أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 1048

جلسة 28 من أبريل سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: محمد نجيب أحمد وكيل المحكمة، وعبد العزيز سليمان، ومحمود عياد، ومحمد أمين زكى المستشارين.

(137)
القضية رقم 126 سنة 22 القضائية

( أ ) عمل. قانون إصابات العمال رقم 64 لسنة 1936. سريانه على جميع موظفى الحكومة غير الدائمين.
(ب) عمل. عقد. عقد إذعان. اتفاق ورثة العامل المتوفى أثناء تأدية وظيفته وبسببها مع الحكومة على مبلغ معين. ليس من عقود الإذعان.
1 - يسرى قانون إصابات العمل رقم 64 لسنة 1936 على جميع عمال ومستخدمى الحكومة الذين ليسوا من الموظفين الدائمين أصحاب الحق فى المعاش طبقا لقوانين المعاشات.
2 - اتفاق ورثة العامل الذى توفى أثناء أداء وظيفته وبسببها مع الحكومة على مبلغ معين وتوقيعهم على المخالصة بهذا المبلغ ليس من الاتفاقات التى تتضمنها عقود الإذعان.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل فى أن الطاعن أقام على المطعون عليهم الدعوى رقم 566 لسنة 1948 مدنى كلى أسيوط وطلب فيها إلزام المطعون عليهما الأول والثانى ووزارة المواصلات المطعون عليها الثالثة بأن يدفعوا إليه متضامنين مبلغ خمسمائة جنيه على سبيل التعويض تأسيسا على أن ابنه أرميا ابراهيم بخيت كان يشتغل عاملا باليومية بمصلحة السكة الحديدية وفى مساء يوم 15/ 11/ 1946 حدث أثناء عمله أن أمره المطعون عليه الأول وهو عامل المناورة بأن يقوم بربط إحدى العربات بالقاطرة التى كان يقودها المطعون عليه الثانى فإذا بها قد دهمته فأصيب بإصابات جسيمة أودت بحياته وكان ذلك نتيجة خطأ المدعى عليهما الأولين إذ أهملا فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإسعافه فضلا عن عدم مبادرتهما إلى التبليغ للجهات المختصة فى حينه وقد أتاح لهما ذلك فرصة التلفيق فى التحقيق مما ترتب عليه قيد الحادث برقم 22 لسنة 1947 عوارض بندر أسيوط الذى انتهت النيابة فيه إلى حفظ التحقيق مع أن إهمال المطعون عليهما الأولين كان واضحا ويستلزم مسئوليتهما عن التعويض بالتضامن مع الحكومة لإشرافها عليهما وأن القانون المنطبق فى هذه الحالة هو القانون العام لا قانون إصابات العمل رقم 64 لسنة 1936 الذى كان ساريا وقت حصول الحادث وأنه على فرض جواز تطبيقه فإن المادة الرابعة منه لا تجيز إعمال نصوصه لأن الخطأ الذى وقع من المطعون عليهم كان فاحشا. ودفعت الحكومة الدعوى بأنها تخضع لقانون إصابات العمل وقد ارتضى ورثة المتوفى تطبيق أحكامه وقبلت مصلحة السكة الحديدية ذلك وصرفت لهم مبلغ 91 جنيها و500 مليم وخص والدى المتوفى مبلغ 61 جنيها وخص أخويه القاصرين باقى المبلغ المصرح بصرفه وقدم محامى الحكومة إقرارا مؤرخا 16/ 6/ 1947 وموقعا عليه من والدة المتوفى ومن الطاعن عن نفسه وبصفته وليا على ولديه وتضمن هذا الإقرار قبول الورثة مبلغ التعويض الذى قدرته المصلحة بسبب إصابات العمل التى نشأت عنها وفاة المصاب أثناء تأدية عمله وتعهد الورثة على هذا الإقرار بأنهم بمجرد استلام مبلغ التعويض لا يحق لهم مطالبة الحكومة أو مصلحة السكة الحديدية أو أحد مستخدميها بأى مبلغ آخر عن الحادث لا فى الحال ولا فى الاستقبال وأرفق بهذا الإقرار مخالصة فى نفس التاريخ باستلام كل وارث نصيبه. وفى 28 من يناير سنة 1950 قضت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 191 لسنة 25 ق محكمة استئناف أسيوط التى قضت فى 14 من فبراير سنة 1952 بالتأييد للأسباب التى بنى عليها الحكم المستأنف ولما أضافته من أسباب أخرى.
ومن حيث إن الطعن بنى على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون وقصوره فى التسبيب ذلك أن المطعون عليها الثالثة حسبما هو ظاهر من دفاعها تمسكت بأن التعويض المستحق لورثة المتوفى قد دفع وفقا لأحكام قانون إصابات العمل رقم 64 لسنة 1936 فقضت المحكمة بالتعويض على أساس أن الطاعن ارتضى أن يعامل بموجب قانون إصابات العمل ولكنها لم تبين فى حكمها إن كان الحادث قد نشأ عن خطأ فاحش من جانب صاحب العمل كما لم تبين أجر المتوفى إذ أن تقدير أجر العامل أمر أساسى لتقدير التعويض وفقا لقانون إصابات العمل وقد ظل مقدار أجر المتوفى محل خلاف إلى أن فصل نهائيا فى الدعوى ولا يكفى أن تقول المحكمة إن الطاعن قد قبل فاتورة صاحب العمل لأن المادة الرابعة من القانون رقم 64 لسنة 1936 تنص على أن كل اتفاق يقصد منه تخفيض التعويض المستحق للعامل المصاب بسبب الحادث أو للمستحقين بعد وفاته عن الفيات المقررة بهذا القانون يعتبر باطلا وكأن لم يكن ورغم ذلك فإن الحكم المطعون فيه لم يتحدث عن هذه العناصر التى يتوقف عليها صحة تطبيق قانون إصابات العمل مما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن هذا النعى مردود بأنه وإن كان مورث الطاعن من عمال الحكومة الذين ينطبق عليهم قانون إصابات العمل رقم 64 لسنة 1936 لأنهم ليسوا من الموظفين الدائمين الذين لهم حق فى المعاش طبقا لقوانين المعاشات ولأن المادة الثانية من القانون المذكور تنص على أنه يسرى على جميع العمال وقد أشارت إلى ذلك المذكرة التفسيرية لهذا القانون إذ جاء بها أنه يسرى إطلاقا على جميع العمال والمستخدمين لدى الحكومة أو لدى الأفراد إلا أن الطاعن لم يقدم ما يدل على أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بما أثاره فى سبب نعيه عن مقدار أجر مورثه ومن ثم يكون نعيه فى هذا الخصوص عاريا عن الدليل متعينا رفضه وقد قدمت الحكومة إلى محكمة الاستئناف شهادة رسمية مؤشرا عليها منها مودعة ضمن أوراق الطعن وتتضمن أن الأجر اليومى لمورث الطاعن 100 مليم وقد صرف للورثة تعويض مقداره 91 جنيها و500 مليم ولا يدعى الطاعن أنه يقل - محسوبا على هذا الأساس - عما هو منصوص عليه فى قانون إصابات العمل أما ما ينعى به الطاعن على الحكم من أنه لم يبين أن الحادث قد وقع من خطأ فاحش فمردود عليه بما سيجئ بيانه عن الرد على السبب الثانى.
ومن حيث إن الطاعن ينعى فى السبب الثانى على الحكم المطعون فيه قصوره وخطأه فى تطبيق القانون ذلك أنه تمسك فى دفاعه أمام محكمة الاستئناف بأنه قد وقع خطأ فاحش من جانب المطعون عليهم مما يجعلهم مسئولين عن التعويض وفقا للقانون العام ووفقا للفقرة الأولى من المادة الرابعة من القانون رقم 64 لسنة 1936 التى تنص على أنه لا يجوز تطبيق قانون آخر خلاف قانون إصابات العمل ما لم يثبت وقوع خطأ فاحش من جانب صاحب العمل. وأن هذا الخطأ ثابت (أولا) من تأخر المطعون عليهما الأولين فى التبليغ عن الحادث. (ثانيا) من إقرارهما فى التحقيقات أنهما دفعا العربة دون ربطها بالقاطرة. (ثالثا) من معاينة النيابة التى اتضح منها أنه لا توجد اضاءة كافية بمحل الحادث ومع ذلك لم يرد الحكم على هذا الدفاع الجوهرى وهو من شأنه أن يتغير له وجه الرأى فى الدعوى بل اكتفى بنفى وجود الخطأ إستنادا إلى أن النيابة أصدرت قرارا بالحفظ مع أن هذا القرار لا يجوز قوة الأمر المقضى قبل المضرور من الحادث فلا يحول بينه وبين رفع الدعوى المدنية التى يقوم الدليل فيها على وقوع الخطأ ونسبته إلى المدعى عليه.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما قرره الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه من "إن الثابت من محضر التحقيقات رقم 22 لسنة 1947 عوارض بندر أسيوط أن ابن المدعى أثناء قيامه بعملية فصل صهريجين وتحويلهما إلى سكة أخرى لإلحاقهما بالقطار المسافر مستعينا فى ذلك بقطار المناورات الموجودة بالمحطة كان يدفع العربات فانحشر من تصادم القطار وتصادم العربات ومات لساعته ولم يسفر التحقيق الذى أجراه البوليس والنيابة وقت الحادث عن مسئولية أحد ممن كانوا يشتغلون معه فى عملية الفصل والإلحاق وثبت أن الحادث حصل قضاء وقدرا......" ثم رتب الحكم على ذلك انتفاء ركن الخطأ الموجب للمسئولية العامة يسيرا كان أو جسيما - وهذا الذى استخلصه الحكم هو استخلاص موضوعى سائغ يكفى لحمله ويستقيم به قضاؤه وليست المحكمة بعد ما بينته فى حاجة إلى الرد على ما أثاره الطاعن فى نعيه إذ فيما أقامت عليه قضاءها الرد الضمنى على ما تمسك به. وأما ما ينعاه على الحكم من أنه استند فى نفى المسئولية إلى قرار حفظ النيابة فمردود بأن المحكمة بعد ما بينت فى أسباب حكمها ما استظهرته هى من انتفاء أى خطأ وفقا لقواعد المسئولية المدنية العامة قالت إن النيابة حفظت التحقيقات إداريا - ويبين من ذلك أنها لم تؤسس حكمها على قرار حفظ النيابة وأن ما جاء بأسباب حكمها بصدد هذا الحفظ كان على سبيل الرواية لما اتخذته النيابة فى هذا الخصوص لا على سبيل أن المحكمة قد اتخذته دعامة لقضائها.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه شابه القصور وخالف القانون ذلك أن الطاعن تمسك فى دفاعه بأن أحكام قانون إصابات العمل لا ينطبق غير أن المحكمة لم تقطع برأى فيما إذا كان هذا القانون يسرى على الحادث أم أنه لا يسرى عليه كما لم تتبين فى حكمها إن كان المبلغ المدفوع يعتبر مطابقا لأحكامه أم أن المخالصة المأخوذة على الطاعن تعتبر طبقا لأحكام الفقرة الثانية من المادة الرابعة منه باطلة أم صحيحة - وإن لم يكن قانون إصابات العمل منطبقا سواء لأن مورث الطاعن لا يعتبر من العمال المعينين بهذا القانون أم لأن الحادث قد نشأ عن خطأ فاحش فيزيد التعويض وفقا للفيات المقررة فيه أم لأنه خاضع لأحكام القانون العام فإن المحكمة كان يجب عليها أن تتناول فى بحثها كل ذلك غير أنها عندما قدمت إليها ورقة التخالص لم تلق بالا إلى بحث صحتها أو بطلانها مع لزوم ذلك لتطبيق القانون على وجهه الصحيح.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما سبق الرد عليه فى السببين الأول والثانى فضلا عن أنه يبين من أسباب الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على انتفاء الخطأ إطلاقا مما رتب عليه عدم تطبيق قواعد المسئولية العامة وهذا الذى حمل عليه الحكم لا قصور فيه ويستقيم به قضاؤه.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وشابه القصور - أما وجه القصور فلأن الطاعن تمسك فى دفاعه بأنه إذ قبل مخالصة 16/ 6/ 1947 قد وقع فى غلط فى القانون يجعل تلك المخالصة قابلة للإبطال وفقا للمادة 122 مدنى "جديد" كما تمسك بأن الإيصال الذى وقع عليه كان غير قابل للمناقشة فإما وقع عليه وقبض المبلغ الذى تضمنه وإما رفض التوقيع ولم يقبض شيئا وفى هذه الحالة يكون قبوله التوقيع على ورقة المخالصة قد تم بطريق الإذعان مما يخضع التقدير القاضى - وتمسك أيضا بأن التعهد الذى اشتملت عليه المخالصة قد وقع باطلا عملا بالمادة 149 مدنى "جديد" التى تنص على بطلان عقود الاذعان غير أن الحكم المطعون فيه لم يبحث المخالصة على ضوء ما تقدم وهذا القصور يبطله.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما قرره الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه من أن الطاعن وباقى ورثة المتوفى بعد أن ارتضوا أن يعاملوا بمقتضى قانون إصابات العمل ليس لهم بعد قبولهم وتعهدهم بعدم مطالبة السكة الحديدية أو أحد مستخدميها بأى مبلغ أن يتمسكوا بطلب التعويض وبما قرره الحكم المطعون فيه من أنه لا محل لبحث الغلط الذى يدعيه الطاعن إذ يبين من المخالصة المقدمة أنه قبل المبلغ الذى عرضته عليه مصلحة السكة الحديدية نظير نزوله عن كافة حقوقه قبلها وقبل مستخدميها مما يستفاد منه عدم وجود الغلط كما أنه لم يكن هناك إكراه معنوى إذ هو كان حرا فى قبول هذا التخالص أو رفضه مع الالتجاء إلى القضاء كما فعل عند رفع هذه الدعوى ناكثا بتعهده ومن البديهى أيضا أنه لم يكن فى الأمر تدليس عليه إذ أنه وهو وكيل محام كان يعلم بكل وقائع الحادث ويعلم بظروفه وبدائيات القانون مما ينتفى معه ادعاؤه السالف بيانه - وهذا الذى أقام عليه الحكم قضاءه هو استخلاص موضوعى سائغ يستقيم به قضاؤه ويكفى للرد على ما أثاره الطاعن فى نعيه. أما ما تمسك به من أن توقيعه على المخالصة قد تم بطريق الاذعان فمردود بأن اتفاقه على قبض المبلغ الذى منحته له الحكومة. وتوقيعه على المخالصة الخاصة بهذا المبلغ ليس من الاتفاقات التى تتضمنها عقود الاذعان.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن فى غير محله متعينا رفضه.