أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الأول - السنة 6 - صـ 26

جلسة 18 من ديسمبر سنة 1954
(4)
الطلب رقم 7 سنة 24 القضائية "تنازع الاختصاص"

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت وابراهيم خليل وكيلى المحكمة ومحمد نجيب أحمد ومصطفى فاضل وعبد العزيز سليمان وأحمد العروسى ومصطفى حسن وحسن داود ومحمود ابراهيم اسماعيل ومحمود عياد ومصطفى كامل ومحمد أمين زكى ومحمد فؤاد جابر. المستشارين.
تنازع الاختصاص. مجالس ملية. جهة تحرير عقد الزواج. لا يمنح الجهة التى حررته اختصاصا قضائيا. العبره فى اختصاص المجالس الملية بمسائل الأحوال الشخصية. هى باتحاد طرفى الدعوى فى الملة. فى حالة الاختلاف. يكون الاختصاص للمحاكم الشرعية.
جرى قضاء هذه المحكمة بأن جهة تحرير عقد الزواج لا يمنح الجهة التى حررته اختصاصا قضائيا بل العبرة فى ذلك هى باتحاد طرفى الخصومة الذى أقام المشرع عليه وحده اختصاص المجالس الملية. وإذن فمتى كان الواقع هو أن الزوج تابع لطائفة المذهب الانجيلى بينما تتبع زوجته طائفة الأرمن الأرثوذكس وكان رضاء الزوج باجراء عقد الزواج أمام كنيسة الأرمن الأرثوذكس التى تنتمى إليها زوجته وقبوله اتباع طقوس هذه الكنيسة ونظمها لا يفيد بذاته تغيير المذهب أو الملة وكان الزوج قد قدم ما يفيد أنه ولد بروتستنتيا ومن أبوين انجيليين وعمد فى كنيسة الانجيليين وليس فى الأوراق ما يفيد أنه اعتنق مذهبا مخالفا، فان الحكم الصادر من المجلس الملى لطائفة الأرمن الأرثوذكس بطلاق الزوجة يكون قد صدر من جهة لا ولاية لها ويتعين وقف تنفيذه ويكون الحكم الصادر من المحكمة الشرعية بدخول الزوجة فى طاعة زوجها قد صدر منها فى حدود ولايتها ويتعين رفض طلب وقف تنفيذه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع مرافعة محامى الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل فى أن المدعى عليه تزوج من السيدة المدعية فى 6 من يوليه سنة 1952 فى كنيسة الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة ووقع الاثنان قبل الإكليل فى 12 من يناير سنة 1952 على وثيقة صادرة عن بطريركية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة جاء فيها أنهما من أبناء كنيسة الأرمن الأرثوذكس وأنهما عزما بمحض إرادتهما على الزواج من بعضهما حسب طقوس وقوانين الكنيسة الأرمنيا وقد أبلغ كاهن الزواج سيادة مطران كنيسة الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة بهذه الرغبة وتنفيذها حسب طقوس وقوانين الكنيسة الأرمنية فاذن سيادته بالزواج وتم العقد فى التاريخ المشار إليه - وفى 21 من أغسطس سنة 1952 تقدمت المدعية بطلب إلى المجلس الملى لطائفة الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة ذكرت فيه أنه بسبب غلظة زوجها واعتدائه عليها بالضرب بعد الزواج بأيام ثلاثة حتى صار منزل الزوجية جحيما لا يطاق وغدت الحياة الزوجية ضربا من المحال مما دعاها إلى طلب الطلاق وقد حاول المجلس التابع للبطريركية إصلاح ذات بينهما ولما لم يوفق بعث بملف الدعوى إلى دائرة الأحوال الشخصية بالبطريركية الأرمنية الأرثوذكسية - وقد دفع الزوج بعدم اختصاص المجلس الملى بنظر دعوى الطلاق لاختلاف مذهبه لأنه تبع الكنيسة البروتستانتية الأنجيلية ولكن المجلس قضى برفض الدفع وباختصاصه بنظر الدعوى تأسيسا على أن الزواج عقد بكنيسة الأرمن الأرثوذكس وبأن الزوجين قبلا الزواج حسب طقوس هذه الكنيسة وقوانينها ثم سار المجلس فى نظر دعوى الطلاق وأمر بتحقيق أسبابه وسمع شهادة شهود الزوجة بجلسة 15/ 12/ 1952 ثم واجه المجلس الزوج بهذه الشهادة فأنكرها وطالب الزوجة بالعودة لمنزل الزوجية وقد قضى المجلس بتاريخ 15/ 12/ 1952 بالطلاق - فرفع الزوج دعوى أمام محكمة شبرا الشرعية بطلب دخول زوجته "المدعية" فى طاعته لاختلاف مذهبه لأنه بروتستانتى إنجيلى وقد قضت محكمة شبرا الشرعية غيابيا للمدعى عليه طلب من دخول زوجته "المدعية" فى طاعته فعارضت الزوجة فى هذا الحكم فقضى فى المعارضة وهى برقم 1607 سنة 1952 بالغاء حكم الطاعة المعارض فيه. فاستأنف الزوج هذا الحكم فى 14/ 3/ 1954 أمام محكمة مصر الشرعية وهذه قضت فى هذا الاستئناف بتاريخ 7/ 6/ 1954 بالغاء الحكم المستأنف الصادر فى المعارضة وبتأييد الحكم الغيابى المعارض فيه رقم 1226 سنة 1954 إستنادا إلى أن اختصاص المجلس الملى لطائفة الأرمن الأرثوذكس لا زال تحكيميا ومعقودا برضاء الخصوم وأنه قد ثبت لدى المحكمة اختلاف مذهب الزوجين وثبت عدم رضاء الزوج المستأنف بالتقاضى أمام المجلس الملى المشار إليه.
ومن حيث إن المدعية تقدمت لهذه المحكمة بطلب وقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الشرعية بدخولها فى طاعة المدعى عليه لصدوره من جهة لا ولاية لها ذلك لأن المجلس الملى لطائفة الأرمن الأرثوذكس هو وحده صاحب الولاية للفصل فى موضوع الطلاق إذ يكفى لولايته أن يكون المدعى عليه عقد زواجه فى كنيسة الطائفة المذكورة وطبقا لأحكامها وارتضى شريعتها للحكم فيما ينشأ بين الزوجين من نزاع وتلزمه احكامه ولو لم يكن أصلا من أبناء هذه الكنيسة - وقدمت المدعية تأييدا لطلبها وثيقة زواجها من المدعى عليه المؤرخة 6/ 7/ 1952 الصادرة من بطريركية الأرمن الأرثوذكس وتحمل توقيع المدعى عليه فى 12 من يناير سنة 1952 على بيان فيها مؤداه تبعيته دينيا لكنيسة الأرمن الأرثوذكس وأنه قبل الزواج حسب طقوس وقوانين هذه الكنيسة كما قدمت حكم الطلاق الصادر لها من دائرة الأحوال الشخصية الابتدائية ببطريركية الأرمن الأرثوذكس بتاريخ 15/ 12/ 1952 وشهادة من البطريركية المذكورة تفيد عدم حصول استئناف الحكم المشار إليه كما قدمت حكم الطاعة الصادر ضدها من محكمة القاهرة الشرعية فى القضية الاستئنافية رقم 1226 سنة 1954 وخطابا صادرا من ذات البطريركية الأرمنية إلى محامى المدعية بتاريخ 12/ 10/ 1954 يتضمن الرد بأن المدعى عليه مقيد بسجل البطريركية تحت رقم 954 وكذلك إخوته وأن زواجه مقيد بسجل الزواج تحت رقم 4083 وذكر بالخطاب أن العمل جرى على أن يكون القيد قاصرا على من يسدد الرسم السنوى وقدمت كذلك صورة شمسية لشهادة زواج برقم 4270 جزء 8 تاريخها 30 أكتوبر سنة 1952 تفيد زواجها بالمدعى عليه فى 6 من يوليه سنة 1952 وأن هذا الزواج مقيد بسجل الخطبة والزواج المحفوظ بدار البطريركية تحت رقم 4083 ص 572 وأخيرا قدمت خطابا آخر صادرا من البطريركية الأرمنية الأرثوذكسية بشأن الاستفهام عن الاجراءات المتبعة بالنسبة لشخص لا يكون من طائفة الأرمن الأرثوذكس ويريد أن يصبح منها.
ومن حيث إن المدعى عليه قرر بأنه ولد بروتستنتيا ومن أبوين بروتستنتيين انجيليين وعمد بكنيسة هذه الطائفة هو وأخوته وإن هذه الكنيسة تؤكد أنه من أتباعها وأنه مقيد بدفاترها وأصر المدعى عليه على أنه لم يغير ملته مطلقا لا قبل الزواج ولا بعده وأنه لا يعلم بما كتب باللغة الأرمنية فى وثيقة الزواج لأنه يجهل اللغة الأرمنية وأن تحرير هذه العبارة بوثيقة الزواج لا تنهض دليلا على أنه غير ملته والتحق بالأرثوذكسية ولو صح ذلك وهو غير صحيح - لوجد مقيدا بدفاتر الكنيسة الأرثوذكسية ولظهر دفعه للاشتراك لها لأن القيد بسجلاتها رهين بدفع الاشتراك كما جاء بخطاب هذه الكنيسة المذكورة المقدم من المدعية بملف الدعوى ولسارعت هى للاستدلال به على هذا التغيير الذى تدعيه ولسجله المجلس الملى فى حكم الطلاق الذى أصدره - وقدم المدعى عليه تأييدا لدفاعه شهادة بميلاده ثابت بها أنه أرمنى الجنسية وبرتستانتى الديانة وشهادة من مجلس الكنيسة الانجيلية تاريخها 4/ 10/ 1952 بأن المدعى عليه عمد فى الكنيسة المذكورة بتاريخ 30/ 10/ 1923 وأنه مولود من أبوين انجيليين من أعضاء هذه الكنيسة وثالثة من مجلس الكنيسة الانجيلية تفيد أن المدعى عليه قد انضم إلى عضوية هذه الكنيسة بتاريخ 30 من يوليه سنة 1944 وما زال كذلك إلى الآن - كما قدم شهادة بزواجه من المدعية فى 6/ 7/ 1952 صادرة من البطريركية الأرمنية الأرثوذكسية ومشطوب فيها على عبارة, "من أبناء طائفتنا" وهى تخالف ذات الصورة الشمسية المقدمة من المدعية والصادرة من ذات البطريركية الأرمنية كما قدم المدعى عليه شهادة من الكنيسة الانجيلية تاريخها 1/ 10/ 1954 تتضمن أن المدعى عليه مولود من أبوين انجيليين وهو من أبناء الكنيسة العاملين وأن اسمه مقيد بسجلاتها للآن واستدل المدعى عليه على قيده فى سجلات هذه الكنيسة هو وأفراد عائلته بمجموعة من الايصالات الصادرة من مجلس الشمامشة بكنيسة الأزبكية الانجيلية بمصر وأنه وإخوته يدفعون الاشتراكات لها حتى يناير سنة 1954 وقدم أوراقا تفيد انتماء إخوته لمذهب البروتستانت وأنهم عمدوا بكنيستها كذلك وشهادة دراسة ثانوية لأحد إخوته تؤيد هذا الانتماء.
وحيث إنه يبين مما تقدم أن هناك حكمين متعارضين أحدهما صادر من المجلس الملى للارمن الأرثوذكس قضى بتطليق المدعية من المدعى عليه وحكم آخر نهائى صادر من المحكمة الشرعية يقضى بدخول المدعية فى طاعة زوجها المدعى عليه فيتعين البحث فى أى الحكمين صدر من جهة مختصة وبالتالى يتعين الفصل فى النزاع القائم بين طرفى الخصومة فى هل الزوجان مختلفان ملة فتكون المحكمة الشرعية هى المختصة ولا ولاية للمجلس الملى أم متحدان فيكون المجلس الملى هو المختص دون المحكمة الشرعية.
ومن حيث إن كل ما تقوله المدعية فى هذا الصدد - إثباتا لانتماء زوجها المدعى عليه لطائفتها وهى طائفة الأرمن الأرثوذكس - هو رضاؤه إجراء العقد بكنيسة الأرمن الأرثوذكس وقبوله اتباع طقوسها وقوانينها مما يجعل المجلس الملى لهذه الطائفة مختصا بنظر ما ينشأ بين الزوجين من نزاع حتى ولو كان الزوجان مختلفين مذهبا وطائفة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى بأن جهة تحرير عقد الزواج لا يمنح الجهة التى حررته اختصاصا قضائيا بل العبرة فى ذلك باتحاد مذهب طرفى الخصومة الذى أقام عليه وحده المشرع اختصاص المجالس الملية.
ومن حيث إن رضاء الزوج بإجراء العقد أمام كنيسة الأرمن الأرثوذكس التى تنتمى إليها المدعية وقبوله اتباع طقوس هذه الكنيسة ونظمها لا يفيد بذاته تغيير المذهب أو الملة لأنه خبر لا إنشاء ولأنه قد يحمل على أن المراد منه هو تسهيل تحرير العقد دون مساس بالملة أو المذهب الذى ينتمى إليه هذا الزوج أصلا.
ومن حيث إن المدعى عليه قدم ما يفيد أنه ولد بروتستنتيا ومن أبوين إنجيليين وعمد كذلك فى كنيسة الإنجيلين فى سنة 1923 وليس فى الأوراق ما يفيد أنه اعتنق مذهبا مخالفا للمذهب الإنجيلى البروتستنتى بل أوراق الدعوى تؤيد أنه لم يعلن اعتناقه مدهبا آخر فوجب إذن استصحابا للحال اعتبار المدعى عليه أنه بروتستنتى ما دام لم يقم دليل معقول على العكس.
ومن حيث إنه متى تقرر ذلك كانت المدعية والمدعى عليه مختلفى الملة مما لا يدع اختصاصا للمجلس الملى للأرمن الأرثوذكس ويكون الحكم الصادر منه بالطلاق قد صدر من جهة لا ولاية لها فى إصداره، ويكون الحكم الصادر من المحكمة الشرعية بدخول المدعية فى طاعة زوجها قد صدر منها وهى تملك الاختصاص ومن ثم يكون طلب وقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الشرعية فى القضية رقم 1226 سنة 1954 فى غير محله ويتعين رفضه.
ومن حيث إن المدعى عليه طلب وقف تنفيذ الحكم الصادر من المجلس الملى لطائفة الأرمن الأرثوذكس فيتعين للأسباب السابق بيانها إجابة هذا الطلب.