ظهرت على خلافه شهادة الميلاد". وقد ردد هذا المبدأ القانون رقم 210 لسنة 1951 في المادة 121 منه. ولما كان المدعي لم يتخذ إجراءات لقيد اسمه في دفاتر المواليد إلا بعد تقدير سنِّه بمعرفة القومسيون الطبي المشكل لهذا الغرض لذلك فإن القرار الصادر بفصله من الخدمة استناداً إلى هذا القرار يكون قد صدر سليماً ومتفقاً مع أحكام القانون وانتهت البلدية إلى طلب الحكم بصفة أصلية بعدم قبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع برفضها. وقد قام المدعي في مذكرته المؤرخة 14/ 6/ 1959 بتعديل طلباته إلى طلب الحكم له بإلزام بلدية القاهرة بأن تدفع له مبلغ 685.482 جنيهاً والمصاريف، واستطرد قائلاً أنه وإن كان قد فاته الميعاد القانوني لرفع دعوى إلغاء القرار، فإنه يطلب تعويضه عن قرار فصله الذي صدر مخالفاً للقانون، إذ أن المادة 8 من القانون رقم 5 لسنة 1909 الذي تطبق أحكامه على المستخدمين الخارجين عن الهيئة وعمال اليومية تقضي بأن "يكون تقرير السن بالنسبة للموجودين بالقاهرة أو الإسكندرية بمعرفة القومسيون الطبي. أما إذا كان في غيرها من المديريات والمحافظات فيكون ذلك عن طريق طبيبين منتدبين من أطباء الحكومة لهذا الغرض". ولما كان - أي المدعي - من عمال اليومية الموجودين بالقاهرة فإنه يتعين تقدير سنِّه بمعرفة القومسيون الطبي وأنه على فرض صحة القرار الصادر بتقدير سنِّه بمعرفة طبيبين فقط فإن هذا القرار لم يعتمد من القومسيون الطبي ومن ثم فهو معدوم ولا أثر له قانوناً، ولما كان قد فصل من الخدمة بناءً على هذا القرار قبل بلوغه السن القانونية - 65 سنة - بخمس سنوات فإن مجموع ما تكبده من خسارة في المرتب والمكافأة والعلاوات التي كان يستحقها لو بقى في الخدمة تقدر بالمبلغ المطلوب. وبجلسة 28/ 12/ 1959 قضت المحكمة الإدارية لوزارة الشئون البلدية "بإلزام بلدية القاهرة بأن تدفع للمدعي مبلغ 300 جنيه والمصروفات و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". واستندت في قضائها هذا إلى أن المادة 17 من لائحة القومسيونات الطبية التي حددت اختصاص القومسيون الطبي العام قد نصت في البند 6 على أن يختص القومسيون بإجراء الكشف الطبي على الموظفين والمستخدمين الدائمين والمؤقتين والخارجين عن هيئة العمال وعمال اليومية لتقدير سنِّهم، ولذلك فإن الجهة المختصة بتقدير سن المدعي باعتباره من العمال الدائمين الموجودين بالقاهرة يكون والحالة هذه القومسيون الطبي العام وإذا كانت الجهة الإدارية قد فصلت المدعي في 15/ 1/ 1957 استناداً إلى بلوغه سن الخامسة والستين في هذا التاريخ حسب تقدير سنِّه بمعرفة طبيبي صحة بولاق فإنها تكون قد خالفت أحكام اللائحة التي حددت اختصاصات كل جهة من الجهات الطبية إذ لم تخول اللائحة أطباء الصحة سلطة تقدير سن الموظف أو المستخدم أو العامل وعلى ذلك فإن تصرف الجهة الإدارية على هذا النحو يكون موجباً لتعويض المدعي متى تبين أنه لحقه ضرر نتيجة هذا الإجراء وأنه إذا كان المدعي قد اتخذ الإجراءات المنصوص عليها في المادة 32 من القانون رقم 130 لسنة 1946 باعتباره من سواقط القيد فصدر قرار وزير الصحة بقيد اسمه في دفاتر مواليد مركز البدارى باعتباره مولوداً سنة 1897 وبالتالي فإنه يبلغ سن الخامسة والستين المقررة لانتهاء خدمة عمال اليومية في سنة 1962 وإذ كان قد فصل من الخدمة في 15/ 1/ 1957 فإنه يكون قد لحقه ضرر بحرمانه من أجره مدة خمس سنوات تقريباً نتيجة لصدور قرار فصله المخالف للقانون ولا يؤثر في ذلك عدم قيد اسمه على أنه من مواليد سنة 1897 في دفتر المواليد إذ أن ذلك لا يعدو أن يكون إجراءً تنفيذياً لا يترتب على عدم إتمامه دحض قيمة القرار في إثبات أن سنِّه كانت في تاريخ فصله 60 سنة فقط.
وحيث إن الطعن يقوم على أن كتاب المالية الدوري رقم ف 134/ 1 - 30 الصادر في يونيه سنة 1949 قد نص على أن "الموظف أو المستخدم الذي لم يقدم شهادة ميلاده أو مستخرج رسمي منها عند تعيينه وقدر سنِّه بمعرفة القومسيون الطبي العام أو بمعرفة طبيبين مستخدمين في الحكومة مندوبين لهذا الغرض يعتبر التقرير الطبي نهائياً لا يجوز الطعن فيه بأية حال من الأحوال ولو ظهرت على خلافه شهادة الميلاد". ومن ثم تكون الإدارة قد اتبعت في حق المدعي الإجراء السليم وقدرت سنِّه تقديراً متفقاً مع القانون وتكون دعواه واجبة الرفض ومن ثم فيتعين إلغاء الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه لا خلاف بين الطرفين في أن المدعي من عمال اليومية وأنه لم يتقدم بشهادة ميلاده عند تعيينه وقدر سنِّه في 14/ 1/ 1947 بمعرفة طبيبي صحة بولاق على أنه يبلغ الخامسة والخمسين وأنه قد فصل من عمله لبلوغه سن الخامسة والستين في 15/ 1/ 1958 استناداً إلى هذا التقدير وأنه استصدر قراراً من وزير الصحة بعد هذا التقدير باعتباره من سواقط القيد وأنه مولود سنة 1897 وإنما يقوم الخلاف بينهما في سلامة قرار تقدير طبيبي صحة بولاق لسن المدعي واتفاقه مع القانون.
ومن حيث إنه بالاطلاع على النصوص الخاصة بتقدير سن العمال يبين أن كتاب المالية الدوري 134 الصادر في يونيه سنة 1949 يقضي بأن "الموظف أو المستخدم الذي لم يقدم شهادة ميلاده أو مستخرجاً رسمياً منها عند تعيينه وقدر سنِّه بمعرفة القومسيون الطبي العام أو بمعرفة طبيبين مستخدمين في الحكومة يندبان لهذا الغرض يعتبر التقدير نهائياً لا يجوز الطعن فيه بأي حال من الأحوال ولو ظهرت على خلافه شهادة الميلاد" وهذا النص صريح في جواز ندب طبيبين لتقدير سن العامل الذي لم يقدم شهادة ميلاده عند تعيينه دون ضرورة عرضه على القومسيون الطبي العام بل هي تترخص في أن تتبع أي الطريقين فلا تثريب عليها إذا هي عرضت العامل على طبيبين حكوميين تندبهما لتقدير سنه دون عرضه على القومسيون الطبي العام وليس ثمت ما يجبرها على عرضه على القومسيون الطبي العام ولا يغير من هذا النظر ما استند إليه الحكم المطعون فيه من نص المادة 17 من لائحة القومسيونات الطبية إذ هذا النص خاص ببيان اختصاص كل من القومسيون الطبي العام والقومسيونات الفرعية، وليس هذا النص بمانع من اشتراك جهات طبية أخرى في هذا الاختصاص إذا ما رأت الجهة الإدارية أن الصالح العام يقتضي ذلك كما أنه ليس ثمت ما يوجب عرض تقدير السن الذي قام به الطبيبان الحكوميان على القومسيون الطبي العام لعدم وجود أي نص يقتضي ذلك.
ومن حيث إنه يبين من ذلك أن تقدير سن المدعي قد أجري بالطريق القانوني السليم وأنه قد وقع متفقاً مع القانون ولا مخالفة فيه ويعتبر نهائياً لا يجوز الرجوع فيه ما دام المدعي لم يقدم شهادة ميلاده أو مستخرجاً رسمياً منها عند تعيينه أو قبل حصول هذا التقدير، هذا فضلاً عن أنه في خصوصية هذه الدعوى لم يتقدم المدعي بشهادة ميلاده بل كل ما فعله هو أنه استصدر قراراً وزارياً بأنه من مواليد سنة 1897 باعتباره من سواقط القيد دون أن يقدم ما يدل على صدق هذا التاريخ أو صحته ومن حق الحكومة حتى ولو لم يكن تقدير السن قد أصبح نهائياً بنص القانون أن يطرح هذا التحديد الذي قرره كتاريخ لمولده وألا يأخذ به وأن تقوم بتقدير سنِّه رغم ذلك بالطريق القانوني السليم.
ومن حيث إنه متى ثبت أن تقدير سن المدعي بمعرفة طبيبي صحة بولاق تقدير سليم ومتفق مع القانون ولا مخالفة فيه وأنه قد فصل من عمله لدى بلوغه سن الخامسة والستين حسب هذا التقدير السليم، كان قرار فصله صحيحاً ومتفقاً مع القانون ولا يكون من حق المدعي أن يطالب بإلغاء هذا القرار أو بتعويضه عنه وتكون دعوى المدعي على غير أساس سليم من القانون ويتعين لذلك رفضها.
ومن حيث إنه إذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات [(1)].


[(1)] صدر هذا الحكم وتلي علناً بجلسة يوم السبت 10 من فبراير سنة 1962 الموافق 5 من رمضان سنة 1381 هـ من الهيئة المبينة بصدره التي سمعت المرافعة وحضرت المداولة ووقَّعت مسودة الحكم. أما الهيئة التي نطقت به فهي برئاسة السيد - الإمام الإمام الخريبي وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.