أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 937

جلسة 7 من أبريل سنة 1955
(123)
القضية رقم 2 سنة 25 القضائية "أحوال شخصية"

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت وكيل المحكمة، وأحمد العروسى، ومحمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الواحد على المستشارين.
( أ ) استئناف. أثر الاستئناف. نقل الدعوى إلى محكمة الدرجة الثانية فى حدود ما رفع عنه الاستئناف فقط. تعرض محكمة الاستئناف إلى أمر غير معروض عليها وتسويئها مركز المستأنف بالاستئناف المرفوع منه. خطأ فى القانون.
(ب) أهلية. عوارض الأهلية. السفه والغفلة. تعريف كل منهما.
(ج) أهلية. حكم. تسبيبه. نفيه عن المطلوب الحجر عليه السفه والغفلة بأسباب سائغة. تعرضه بعد ذلك إلى ما شاب تصرفاته من غبن أو إيثار بعض الورثة على البعض الآخر. غير لازم.
1 - لما كان الاستئناف وفقا لنص المادة 409 من قانون المرافعات ينقل الدعوى إلى محكمة الدرجة الثانية بحالتها التى كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط، فإنه لا يجوز للمحكمة المذكورة أن تتعرض للفصل فى أمر غير مطروح عليها وأن تسوئ مركز المستأنف بالاستئناف الذى قام هو برفعه. وإذن فمتى كان الواقع فى الدعوى هو أن الحكم الابتدائى إذ قضى برفض طلب توقيع الحجر أضاف المصروفات إلى جانب الحكومة عملا بالرخصة المستمدة من المادة 882 مرافعات، وكان طالب الحجر هو الذى قام باستئناف هذا الحكم وحده، وكان استئنافه مقصورا بالبداهة على رفض طلب الحجر دون المصروفات التى حكم فيها لصالحه وألزمت بها الخزانة العامة، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام المستأنف بمصروفات الدرجة الأولى يكون قد خالف القانون ولا يغير من هذا النظر أن تكون النيابة قد طلبت فى محضر الجلسة إلزامه بهذه المصروفات.
2 - السفه والغفلة بوجه عام يشتركان فى معنى واحد هو ضعف بعض الملكات الضابطة فى النفس. إلا أن الصفة المميزة للسفه هى أنها تعترى الإنسان فتحمله على تبذير المال وإتلافه على خلاف مقتضى العقل والشرع، أما الغفلة فإنها تعتبر صورة من صور ضعف بعض الملكات النفسية ترد على حسن الإدارة والتقدير. وإذن فمتى كان الحكم إذ قضى برفض طلب الحجر أقام قضاءه على ما استخلصه بالأسباب السائغة التى أوردها من أن التصرفات التى صدرت من المطلوب توقيع الحجر عليه إلى أولاده وأحفاده تدل على تقدير وإدراك تام لتصرفاته ولا تنبئ عن سفه أو غفلة، فإنه لا يكون قد خالف القانون.
3 - متى كان الحكم المطعون فيه إذ نفى عن المطلوب الحجر عليه السفه والغفلة استنادا إلى الأسباب السائغة التى أوردها قد خلص إلى أن التصرفات الصادرة منه إلى أولاده وأحفاده لها ما يبررها سواء أكانت هذه التصرفات تبرعا أو بيعا بأقل من ثمن المثل، فإنه لا يكون فى حاجة بعد ذلك إلى التعرض لحكم الغبن فى البيع أو إيثار المتصرف أحد أولاده عن الآخر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة محامى الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه، ومن سائر الأوراق - تتحصل فى أنه فى 10 من ديسمبر سنة 1953 قدم الطاعن طلبا إلى رئيس نيابة القاهرة للأحوال الشخصية قال فيه إن والدته المطعون عليها بتأثير من شقيقه الأكبر الأستاذ محمد عبد الرحمن حافظ وزوجته وشقيقته السيدة سعادات تجردت من جميع أملاكها فى الفترة بين شهرى يناير وأغسطس سنة 1953 بأن تصرفت بمقتضى عقد رسمى ببيع 41 فدانا و16 قيراطا و18 سهما من ذلك 10 ف لكل من الطاعن وشقيقته و10 أفدنة لكل من حفيدتيها مديحة وكريمة بنتى شقيقة الأستاذ محمد عبد الرحمن حافظ، وذكر فى العقد أن الثمن 5500 جنيه دفع جميعه ليد البائعة، كما تصرفت فى 19 من مايو سنة 1953 ببيع عشرين قيراطا من أربعة وعشرين فى المنزل الذى تقيم فيه مع أفراد الأسرة إلى ابنتها وحفيدتها، وذكر فى العقد أن الثمن 2000 جنيه دفع جميعه إلى البائعة. واستأجرت المطعون عليها منهن الدور الذى تقيم فيه لمدة خمس سنوات بإيجار شهرى مقداره 20 جنيها نص فى عقد الإيجار أنه دفع مقدما، وأما الدور الذى يسكنه الطاعن فقد حررت عنه المطعون عليها عقد إيجار مع شقيقه بصفته وكيلا عنه، ثم رفعت الدعوى رقم 708 سنة 1954 مستعجل القاهرة لإخلائه استنادا إلى أن شقيقه كان يدفع لها الإيجار حتى عزل من الوكالة، ثم توقف عن الوفاء بالأجرة بعد ذلك. وقد قضى فى تلك الدعوى بعدم الاختصاص. وخلص الطاعن من ذلك إلى القول بأن هذه التصرفات تدل على السفه والغفلة إذ ليس من المفهوم عقلا وشرعا أن تقدم المطعون عليها على هذه التصرفات دون أن يقوم مبرر لها. فضلا عن أن الطاعن وهو والد لأولاد خمسة فى حين أن لشقيقه بنتين فقط. وإلى جانب ذلك فإن المطعون عليها قبلت أن تتعاقد فيما يختص بالعشرة أفدنة الخاصة به مع شقيقه بصفته وكيلا عنه فى حين أنه يقيم فى نفس المنزل مما ينتفى معه حكمة استعمال التوكيل وهذه التصرفات تدل على غفلة شديدة إذ أن الغفلة تتحقق كلما كان الشخص يتأثر بغيره ويسهل خدعته أو أن يكون مسلوب الإرادة وإن كان غير معتوه. وأما حالة السفه فظاهرة أيضا إذ أن السفيه هو من يعمل على خلاف حكم الشرع والعقل. وطلب الطاعن الحكم بتوقيع الحجز على المطعون عليها لهذين السببين. وبعد تحقيق الطلب أحيل إلى محكمة القاهرة الإبتدائية دائرة الأحوال الشخصية وقيد برقم 407 سنة 1953 وفى 10 من أبريل سنة 1954 قضت المحكمة برفض طلب توقيع الحجر وإضافة المصروفات إلى جانب الحكومة فاستأنف الطاعن هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 40 سنة 1954 ق القاهرة. وفى 21 من ديسمبر سنة 1954 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا، وبرفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف عدا ما ورد به عن المصروفات فيلزم المستأنف بها عن الدرجتين - فقرر الطاعن الطعن فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على أربعة أسباب يتحصل السبب الأول فى أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله من وجهين: الأول أنه قضى بالغاء الحكم المستأنف فيما يتعلق باضافة المصروفات إلى جانب الحكومة والزام الطاعن بها عن الدرجتين فى حين أن الطاعن هو الذى استأنف الحكم، ولم تستأنفه النيابة: والمادة 409 من قانون المرافعات صريحة فى أن الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التى كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط.
ومن حيث إن النعى على الحكم المطعون فيه فى هذا الوجه فى محله، ذلك أن الحكم الابتدائى إذ قضى برفض طلب توقيع الحجر على المطعون عليها أضاف المصروفات إلى جانب الحكومة مستعملا فى ذلك الرخصة المخولة له بمقتضى المادة 883 مرافعات. ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أن الطاعن هو الذى استأنف الحكم الصادر من محكمة أول درجة، وكان استئنافه مقصورا بداهة على ما قضى به الحكم الابتدائى من رفض طلب توقيع الحجر، ولا يشمل الشق الخاص بالمصروفات، إذ حكم فيها لصالحه وألزمت المحكمة بها الخزانة العامة وفقا للمادة المشار إليها. ولما كان الاستئناف وفقا للمادة 409 من قانون المرافعات ينقل الدعوى بحالتها التى كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ تعرض للفصل فى أمر لم يكن مطروحا عليه، وأنه إذ فصل بإلزام المستأنف بمصاريف الدرجة الأولى أساء للمستأنف مع أنه بوصفه مستأنفا إذا لم يستفد من استئنافه فلا يضار به، وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون مما يستوجب نقضه فى هذا الخصوص. ولا يغير من هذا النظر أن تكون النيابة على ما تزعمه المطعون عليها طلبت فى محضر الجلسة الزام الطاعن بهذه المصروفات.
ومن حيث إن الوجه الثانى من السبب الأول يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن طلب الحجر يقوم على شكوى الطاعن من إيثار والدته لأخيه عليه ورتب على ذلك الفهم أن المالك حر فى التصرف وحر فى الايثار والحرمان، أخطأ فى تحصيل الواقع لأن ما عرضه الطاعن فى هذا الخصوص جاء على سبيل الاستدلال على مخالفة تصرف المطعون عليها لمقتضى الشرع والعقل، وكلاهما يحتم رعاية ذوى الولد الكثير والدخل القليل وكان من أثر هذا الخطأ أن أخطأ الحكم فى القانون إذ وضع قاعدة عامة مؤداها حرية التصرف اطلاقا، فى حين أن الصحيح أن يلتزم المرء فى تصرفه مقتضى الشرع والعقل، وتجنب السرف حتى فى التبرعات وقد أغفل الحكم كذلك بحث التصرفات المنسوبة إلى المطعون عليها وتعرف مدى مطابقتها للشرع وللعقل لينزل عليها حكم القانون. كما أخطأ حين نفى الغفلة عنها بما قاله من أن إجابتها بمحضر النيابة تنبئ عن ادراك وتبرير لتصرفاتها، إذ أن مدلول الغفلة يختلف عن مدلول العته والجنون. فالجنون والعته يشتركان فى أثرهما بالنسبة إلى العقل، فكلاهما آفة تصيبه وتنقص من كماله - أما الغفلة فهى صورة من صور ضعف بعض الملكات النفسية ويستدل عليها بعدم الاهتداء إلى التصرفات الرابحة أو بقبول الغبن الفاحش أو بسهولة الانخداع كما أخطأ الحكم فى القانون إذ قرر أنه لا يصح التحدث عن المساواة فى الارث فى صدد تصرف منجز من عاقل رشيد حال حياته، وأن مناط حرية التصرف هو قواعد القانون المدنى لا أحكام الشريعة، فى حين أن مناط الحجر هو مجافاة التصرف لمقتضى الشرع والعقل، وتلك هى أحكام الشرع.
ومن حيث إن النعى على الحكم فى هذا الوجه مردود، بما جاء بالحكم المطعون فيه من أن أساس طلب توقيع الحجر على المطعون عليها للسفه والغفلة أنها تجردت تماما من أملاكها دون حاجة ودون اثمان المثل ودون أن يبقى فى يدها مال متخلف عن تلك التصرفات. ثم قال أن أقوال المطعون عليها بمحضر النيابة تدل على التقدير والادراك التام لتصرفاتها ولا تنبئ عن غفلة... وقد ذكرت مبررات هذه التصرفات التى لم تخرج عن دائرة أبنائها وأحفادها ومن بينهم طالب الحجر... وأن كل ما يعيبه طالب الحجز على والدته أنها فى تصرفها لم تسو بينه وبين أخيه فى العطاء، وأنها خرجت عن أملاكها بثمن دون القيمة الحقيقية لها وذلك بتأثير أخيه عليها... وهذا القول مردود بأن للمالك أن يهب من ماله لمن يشاء وأن يجعل الهبة فى صورة عقد بيع سواء أقبض الثمن أم لم يقبضه وسواء أكان البيع موافقا لثمن المثل أم دون ذلك، متى كانت أسباب الغفلة معدومة، ومتى كان واضحا أن التصرف قد صدر عن عاطفة شريفة من البر بالابناء والاحفاد بغض النظر عما إذا كان نصيب أحدهم من هذا البر دون غيره - وأنه على ضوء هذه المبادئ تكون تصرفات المطعون عليها والتى خرجت بها عن أموالها العقارية لأبنائها واحفادها مكتفية بحق ثابت لها بالسكنى ومعاش شهرى مقداره ثلاثة وثلاثون جنيها لا يبرر الحجر عليها لسفه أو غفلة. وهذا الذى انتهى إليه الحكم لا خطأ فيه. ذلك أن السفه والغفلة - بوجه عام - يشتركان فى معنى واحد هو ضعف بعض الملكات الضابطة فى النفس إلا أن الصفة المميزة للسفه هى أنها تعترى الإنسان فتحمله على تبذير المال وإتلافه على خلاف مقتضى العقل والشرع أما الغفلة فإنها تعتبر صورة من صور ضعف بعض الملكات النفسية ترد على حسن الإدارة والتقدير. ولما كان الحكم المطعون فيه إذ نفى هاتين الحالتين عن المطعون عليها فقد استند فى ذلك إلى الأسباب السابق بيانها والتى تكفى لحمله فى هذا الخصوص. ولا يؤثر فى هذه النتيجة ما يعيبه الطاعن على الحكم إذ قرر أن أقوال المطعون عليها فى محضر النيابة لا تنم إلا عن استكمال قواها العقلية فى حين أن الجنون والعته - دون السفه والغفلة - هما اللذان يشتركان فى أثرهما بالنسبة إلى العقل. ذلك أن الدعامة الأساسية التى أقيم عليها الحكم فى نفى السفه والغفلة عن المطعون عليها هو ما استخلصه من أن التصرفات التى صدرت من المطعون عليها إلى أولادها وأحفادها تدل على تقدير وإدراك تام لتصرفاتها ولا تنبئ عن سفه أو غفلة. ولها ما يبررها إذ قد صدرت عن عاطفة شريفة وبر بأبنائها وأحفادها. أما ما أورده الحكم عن عدم جواز التحدث عن المساواة فى الإرث فى صدد تصرف منجز صادر من رشيد حال حياته، فإنها كانت فى صدد الرد على ما أثاره الطاعن من أن والدته المطعون عليها لم تعدل فى تصرفاتها بينه وبين أخيه، وما أورده الحكم هو تحصيل صحيح لدفاع الطاعن، وليس فيما قرره فى صدد الرد عليه ما يخالف القانون.
ومن حيث إن السبب الثانى يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور فى التسبيب، ذلك أنه عالج الدعوى على أساس أن المرء حر فى التصرف فى ماله بالهبة لمن يشاء بلا رقيب متى كان مستكملا لقواه العقلية. وكان من نتيجة هذا الفهم الخاطئ لمفهوم الحجر للسفه والغفلة أن سكت عن بحث علة الإيثار والحرمان التى أثارها الدفاع عن المطعون عليها ورد عليها الطاعن. يضاف إلى ذلك أنه نفى الغفلة عن المطعون عليها استنادا إلى ما خلص إليه - على خلاف الثابت فى التحقيق - من أنها كان تجيب على ما يطلب منها إجابة مرتبة، وأنها مدركة ومقدرة لتصرفاتها ومبررة لها، فى حين أن الطاعن عرض كدليل على الغفلة ما دخل فى روعها وهما من أن الطاعن أساء إليها، إلا أن المحكمة أغفلت الرد على هذا الدفاع. كما أنها سكتت عن التعرض لما أثاره الطاعن فى خصوص تقدير العوض بالنسبة إلى التصرفات التى حصلت منها، إذ أن الفدان الذى باعته الطاعنة بمبلغ 130 ج يساوى بالمستندات التى قدمها 300 ج وأكثر من 600 ج، وأن الحصة التى باعتها فى المنزل بمبلغ 2000 ج تقدر بمبلغ 18000 ج، ثم إنها قد اقترضت نقودا فى حين أن لها معاشا وإيراد 41 فدانا وتقيم فى ملكها الخاص. ويتحصل السبب الثالث فى أن الحكم مشوب بالتناقض والغموض ذلك أن الحكمين الابتدائى والاستئنافى أقيما على أسباب متأرجحة فيما يتعلق بوصف تصرفات المطعون عليها، وهل هى بعوض أو بغير عوض، فى حين أن المطعون عليها قررت فى تحقيق النيابة أنها قبضت أثمان ما تصرفت فيه بالبيع وتبقى لديها مبلغ 4500 ج. وهناك فارق بين أن يكون التصرف بعوض أو بغير عوض، إذ أن التصرف فى الحالة الأولى يتعين أن يمتد البحث فى تقدير ذلك العوض، وهل هو عوض المثل أو دونه بقليل أو كثير وإلى تعرف مصيره. أما إذا كان التصرف تبرعا فينحصر البحث فى مخالفة ذلك لمقتضى الدين وحده.
ومن حيث إن هذين السببين مردودان بأن الحكم المطعون فيه، وقد نفى عن المطعون عليها السفه أو الغفلة استنادا إلى الأسباب السابق بيانها، وخلص إلى أن التصرفات الصادرة منها إلى أولادها وأحفادها لها ما يبررها، سواء أكانت هذه التصرفات تبرعا أو بيعا بأقل من ثمن المثل. ومن ثم لم يكن الحكم - بعد هذا التقرير - فى حاجة إلى التعرض لحكم الدين فى البيع، أو إيثار أحد أولادها عن الآخر، متى كان قد ثبت للمحكمة ما يبرر تصرفات المطعون عليها. وأما النعى على الحكم أنه خالف الثابت فى التحقيق إذ استند فى نفى الغفلة عن المطعون عليها إلى ما خلص إليه من تحقيق النيابة من أنها كانت تجيب على ما يطلب منها إجابات مرتبة، وانها مدركة ومقدرة لتصرفاتها ومبررة لها فهو قول مبهم لم يكشف فيه الطاعن وجه المخالفة التى يدعيها. ولا يعدو باقى ما ورد فى هذين السببين أن يكون ترديدا لما ورد فى السبب الأول، وجدلا موضوعيا فى تقدير المحكمة للدليل الذى استندت إليه فى نفى قيام حالة السفه أو الغفلة عن المطعون عليها، وبحسب الحكم أن يكون مقاما على أسباب تكفى لحمله كما هو الشأن فى الدعوى.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن المطعون عليها بلغت 64 عاما خالف الثابت فى الأوراق. لأن الطاعن أثبت بشهادة ميلاد ابنها الأستاذ عبد الرحمن أنها والدة لرجل بلغ 54 عاما مما لا يمكن معه أن يكون سنها أقل من سبعين عاما - ولما كان لتقدير السن دخل فى تقدير سهولة الأنقياد واستلاب الإرادة، فضلا عن جنس الأنوثة، فان إغفال المحكمة هذه الواقعة أثر فى تكوين عقيدتها عن قيام موجب الحجر. كذلك ما قرره الحكم عن اكتفاء المطعون عليها بمعاشها وبحق ثابت بالسكنى فيه مخالفة أخرى للاوراق. لأن الثابت أنها استدانت 2500 ج ومؤدى ذلك أن معاشها وإيراد أطيانها والسكن دون مقابل لم تكفها، ولم تمنعها من الاستدانة. يضاف إلى ذلك أن حقها فى السكنى محدد بخمس سنوات، فهو ليس حقا ثابتا كما يقول الحكم، ولا هو بغير مقابل. فكيف يتسنى للمطعون عليها بعد انقضاء هذه المدة أن تكتفى بمعاش مقداره 33 ج تدفع منه 20 ج فى الشهر.
ومن حيث إن هذا السبب مردود، بأنه ليس فيما قرره الحكم ما يستفاد منه أن سن المطعون عليها كان له أثر فى قضائه برفض طلب توقيع الحجر، وأما ما أورده فى هذا الخصوص فانما كان فى معرض التحدث عن المطعون عليها وخروجها عن أموالها العقارية لأبنائها وأحفادها برا بهم حال حياتها، وتمكينا لهم من البسطة فى الرزق، وأن تصرفا هذا شأنه لا يبرر الحجر عليها لسفه أو غفلة. وأما القول بأن معاش المطعون عليها لا يكفيها، وأن حقها فى السكنى فى المنزل محدد لمدة خمس سنوات، فهو لا يعدو أن يكون جدلا فى تقدير المحكمة لحالة المطعون عليها بعد خروجها عن أموالها الثابتة لأولادها وأحفادها وأن لها من معاشها وحقها فى سكنى المنزل ما فيه الكفاية لها، وهو تقدير موضوعى مقام على أسباب تسوغه.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن على الحكم فى الوجه الأول من السبب الأول فى محله مما يستوجب نقضه فى هذا الخصوص.
ومن حيث إن الموضوع - بالنسبة إلى ما ورد بهذا الوجه - صالح للحكم فيه.
ومن حيث إن الحكم الاستئنافى إذ قضى بالغاء الحكم الصادر من محكمة أول درجة فيما قضى به من إضافة المصروفات إلى جانب الحكومة، وإلزام الطاعن بها قد خالف القانون لما سبق بيانه ويتعين إلغاؤه فى هذا الخصوص.
ومن حيث إن الطعن على الحكم فيما عدا ذلك على غير أساس مما يستوجب رفضه.