أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
الجزء الأول - السنة 28 - صـ 1354

جلسة أول يونيه سنة 1977

برئاسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة محمد أسعد محمود، وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد المهدى، والدكتور عبد الرحمن عياد، ومحمد الباجورى، وأحمد وهدان.

(234)
الطعن رقم 36 لسنة 45 ق "أحوال شخصية"

(1، 2، 3) إعلان. موطن. محكمة الموضوع. قانون.
(1) الموطن فى مفهوم المادتين 40 مدنى؛ 20 من اللائحة الشرعية. المكان الذى اعتاد الشخص الاقامة فيه بصفة مستقرة. التغيب عنه فترات. ولا أثر له.
(2) استقرار الاقامة فى مكان معين مرده نية الشخص. الاستدلال عليها من الظروف المادية. توافر عنصر الاستقرار ونية التوطن. واقع تستقل به محكمة الموضوع.
(3) اختلاف فكرة الموطن فى القانون الداخلى عنه فى القانون الدولى الخاص المقصود بالموطن فى القانون الأخير. الأجانب المقيمون فى بلد لا ينتمون بجنسيتهم إليه. جواز اعتباره موطنا لهم.
(4) أحوال شخصية. أجانب. استئناف.
ميعاد استئناف الأحكام الحضورية فى دعاوى الأحوال الشخصية للأجانب 15 يوما من تاريخ صدورها. امتداده إلى60 يوما بالنسبة لغير المتوطنين فى مصر.
(5) استئناف. "شكل الاستئناف".
انتهاء الحكم إلى أن الاستئناف قد رفع بعد الميعاد. لا محل للاستجابة إلى طلب الاعادة للمرافعة لبحث الموضوع.
1 - النص فى المادة 40 من القانون المدنى على أن "الموطن هو المكان الذى يقيم فيه الشخص عادة .... يدل على أن المشروع اعتد بالتصوير الواقعى للموطن - وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية - استجابة للحاجات العملية واتساقا مع المبادئ المقررة فى الشريعة الإسلامية التى أفصحت عنها المادة 20 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، فلم يفرق بين الموطن وبين محل الإقامة العادى، وجعل المعول عليه فى تعيينه الإقامة المستقرة بمعنى أنه يشترط فى الموطن أن يقيم فيه الشخص وأن تكون إقامته بصفة مستقرة وعلى وجه يتحقق فيه شرط الاعتياد، ولو لم تكن مستمرة تتخللها فترات غيبة متقاربة أو متباعدة.
2 - استقرار الإقامة فى مكان معين مرده إلى نية الشخص التى يمكن الاستدلال عليها من الظروف المادية التى تختلف من دعوى إلى أخرى، وتقدير قيام عنصر الاستقرار ونية الاستيطان اللازم توافرهما فى المواطن - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من الامور الواقعية التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع.
3 - الموطن وفق المادة 40 من القانون المدنى أنما يتناول معناه فى نطاق القانون الداخلى باعتباره رابطة بين الشخص ومكان معين بالذات فى الاقليم الذى يقيم فيه عادة، دون اعتداد بما إذا كان الشخص الذى يحدد موطنه بمقتضاها ينتمى إلى جنسية الدولة التى توطن فيها أم لا، ويختلف عن فكرة الموطن فى القانون الدولى الخاص التى تبنى على صلة تقوم بين الشخص وبين أقليم دوله معينة مؤسسة على الجنسية، تغلب عليها العلاقة الروحيه وتخضع لمبدأ السيادة الاقليمية وتراعى فيها الإعتبارات السياسية ويترتب عليها أثرها فى تمتع الأجانب الحقوق أو بيان القانون الواجب التطبيق عند تنازع القوانين، وهى أثار مغايرة لما تحققه للأجانب فكرة الموطن فى سائر فروع القانون الداخلى من قبيل إعلان الأوراق القضائية أو تحديد الاختصاص المحلى، وبالتالى فلا مساغ لما يذهب إليه الطاعن من انتقاء تقرير موطن للأجانب المقيمين فى بلد لا ينتمون بجنسيتهم إليه.
4 - مؤدى ما تقضى به المادة 875، 876 الواردتان بالكتاب الرابع من قانون المرافعات المضاف بالقانون رقم 126 لسنة 1951 أن المشرع قصر ميعاد الاستئناف فى دعاوى الاحوال الشخصية للاجانب فجعله خمسة عشر يوما من تاريخ النطق بالحكم إذا كان حضوريا، ومد هذا الميعاد إلى ستين يوما لذوى الشأن الغير متوطنين تيسيرا لاتخاذ إجراءات الطعن على أن يقوم هذا المد مقام مواعيد المسافة، ويقصد بذوى الشأن غير المتوطنين ألا يكون لهم موطن فى معنى المادة 40 من القانون المدنى وإذ انتهى الحكم إلى أن للطاعن موطنا فى جمهورية مصر العربية ورتب على ذلك قضاءه بسقوط حقه فى الاستئناف بفوات ميعاد الخمسة عشر يوما طبقا للمادة 875 من قانون المرافعات فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
5 - المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه ليس لمحكمة الاستئناف أن تعرض للموضوع قبل الفصل فى شكل الاستئناف فإن رأت أنه قد رفع بعد الميعاد فإنه لا يكون لها أن تبحث فى صحة قضاء هذا الحكم أو عدم صحته، ولما كان الحكم المطعون فيه انتهى إلى سقوط حق الطاعن بالطعن فى الحكم بطريق الاستئناف، فإنه لا تثريب عليه إن هو التفت عن طلب فتح باب المرافعة لما تضمنه من وقائع تتعلق بصحة قضاء الحكم المستأنف أو عدم صحته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الاوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن أستوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل فى أن المطعون عليها أقامت ضد الطاعن الدعوى رقم 24 لسنة 1973 أحوال شخصية "أجانب" أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بتطليقها عليه طلقة بائنة، وقالت شرحا لها أنها زوجته بعقد شرعى صحيح مؤرخ 27/ 6/ 1968 وموثق بالسجل المدنى تسمى فيه بغير اسمه لاعتبارات سياسية ودخل بها ولا تزال على عصمته، وإذ تركها هى وصغيرين لها منه دون انفاق، ورماها وهى محصنة بالزنا وغاب عنها أكثر من سنة لا عذر مقبول فقد أقامت الدعوى. حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها الأسباب التى تستند اليها فى طلب التطليق، وبعد سماع شاهديها حكمت بتاريخ 13/ 11/ 1973 حضوريا بتطليقها من الطاعن طلقه بائنه. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 17 سنة 90 ق أحوال شخصيه "أجانب" القاهرة دفعت المطعون عليها بسقوط الحق فى الاستئناف. وبتاريخ 23/ 6/ 1975 حكمت محكمة الاستئناف بسقوط حق الطاعن فى الاستئناف لرفعة بعد الميعاد طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة فى غرفة مشورة قرأته جديرا بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة برأيها.
وحيث إن الطعن يقوم على سبب واحد، ينعى الطاعن بالوجه الأول منه على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون، ويقول فى بيان ذلك أن الحكم قضى بسقوط الحق فى الطعن بالاستئناف لرفعه بعد ميعاد الخمسة عشر يوما المنصوص عليه فى المادة 875 من قانون المرافعات، استنادا إلى أن الطاعن له موطن دائم فى مصر، فى حين أن الموطن فى مفهوم المادة 40 من القانون المدنى، والمادة 20 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية يقوم على أساسا على الإقامة الفعلية والدائمة، ولا يصدق عليه مجرد عنوان المسكن دون توافر شروطه، وإذ كان الثابت أن الطاعن سورى الجنسية ويقيم بدمشق، واقامته بمصر موقوفة تبعا لانه لاجئ "سياسى"، ولم تثبيت نية اقامته ودوامها بدليل قطعى وكان لا يلحق وصف الإقامة الدائمة بغير مواطنى الاقليم دون الاجانب عنه فانه يكون متعينا إعمال حكم المادة 876 من ذات القانون، واحتساب ميعاد الاستئناف بستين يوما، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن النص فى المادة 40 من القانون المدنى على أن "المواطن هو المكان الذى يقيم فيه الشخص عادة"... يدل على أن المشرع أعتد بالتصوير الواقعى للموطن - وعلى ما جاء بالمذكرة الايضاحية - استجابة للحاجات العملية واتساقا مع المبادئ المقررة فى الشريعة الإسلامية التى أفصحت عنها المادة 20 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، فلم يفرق بين الموطن وبين محل الإقامة العادى، وجعل المعول عليه فى تعيينه الإقامة المستقره، بمعنى أنه يشترط فى الموطن أن يقيم فيه الشخص وأن تكون إقامته بصفة مستقرة وعلى وجه تحقق فيه شرط الاعتياد، ولو لم تكن مستمره تتخللها فترات غيبة متقاربة أو متباعدة. ولما كان استقرار الإقامة فى مكان معين مرده إلى نية الشخص التى يمكن الاستدلال عليها من الظروف المادية التى تختلف من دعوى لأخرى، وكان تقدير قيام عنصر الاستقرار ونية الاستيطان اللازم توافرهما فى المواطن - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من الأمور الواقعية التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أورد فى هذا الخصوص قوله... حيث أنه بمراجعة أوراق الدعوى يبين أن المستأنف - الطاعن - كان يعلن أمام محكمة أول درجة فى هذه الدعوى والدعوى رقم 65 لسنة 1973 والمنظور استئنافها مع هذه الدعوى على عنوانه بمصر الجديدة وكان يحضر جلسات المرافعة أما بوكيل عنه أو بشخصه يكشف عن اتخاذه هذا العنوان محلا لإقامته عادة، هذا فضلا عن أن المستأنف قد أثبت بتقرير الاستئناف الموقع عليه منه أنه يقيم برقم 6 شارع تحتمس كامل ابراهيم بمصر الجديدة، وهو دليل يضاف إلى سابقه من أنه اتخذ من هذا المكان موطنا له وإذا كان الأمر كذلك وكانت الشكاوى المقدمة منه ضد المستأنف عليها - المطعون عليها - والتى كشف فيها عن أنه يقيم فى هذا المكان، فقد جاء على لسانه لدى سؤاله عن البلاغات المقدمة ضد زوجته أنه يقيم فى هذا العنوان، فان ذلك كله من شأنه أن يرسى فى يقين المحكمة أن للمستأنف محل إقامة يقوم فيه عادة وهو موطنه طبقا للمادة 40 من القانون المدنى، ولا يقدح فى هذا ما يقول به المستأنف من أن إقامتة بهذا المكان هى إقامة مؤقتة وما تقدم به من بطاقة حرر بها أنه يقيم بمصر إقامة مؤقتة، إذ العبرة فى توقيت الإقامة من عدمها هو بالواقع فحسب وتطرح المحكمة ما وصفت به بطاقة إقامته من أنها مؤقتة لمجافاة ذلك للأمر الواقع فعلا، على أن توقيت الاقامة فى ذاته لا ينفى اعتبار المكان موطنا طبقا للقانون ولما نصت عليه المادة 40 من القانون المدنى فى فقرتها الثانية على أنه يجوز أن يكون للشخص فى وقت واحد أكثر من موطن، فانه يبين مما أورده الحكم أنه استخلص فى نطاق سلطته الموضوعية وبأسباب سائغة قيام عنصر الاستقرار ونية الاستيطان اللازم توافرهما فى الموطن وانتهى إلى أن الطاعن اتخذ من مصر مقاما. لما كان ذلك وكان الموطن وفق آنفة الذكر إنما يتناول معناه فى نطاق القانون الداخلى باعتباره رابطة بين الشخص ومكان معين بالذات فى الإقليم الذى يقيم فيه عادة، دون اعتداد بما إذا كان الشخص الذى يحدد موطنه بمقتضاها ينتمى إلى جنسية الدولة التى توطن فيها أم لا، ويختلف عن فكرة الموطن فى القانون الدولى الخاص التى تبنى على صلة تقوم بين الشخص وبين إقليم دولة معينة مؤسسة على الجنسية، تغلب عليها العلاقة الروحية وتخضع لمبدأ السيادة الإقليمية وتراعى فيها الاعتبارات السياسية ويترتب عليها أثرها فى تمتع الأجانب الحقوق أو بيان القانون الواجب التطبيق عند تنازع القوانين، وهى آثار مغايرة لما تحققه للأجانب فكرة الموطن فى سائر فروع القانون الداخلى من قبيل اعلان الأوراق القضائية أو تحديد الاختصاص المحلى، فانه لا مساغ لما يذهب اليه الطاعن من انتفاء تقرير موطن للأجانب المقيمين فى بلد لا ينتمون بجنسيتهم اليه. لما كان ما تقدم وكان مؤدى ما تقضى به المادة 875، 876 الواردتان بالكتاب الرابع من قانون المرافعات المضاف بالقانون رقم 126 لسنة 1951 أن المشرع قصر ميعاد الاستئناف فى دعاوى الأحوال الشخصية للأجانب فجعله خمسة عشر يوما من تاريخ النطق بالحكم إذا كان حضوريا، ومد هذا الميعاد إلى ستين يوما لذوى الشأن الغير متوطنين تيسيرا لاتخاذ اجراءات الطعن على أن يقوم هذا المد مقام مواعيد المسافة، وكان يقصد بذوى الشأن غير المتوطنين ألا يكون لهم موطن فى معنى المادة 40 من القانون المدنى سالف الذكر، وإذ انتهى الحكم إلى أن للطاعن موطنا فى جمهورية مصر العربية، ورتب على ذلك قضاء بسقوط حقه فى الإستئناف بفوات ميعاد الخمسة عشر يوما طبقا للمادة 875 من قانون المرافعات، فانه يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون النعى على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعى بالوجه الثانى الإخلال بحق الدفاع والقصور فى التسبيب، وفى بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بعد حجز الدعوى للحكم بعدم قيام الزوجية الدعاة استنادا إلى عقد الزواج الموثق المقدم من المطعون عليها تبعا لأن اسم الزوج المثبت به غير اسمه، وأنه لم يكن موجودا بمصر عند إبرامه وأنه إنما عقد عليها عرفيا بتاريخ لاحق، ولا يمانع فى تطليقها بمقتضاه، وأنه تقدم بشكوى للنيابة العامة يتهم المطعون عليها بالتزوير، وطلب إعادة الدعوى إلى المرافعة ثم وقفها حتى يفصل فى الشق الثانى، غير أن الحكم أغفل الإشاره إلى هذا الطلب، مما يعيبه بالاخلال بحق الدفاع والقصور.
وحيث إن النعى غير سديد ذلك أن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه ليس لمحكمة الاستئناف أن تعرض الموضوع قبل الفصل فى شكل الاستئناف فان رأت أنه قد رفع بعد الميعاد فلا يكون لها أن تبحث فى صحة قضاء هذا الحكم أو عدم صحته، ولما كان الحكم المطعون فيه انتهى إلى سقوط حق الطاعن بالطعن فى الحكم بطريق الإستئناف، فانه لا تثريب عليه إن هو التفت عن طلب فتح باب المرافعة، لما تضمنه من وقائع متعلقة بصحة قضاء الحكم المستأنف أو عدم صحته، ويكون النعى بهذا الوجه على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.