أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 6 - صـ 403

جلسة 8 من فبراير سنة 1955
(5)
القضية رقم 6 سنة 24 القضائية "تنازع الاختصاص"

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت، وابراهيم خليل وكيلى المحكمة، ومحمد نجيب أحمد، ومصطفى فاضل، وعبد العزيز سليمان، وأحمد العروسى، وحسن داود، ومحمود ابراهيم اسماعيل، ومحمود عياد، ومصطفى كامل، ومحمد أمين زكى، ومحمد فؤاد جابر، واسحق عبد السيد، ومحمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد عبد الواحد على المستشارين.
( أ ) تنازع الاختصاص. اختصاص. مجالس ملية. مناط اختصاصها. هو اتحاد ملة طرفى الخصومة وجنسيتهما المصرية. ثبوت أن الزوج مصرى أرثوذكسى وأن زوجته كاثوليكية يوجسلافية. لا اختصاص للمجلس الملى. الاختصاص للمحكمة المدنية.
(ب) تنازع الاختصاص. اختصاص. طلب تعيين المحكمة المختصة. لا يحول دون قبوله عدم صدور حكم من أى من المحكمتين باختصاصها. يكفى أن تعتبر كل منهما نفسها مختصة بالدعوى وتسير فيها على هذا الأساس.
(ج) تنازع الاختصاص. اختصاص. طلب تعيين المحكمة المختصة. لا يحول دون قبوله القول بأن المقصود من رفع النزاع إلى المحكمة الكنسية هو حل رباط الزوجية من الناحية الدينية. علة ذلك.
1 - لما كان اختصاص المجلس الملى للروم الأرثوذكس منوطا باتحاد ملة الطرفين وجنسيتهما المصرية، وكان الزوج مصريا أرثوذكسيا فى حين أن زوجته كاثوليكية يوجوسلافية، وكان لا يؤثر على جنسيتها هذه مجرد كونها قد تزوجت من مصرى بعد العمل بالمادة 9 من القانون رقم 60 لسنة 1950، فان هذا المجلس لا يكون مختصا بنظر دعوى الطلاق المرفوعة اليه من الزوج وتكون المحكمة المدنية هى الجهة الوحيدة المختصة بنظر ما ينشأ بين الزوجين من نزاع يتعلق بأحوالهما الشخصية وذلك وفقا لنص المادتين 12 و13 من قانون نظام القضاء.
2 - لا يحول دون قبول طلب تعيين المحكمة المختصة وفقا لنص المادة 19 من القانون رقم 147 لسنة 1949 المعدلة بالقانون رقم 400 لسنة 1953 ألا يكون قد صدر حكم من المحكمة المدنية بالاختصاص متى كان الثابت أن المجلس الملى قضى برفض الدفع بعدم الاختصاص وباشر نظر الدعوى وأن المحكمة المدنية اعتبرت نفسها مختصة وسارت فيها على هذا الأساس وقطعت شوطا فى سبيل الفصل فيها وسلم الطرفان باختصاصها، وأنزلت هى هذا الاختصاص من نفسها منزلة الأمر المقطوع فيه وتصرفت فى الدعوى على أساس أنها الجهة صاحبة الولاية فى الفصل فيها.
3 - لا يحول دون قبول طلب تعيين المحكمة المختصة قول المدعى عليه بأن الغرض من رفعه الدعوى أمام المحكمة الكنيسة لطائفة الروم الأرثوذكس ما هو إلا التوصل إلى حل رباط الزوجية من الوجهة الدينية، ذلك أنه لا سبيل للتسليم بهذا القول فى مصر حيث تستمد الطوائف الملية ولايتها القضائية من الوثيقة الصادرة فى فبراير سنة 1856 المعروفة بالخط الهمايونى وأقرها القانون رقم 8 سنة 1915 والذى بمقتضاه أصبحت الولاية القضائية التى تباشرها مجالس الطوائف الدينية التى منحت اختصاصها فى مسائل الأحوال الشخصية بالمعاهدات أو الفرمانات تستمد ولايتها من القانون، ولا يغير من هذا النظر أن تكون الهيئة التى نظرت الدعوى مشكلة من أعضاء جميعهم من رجال الدين إذ أن هذا نظام داخلى مرجعه القرار الصادر من المجمع المقدس لهذه الطائفة فى 11 من مايو سنة 1940.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع مرافعة محامى الطالبة والمدعى عليه والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع - كما يبين من الأوراق - تتحصل فى أن ميشيل خريستو إيكونوميدس وهو مصرى الجنسية مسيحى الديانة ارثوذكسى الملة عقد زواجه فى 22 من نوفمبر سنة 1952 فى كنيسة الروم الأرثوذكس بالقاهرة على روزاليا ماريا بلازبيرى وهى يوغوسلافية الجنسية مسيحية الديانه كاثوليكية الملة، وفى 26 من سبتمبر سنة 1953 أقام عليها الدعوى رقم 47 سنة 1953 أمام محكمة كنيسة الروم الأرثوذكس طالبا الحكم بتطليقها منه فدفعت الزوجة بعدم اختصاص المحكمة الكنسية للروم الأرثوذكس لاختلاف الجنسية والملة. وفى 26 من فبراير سنة 1954 أصدرت المحكمة الكنسية حكمها برفض الدفع بعدم الاختصاص. وفى 9 من أبريل سنة 1954 حكمت بقبول الدعوى شكلا وتمهيديا وقبل الفصل فى الموضوع بإحالة الدعوى المقامة من الزوج بطلب الطلاق على التحقيق ليثبت المدعى ما ورد فى أسباب ذلك الحكم بجميع طرق الإثبات بما فيها البينة وعلى المدعى عليها النفى بالطرق عينها وانتدبت لإجراء التحقيق سيادة الأرشمندريت مكاربوس عضو الهيئة، ولرئيسها ندب غيره عند المانع، وكانت الزوجة من جانبها أقامت دعوى الطلاق رقم 7 سنة 1954 أحوال شخصية أجانب، أمام دائرة الأحوال الشخصية للأجانب بمحكمة القاهرة الابتدائية. ونظرت الدعوى بجلسة 17 من فبراير ثم أجلت لجلسة 17 من مارس، ولما أعلن الزوج بصحيفة هذه الدعوى أعلن زوجته فى 22 من مارس بصحيفة ذكر فيها أنه بمجرد أن تسلم عريضة دعوى الطلاق وافق عليها بتاريخ 25 من يناير سنة 1954 وطلب من هيئة المحكمة المنظورة أمامها الدعوى، إثبات حالة التطليق بينه وبين زوجته مما يجعل الدعوى غير قابلة للترك عملا بالمادة 309 من القانون المرافعات. وطلب الحكم بأنه فى حالة فشل محاولة التوفيق القانونية إحالة الدعوى إلى الدائرة كاملة لإثبات الطلاق. وفى 30 من مايو سنة 1953 قدمت السيدة روزاليا ماريا بلازبيرى طلبا إلى رئيس محكمة النقض وطلبت الحكم باختصاص محكمة القاهرة الابتدائية بالفصل فى دعوى الطلاق المرفوعة من زوجها عليها. واستمرت المحكمة الكنسية لبطريركية الروم الأرثوذكس من جانبها فى نظر الدعوى، أما محكمة القاهرة الابتدائية فقد قررت بجلسة 30 من نوفمبر سنة 1954 استجابة لطلب الزوجة وقف السير فى الدعوى حتى يصدر حكم من محكمة النقض لتعيين الجهة المختصة لنظر الطلب - أما الزوج فقد استقرت طلباته فى النهاية على أن محكمة القاهرة الابتدائية هى المختصة الوحيدة بنظر الدعوى المدينة بالطلاق دون غيرها وأن الدعوى المرفوعة منه أمام المحكمة الكنسية ما هى إلا دعوى للبطلان الروحى فقط. واستند فى تأييد هذا النظر إلى أنه لا تنازع فى الاختصاص لاختلاف الغرض من كل الدعويين اختلافا لا يخشى منه وقوع أى تعارض بينهما إذا لحكم الذى يصدر من المحكمة الكنسية غير قابل للتنفيذ ولا يعد حكما بمقتضى القوانين المصرية ولا أثر له على الحقوق المالية والشخصية الناشئة عن الزواج إذ الطلاق ما هو إلا قرار يصدر من كاهن بحل رباط سر الزواج الذى لا يكفى لحله من الوجهة الدينية أى حكم مدنى بل توجب ديانة الزوج أن يحصل عليه لحل سر الزواج ويدونه يبقى الزوج مرتبطا بالزواج ولا يحل له الزواج من أخرى ولو حكم له بالطلاق من المحكمة المدنية. واستند فى ذلك إلى ما جرى عليه العمل فى فرنسا وإيطاليا من وجود محاكم كنسية لدى الكاثوليك لا نعترف بها القوانين المدنية يلجأ إليها الأزواج لحل الزواج وتستأنف أحكامها إلى محكمة عليا لدى الفاتيكان. وأضاف إلى ذلك أن القانون الفرنسى لا يمنع قيام قضاء دينى اختيارى ما دام أن القرارات الصادرة منه لا تنفذها الدولة ولا تتقيد بها المحاكم الفرنسية. وأنه من ذلك يبين أنه لا يوجد تنازع إيجابى يبرر قبول الطلب.
ومن حيث إن النيابة العامة بمذكرتها الختامية الحكم بأن محكمة القاهرة الابتدائية هى المختصة واستندت إلى أن مقومات التنازع الإيجابى المنصوص عليه فى الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون 147 لسنة 1949 المعدلة بالقانون 400 لسنة 1953 توافرت، إذ توجد دعويان بالتطليق، إحداهما أمام المحكمة الكنسية والأخرى أمام محكمة القاهرة الابتدائية ولم تتخل واحدة منهما عن نظر الدعوى المرفوعة لها ولم يعد الحال يستلزم صدور حكم من كل من القضاءين باختصاصه وأن ما يقوله المدعى عليه من أن غرضه من الدعوى المقامة أمام المحكمة الكنسية هو التوصل إلى قرار من الكاهن بحل رباط سر الزواج الذى لا يكفى لحله من الوجهة الدينية أى حكم مدنى - ما يقوله المدعى عليه من ذلك لا محل لقبوله فى مصر، حيث أسبغ الشارع على الطوائف الملية ولاية الفصل فى شئون المنتمين إليها فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية.
ومن حيث إنه فضلا عن أنه لا نزاع بين الطرفين فى أن الزوجة يوغوسلافية كاثوليكية وأن الزوج مصرى أرثوذكسى فإن الزوج قدم شهادة مستخرجة من بطريركية الروم الأرثوذكس تدل على أنه رومى أرثوذكسى وأن زوجته كاثوليكية كما قدمت الزوجة شهادة من المفوضية اليوغسلافية تدل على انتمائها لدولة يوغسلافيا وبطاقة إقامة مؤقتة صادرة من إدارة الجوازات والجنسية المصرية تؤيد ذلك. وعلى ذلك يجب اعتبارها يوجوسلافية الجنسية ولا يؤثر على جنسيتها هذه مجرد كونها قد تزوجت من مصرى وذلك بعد العمل بالمادة 9 من القانون رقم 160 لسنة 1950.
وحيث إنه لما كان اختصاص المجلس الملى للروم الأرثوذكس منوطا باتحاد ملة الطرفين وبجنسيتهما المصرية، وكان الواضح أنهما مختلفان ملة وأن الزوجة أجنبية، فإن هذا المجلس لا يكون مختصا بنظر دعوى الطلاق المرفوعة إليه من الزوج - ولما كانت الزوجة غير مصرية فإن المحكمة المدنية تكون هى الجهة الوحيدة المختصة بنظر ما ينشأ بينها وبين زوجها المصرى من نزاع يتعلق بأحوالهما الشخصية وذلك وفقا لنص المادتين 12 و13 من قانون نظام القضاء، ويكون طلب تعيين المحكمة المختصة وفقا لنص المادة 19 مقبولا. ولا يحول دون قبوله ألا يكون قد صدر حكم من محكمة القاهرة المدنية بالاختصاص ما دام أن الثابت مما تقدم بيانه أن المجلس الملى قضى برفض الدفع بعدم الاختصاص وباشر نظر الدعوى، وأن محكمة القاهرة اعتبرت نفسها مختصة وسارت فيها على هذا الأساس وقطعت شوطا فى سبيل الفصل فيها، وقد سلم الطرفان باختصاصها وأنزلت هى هذا الاختصاص من نفسها منزلة الأمر المقطوع فيه، وتصرفت فى الدعوى على أساس أنها الجهة صاحبة الولاية فى الفصل فيها.
وحيث إنه لا يحول دون قبول الطلب قول المدعى عليه بأن الغرض من رفع الدعوى أمام المحكمة الكنسية لطائفة الروم الأرثوذكس ما هو إلا التوصل إلى حل رباط الزوجية من الوجهة الدينية. هذا القول لا سبيل للتسليم به فى مصر حيث تستمد الطوائف الملية بها ولاية قضائية من الوثيقة الصادرة فى فبراير سنة 1856 المعروفة بالخط الهمايونى أقرها القانون رقم 8 لسنة 1915 وبمقتضاه أصبحت الولاية القضائية التى تباشرها مجالس الطوائف الدينية التى منحت اختصاصها فى مسائل الأحوال الشخصية بالمعاهدات أو الفرامانات أو البراءات العثمانية تستمد ولايتها من القانون - لما كان ذلك وكانت المحكمة الكنسية لطائفة الروم الأرثوذكس - وهى بسبيل نظر دعوى الطلاق المقامة لديها من الزوج - إنما باشرت نظر الدعوى بزعم اختصاصها بها وفقا لهذه الولاية فرفضت الدفع الذى قدمته الزوجة بعدم الاختصاص لاختلاف الملة واختلاف الجنسية - ولا يغير من هذا النظر أن الهيئة التى نظرت الدعوى مشكلة من أعضاء جميعهم من رجال الدين، إذ أن هذا نظام داخلى مرجعه قرار المجمع المقدس الصادر فى 11 من مايو سنة 1940 الذى قرر أن جميع دعاوى الطلاق التى يتقدم بها أهل الطائفة إلى البطريركية تعتبر دعاوى روحية تنظرها فى جميع الأحوال محكمة كنسية مشكلة من رجال الدين وحدهم، بينما تنظر سائر دعاوى الأحوال الشخصية ما عدا الزواج والطلاق أمام محكمة مشكلة من رئيس دينى وعلمانيين بلا تفريق فى الأثر بين الأحكام التى تصدر من المحكمة الكنسية فى حدود اختصاصها عندما تكون مشكلة من رجال الدين وحدهم، أو بين الأحكام التى تصدر وهى مشكلة من رئيس دينى وعلمانيين.
وحيث إنه لذلك تكون المحكمة المختصة بنظر دعوى الطلاق بين الطالبة والمدعى عليه هى محكمة القاهرة الابتدائية (دائرة الأحوال الشخصية) ولا اختصاص للمجلس الملى للروم الأرثوذكس. ومن ثم يتعين قبول الطلب والقضاء بذلك.