أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 6 - صـ 557

جلسة 27 من يناير سنة 1955
(71)
القضية رقم 336 سنة 21 القضائية

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة وبحضور السادة الأساتذة: أحمد العروسى ومحمد أمين زكى، ومحمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الواحد على المستشارين.
جبانات. تقادم. متى زول عن الجبانات صفةت الملك العام ويصح تملكها بالتقادم.
الغرض الذى خصصت من أجله الجبانات للمنفعة العامة ليس بمقصور على الدفن وحده بل يشمل أيضا حفظ رفات الموتى بعد دفنهم، وينبنى على ذلك أنها لا تفقد صفتها العامة بمجرد إبطال الدفن فيها، ولا يجوز تملكها بوضع اليد إلا بعد زوال تخصيصها واندثار معالمها وآثارها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحاميين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل كما يستفاد من أوراق الطعن فى أن المطعون عليه أقام دعواه أمام محكمة بنى سويف الجزئية قال فى صحيفتها المعلنة فى 14 من نوفمبر سنة 1940 أن مورثى الطاعنين تعديا بالبناء على جزء من جبانة الشيخ بطيخ التابعة للمنافع العامة المندمجة ببندر بنى سويف الواردة برسم التنظيم 4 المتعمد فى 16 من فبراير سنة 1887 ومندمجة بسكن بندر بنى سويف الواقع تحت رقم 2 بحوض البندر رقم 24 منافع وأن الطاعنين كلفوا بإزالة هذا التعدى وإعادة أرض المنافع إلى أصلها فلم يمتثلوا وبعد أن أوضح فى صحيفة الدعوى مساحة وحدود الجزء المعتدى عليه فى الجبانة طلب فى نهايتها الحكم بأحقية الحكومة للقطعة المذكورة باعتبار أنها من المنافع العامة وبإلزامهم بإزالة تعديهم فى ظرف خمسة عشر يوما من تاريخ النطق بالحكم وألا تجرى الحكومة إزالته بمصاريف ترجع بها على المعلن إليهم. فدفع الطاعنون الدعوى بأن الأرض موضوع النزاع لم تكن جبانة وليست من المنافع العامة وأنه إن كانت جبانة فقد بطل الدفن فيها ووضعوا اليد عليها أكثر من خمسة عشرة سنة - وفى 16 من فبراير سنة 1941 قضت المحكمة الجزئية قبل الفصل فى الموضوع بندب خبير لتحقيق وضع اليد وصفة الأرض موضوع النزاع ولعدم قيام المطعون عليه بدفع أمانة الخبير التى كلف بدفعها قضت المحكمة فى 25 من مايو سنة 1941 برفض الدعوى ارتكانا على ما قررته فى حكمها من جواز تملك أرض الجبانات بوضع اليد بعد زوال صفتها وعلى أن المطعون عليه لم يطعن على مدة وضع يد الطاعنين - فاستأنف المطعون عليه هذا الحكم بصحيفة معلنة فى 5 من يوليه سنة 1941 طالبا إلغاءه والقضاء له بطلباته السابق ذكرها، وفى 7 من نوفمبر سنة 1942 قضت محكمة بنى سويف الابتدائية بهيئة استئنافية بقبول الاستئناف شكلا وقبل الفصل فى الموضوع بندب خبير للانتقال إلى الأرض موضوع الدعوى لمعاينتها وتطبيق مستندات الطرفين عليها لمعرفة ما إذا كانت الأرض جبانة عمومية أم لا وهل بطل الدفن فيها وتاريخ ذلك وهل فقدت بعد ذلك صفتها وزالت معالمها أم لا مع تحقيق وضع اليد ومقداره وسببه ومدته وتوضيح ذلك برسم كروكى وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت المحكمة الاستئنافية فى 22 من مايو سنة 1943 بإلغاء الحكم المستأنف وبأحقية المطعون عليه إلى قطع الأرض المبينة بصحيفة الدعوى باعتبارها من المنافع العامة - ولصدور هذا الحكم فى غيبة الطاعنين عدا الثانى عارضوا فيه بصحيفة معلنة فى 5 من فبراير سنة 1950 فقضت المحكمة فى 31 من مارس سنة 1951 بتأييد الحكم المعارض فيه فقرر الطاعنون بالطعن بالنقض فى هذا الحكم وفى الحكم الصادر من نفس المحكمة فى 7 من نوفمبر سنة 1942 بقبول الاستئناف شكلا.
وحيث إن الطعن بنى على ثلاثة أسباب حاصل أولها أن الحكم الصادر فى 7 من نوفمبر سنة 1942 أخطأ فى تطبيق القانون إذ قضى بقبول الاستئناف شكلا مع أن الحكم المستأنف صدر فى حدود النصاب الانتهائى للمحكمة الجزئية التى أصدرته وقد قدر المطعون عليه قيمة دعواه فى صحيفتها الابتدائية بمبلغ 8 جنيهات و740 مليما باعتبار المتر الواحد 200 مليم وكان يجب على محكمة الدرجة الثانية مراعاة ذلك من نفسها وأن تحكم بعدم جواز الاستئناف دون حاجة إلى الدفع به من الخصوم لتعلقه بالنظام العام.
وحيث إن هذا السبب مردود بأنه يبين من صحيفة الدعوى الابتدائية التى قدم الطاعنون صورة رسمية منها أن المطعون عليه قدر قيمة الأرض التى يطالب بها بمبلغ 82 جنيها و740 مليما وهو ما يزيد عن النصاب النهائى الذى كان مقررا للمحكمة الجزئية إذ ذاك وواضح من الصحيفة المذكورة أن المطعون عليه أن حدد فيها الأرض المعتدى عليها وذكر مساحتها قطعة قال إن قيمة المتر الواحد 200 مليم ولما كان مجموع مساحة القطع المعتدى عليها كما جاء بالصحيفة هو413 مترا و70 سم مربعا فلذا تكون قيمة الدعوى على هذا الأساس 82 ج و740 م وليس 8 ج و274 م كما يقول الطاعنون.
وحيث إن السبب الثانى يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه خالف القانون إذ قضى بأن الجبانة المدعى بتعدى مورثى الطاعنين عليها لم ينته بعد تخصيصها للمنفعة العامة مع أن الثابت من تقرير الخبير الذى ندبته المحكمة أن الدفن بطل فيها منذ أكثر من خمسين سنة.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن الغرض الذى خصصت من أجله الجبانات للمنفعة العامة ليس بقاصر على الدفن وحده بل يشمل أيضا حفظ رفات الموتى بعد دفنهم وينبنى على ذلك أن الجبانات لا تفقد صفتها العامة بمجرد إبطال الدفن فيها ولذا يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب إذ أقام قضاءه تأسيسا على أن الجبانات لا يجوز تملكها بوضع اليد إلا بعد زوال تخصيصها واندثار معالمها وآثارها وأنها لا تفقد صفتها العامة بمجرد إبطال الدفن فيها.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى فهم الواقع الثابت بأوراق الدعوى إذ قرر أن الجبانة لا زالت حافظة لمعالمها وأن الأرض المتنازع عليها تدخل فيها استنادا إلى ما قرره الخبير الذى ندبته المحكمة مع أن الخبير لم يقل فى تقريره إن الجبانة لا زالت حافظة لمعالمها وليس فى أوراق الدعوى ما يدل على حدود الجبانة ومسطحها كما أنه لا يصح الاستدلال بخريطة فك الزمام التى عملت فى سنة 1933 على دخول أرض النزاع فى الجبانة ولا الاحتجاج على الطاعنين بمحضر الجشنى المحرر فى 16 من يوليه سنة 1935 ولا بتقرير مصلحة الطب الشرعى عن العظام التى استخرجت فى غير مواجهة الطاعنين من أجزاء أخرى من الأرض المقال بأنها جبانة قديمة ولم تستخرج من الأرض المقامة عليها منازلهم.
وحيث إن هذا السبب مردود بأنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن قرر فى أسبابه أن الجبانة لم تفقد بعد صفتها العامة وان أرض النزاع داخلة فيها ورتب على ذلك أنه لا يجوز تملكها بوضع اليد أقام قضاءه هذا على ما استقاه من مصادر ثلاثة أو رد دلالة كل منها وهى:1 - محضر أعمال الخبير المؤرخ 10 من يناير سنة 1943 الدال على أنه ظهر له فى المعاينة أنه وجد ببعض أجزاء الجبانة آثار قبور قديمة داخل مدافن قديمة و2 - تقرير الخبير الدال على أن أرض النزاع تدخل ضمن الجبانة حسبما ظهر من تطبيق خريطة فك الزمام و3 - محضر الجشنى المؤرخ 16 من يوليه سنة 1935 المؤيد بمحضر أعمال الخبير والمتضمن أن بأرض الجبانة قبورا ظاهرة على ارتفاع 50 سم من الأرض وأنه عثر فيها على بعض عظام ثبت من تقرير مصلحة الطب الشرعى أنها آدمية وهذه الأدلة التى أوردها الحكم هى أدلة سائغة تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها ويبين من صورة تقرير الخبير المقدمة من الطاعنين صحة ما استخلصه الحكم منه أما النعى على الحكم بالخطأ فى الاسناد إلى محضر أعمال الخبير ومحضر الجشنى فإنه عار عن الدليل إذ لم يقدم الطاعنون صورة منهما ولا يجدى الطاعنين تمسكهم بالشهادة الصادرة من قلم كتاب محكمة بنى سويف الابتدائية فى 30 من سبتمبر سنة 1951 بعدم وجود محضر أعمال الخبير فى ملف الدعوى - وأما ما أشار إليه الطاعنون فى هذا السبب خاصا بعدم وجود ما يدل على حدود الجبانة ومساحتها وعدم جواز الاستدلال بخريطة فك الزمام وبمحضر الجشنى وبتقرير مصلحة الطب الشرعى فهو جدل موضوعى يتعلق بتقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ومن ثم يكون هذا السبب جميعه غير مقبول.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس صحيح متعينا رفضه.