أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الأول - السنة 6 - صـ 244

جلسة 9 من ديسمبر سنة 1954
(31)
القضية رقم 241 سنة 21 القضائية

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت وكيل المحكمة، ومصطفى فاضل، وأحمد العروسى، ومحمد فؤاد جابر المستشارين.
( أ ) وفاء. حكم. تسبيبه. تعهد المدين بوفاء الدين بالجنيه المصرى فى تاريخ معين بحسب السعر الرسمى لليرة الإيطالية فى بورصة روما. تحديد الحكم سعر الصرف فى تاريخ الاستحقاق لا فى تاريخ المطالبة. لا خطأ.
(ب) وفاء. مكان الوفاء. هو محل المدين إلا إذا اتفق على خلاف ذلك. الاتفاق على الوفاء فى محل الدائن بمصر. تعذر الوفاء بسبب قطع العلاقات بين مصر وإيطاليا. عدم قيام الدائن بالمطالبة فى فترة قطع العلاقات. لا يعتبر تقصيرا. واجب المدين هو القيام بالوفاء بعد عودة العلاقات.
1 - إذا اتفق فى العقد على وفاء الدين فى تاريخ معين (نهاية شهر مارس سنة 1940) بالجنيه المصرى طبقا لسعر الليرة الرسمى فى بورصة روما يوم الوفاء وكان الحكم إذ قضى للدائن بقيمة الدين قد حدده بحسب سعر الصرف قى تاريخ الاستحقاق لا فى تاريخ المطالبة (31/ 8/ 1948) كما أراد المدين، فإنه يكون غير صحيح النعى على هذا الحكم بأنه أغفل إرادة الطرفين الظاهرة إذ ليس فى تفسير الحكم لميعاد الدفع بأنه ميعاد الاستحقاق مخالفة لنية الطرفين بل هو التفسير الصحيح لها لأن جعل ميعاد الوفاء غير خاضع لارادة أحد الطرفين هو أمر يفترض حمل قصدهما عليه.
2 - لما كان الأصل فى تنفيذ الالتزام أن يكون دفع الدين فى محل المدين إلا إذا اتفق على خلاف ذلك، وكان الطرفان قد اتفقا على أن يكون الدفع فى محل الدائن بمصر، وكان قد تعذر على المدين أن يقوم بالوفاء بسبب قطع العلاقات بين مصر وإيطاليا ولم يكن كذلك من المجدى أن يقدم الدائن سند الدين إلى الحارس العام فى ذلك الوقت إذ لم يكن فى مقدور هذا الحارس المطالبة به لأن الدين لم يكن ثابتا بالفرع الذى يملكه المدين فى مصر - لما كان ذلك، فإنه لا يمكن نسبة أى خطأ إلى الدائن فى عدم المطالبة بالدين أثناء قطع العلاقات، أما بعد عودة العلاقات فإن من واجب المدين أن يقوم بالدفع فى محل الدائن وفقا لنص العقد، أما وهو لم يفعل فلا يجوز له التحدى بقيام أى خطأ فى جانب الدائن.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة النيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تتحصل كما يبين من الحكم المطعون فيه وباقى أوراق الطعن فى أنه فى 8 من مارس سنة 1940 تمت محاسبة بين الطاعنة والمطعون عليه التزمت الطاعنة بمقتضاها أن تدفع إلى المطعون عليه خمسين ألف ليرة إيطالية بالقاهرة بالجنيهات المصرية حسب السعر الرسمى لبورصة روما فى تاريخ الدفع وذلك على خمسة أقساط كل منها عشرة آلاف ليرة مستحقة الدفع على التوالى فى آخر شهور مارس وأبريل ومايو ويونيه ويوليه سنة 1940. وقامت الطاعنة بالوفاء بأقساط مارس وأبريل ومايو فى مواعيد استحقاقها ولم تدفع قسطى يونيو ويوليو، فأقام المطعون عليه عليها الدعوى رقم 2881 سنة 73 ق فى 31/ 8/ 1948 أمام محكمة مصر المختلطة وطلب الحكم بالزامها بأن تدفع له 325 جنيها والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة إلى الوفاء باعتبار أن هذا المبلغ هو قيمة قسطى يونيو ويوليو بالجنيهات المصرية وقت استحقاقهما. ودفعت الطاعنة الدعوى بأن قيمة هذا المبلغ يجب أن تحتسب بالسعر الرسمى لبورصة روما فى تاريخ المطالبة وأن هذه القيمة توازى 10 جنيهات و57 مليما عرضتها على المطعون عليه عرضا رسميا. وفى 18 من يونيه سنة 1949 حكمت محكمة مصر المختلطة باعتبار العرض الرسمى الحاصل من الطاعنة إلى المطعون عليه بتقديم شيك بمبلغ 10 جنيهات و57 مليما عرضا غير كاف وغير مبرئ للذمة وبالزام الطاعنة بأن تدفع إلى المطعون عليه 276 جنيها و877 مليما مع الفوائد القانونية بواقع 5% ابتداء من المطالبة الرسمية لغاية الوفاء. وأسست حكمها على أن الواضح من سند الدين أن قصد الطرفين كان احتساب مقابل قيمة الدين فى تاريخ استحقاق كل قسط وأن هذا السند لا يتضمن أى التزام على المطعون عليه فى أن يقوم بالمطالبة وقت استحقاق كل قسط وأن تنفيذ الالتزامات يجب أن يكون وفقا لما قصده الطرفان. فاستأنفت الطاعنة هذا الحكم وقيد استئنافها برقم 970 سنة 66 ق استئناف القاهرة. وفى 5 من يونيه سنة 1951 حكمت محكمة استئناف القاهرة بتأييد الحكم المستأنف واتخذت اسباب الحكم المذكور أسبابا لها وأضافت إليها أن ما تنسبه الطاعنة إلى المطعون عليه من مخالفة الأمر العسكرى رقم 158 الذى يلزم كل إيطالى له دين باخطار الحارس العام على أموال الإيطاليين هو أمر لا يخص الطاعنة. وأن عدم قيام المطعون عليه باعذار الطاعنة لا يؤثر على الحق ذاته وهو اقتضاء الدين بحسب سعر القطع يوم الاستحقاق وأن أثر الإعذار ينحصر فى إقتضاء التعويض أى الفوائد من تاريخ حصوله. فقررت الطاعنة بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على سببين يتحصل أولهما فى أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون إذ فسر إرادة المتعاقدين على خلاف ما قصده بأن قرر أن هذه الإرادة اتجهت إلى اتخاذ ميعاد الاستحقاق أساسا لتعيين سعر الصرف - مع مخالفة ذلك لصريح نص الاتفاق الذى جاء به ما ترجمته عن الإيطالية "ولكامل تصفية حقوقكم ورصيدها الناشئ عن انتهاء تعويضكم سابق الذكر تدفع لكم مبلغ 50 ألف ليرة إيطالية فى مصر بحساب الجنيه المصرى محولا بسعر الليرة الرسمى فى بورصة روما يوم الدفع" ومع ما فى ذلك من الخطأ فى تطبيق المادة 199 مختلط التى تحكم النزاع ومخالفة سلطان الإرادة بترك المعنى الواضح الذى عبر عنه الملتزم إلى معنى آخر يناقضه، ومع ما فيه من الخطأ فى تطبيق المادة 140/ 201 مدنى قديم التى توجب أن يكون التفسير بما فيه الفائدة للمتعهد إذا شاب التعبير عن الإرادة شك.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما جاء بالحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه من "أنه من المعترف به من المدعى عليها (الطاعنة) أنها تعهدت بموجب خطاب 8 من مارس سنة 1940 بأن تدفع إلى المدعى (المطعون عليه) مبلغ خمسين ألف ليرة بالقاهرة بالجنيهات المصرية حسب السعر الرسمى لبورصة روما فى تاريخ الدفع - وذلك على خمسة أقساط كل منها عشرة آلاف ليرة فى أشهر مارس وأبريل ومايو ويونيه ويوليه سنة 1940. وأنه من الواضح أن قصد الطرفين انصب على احتساب مقابل قيمة الدين فى تاريخ استحقاق كل قسط وأن الاعتراف بالدين لا يتضمن أى التزام من جانب المدعى بأن يقوم بالمطالبة قبل استحقاق كل قسط، وأن تنفيذ الالتزامات يجب أن يكون وفقا لما حدده الطرفان، وهو فى القضية الحالية أن مقابل قيمة العشرين ألف ليرة يحتسب بالسعر الرسمى لبورصة روما فى تواريخ استحقاق الأقساط أى فى 30 يونيه،31 يوليه سنة 1940"، وهذا الذى جاء بالحكم لا خطأ فيه ذلك بأن نص سند الدين هو: "تثبيتا لاتفاقنا يبقى معلوما صراحة ما يأتى:1 - أن التفويض المعطى لكم بموجب الخطاب المؤرخ 6 من مارس 1937 لجميع عقود التأمين على الحياة لحساب المعهد بمصر بطل مفعوله ابتداء من 9 فبراير سنة 1940، 2 - ولكامل تصفية حقوقكم عن انتهاء تفويضكم السالف الذكر فإن المعهد يدفع اليكم بالقاهرة رصيدكم البالغ خمسين ألف ليرة إيطالية بالجنيه المصرى طبقا لسعر الليرة الرسمى فى بورصة روما يوم الوفاء وذلك على خمسة أقساط بواقع عشرة آلاف ليرة إيطالية لكل قسط وبدون فائدة وفى نهاية الأشهر مارس وأبريل ومايو ويونيه ويوليه سنة 1940" ولما كان يبين من هذا النص أن عبارة "يوم الوفاء" الواردة به حدده الطرفان بأنه نهاية الأشهر مارس وأبريل ومايو ويونيه ويوليه سنة 1940 - وكانت المحكمة فى تفسيرها للاتفاق قد اعملت هذا النص الظاهر - فإنه يكون غير صحيح ما ورد فى هذا السبب من أن المحكمة أغفلت إرادة الطرفين الظاهرة، على أنه مما يؤكد هذه النية الواضحة أن تفسير ميعاد الدفع بأنه ميعاد الاستحقاق يجعل ميعاد الوفاء غير خاضع لإرادة أحد الطرفين وهو ما يفترض حمل قصدهما عليه.
ومن حيث إن السبب الثانى يتحصل فى أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون إذ قضى بأن الوفاء يجب أن يتم على أساس سعر القطع يوم الاستحقاق لا يوم الدفع مع مخالفة ذلك لنص المادة 231 مدنى مختلط الذى يقضى بأنه "يجب أن يكون الوفاء على الوجه المتفق عليه بين المتعاقدين وأن يحصل فى الوقت والمحل المعينين". وقت تأخر وقت الوفاء بخطأ المطعون عليه الذى أخفى سند الدين ولم يقدمه للحارس العام ليتولى المطالبة بقيمته ولم يطالب به إلا بعد مضى ثمانى سنوات وبعد أن تدهور سعر الليرة الإيطالية فلا يصح أن تتحمل الطاعنة نتائج هذا التدهور وهى لم ترتكب خطأ.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الأصل فى تنفيذ الالتزام أن يكون دفع الدين فى محل المدين إلا إذا اتفق على خلاف ذلك وقد اتفق الطرفان فى هذه الدعوى كما سبق البيان على أن يكون الدفع بالقاهرة - أى فى محل الدائن - فإذا كان قد تعذر على الطاعنة أن تقوم بالوفاء بسبب قطع العلاقات بين مصر وإيطاليا فإنه لم يكن كذلك من المجدى أن يقدم المطعون عليه سند الدين إلى الحارس العام فى ذلك الوقت إذ لم يكن فى مقدور الحارس العام المطالبة به إذ الطاعنة تقرر بأن الدين لم يكن ثابتا بفرعها فى مصر، ومن ثم فلا يمكن نسبة أى خطأ إلى الدائن فى عدم المطالبة به وقت قطع العلاقات. أما بعد عودة العلاقات فقد كان من واجب الطاعنة أن تقوم هى بالدفع فى محل الدائن وفقا لنص العقد، أما وهى لم تفعل فلا يجوز لها التحدى بوجود أى خطأ فى جانب المطعون عليه.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.