أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 969

جلسة 14 من أبريل سنة 1955
(126)
القضية رقم 424 سنة 21 القضائية

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت وكيل المحكمة، وأحمد العروسى، ومحمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الواحد على المستشارين.
( أ ) التزام. عقد. الدفع بعدم التنفيذ. مناطه. هو تقابل الالتزامات. حق محكمة الموضوع فى استظهار هذا التقابل. مثال.
(ب) وفاء. التزام. تنفيذ الالتزام. التنفيذ العينى هو الأصل. التنفيذ بمقابل. شروط الحكم به.
(ج) تسجيل. بيع. حق ارتفاق. ترتيب المدين حق ارتفاق على عقاره ومحافظة صاحب الحق عليه بالتسجيل. النص فى قائمة شروط البيع على وجوب احترام حقوق الارتفاق الظاهرة والخفية. تمسك الراسى عليه المزاد بحسن نيته. غير منتج.
1 - مجال إثارة الدفع بعدم التنفيذ مقصور على ما تقابل من التزامات طرفى الاتفاق ومناط ذلك إرادتهما وهو ما لمحكمة الموضوع حق استظهاره. وإذن فمتى كان الواقع هو أن المدعى عليه قد اشترى قطعة أرض تجاور ملك المدعى فأظهر هذا الأخير رغبته فى أخذ هذه الأرض بالشفعة ولكن إجراءاتها لم تتم لاتفاق عقد بيع الطرفين تنازل المدعى بمقتضاه عن السير فى دعوى الشفعة كما دفع مبلغا من المال إلى المدعى عليه وذلك فى مقابل إنشاء حق ارتفاق على عقاره لمصلحة عقار المدعى وهو عدم التعلية لأكثر من ارتفاع معين، كما ورد فى الاتفاق أن المدعى قد تعهد بترك مترين بطول ملكه ليكون مع ما يتركه المدعى عليه فضاء أو حديقة لمنفعة العقارين المتجاورين، وكانت المحكمة قد استخلصت من عبارات الاتفاق ونصوصه أن التزام المدعى بدفع المبلغ والتنازل عن طلب الشفعة هو مقابل التزام المدعى عليه بترك جزء فضاء من ملكه وعدم قيامه بتعلية بناء عمارته لأكثر من الارتفاع الوارد بالاتفاق وأن المدعى قد وفى بالتزامه بدفع المبلغ والتنازل عن الشفعة وأنه كان على المدعى عليه أن ينفذ التزامه بعدم تعلية البناء لأكثر من الارتفاع المتفق عليه، وأنه لا يجوز له التحدى بقيام المدعى بالبناء فى الأرض التى تعهد بتركها فضاء لأن هذا الالتزام مستقل عن الالتزامات المتقابلة التى رتبها العاقدان ولا مجال للتعرض لهذا الالتزام أو البحث فى الإخلال به لأن محله هو التداعى استقلالا، وكان هذا الذى استخلصته المحكمة هو استخلاص سائغ تحتمله نصوص العقد وتفيده عباراته، فإنه يكون فى غير محله تذرع المدعى عليه بالدفع بعدم التنفيذ فى مقام الرد على دعوى المدعى إذا هو طالبه باحترام التزامه بعدم التعلية.
2 - التنفيذ العينى للالتزام هو الأصل والعدول عنه إلى التعويض النقدى هو رخصة لقاضى الموضوع تعاطيها كلما رأى فى التنفيذ العينى إرهاقا للمدين وبشرط ألا يلحق ذلك ضررا جسيما بالدائن. وإذن فمتى كانت المحكمة قد رأت أن عدم التنفيذ العينى من شأنه أن يضر بالدائن ضررا جسيما فإنه لا تثريب عليها إذ هى أعملت حقا أصيلا لهذا الدائن وقضت بالتنفيذ العينى ولا شأن لمحكمة النقض فى التعقيب عليها فى ذلك.
3 - إذا كان المدين المنزوعة ملكيته قد رتب على عقاره حق ارتفاق لمصلحة عقار آخر وحافظ صاحب العقار المخدوم على هذا الحق بالتسجيل ليكون حجة على الكافة، وفضلا عن ذلك تضمنت قائمة شروط البيع النص على التزام الراسى عليه المزاد احترام حقوق الارتفاق الظاهرة والخفية فإن تحدى هذا الأخير بحسن نيته وادعاءه عدم علمه بوجود هذا الحق يكون غير منتج.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحاميين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن واقعة الدعوى - على ما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن الخواجه أبرامينو منشه كان يملك العمارتين رقم 13 ورقم 15 بشارع سليمان باشا وكان أرنست ديفار ويملك العمارة رقم 14 بحارة الدرمللى وشارع الشيخ حمزه والواقعة خلف العمارتين المذكورتين من الجهة الشرقية وقد عاصر الوقت الذى اشترى فيه أرنست ديفار وأرض عمارته ممن كان يملكها ويدعى "موسى كوهين" أن أعلن أبرامينو منشه أرنست ديفارو برغبته فى أخذ الأرض التى اشتراها هذا الأخير بالشفعة وكان غرضه من الشفعة أن يحفظ على ملكه النور والهواء والمطل ثم رأى الطرفان "منشه وديفارو" أن يتفقا فيما بينهما ومهدا بهذه البواعث فى صدر الاتفاق الذى تحرر بينهما بتاريخ 28 من أبريل سنة 1920 وتسجل فى 28 من يونيه سنة 1920، وكان أهم ما تضمنه هذا الاتفاق أن قرر أرنست ديفارو بأن ينشئ بمقتضى هذا العقد لمصلحة "منشه" ولكل خلف له حق ارتفاق المطل والنور والهواء والمرور وحق ارتفاق عدم البناء ويحمل قطعة الأرض التى يملكها هذه الحقوق وهذه القطعة تجاور من الغرب العمارتين المملوكتين لأبرامينو منشه وحقوق الارتفاق هذه المقررة فى مصلحة العقار المملوك لأبرامينو منشه والمقررة للاستعمال الخاص بهذه العقارات تنصب على جزء من الأرض مساحته 294 مترا و10 س مربعا تحد شمالا وبطول خمسة أمتار بشارع الشيخ حمزه ويلتزم أرنست ديفارو بأن يترك هذا القدر من الأرض طليقا من كل بناء وهذا القدر من الأرض من قطعة من الأرض مملوكة لأبرامينو منشه وممتدة بطول ملكه يكونان فضاء أو حديقة ينتفع بها العقاران المتجاوران ويتعهد ديفارو بتسوير هذا الفضاء من الجهة الجنوبية أما فى الجهة البحرية فيقيم بابا من الحديد أو من الخشب طبقا لما يرى يمكن الدخول منه إلى هذا الفضاء...الخ، ثم ذكر أيضا أن ديفارو يتعهد بأن لا يقيم على باقى قطعة الأرض المملوكة له إلا عمارة مكونة من أربعة أدوار تحتها دكاكين وبارتفاع 26 مترا... وبهذا ينشئ لمصلحة أبرامينو منشه وخلفائه حق ارتفاق صريح ثم ورد بالبند الثالث من ذات الاتفاق أن إنشاء حقوق الارتفاق السالفة الذكر وهى التى ينشئها ديفارو قد دفع مقابلها ثمن إجمالى قدره 800 ج دفعها النائب عن منشه إلى ديفارو الذى يقر بقبضها ويعطى مخالصة عنها وأخيرا نص فى الاتفاق على تنازل منشه عن طلب الشفعة الذى كان قد وجهه إلى ديفارو إتماما لهذا الاتفاق..." حدث بعد هذا أن اتخذ بنك باركليز ضد أرنست ديفارو إجراءات نزع ملكية عن أرض وبناء العمارة التى أقامها ديفارو على الأرض محل الشفعة والتى حرر بشأنها اتفاق 28 من أبريل سنة 1920 وهى رقم 14 حارة الدرمللى وشارع الشيخ حمزه ورسا مزادها على الطاعن بتاريخ 13 من ديسمبر سنة 1941 ثم استلمها بموجب محضرى تسليم رسميين فى 19 من يناير سنة 1942 كما تملك مورث المطعون عليهما العمارتين رقم 13، ورقم 15 بشارع سليمان باشا بطريق الشراء من المحكمة المختلطة إثر إجراءات مزاد بيع اختيارى بمعرفة ورثة منشه وذلك فى سنة 1941 وما أن تم شراء الطاعن للعمارة رقم 14 المشار إليها حتى بادر بالاتفاق مع أحد المقاولين لاستكمال بناء طابق خامس وتعلية طابق سادس وقد بدأ العمل فعلا وبعد مضى بضعة أشهر وكان العمل قد قارب الانتهاء وجه المرحوم مرقص سميكه "باشا" إنذارا للطاعن فى 13 من سبتمبر سنة 1942 منبها عليه فيه بمراعاة نصوص اتفاق 28 من ابريل سنة 1920 وبإزالة ما زاد من المبانى على الحد المتفق عليه وهو ما لا يتجاوز 26 مترا ولما لم يحفل الطاعن بذلك رفع مورث المطعون عليهما الدعوى رقم 2918 سنة 1942 مستعجل مصر ضد الطاعن وطلب فى صحيفتها الحكم بإيقاف أعمال البناء فقضى له ابتدائيا بذلك فى 6 من أكتوبر سنة 1942 فاستأنف الطاعن هذا الحكم بصحيفة أعلنت فى 8 من أكتوبر سنة 1942 وقيد استئنافه برقم 1364 سنة 1942 س مصر مستعجل فرأت الهيئة الاستئنافية أن تنتقل لمعاينة عين النزاع وتم انتقالها فعلا فى 19 من نوفمبر سنة 1942 وحرر محضر المعاينة بما شاهدته الهيئة من وجود بعض المبانى الجديدة بعمارة المستأنف وهى عبارة عن بعض الغرف المكملة للغرف القديمة التى كانت بالدور الرابع كما أقيم الدور الخامس برمته وبعض غرف بالسطح لم تركب أبوابها ولا شبابيكها بعد وثبت من المعاينة كذلك أن ارتفاع عمارة المستأنف من نهاية دورة السطح إلى منسوب رصيف شارع الشيخ حمزة بلغ 29 مترا و94 س كما لوحظ أن المستأنف أنشأ شقتين بالدور الرابع فى الجهة القبلية والغربية خلافا للشقق القديمة الثلاث الواقعة فى الأركان القبلية الشرقية والبحرية الشرقية والبحرية الغربية وأن بلاط الشقتين الجديدتين لم يستكمل بعد وأما عن واجهة عمارة المستأنف الواقعة على الأرض الفضاء بين العمارتين فقد وجدت السقالات لا زالت مشدودة عليها والعمال يصعدون وينزلون عليها بمهمات البناء ووجد أن المسافة بين السقالات الموضوعة ومبانى بلكونات عمارتى "المطعون عليهما" لا تزيد على 4 أمتار و55 سنتى فى كل دور وأن العمال فى صعودهم ونزولهم يجرحون سكان الشقق المقابلة بعمارتى المطعون عليهما... وبتاريخ 23 من نوفمبر سنة 1942 قضت المحكمة الاستئنافية بتأييد الحكم المستأنف فطعن الطاعن فى ذلك الحكم بطريق النقض وقيد طعنه برقم 15 سنة 13 ق فقضت محكمة النقض فى 17 من يونيه سنة 1943 بعدم جواز الطعن لأن الحكم المطعون فيه لم يكن صادرا من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية فى مادة وضع يد بل فى مادة مستعجلة - إلا أن الطاعن رفع إلى قضاء الأمور المستعجلة الدعوى رقم 286 سنة 1943 فى صورة إشكال فى تنفيذ حكم إيقاف الأعمال المشار إليه طالبا إلغاء ما تم من التنفيذ خارجا عما ورد بمنطوق الحكم المنفذ به وكان رد المطعون عليهما على هذه الدعوى أن طالبا فى ذات الدعوى إقامة حارس قضائى لتعيين الخفراء اللازمين لوقف كل عمل جديد حتى يفصل فى الموضوع وفى 30 من نوفمبر سنة 1942 صدر الحكم فى الدعويين برفض الاشكال واعتبار ما تم من تنفيذ فى حدود ما صدر به الحكم المنفذ به وفى موضوع طلب الحراسة باقامة المرحوم مرقص سميكه باشا حارسا بلا أجر على مكان التنفيذ الموضح بمحضر إيقاف البناء المؤرخ فى 25/ 11/ 1942 لرعاية وقف كل عمل جديد يزيد على ارتفاع 26 مترا من عمارة الطاعن إلى أن يفصل نهائيا فى موضوع الإزالة مع التصريح له بتعيين الخفراء اللازمين لذلك وقد استأنف الطاعن ذلك الحكم فى 6/ 12/ 1942 وقيد استئنافه برقم 187 سنة 1943 فتنازل هو عن الاستئناف فى خصوص الاشكال فأثبتت المحكمة تنازله وعرضت لموضوع الحراسة وقضت بتأييد الحكم المستأنف فى خصوصه ولكن الطاعن رغم هذا كله حاول تكملة البناء فاضطر المطعون عليهما إلى رفع الدعوى رقم 1076 سنة 1944 مستعجل مصر ضد الطاعن بطلب تعديل مأمورية الحارس القضائى بحيث يكون من حق الحارس حيازة جميع أعمال البناء التى تمت زيادة على 26 مترا وأن يكون من حقه منع أى شخص من محاولة تكملة البناء أو محاولة الانتفاع بهذه المبانى الزائدة وفى 12 من مارس سنة 1944 قضت المحكمة المستعجلة بتعديل مأمورية الحارس على النحو الذى عرض له الحكم وقد استأنفه الطاعن أيضا وقضى بتأييده بتاريخ 3 من مايو سنة 1944 وكان مورث المطعون عليهما قد أقام قبل ذلك وعلى التحديد فى 18 من أكتوبر سنة 1942 الدعوى الحالية رقم 132 سنة 1943 مدنى كلى مصر أمام محكمة مصر الابتدائية ضد الطاعن قال فى صحيفتها المعلنة بتاريخ 18/ 10/ 1942 إنه يتمسك بالسند المحرر فى 28 من أبريل سنة 1920 والمسجل فى 28 من يونيه سنة 1920 وبحقوق الارتفاق الناشئة عنه بين منشة وديفارو وقد تبين للمدعى أن المدعى عليه "الطاعن" فى الدعوى المستعجلة قد أقام البناء وأتمه فعلا مخالفا بذلك الاتفاق المشار إليه مما يجب إزالته عينا بهدم ما زاد على الارتفاع المتفق عليه وانتهى المورث المذكور إلى طلب الحكم له بإزالة المبانى التى تمت حديثا بعمارة المدعى عليه رقم 14 حارة الدرمللى والشيخ حمزه على أن تكون الازالة على مصاريف المدعى عليه "الطاعن" وإلا قام المدعى بالإزالة على نفقة المدعى عليه مع المصاريف والاتعاب. وقد أوقفت الدعوى لوفاة المرحوم مرقص سميكه باشا بتاريخ 19/ 11/ 1944 حتى عجلها الورثة "المطعون عليهما" بتاريخ 8 من مايو سنة 1945 وسارت الدعوى حتى قضى فيها ابتدائيا بتاريخ 19 من مايو سنة 1949 بطلبات المطعون عليهما وأسست المحكمة قضاءها على أن الحق المقرر فى اتفاق 28 من أبريل سنة 1920 هو حق عينى لا شخصى كما يقول الطاعن وأنه تكليف على عقار مقرر لمنفعة عقار آخر مادة (30) مدنى قديم وهو من الحقوق التى تنتقل بالتسجيل وتعتبر حجة على الكافة وأن ما يريده الطاعن من قياس على حكم المادة 65 مدنى قديم هو قياس غير صائب لأنه أقام بناء على ملكه بأدوات ومهمات من عنده مع وجود عقد يمنعه من ذلك بينما المادة 65/ 1 مدنى قديم المشار إليها تفترض وجود شخصين أحدهما مالك للأرض والآخر مالك للمهمات التى يستعملها فى البناء مع عدم وجود عقد يحدد العلاقة بينهما. وأما عن نظرية الضرر التى ساقها الطاعن وقال إنه منعدم فى صورة هذه الدعوى ولا مصلحة للمطعون عليهما فى طلب الإزالة وإلا كان ذلك تعسفا منهما فى استعمال حقهما فمردود بأن المصلحة والضرر متوافران وأن للمطعون عليهما الحق فى طلب الإزالة منعا للضرر وأن المطالبة بتنفيذ اتفاق مشروع لا يتولد عنه خطأ بل الخطأ يتولد عن الإخلال بتنفيذ الاتفاق وعدم احترام شروطه، استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافه بجدولها العام تحت رقم 760 سنة 66 ق وطلب فى صحيفته المعلنة بتاريخ 6 من أكتوبر سنة 1949 إلغاء الحكم المستأنف والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون عليهما بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين واستند إلى ذات الأسباب التى تناول الرد عليها الحكم المستأنف وهى شخصية الحق وإعمال الفقرة الثانية من المادة 265 مدنى قديم ثم الضرر وإنكار وقوعه والمصلحة وما يتولد عنها من تعسف إلا أنه عاد فعدل عن هذا الدفاع كله بمقولة إن مقطع النزاع الحقيقى فى الدعوى ليس فى بيان طبيعة الحق المشار إليه أهو عينى أم شخصى ولا فى بيان كيف ينتقل بقوة القانون من مالك إلى مالك لأن طلب الإزالة فى معناه طلب التنفيذ العينى لالتزام عدم التعلية وهذا الالتزام بصرف النظر عن مصدره وطبيعته كان موجودا فعلا فى علاقة المالكين الأصليين ببعضهما البعض وكان مستعجلا بناء على طلب أحد طرفى الاتفاق المرتب له فعلى فرض أنه التزام ناشئ عن وجوب احترام الحق العينى أو الشخصى وعلى فرض أنه انتقل بالتسجيل أو بخلافه فإن المطالبة بتنفيذه عينا بالإزالة لها شروط وقيود تلك هى التى ينبغى بحثها فى ضوء النصوص المقررة فى باب التنفيذ العينى وأن طلب هذا التنفيذ العينى على فرض قيامه فإنه قد انقضى نتيجة لإهدار الخصم للالتزام المقابل له... إلى آخر ما جاء بهذا الدفاع، إلا أن محكمة الاستئناف قضت بتاريخ 28 من أكتوبر سنة 1951 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف مع إلزام الطاعن بالمصاريف وبمبلغ 15 ج مقابل أتعاب المحاماة، وذلك تأسيسا على: 1 - أن القول بأن عقد 28 من أبريل سنة 1920 قد أنشأ ارتفاقات متقابلة وأن المطعون عليهما ومورثهما من قبل قد خالفا مقتضى هذا الاتفاق بإقامة "دكان" على جانب الفضاء المتفق على تركه وتخصيصه لمنفعة العقارات المملوكة لطرفى العقد فانفسخ الاتفاق بفعلهما وسقط حقهما فى مطالبة الطرف الآخر بالوفاء بالتزامه لأن عليه أن يوفى هو بما التزم به أولا - هذا القول مردود بأن الوضع الصحيح للنزاع ليس فى تحدى المشترى بأنه أخل ببعض واجباته على فرض حصول هذا الإخلال بل فى وجوب امتناع البائع وخلفائه عن كل فعل يتعارض مع واجب الضمان الذى فرضه عليه القانون: 2 - إن القول بأن التنفيذ العينى يخضع لضوابط وضعها الفقه والقضاء ثم قننها المشرع الحديث فى المادتين 203، 1018 مدنى جديد ومنها أنه إذا كان التنفيذ العينى مرهقا للمدين جاز الاقتصار على طلب التعويض قول لا محل له لعدم سريان القانون الجديد على واقعة الدعوى، ومع كل فإن مدلول النصين هو أن الإزالة هى الأصل والعدول عنها جوازى إذا رأت المحكمة ما يبرر عدم إجابة طلب الإزالة وهو ما لم تره المحكمة فى الدعوى ولأن قيام الطاعن بالبناء خلافا لاتفاقه هو إهدار للحق الذى تملكه معه "منشه وخلفاؤه" بل هو قضاء على الحق وإزالته تماما فإذا جاء صاحب الحق ليطالب بحقه تحداه الطاعن ونعى عليه التعسف فى طلبه إذ لم يقع عليه ضرر وهذا نظر غير سديد لما فيه من مصادرة للمالك فى ملكه وتغليب مصلحة غير مشروعه على مصلحة مشروعة بل وفيه إعفاء الضامن من الضمان الذى فرضه عليه القانون ومكافأته للمخل بواجبه الذى قبض عنه نقدا مبلغا من المال وتنازل عن حقه فى الشفعة ورغم الثابت بالأوراق والمعاينة أن عقارات المطعون عليهما تتأثر من البناء الذى استحدثه الطاعن من ناحية النور والهواء والمطل وتصبح أكثر تعرضا لرؤية الجيران تلك أهم أسباب الحكم الاستئنافى. فطعن الطاعن عليه بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على سببين يتحصل أولهما فى أن الحكم المطعون فيه شابه قصور مبطل له ومسخ لمستندات الدعوى فضلا عن خطئه فى تطبيق القانون - ذلك أن اتفاق 28 من أبريل سنة 1920 كان ملزما للجانبين "منشه وديفارو" ومنشئا لحقوق متبادلة بينهما تقررت على وجه التقابل ينتفع بها العقاران المتجاوران ومحل هذه الحقوق أن الأرض الباقية لأرنست ديفارو قد تقرر عليها حق ارتفاق عدم التعلية والأرض المتروكة فضاء بين العقارين والمملوكة لصاحبى العقارين كل بقدر ما ترك من ملكه الأصلى قد تقرر عليها حق ارتفاق المرور والمطل ولما كان مورث المطعون عليهما قد نقض الاتفاق المحرر بينهما بأن أقام "دكانا" على جانبى الأرض الفضاء المتروكة بين العقارين والمخصصة لخدمتهما معا فإن فى هذا معنى الفسخ الصريح للاتفاق من جانب المطعون عليهما يخوّل للطرف الآخر أن يعدل من جانبه كذلك وأن هذا العدول مما ينطوى تحت نص المادة 246 مدنى التى تقرر قاعدة عامة محصلها أن لكل من التزم بأداء شئ معين أن يمتنع عن الوفاء به ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين ومرتبط به ولكن الحكم المطعون فيه لم يفطن إلى هذا الدفاع القانونى وطرحه أخذا بدفاع خصومه من أن اتفاق 28 من أبريل سنة 1920 لا يرتب ارتفاقات متبادلة أو متقابلة على طرفيه وإنما يرتب ارتفاقات على عاتق أرنست ديفارو وحده ووصل من ذلك إلى أن مورث المطعون عليهما لم يقع منه إخلال بالعقد ولا إهدار لأحكامه ثم أيد الحكم هذه النتيجة بقوله إنه بفرض وقوع إخلال مما يدعيه الطاعن فلا يجوز له أن يتمسك به بطريق الدفع فى الدعوى وإنما له أن يتمسك به بطريق دعوى يرفعها بطلب الحكم باعتبار العقد مفسوخا وأنه "لا يمكن أن يقال إن منشه التزم على ملكه بالتزام لمصلحة عقار مملوك له وإن ما اشتراه مورث المطعون عليهما هو أن لا يقيم ديفارو بناء على الأرض الفضاء وألا يرتفع البناء على ما بنى من ملكه لأكثر من 26 مترا وأما ترك منشه المترين على طول المبانى والتى تركها فضاءا طليقا من البناء فلا يمكن أن يكون هذا الترك التزاما بحق لأرنست ديفارو" وهذا الذى ذهب إليه الحكم لا يسند النتيجة التى انتهى إليها بل يعارض الإشارة الصحيحة التى وردت فى العقد وتكررت فى موضعين منه ومفادها أن "منشه" قد رتب على ملكه ارتفاقا لمصلحة المالك المجاور وليس من التسبيب المقبول أن يهمل الحكم ذلك الذى أورده العقد مكتفيا بمجرد النفى الذى لا بيان فيه مع أن عبارة العقد دالة بمفهومها على عكس ذلك تماما كما وأن أركان الارتفاق حسب ضوابطها القانونية متوفرة فى اتفاق 28 من أبريل سنة 1920 إذ ترك الفضاء بين العقارين مع تخصيصه لخدمتهما معا هو تكليف قصد به إيجاد ممر للعقارين وتوفير الهواء والنور مما يتحقق به المعنى الفنى الدقيق للارتفاق المشار إليه وهو ما أشار إليه نفس المطعون عليهما فى صحيفة افتتاح دعواهما فإهدار الحكم لمقررات العقد ومقررات الخصوم بصحيفة دعواهم وهى نصوص توجب اعتبار التكليف الذى تقرر فيها على عقارات المطعون عليهما من قبيل الارتفاقات القانونية يكون قد مسخ الثابت بالأوراق وخالف القانون فضلا عن قصور تسبيبه مما يستوجب نقضه.
ومن حيث إنه يبين مما أثبته الحكم أن المحكمة بعد أن استعرضت وقائع الدعوى التى تتحصل فى أن "ديفارو" سلف الطاعن اشترى قطعة أرض فضاء تجاور ملك "ابرامينو منشه" سلف المطعون عليهما فأظهر "ابرامينو منشه" رغبته فى أخذ العقار المبيع بالشفعة ولكن إجراءات الشفعة لم تتم لاتفاق الطرفين فى 28 من أبريل سنة 1920 والذى سجل فى 28 من يونيه سنة 1920 وبمقتضى هذا الاتفاق تنازل "ابرامينو منشه" عن السير فى دعوى الشفعة كما دفع إلى "ديفارو" مبلغ 800 جنيه وذلك فى مقابل إنشاء حق ارتفاق على عقاره لمصلحة عقار "منشه" وهو عدم التعلية لأكثر من 26 مترا وترك 294 مترا فضاء كما ورد فى الاتفاق أن "منشه" يتعهد بترك مترين بطول ملكه ليكون مع ما يتركه "ديفارو" فضاء أو حديقة لمنفعة العقارين المتجاورين - وقد استخلصت المحكمة من عبارات الاتفاق ونصوصه أن التزام "ابرامينو منشة" بدفع مبلغ الـ 800 ج إلى "ديفارو" سلف الطاعن وكذلك التزامه بتنازله عن طلب الشفعة الذى كان قد وجهه إليه هو مقابل التزام "ديفارو" ترك 294 مترا من ملكه فضاء وبغير بناء وعدم تعلية بناء عمارته لأكثر من 36 مترا وأن "منشه" وفى التزامه فعلا بدفع المبلغ والتنازل عن الشفعة فكان على الطاعن بوصفه خلفا "لديفارو" فى هذه الإرتفاقات أن ينفذ التزامه وألا يتجاوز الارتفاع المتفق عليه وأنه لا يجوز له التحدى بأن المطعون عليهما بوصفهما خلفا "لمنشه" قد خالفا التزاما نص عليه اتفاق 28 من أبريل سنة 1920 وذلك ببناء "دكان" على جزء من قطعة الأرض الممتدة بطول ملكهما" والمتفق على تركها فضاء لانتفاع العقارين المتجاورين - لا محل للتحدى بذلك لأن هذا الالتزام الذى يدعيه الطاعن إنما هو التزام مستقل عن الإلتزامات المتقابلة التى رتبها المتعاقدان فى خصوص الارتفاق الصريح الذى أنشأه "ديفارو" على ملكه والتزم باحترامه وأنه لا مجال للتعرض لهذا الالتزام أو لبحث الإخلال به فى هذه الدعوى إذ محله التداعى استقلالا - ومتى كان هذا هو مبنى الحكم المطعون فيه كما يستفاد من عبارته فلا محل لتذرع الطاعن بالدفع بعدم التنفيذ فى مقام الرد على دعوى المطعون عليهما إذا هما طالباه باحترام التزام سلفه بعدم التعلية وليس فى هذا أقيم عليه الحكم مخالفة للقانون أو مجافاة لعبارات الاتفاق بل هو استخلاص سائغ تحتمله نصوص العقد وتفيده عباراته مما ينتفى معه القول بالمسخ أو القصور كما أن مجال إثارة الدفع بعدم التنفيذ مقصور على ما تقابل من التزامات الطرفين ومناط ذلك إرادتهما وهو ما لمحكمة الموضوع حق استظهاره على ما سلف بيانه ومن ثم يتعين رفض هذا السبب.
ومن حيث إن السبب الثانى يتحصل فى أنه على فرض قيام اتفاق 28 من أبريل سنة 1920 فإنه ما يطلبه المطعون عليهما من تنفيذ الالتزام الناشئ عن هذا الاتفاق تنفيذا عينيا إنما يخضع فى وزنه وتقديره للضوابط التى وضعها الفقه والقضاء والتى قننها التشريع المدنى الحديث فى المادتين 203 و1018 ومفادهما أنه إذا كان التنفيذ العينى مرهقا للمدين جاز أن يقتصر على طلب التعويض النقدى ما دام لا يلحق بالدائن ضررا جسيما إذا رأت المحكمة ما يبرر ذلك. ويبرر الطاعن تطبيق هذه المبادئ على حالته بأنه كان حسن النية إذ تلقى الملك بالمزاد العام بالمحكمة وظل على حسن نيته وقت أن شرع فى البناء فى 12 من مايو سنة 1942 حتى اوشك على إتمامه فى 12 من سبتمبر سنة 1942 دون اعتراض من المطعون عليهما وأن ضررا لم يلحقها فم يخل مسكن من عمارتهما أو طالب ساكن بتخفيض الاجرة أو شكا متضررا من عملية البناء - والحكم المطعون فيه إذ عرض لهذا الدفاع رد عليه بأن سلف المطعون عليهما قد شهر حق الارتفاع وحفظه بالتسجيل الذى أصبح حجة على الكافة وليس الطاعن من الكافة بل هو خليفة البائع تلقى الملك عنه محملا بما عليه من تكاليف وإلتزامات وواجبات منها وجوب التعرف على تلك الحقوق المسجلة والمدونة بالشهادات العقارية كما أنه اشترى من المزاد على مقتضى قائمة بشروط البيع ذكر فيها وجوب احترام حقوق الارتفاق المقررة على العقار إيجابية كانت أو سلبية ظاهرة أو خفية وهذا الذى أورده الحكم مخالف للقانون إذ لا يكفى لاعلام المشترى بوجود ارتفاق غير ظاهر أن يكون مسجلا بل لا بد من اخطار المشترى أخذا بأحكام المادة 310 مدنى قديم التى وردت فى باب ضمان المبيع وسحب الباحثون حكمها على مثل صورة الدعوى وما دام الطاعن لم يعلن بوجود ارتفاق عدم التعلية وهو حق سلبى غير ظاهر فإن التعلية المشكو منها إنما تمت بحسن نية فيعامل فاعلها معاملة البانى حسن النية ولا أهمية فى هذا المقام لما تضمنته قائمة شروط البيع بالمزاد من الإشارة إلى حقوق الارتفاق على العين المبيعة لأن ذلك كان من باب استكمال الصياغة والأسلوب التى جرى العرف بها كما أن الخيار المقرر فى المادة 203 مدنى لم يترك للمحكمة كما قال الحكم المطعون فيه خطأ بذلك بل هو متروك للمدين المطلوب منه التنفيذ العينى هذا من جهة ومن الجهة الأخرى فإن المحكمة قيدت سلطتها فى رفض طلب الإزالة بضرورة توفر صورة واحدة بعينها وهى صورة التعسف من جانب الدائن وليست هى الصورة الوحيدة التى عنى المشرع بالإشارة إليها فى المذكرة الإيضاحية عن المادة المذكورة وأخيرا فإن الحكم قد أغفل الرد على ما طلبه الطاعن من تطبيق الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون المدنى الجديد التى تفيد أن استعمال الحق يكون غير مشروع إذا كانت المصالح التى يرمى المدعى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها - والحكم المطعون فيه إذ أغفل بحث كل ذلك يكون قد أخطأ تطبيق القانون مما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن التنفيذ العينى للالتزام هو الأصل والعدول عنه إلى التعويض النقدى هو رخصة لقاضى الموضوع يتعاطاها كلما رأى فى التنفيذ العينى إرهاقا للمدين وعلى ألا يلحق ذلك بالدائن ضررا جسيما وثابت مما أورده الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بالتنفيذ العينى واستجاب لطلب الإزالة بقوله "ولا محل للتعلل بالمادتين 203 و1018 من القانون المدنى الجديد لعدم سريانه على الدعوى الحالية ومع كل فإن مدلول النص فى هاتين المادتين هو أن الإزالة هى الأصل والعدول عنها جوازى إذا رأت المحكمة ما يبرر عدم الإزالة وذلك فى الأحوال التى يكون من التعسف إجابة طالب الإزالة ما طلبه خلافا لما هو حاصل فى هذه الدعوى" وذلك لما استبان للمحكمة من تحقق الضرر بالدائن طالب التنفيذ العينى بسبب ما استحدثه الطاعن من بناء فوق عمارته حيث قالت "على أن وقوع الضرر بسبب تجاوز مبانى (الطاعن) 26 مترا وإن كان ليس ضروريا إبرازه واستظهاره كيما تستقيم دعوى المطعون عليهما فإنه قد ثبت فعلا فى محضر الانتقال الذى أجرته محكمة الأمور المستعجلة فى القضية رقم 1364 سنة 1942 س مصر أن عقارات المطعون عليهما تتأثر من هذا الارتفاع فى الضوء والهواء وتصبح أكثر تعرضا لرؤية الجيران..." فلا تثريب على المحكمة إذا هى أعملت حقا أصيلا للمطعون عليهما وهو التنفيذ العينى ولا شأن لمحكمة النقض فى التعقيب عليها فى ذلك ولا محل لتحدى الطاعن بحسن النية أو ادعائه عدم علمه بوجود هذا الارتفاق أو تعسف المطعون عليهما فى استعمال حقهما فى هذا الخصوص لأن ذلك فضلا عن كونه تقديرا موضوعيا مما يستقل به قاضى الدعوى فإنه غير مجد إزاء ما هو ثابت بالأوراق من التزام الطاعن باحترام حقوق الارتفاق الظاهرة والخفية حسبما تضمنته قائمة شروط البيع التى تدخل الطاعن فى المزاد على مقتضاها ولأنه بشرائه اعتبر خلفا "لأرنست ديفارو" فكان يتعين عليه احترام هذه الارتفاقات التى رتبها هذا السلف على ملكه وحفظها سلف المطعون عليهما بالتسجيل لتكون حجة على الكافة ومتى تقرر ذلك كان النعى على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون أو بفساد الاستدلال لا محل له مما يتعين معه رفض هذا السبب.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.