أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الأول - السنة 6 - صـ 82

جلسة 4 من نوفمبر سنة 1954
(8)
القضية رقم 278 سنة 21 القضائية

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد وكيل المحكمة، وحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت وكيل المحكمة، ومصطفى فاضل، وأحمد العروسى، ومحمود عياد المستشارين.
عمل. حكم. تسبيبه. قضاؤه بأجر ثلاثين يوما مقابل بدل إنذار لعامل من ذوى المرتبات اليومية. استناده إلى ما استخلصه من الأوراق والوقائع التى عرض لتفصيلها قرار لجنة التحكيم من أن الطرفين قصدا أن تكون معاملة عمال اليومية على أساس أنهم من ذوى المرتبات الشهرية. عدم ورود نعى صاحب العمل على هذا الأساس واكتفاؤه بالقول إن الحكم خالف الثابت بالأوراق. نعى غير مقبول.
متى كان الحكم إذ قضى بإلزام رب العمل بأن يدفع للعامل الذى يتقاضى أجرا يوميا ما يساوى أجر ثلاثين يوما بصفة تعويض لفسخ العقد دون إخطار سابق لم يغفل أن الوحدة الزمنية التى يتقاضى العامل أجره على أساسها هو اليوم، ولم يستند فى قضائه بالتعويض بما يساوى أجر ثلاثين يوما على أساس أنه من ذوى المرتبات الشهرية، وإنما استخلص من الأوراق ومن الوقائع التى عرض لتفصيلها قرار لجنة التحكيم أن الطرفين قصدا إلى أن تكون معاملة العمال على أساس أنهم من ذوى المرتبات الشهرية وأنه ينبغى أخذا بهذا القصد إعمال أثره بينهما فى شأن بدل الإنذار وأنه على هذا الأساس يكون العامل مستحقا قبل رب العمل ما يعادل أجر ثلاثين يوما، وكان رب العمل لم يعيب الحكم فيما استخلصه فى هذا الخصوص، بل قصر النعى على أنه خالف الثابت بالأوراق إذ اعتبر أن العامل من ذوى المرتبات الشهرية فى حين أنه معترف فى صحيفة دعواه بأنه من العمال الذين يتقاضون أجرا يوميا، فإن هذا النعى الذى لم يرد على مبنى الحكم وهو قصد المتعاقدين المستخلص من الأوراق يكون على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحامى عن الطاعنة والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 183 سنة 1950 محكمة القاهرة التجارية على الشركة الطاعنة، وقال فى صحيفتها إنه اشتغل محصلا بالشركة المذكورة منذ سنة 1918 حتى يوليه سنة 1949، وقد بلغ أجره اليومى 51 قرشا بما فيه علاوة الغلاء، وفى 11 من يوليه سنة 1949 فوجئ بفصله من العمل دون سبب أو سابقة إنذار، وأنه لذلك يستحق قبل الشركة أولا المكافأة التى تنص عليها لائحة الشركة وهى أجر نصف شهر عن كل سنة من السنوات الخمس الأولى من مدة خدمته، ثم أجر شهر عن كل سنة من السنوات التالية، ولما كان قد نص فى البند السابع من قرار هيئة التحكيم الصادر فى 3 من يوليه سنة 1949 على أن العمال الذين اشتغلوا بالشركة قبل سنة 1920 تقسم خدمتهم إلى قسمين: تسوى المدة السابقة على سنة 1920 على أساس أجر العامل فى 31 من ديسمبر سنة 1919 وتسوى المدة اللاحقة على أساس آخر أجر كان يتقاضاه عند ترك الخدمة وكان أجر المطعون عليه فى 31 من ديسمبر سنة 1919 مبلغ 360 قرشا شهريا وأجره عند ترك الخدمة 150 جنيها و300 مليم شهريا فيكون مقدار المكافأة المستحقة له 454 جنيها و950 مليما. ثانيا أنه قد فصل دون إنذار ولذلك فإنه يستحق تعويضا مقداره 45 جنيها و900 مليم مقابل أجر ثلاثة شهور كما تنص لائحة الشركة. ثالثا أن له أجر 3 جنيهات و60 مليما مقابل إجازة لم يحصل عليها. رابعا أنه أصيب فى ساقه اليمنى إصابة خطيرة بسبب العمل وأثناء تأدية وظيفته، وبقى تحت العلاج مدة طويلة، وقد قدرت له الشركة مبلغ 28 جنيها بصفة التعويض. خامسا: أنه يستحق مكافأة مقدارها 13 جنيها و320 مليما وهى أجر 37 يوما وذلك بمقتضى البند السابع عشر من قرار لجنة التحكيم المشار إليه. وبذلك يكون جملة المستحق له قبل الشركة مبلغ 545 جنيها و230 مليما. ولما كانت الشركة قد دفعت له مبلغ 300 جنيه فى 28 من نوفمبر سنة 1949 يخصم من ذلك أربعة جنيهات كانت تأمينا لدى الشركة، ثم دفعت له فى30 من نوفمبر سنة 1949 مبلغ 28 جنيها تعويضا عن إصابته فيكون الباقى له فى ذمة الشركة مبلغ 221 جنيها و230 مليما وهو ما يطلب الحكم به. وفى 11 من أكتوبر سنة1950 قضت المحكمة بإلزام الشركة الطاعنة بأن تدفع للمطعون عليه مبلغ 16 جنيها و220 مليما. فاستأنف المطعون عليه هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 163 سنة 1950 تجارى القاهرة الابتدائية، وفى 3 من مايو سنة 1951 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليها (الطاعنة) بأن تدفع للمستأنف (المطعون عليه) مبلغ 141 جنيها و245 مليما. فقررت الطاعنة الطعن فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن مقام على خمسة أسباب، يتحصل السبب الأول: فى أن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر المطعون عليه عاملا من ذوى المرتبات الشهرية وقضى ببدل إنذار على هذا الأساس قد أخطأ فى تطبيق القانون وخالف الثابت فى الأوراق، ذلك أن المطعون عليه مقر فى صحيفة الدعوى أنه من العمال الذين يتقاضون أجرا يوميا حدده بواحد وخمسين قرشا. وهو فى حقيقته خمسون قرشا. وعمال المياومة وفقا لقانون عقد العمل الفردى لهم الحق فى بدل إنذار يقل عن بدل الإنذار الذى فرضه هذا القانون لذوى المرتبات الشهرية.
ومن حيث إن هذا النعى مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الشركة الطاعنة بمبلغ 1500 قرش وهو ما يساوى أجر ثلاثين يوما بصفة تعويض لفسخ العقد دون إخطار سابق أستند فى ذلك إلى أن المطعون عليه وإن كانت أجرته اليومية 50 قرشا إلا أنه ظاهر من أوراق الشركة أن مرتبه الشهرى الأخير 825 قرشا دون علاوة غلاء المعيشة ودون العلاوة المبينة بالكادر وأن مرتبه قبل ذلك كان 360 قرشا لغاية آخر سنة 1919، 675 قرشا لغاية 30/ 9/ 1930 وأن الوقائع التى عرض لتفصيلها قرار لجنة التحكيم فى 24 من يوليه سنة 1949 عند عرض أدوار النزاع بين شركة التزام وعمالها وما دار فى مراحله من وقائع كل ذلك على أن الفريقين قصدا الى أن تكون معاملة العمال على أساس أنهم من ذوى المرتبات الشهرية، وأنه ينبغى أخذا بهذا القصد إعمال أثره بينهما فى شأن بدل الإنذار ويبين من هذا الذى قرره الحكم أنه لم يغفل أن الوحدة الزمنية التى يتقاضى المطعون عليه أجره على أساسها هى اليوم، ولم يستند فى قضائه بالتعويض بما يساوى أجر ثلاثين يوما على أساس أنه من ذوى المرتبات الشهرية وإنما استخلص من الأوراق ومن الوقائع التى عرض لتفصيلها قرار لجنة التحكيم الصادر فى 24 من يوليه سنة 1949، أن الطرفين قصدا إلى "أن تكون معاملة العمال على أساس أنهما من ذوى المرتبات الشهرية وأنه ينبغى أخذا بهذا القصد إعمال أثره بينهما فى شأن بدل الإنذار، وأنه على هذا الأساس يكون المطعون عليه مستحقا قبل الشركة ما يعادل أجر ثلاثين يوما" ولما كانت الشركة الطاعنة لم تعيب الحكم فيما استخلصه فى هذا الخصوص، بل قصرت النعى على أنه خالف الثابت فى الأوراق إذ اعتبر "أن المطعون عليه عامل من ذوى المرتبات الشهرية وقضى له ببدل إنذار على هذا الأساس، مع أن الثابت باعتراف المطعون عليه نفسه فى صحيفة الدعوى أنه من العمال الذين يتقاضون أجرا يوميا حدده المطعون عليه بواحد وخمسين قرشا وثبت أنه خمسو قرشا فقط من واقع الأوراق التى قدمتها الشركة" وظاهر أن هذا النعى لا يرد على مبنى الحكم وهو قصد المتعاقدين المستنبط من الأوراق.
ومن حيث إن السبب الثانى يتحصل فى أن الطاعنة تمسكت بوجوب تطبيق اتفاقية 5 من أغسطس سنة 1948 الموقع عليها منها ومن مندوبى العمال والتى تنص صراحة على احتساب مكافأة العمال فى نهاية مدة خدمتهم على أساس المرتب الأصلى دون علاوة غلاء المعيشة. وأن تظلم العمال من بعض ما تضمنته هذه الاتفاقية لم يشمل النص المشار إليه، الأمر الذى يفيد أن اتفاق العمال والشركة فى هذا الخصوص لا يزال ساريا. ولكن الحكم المطعون فيه إذ أغفل الرد على هذا الاتفاق فإنه يكون مشوبا بالقصور فى التسبيب والخطأ فى تطبيق القانون.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن المحكمة بعد أن استعرضت أدوار النزاع بين الشركة والعمال بشأن مكافأة نهاية الخدمة، وأشارت إلى قرار لجنة التوفيق الصادر فى 11 من أبريل سنة 1948، وإلى كادر العمال المؤرخ فى 5 من أغسطس سنة 1948 والذى تتمسك يه الطاعنة، وإلى تظلم العمال من هذا الكادر، ثم إلى طرح النزاع على هيئة التحكيم بالقرار الوزارى الصادر فى 25 من مايو سنة 1949، وإلى ما تم الاتفاق عليه أمام هذه الهيئة، وإلى قرارها الصادر فى 24 من يوليه سنة 1949 فيما لم يتم الاتفاق عليه - خلصت من ذلك كله إلى أن الوضع الذى اتفق عليه طرفا الخصومة فيما يتعلق بمكافأة نهاية الخدمة وأثبته قرار هيئة التحكيم يقضى باحتسابها على أساس آخر أجر كان يتقاضاه العامل مع ضم إعانة غلاء المعيشة إلى الأجر، وذلك تأسيسا على أن الكادر الصادر فى 5/ 8/ 1948 كان ينص على أن المكافأة تحسب على أساس الأجر الأصلى دون علاوة غلاء، فلما تظلم العمال من هذا الكادر لأنه يمس حقوقهم المكتسبة التى أقرتهم عليها لجنة التوفيق بقرارها الصادر فى 11 من ابريل سنة 1948 "وهى أن إعانة الغلاء تدخل فى احتساب المكافأة الدورية التى تصرف للعمال وكذلك فى مصاريف الجنازة" أعيد طرح النزاع على لجنة التحكيم فاتفق الطرفان فى خصوص المكافأة على أن تحسب على أساس آخر أجر كان يتقاضاها العامل فيما عدا العمال الذين كانوا يشتغلون بالشركة قبل سنة 1920، وأن هذا الاتفاق الذى أقرته هيئة التحكيم لو أنه كان يهدف إلى عدم احتساب علاوة غلاء المعيشة ضمن الأجر لنص على ذلك صراحة كما نصت عليه الشركة فى الكادر السابق، فالعدول عن النص الذى كان يحويه الكادر السابق القاضى صراحة باستبعاد إعانة الغلاء عدول له مغزاه فى أمر كهذا يهم الشركة. ورد الحكم على القول بأن العمال إذ تظلموا من الكادر الصادر فى 5 من أغسطس سنة 1948 لم يعترضوا صراحة على حذف علاوة غلاء المعيشة بأن تظلم العمال تضمن اعتراضهم عليه بصفة عامة لأنه سلب حقوقهم التى اكتسبوها بقرار لجنة التوفيق، وأنه حتى على فرض أن اعتراضاتهم كانت على سبيل الحصر فقد تم بعد ذلك اتفاق صريح على كيفية احتساب تلك المكافأة فهو ملزم للشركة الطاعنة، وأنه لم يكن محل نزاع سابق. ويبين مما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد رد على ما تمسكت به الشركة الطاعنة من وجوب تطبيق الاتفاقية المحررة فى 5 من أغسطس سنة 1948 ورأى أن هذه الاتفاقية كانت محل اعتراض من العمال كان من شأنه أن صدر قرار وزارى بإحالة النزاع على هيئة التحكيم، وفى 24 من يوليه سنة 1949 أثبتت هذه الهيئة ما تم الاتفاق عليه بين الشركة والعمال وأصدرت قرارها فى المسائل الأخرى التى لم يتم الاتفاق عليها، وخلصت من كل ذلك إلى أن الاتفاق الأخير يتضمن احتساب المكافأة على أساس آخر أجر كان يتقاضاه العامل بما فى ذلك إعانة الغلاء استنادا إلى الأسباب السائغة التى أوردتها والسابق بيانها والتى تؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه مشوب بالخطأ فى الإسناد والاستدلال، ذلك أنه أورد فى أسبابه "والظاهر أن ما ينعونه من أوجه الخلاف بين مطالبهم ومطلب الشركة لم يكن إلا على سبيل المثال، لا على سبيل الحصر" - فى حين أن شكوى العمال المقدمة منهم فى 31 من مارس سنة 1949 قد تضمنت بيانات حصرتها هذه الشكوى، وأن هيئة التحكيم قد حصرت مسائل معينة بالذات ليس من بينها إضافة أو عدم إضافة علاوة غلاء المعيشة وحساب مكافأة نهاية الخدمة. ويتحصل السببان الرابع والخامس فى أن الحكم المطعون فيه مشوب بالتناقض فى الأسباب ذلك أنه قرر أن أوجه الخلاف بين مطالب العمال والشركة لم تكن إلا على سبيل المثال ثم عاد وافترض أنها جاءت على سبيل الحصر كما أخطأ فى تكييف قرار هيئة التحكيم إذ وصفه أنه من قبيل الصلح، مع أن واقعة إضافة أو عدم إضافة علاوة الغلاء لمكافأة نهاية الخدمة لم تكن محل نزاع أو تحكيم أو تصالح.
ومن حيث إن النعى على الحكم فى هذه الأسباب مردود بأن المحكمة بعد أن قررت أن اعتراضات العمال على الكادر الصادر فى 5 من أغسطس سنة 1948 كان على سبيل المثال، قالت إنه حتى مع افتراض أن هذه الاعتراضات - كما تقول الشركة الطاعنة - كانت على سبيل الحصر، فإنه قد تم اتفاق صريح بين الطرفين على كيفية احتساب تلك المكافأة، وهو اتفاق ملزم للشركة حتى مع التسليم بأن موضوع الاتفاق لم يكن محل نزاع سابق. وهذا الذى قرره الحكم هو استخلاص سليم ولا تناقض فيه ويتأدى من مدلول ظاهر الاتفاقات السابق الإشارة إليها. وأما القول بأن علاوة غلاء المعيشة لم تكن بالذات محل نزاع بين طرفى الخصومة فإنه لا يعدو أن يكون ترديدا لما ورد بالسبب الثانى.
ومن حيث إنه مما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.