أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 6 - صـ 821

جلسة 10 من مارس سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت وكيل المحكمة، وأحمد العروسى، ومحمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الواحد على المستشارين.

(106)
القضية رقم 299 سنة 22 القضائية

( أ ) اختصاص. ضرائب. طلب رد الرسوم التى حصلها المجلس البلدى بغير حق. اختصاص المحاكم المدنية بهذا الطلب.
(ب) اختصاص. لوائح. أمر إدارى. المقصود بالأمر الإدارى الذى لا يجوز للمحاكم تأويله أو وقف تنفيذه هو الأمر الإدارى الفردى. الأمر الإدارى العام أى اللائحة كالقرار بفرض رسم. حق المحاكم فى التحقق من مشروعيته والامتناع عن تطبيقه إن بدا لها ما يعيبه.
1 - رفع الدعوى بطلب إلزام المجلس البلدى برد قيمة ما حصله من المدعى كرسوم بدون وجه حق هو طلب يدخل الفصل فيه فى ولاية المحاكم المدنية ولا يخرجه من ولايتها أن يكون الفصل فيه يقتضى البحث فى مشروعية المرسوم الصادر بفرض الرسوم.
2 - استقر قضاء هذه المحكمة على أن المادة 18 من قانون نظام القضاء المقابلة للمادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم والتى تخرج من ولاية المحاكم وقف الأمر الإدارى أو تأويله أو الغاءه. إنما تشير إلى الأمر الادارى الفردى دون الأمر الإدارى العام - أى اللوائح كقرار المجلس البلدى بفرض رسم - إذ لا شبهة فى أن على المحاكم قبل أن تطبق لائحة من اللوائح أن تستوثق من مشروعيتها ومطابقتها للقانون فإن بدا لها ما يعيبها فى هذا الخصوص كان عليها أن تمتنع عن تطبيقها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحاميين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه القانونية فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن وقائع الطعن حسبما يستفاد من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراقه، تتحصل فى أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى 720 سنة 74 ق أمام محكمة مصر المختلطة الجزئية فى 20/ 12/ 1948 على المطعون عليه وطلبت إلزامه بأن يدفع اليها مبلغ 201 جنيه و470 مليما قيمة ما استولى عليه بغير حق نظير رسوم بلدية وعوائد مبان لا يستحق منها شيئا. لأن منشآتها التى فرض عليها المجلس تلك الرسوم تخرج عن اختصاصه، بخروجها عن كردون المدينه المحدد لذلك الاختصاص باعتراف المجلس نفسه، ولأنه بعد أن فرض على المنشآت عوائد مبانى وحصلها فعلا، عاد ورد تلك العوائد فيما عدا مبلغ 1 جنيه و470 مليما من ضمن المبلغ المطالب به. ولكنه رغم هذا الاعتراف فرض رسوما سنوية قدرها ماية جنيه ثم حصلها بالفعل عن سنتين من 1/ 5/ 1946 إلى 30/ 4/ 1948 وبذلك أصبحت جملة المبلغ "200 جنيه + 1 جنيه و470 مليما = 201 جنيه و470 مليما" هو المطالب به مع فوائده بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء مع المصروفات والأتعاب والنفاذ بغير كفالة. ولما ألغيت المحاكم المختلطة أحيلت الدعوى إلى محكمة عابدين الجزئية وقيدت برقم 2918 سنة 1949 وقد دفع المطعون عليه الدعوى بأن اختصاصه يشمل جميع المناطق التى تنتفع بالمرافق العامة التى يديرها، وأنه ليس هنالك من تلازم بين عوائد المبانى ورسوم البلدية التى يحق له فرضها - وفى 29/ 3/ 1950 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنفت الطاعنة ذلك الحكم أمام محكمة القاهرة الابتدائية وقيد الاستئناف برقم 1080 سنة 1950 وأصرت على طلباتها مع المصروفات والأتعاب عن الدرجتين - وأمامها دفع المطعون عليه بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لأن مؤداها إلغاء ادارى خاص بفرض رسوم ربطت طبقا للقانون واعتمدها وزير الصحة العمومية فى حدود سلطانه المبين فى القانون، فلا يجوز التظلم منها إلا بالطريق الذى رسمه ذلك القانون وأمام الجهة المعينة فيه. والمحاكم يمتنع عليها تأويل الأوامر الادارية أو إيقاف تنفيذها أو إلغاؤها. وفى 15/ 12/ 1951 قضت محكمة مصر بقبول الاستئناف شكلا وفى موضوعه بقبول الدفع بعدم الاختصاص وبإلغاء الحكم الابتدائى المستأنف وعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى وألزمت الطاعنة بمصروفات الدرجتين ومبلغ مائتى قرش أتعابا للمحاماة. فطعنت الشركة فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على سبب واحد هو الخطأ فى تفسير القانون وفى تطبيقه من عدة وجوه. الأول - أسست الطاعنة دعواها من أول الأمر على أنها تعويض قدرته بالمبلغ المطالب به، واعتبار المحكمة أن المطالبة بالتعويض تتضمن حتما إلغاء وتأويل الأمر الإدارى الصادر من وزير الصحة باعتماد قرار المجلس بربط الرسوم، قول غير صحيح ولا سديد، لأن الطاعنة لم تطلب الإلغاء ولا التأويل ولكنها رأت أن القرار لا ينطبق على المنشآت المملوكة لها، ويكون فى تطبيقه عليها مخالفة للقانون يترتب عليها مسئولية جهة الإدارة بالتعويض عن فعلها الذى وقع مخالفا للقانون، وهو ما يدخل فى اختصاص القضاء العادى طبقا للمادة 18 من قانون نظام القضاء. الثانى - لم ندع الطاعنة أن المطعون عليه غير محق فى فرض الرسوم، ولم تنازع بالتالى فى مبدأ اختصاص المجلس، ولا فى أساس الضريبة. ولكن نزاعها انحصر فى أن المجلس حصل الرسوم منها بغير حق، لأن منشآتها كانت فى ذلك الوقت غير داخلة فى نطاق حدود المجلس (الكردون) المحددة لاختصاصه ثم أدخلت بعد النزاع بمرسوم لاحق. والثالث - أخطأ الحكم فى استناده إلى المادة 21 من القانون رقم 145 لسنة 1944، بمقولة إن للمجلس فرض رسوم مقابل الانتفاع بمرافقه العامة، فى حين أن الرسوم المطالب بالتعويض عنها فرضت تطبيقا للمادة 23 من القانون نفسه. وهى خاصة بالمحال العامة: كالأندية والمحال المضرة بالصحة والمقلقة للراحة والخطرة. والرابع - أضفى الحكم على مرسوم 30/ 10/ 1945 صفة القانون - مع أنه ليس إلا من قبيل اللوائح التى تصدرها السلطة التنفيذية لتسهيل تطبيق القانون. وإذا كان المرسوم قد نص على تشكيل لجان الحصر والتقدير، فليس معنى ذلك أن تتحلل تلك اللجان من نصوص القانون الذى حصر سلطة المجلس فى فرض الرسوم على المحال والمنشآت الداخلة فى اختصاصه - فإن أغفلت اللجان هذه الحدود وتجاوزتها إلى خارج الحدود، فلا شك أن قرارها يكون باطلا عند ذلك فقط. ولا يكون من شأن قرار وزير الصحة باعتماد ذلك القرار، أن يصحح هذا البطلان. والخامس إن ما ذهب إليه الحكم يعطل نص القانون الوارد فى المادة 377 مدنى التى نصت فى فقرتها الثانية على أنه "يتقادم بثلاث سنوات الحق فى المطالبة برد الضرائب والرسوم التى دفعت بغير وجه حق، ويبدأ سريان التقادم من يوم دفعها". والسادس - جرت نصوص المرسوم على تكوين لجنة لنظر التظلمات من الرسوم المفروضة على غرار لجنة المراجعة التى خصصت لنظر التظلمات فى قرارات لجان فرض العوائد، ومع ذلك فقد جرى القضاء على نظر جميع ما عرض عليه من تظلمات لجان العوائد كلما حصل النزاع حول تقدير الرسوم على منشآت أو منازل لا تدخل فى اختصاص البلدية.
ومن حيث إنه يبين مما سبق ذكره أن الدعوى رفعت من الطاعنة بطلب إلزام المجلس البلدى أن يدفع لها مبلغ 201 جنيها و470 مليما قيمة ما تدعى الطاعنة أن المجلس قد حصله منها كرسوم بدون وجه حق - وهو طلب يدخل الفصل فيه فى ولاية المحاكم المدنية ولا يخرجه من ولايتها أن يكون الفصل فيه يقتضى البحث فى مشروعية المرسوم الصادر بفرض الرسوم ذلك لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من أن المادة 18 من قانون نظام القضاء والتى تقابل المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم والتى تخرج من ولاية المحاكم وقف الأمر الإدارى أو تأويله أو إلغاءه، إنما تشير إلى الأمر الإدارى الفردى دون الأمر الإدارى العام - أى اللوائح - كقرار المجلس البلدى بفرض رسم - إذ لا شبهة فى أن للمحاكم بل عليها قبل أن تطبق لائحة من اللوائح أن تستوثق من مشروعيتها ومطابقتها للقانون فإن بدا لها ما يعيبها فى هذا الخصوص كان عليها أن تمتنع عن تطبيقها - ولا محل للاعتراض على هذا الفهم الواضح، بأن تصدى المحاكم لبحث مشروعية اللوائح وجواز امتناعها عن تطبيقها، يعتبر إلغاء لها وهو ما خص به القضاء الإدارى ذلك أن الامتناع عن تطبيق اللائحة يختلف اختلافا جوهريا عن إلغائها - فحق المحاكم فى الرقابة على مشروعية اللوائح - هذا الحق كان مقررا فى مصر قبل إنشاء القضاء الادارى والذى هو مقرر فى فرنسا مع قيام هذا القضاء - لا يؤدى فى حالة الامتناع عن التطبيق، إلى إلغاء اللائحة التى تظل قائمة، بعكس الحكم بإلغائها الذى هو من اختصاص القضاء الادارى، كما أن طلب الإلغاء محدد بمواعيد. أما الدفع بعدم مشروعية اللائحة والمطالبة بالتعويض عما يحصل للأفراد من تنفيذها الخاطئ فلا يحده ميعاد. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى قد خالف القانون متعينا نقضه.