أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 6 - صـ 826

جلسة 10 من مارس سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ سليمان ثابت وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز سليمان، وأحمد العروسى، ومحمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الواحد على المستشارين.

(107)
القضية رقم 395 سنة 22 القضائية

ضرائب. رسوم بلدية. حق المجالس البلدية فى فرض رسوم. محدود بدائرة اختصاص هذه المجالس. المواد 9 و10 و12 و23 من القانون رقم 145 لسنة 1944.
الثابت من المواد 9 و10 و12 و23 من القانون رقم 145 لسنة 1944 التى خولت للمجالس البلدية حق فرض الرسوم المختلفة، أن سلطان المجالس فى هذا الخصوص محدود بدائرة اختصاصها وهى التى تحدد دائما بمراسيم ترفق بها رسومات توضح المعالم وتبعد الشبهات. وإذن فمتى كان المخزن الذى فرض عليه الرسم يخرج عن دائرة اختصاص المجلس البلدى فإن القرار الصادر بفرض هذا الرسم يكون باطلا ولا يغير من ذلك أن يكون المخزن المفروض عليه الرسم يستمد الماء والنور من المجلس البلدى بمقتضى عقد اشتراك خاص.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحاميين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن وقائع الطعن حسبما يستفاد من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراقه تتحصل فى أن المطعون عليها أقامت الدعوى ابتداء أمام محكمة مصر المختلطة ثم حوّلت إلى محكمة عابدين التجارية الجزئية وقيدت برقم 3255 سنة 1949، وقالت فى صحيفتها إن الطاعن حصل منها مبلغ مايتى جنيه قيمة الرسوم البلدية التى فرضها على المخزن المملوك لها والواقع قريبا من بندر ببا، على اعتبار أنه يدخل فى اختصاص المجلس (الطاعن) ويخضع بذلك لما يفرضه من رسوم - ولما كان ذلك المخزن يقع خارج اختصاص المجلس (الكردون) فإن الشركة تكون غير ملزمة بأداء تلك الرسوم التى حصلت منها بغير حق - ولذلك طلبت الحكم لها على الطاعن بتعويض قدرته بقيمة الرسوم المدفوعة منها (200 جنيه) مع الفوائد القانونية بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة فى 21/ 8/ 1948 حتى الوفاء مع المصروفات ولأتعاب. ودفع الطاعن بعدم اختصاص القضاء العادى بنظر الدعوى عملا بأحكام القانون 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، بمقولة إن الطلب موضوع الدعوى يمس قرارا إداريا أصدره بمقتضى السلطة المخولة له بموجب القانون رقم 145 لسنة 1944 الخاص بالمجالس البلدية والقروية، ويعتبر لذلك عملا إداريا لا يجوز للمحاكم إيقافه أو تأويله وإلغاؤه، لأن ذلك كله أصبح من حق مجلس الدولة وحده وفى 18/ 3/ 1950 حكمت محكمة عابدين برفض الدفع وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى التى يتحصل موضوعها فى استرداد ما جبته الادارة من الممول أكثر من القدر الواجب عليه أداؤه. فإن ذلك النزاع مما يدخل فى ولاية القضاء العادى بوصفه نزاعا لا يتعلق بأساس ربط الأموال، وإنما يتعلق بأن الإدارة لم تراع سعر الضريبة على مال يعفيه القانون منها، أو يحدد عليه قدرا معينا جاوزته إلى غير المقرر قانونا - وفى 13/ 5/ 1950 حكمت المحكمة فى موضوع الدعوى بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليها مبلغ مايتى جنيه والفوائد بنسبة 5% من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة فى 21/ 8/ 1948 حتى 15/ 10/ 1949 وبنسبة 4% عن المدة اللاحقة حتى السداد مع المصاريف ومبلغ 500 قرش أتعابا للمحاماة - استأنف الطاعن ذلك الحكم أمام محكمة القاهرة الابتدائية وقيد برقم 283 سنة 1952 س وفى 27/ 5/ 1952 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وبتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف بصفته بالمصاريف ومبلغ مايتى قرش أتعابا للمحاماة. فطعن فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على سبب واحد هو مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله من وجهين: وقد نزل عن الأول منهما. ويتحصل الوجه الثانى فى أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أن مقطع الخلاف فى النزاع بين طرفى الخصومة قائم حول تحقيق ما إذا كان المخزن المملوك للمدعية يخضع للرسوم البلدية التى فرضها الطاعن أولا يخضع بسبب وقوعه أو عدم وقوعه بعيدا عن حدود عوائد أملاك بندر ببا الواجب تحصيل الرسوم البلدية وعوائد الأملاك فيها - ثم قرر الحكم أن للمجلس أن يفرض فى دائرة اختصاصه رسوما على المحال العمومية، وأنه لا جدال فى أن حدود دائرة اختصاص المجلس فى تحصيل الرسوم البلدية المنوه عنها فى المادة 23 من القانون رقم 145 لسنة 1944 هى بعينها دائرة اختصاصه بتحصيل عوائد الأملاك المبنية - هذا الذى يقوله الحكم فيه مخالفة للقانون وخطأ فى تطبيقه وفى تأويله - ذلك أن القانون المشار إليه يفصح فى المواد 9 و10 و12 و23 على أن المجلس البلدى يباشر نشاطه فى مسطح مكانى تمتد إليه وتنتشر فيه وتنتظمه فائدة المرافق العامة التى يتولاها المجلس ويشرف عليها: كمرافق الصحة والتنظيم وعمليات المجارى والطرق والمياه والغاز والكهرباء وأعمال الإسعاف والأمن. وطالما أن هذا النشاط لا يقتصر مداه على نطاق البندر أو المركز الذى يقع فيه المجلس بل يتعداه ويجاوزه إلى ما وراء ذلك. فإنه لا يمكن القول بقصر حق المجلس فى فرض الرسوم البلدية على الدائرة الضيقة التى أراد الحكم أن يحصره فيها والتى يطلق عليها "كردون المدينة" خاصة وأن هذه الرسوم إنما تفرض لقاء ما يفيده الأفراد جميعا داخل نطاق الكردون وخارجه من المرافق العامة التى يتولاها المجلس - وقد قدم الطاعن عقد اشتراك المطعون عليها فى الكهرباء وجاء فى البند العاشر منه على أن توريد الكهرباء قاصر على سكان المدينة القائمين بدفع الرسوم البلدية بانتظام، مما يدل على أن فرض الرسوم إنما كان مقابل الانتفاع بالمرافق العامة - ثم إن الحكم أخطأ أخيرا فى تقريره بوجود تلازم بين دائرة اختصاص المجلس بفرض الرسوم البلدية وبين دائرة اختصاصه بفرض عوائد إضافية على الأملاك - ذلك أن الفرق بين النوعين كبير، إذ يختلف كل منهما عن الآخر فى طبيعته ومحله والحكمة من فرضه فطبيعى أن يختلف مدى حق المجلس فى فرض كل منهما - والواقع أن العوائد إنما تجبى على الأملاك المبنية، وهذه يحددها كردون المدينة، فإذا ما اتسع العمران وتزاحمت المبانى وامتدت إلى خارج ذلك الكردون عدّل نطاقه، وهو ما يحصل دائما وحصل بالفعل فى النزاع الحالى، لأن مخزن الشركة المطعون عليها ادخل فى كردون المدينة فى 16/ 1/ 1950 بالمرسوم الصادر فى 13/ 3/ 1950 وأصبح بذلك خاضعا لعوائد الأملاك المبنية. أما ما يقع خارجه فتجبى عليه ضريبة الأطيان باعتباره أرضا زراعية حكما.
ومن حيث إن هذا النعى مردود بما جاء بالحكم "أن المحكمة ترى فى صياغة نص المادة 23 من القانون رقم 145 لسنة 1944 الخاص بنظام المجالس البلدية والقروية ما يستوجب ثبوت وقوع المحل موضوع الرسوم البلدية داخل حدود المجلس بدلالة قولها (للمجلس أن يفرض فى دائرة اختصاصه رسوما على المحال العمومية). كما أنه لا جدال فى أن حدود دائرة اختصاص المجلس تحصيل الرسوم البلدية المنوه عنها بنص المادة 23 سالفة الذكر هى بعينها حدود دائرة اختصاصه بتحصيل عوائد الأملاك داخلها..." وهذا الذى قرره الحكم صحيح فى القانون، إذ ثابت من المواد 9 و10 و12 و23 من القانون رقم 145 لسنة 1944 التى خولت للمجالس البلدية حق فرض الرسوم المختلفة، أن سلطان المجالس فى هذا الخصوص محدود بدائرة اختصاصها وهى التى تحدد دائما بمراسيم ترفق بها رسومات توضح المعالم وتبعد الشبهات. وهو ما حصل بالفعل فى النزاع الحالى، وقد قرر الطاعن نفسه أن المخزن الذى فرضت عليه الرسوم لم يدخل فى نطاق اختصاص مجلس ببا البلدى إلا بمقتضى مرسوم 13/ 3/ 1950 والمرفق به الخريطة التى قدم صورتها فى حافظته. ومن ثم لم يكن من حق المجلس أن يفرض على المخزن رسوما قبل ذلك التاريخ. ولا يغير من صحة هذا النظر أن يكون المخزن المملوك للمطعون عليها يستمد الماء والنور من مجلس ببا البلدى بمقتضى عقود اشتراك خاصة، لأن حق المجلس فى هذا الخصوص ثابت له بمقتضى المادة 21 من القانون رقم 145 لسنة 1944 التى خولت له أن يقرر رسوما مقابل الانتفاع بالمرافق العامة التى يديرها أو المعهود إليه بإدارتها ولم تقيده هذه المادة بأى قيد. ولذلك يكون النعى فى غير محله متعينا رفضه.