أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 1138

جلسة 19 مايو سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ محمد نجيب أحمد وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز سليمان، ومحمود عياد، ومحمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الواحد على المستشارين.

(151)
القضية رقم 45 سنة 22 القضائية

رهن. رهن العقار الصادر من غير مالك. الشروط اللازمة لصحته ونفاذه وفقا لنص المادة 79 مكررة من القانون المدنى القديم المقابلة للمادة 107 من القانون المختلط.
يشترط لصحة ونفاذ رهن العقار الصادر من غير مالك وفقا لنص المادة 79 مكررة من القانون المدنى القديم المقابلة للمادة 107 من القانون المختلط الملغى توافر شرطين، الأول - أن يكون الرهن قد صدر من شخص وضع يده على العقار المرهون مدة خمس السنوات السابقة على الرهن وضعا مستوفيا للشروط المؤدية إلى كسب الملك بالتقادم، بأن تكون حيازته ظاهرة هادئة مستمرة لا غموض فيها وبصفة مالك، والثانى - أن يكون المرتهن حسن النية، فلا يكفى أن يعتقد أن مدينه مالك، بل يجب أن يكون لديه أسباب قوية أوجبت اعتقاده ملكية الراهن. وإذن فمتى كان الرهن قد صدر من شخص يضع يده بسبب معلوم غير أسباب التملك كالنائب والمستأجر والمستعير فإن الرهن يكون باطلا ولا يسرى حكم المادة المشار إليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد وكيل المحكمة المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - حسبما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن مورثة المطعون عليهم لطفيه سيد أحمد خليل، رفعت دعوى الاستحقاق رقم 2221 سنة 68 أمام محكمة اسكندرية الابتدائية المختلطة على الطاعن طلبت فيها الحكم بثبوت ملكيتها إلى الأطيان المبينة فى صحيفتها، كما طلبت الحكم بإلزام البنك الطاعن بأن يدفع لها إيجار هذه الأطيان بواقع 15 جنيها سنويا عن كل فدان ابتداء من 16 من يناير سنة 1941 وقالت شرحا لدعواها إن بنك الأراضى وهو دائن للسيدة خديجة أحمد راضى أرملة المرحوم محمد ابراهيم خليل الصاوى ولمحمد على ابراهيم خليل وعلى ابراهيم خليل باشر ضدهم إجراءات نزع ملكية 3 أفدنة و14 قيراطا و23 سهما أراض زراعية ضمن 55 فدانا و7 قراريط وسهمين بناحية السعيدى و29 فدانا و16 قيراطا و16 سهما بناحية زبيده بمديرية البحيرة وقد رسا مزادها على البنك المذكور بموجب الحكم الصادر من قاضى البيوع بمحكمة الاسكندرية المختلطة فى 20 من نوفمبر سنة 1940 وأنه عند تنفيذ الحكم عارضت مورثة المطعون عليهم فى تسليم فدان و18 قيراطا كما يتضح ذلك من محضر تاريخه 16/ 11/ 1941 وأنه عند إنشاء الرهن لصالح بنك الأراضى تقدم المدينون على اعتبار أنهم الورثة الوحيدون للمرحوم محمد الصاوى ابراهيم خليل ولم يذكروا أن مورثة المطعون عليهم هى أيضا أرملة محمد الصاوى ابراهيم خليل ولها الحق فى الميراث، وأن مورثة المطعون عليهم لم تشترك فى عقد السلفية ولا فى الرهن، فلها أن تطلب حصتها فى التركة وهى 1.5 قيراط فى أربعة وعشرين. وفى 24 من ديسمبر سنة 1946 حكمت محكمة الأسكندرية الابتدائية المختلطة بأحقية المورثة المذكورة إلى 1/ 16 على الشيوع فى الأطيان وجملتها 17 فدانا و3 قراريط و20 سهما ضمن 83 فدانا و14 قيراطا و23 سهما، التى رسا مزادها على بنك الأراضى المصرى بموجب الحكم الصادر فى 20 من نوفمبر سنة 1940 وألزمت بنك الأراضى بأن يدفع إلى مورثة المطعون عليهم قيمة إيجار هذه الأطيان بواقع 1750 قرشا سنويا ابتداء من 16 يناير سنة 1941 حتى تمام السداد وألزمته أيضا بالمصروفات استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف الأسكندرية وقيد بجدولها برقم 338 سنة 5 قضائية، وفى 18 من ديسمبر سنة 1951 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وبرفضه، موضوعا وبتأييد الحكم المستأنف، فقرر الطاعن الطعن فيه بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن مقام على سبب واحد حاصله - خطأ الحكم فى تطبيق القانون: ذلك أن هدف الشارع من وضع المادة 107 مدنى مختلط ثم المادة 79 مكررة أهلى (المضافة بالقانون رقم 79 لسنة 1933)، هو تقرير حماية خاصة للدائن المرتهن الذى يقبل بحسن نية ارتهان عقار من غير مالكه الحقيقى متى كان الراهن ظاهرا بمظهر المالك وكان حائزا العقار لمدة خمس سنوات سابقة على إنشاء الرهن. وأن القضاء قد اضطردت أحكامه فى تطبيق هذه المادة على تعريف الدائن المرتهن حسن النية، بأنه الدائن الذى اطمأن إلى المظاهر بعد فحص دقيق لمستندات مدينه الراهن، بحيث لا يمكن أن ينسب إلى التقصير متى تحرى الحقيقة. فمتى توافر فى الدائن شرط حسن النية بالمعنى المتقدم وكان مدينه حائزا للعقار المرهون لمدة خمس سنوات فإن تطبيق المادة 107 - (79 مكررة) أمر لازم مهما تكن نية المدين الراهن، وبصرف النظر عن توافر شروط كسب الملكية لديه، وإذ قضى الحكم على خلاف ذلك، فإنه يكون مخالفا للقانون. ومن ثم يكون غير صحيح القول بأن من شروط تطبيق المادة 107 توافر شروط كسب الملكية بالتقادم بما فيها نية التملك فى الحائز الراهن التى يجرى نصها بالآتى "بالرغم من القيود السابقة، يجوز للدائن المرتهن للعقار إذا كان حسن النية أن يتمسك بوضع اليد الحاصل من المدين الراهن مدة خمس سنوات إذا أثبت وجود أسباب قوية أوجبت اعتقاده وقت الارتهان ملكية الراهن" فالقيود السابقة التى تستبعدها المادة 107 ليست إلا شروط كسب الملكية بالتقادم الواردة فى المواد السابقة ومن بينها وجود نية التملك لدى الحائز، بل إن من القيود السابقة التى تستبعدها المادة 107 ما ورد فى المادة 106 السابقة لها مباشرة من عدم كسب الملكية بالتقادم ضد سند الحائز، كحالة المستأجر والمنتفع... الخ، فهؤلاء لا يمكن أن يكتسبوا الملكية بالتقادم، ومع ذلك فقد استبعدت المادة 107 هذه القيود بمعنى أنه إذا كان الراهن واحدا ممن ذكروا فى المادة 106 وكانت شروط المادة 107 متوافرة فإن الرهن يعتبر صحيحا ويسرى حكم المادة 107 حماية للدائن المرتهن حسن النية - فلا يسوغ إذن القول بأن توافر نية التملك لدى المدين الراهن شرط لتطبيق المادة 107 ما دامت تلك المادة قد استبعدت فى صدرها صراحة جميع شروط كسب الملكية بالتقادم ومن بينهما نية التملك - ولما كانت حالة المدينين الراهنين للبنك بصفتهم ورثة، حائزين لجميع أعيان التركة، فإنه لا يمكن أن يكون حكمها أقسى بالنسبة للدائن المرتهن حسن النية من حكم حالة صاحب حق الانتفاع أو غيره من المذكورين بالمادة 106، وهؤلاء جميعا قد أجازت المادة 107 رهونهم، متى كان المرتهن حسن النية وتوفر شرط الحيازة لمدة خمس سنوات - لما كان ذلك. فإن اشتراط الحكم - لصحة الرهن - توافر نية التملك لدى الراهن هو بمثابة إضافة قيود على النص مؤداها إلغاء حكم المادة 107 إلغاء تاما وتعطيل لحكمها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قال فى خصوص هذا النعى: "ومن حيث إنه عن الأمر الثانى وهو تمسك المستأنف (الطاعن) بحماية المادة 107 من القانون المدنى المختلط الذى يحكم هذا النزاع لقيامه فى ظله، فإن هذه المادة لا تبسط حمايتها على الدائنين المرتهنين إلا بشروط معينة منها أن يكون الدائن المرتهن حسن النية وأن يكون مدينه قد وضع يده على الأرض المرهونة مدة خمس سنوات سابقة على إنشاء الرهن وأن يكون وضع يده قد توافرت معه شروط كسب الملكية وهى أن يكون وضعا هادئا ظاهرا ومستمرا بنية التملك. وهذا الشرط الأخير غير متوفر فى الدعوى الحالية إذ على فرض وضع يد الراهنين على الأرض المرهونة إلى المستأنف (الطاعن) فالمفروض فيه أنه كان بطريق الإنابة عن باقى الورقة ولم يثبت أن الراهنين قاموا بأى إجراء يفهم منه تغيير صفة وضع يدهم هذا إلا من تاريخ الرهن فى سبتمبر سنة 1930 ولم يمض من هذا التاريخ إلى تاريخ رفع الدعوى فى 13 سبتمبر سنة 1943 خمس عشرة سنة وهى المدة المكسبة للملكية ولا يجوز الاحتجاج هنا بالمدة القصيرة المشروعة لمصلحة الراهنين فى المادة 107 مدنى مختلط، إذ يشترط فيها أن تكون سابقة على إنشاء الرهن كما سلف البيان" - وهذا الذى قرره الحكم وأقام عليه قضاءه هو تطبيق صحيح للقانون: ذلك أن المادة 79 مكررة من القانون المدنى القديم المقابلة للمادة 107 من القانون المختلط الملغى إذ نصت على أنه "بالرغم من القيود السابقة يجوز للدائن المرتهن للعقار إذا كان حسن النية أن يتمسك بوضع اليد الحاصل من المدين الراهن مدة خمس سنوات إذا أثبت وجود أسباب قوية أوجبت اعتقاده وقت الارتهان ملكية الراهن" فقد أفادت بصريح نصها وجوب توافر شرطين لإعمال حكمها، الشرط الأول - أن يكون الرهن قد صدر من شخص وضع يده على العقار المرهون مدة خمس السنوات السابقة على الرهن. والمراد بوضع اليد هو الحيازة التى تصلح أساسا للتقادم المكسب أى أن تكون حيازة ظاهرة هادئة مستمرة لا غموض فيها وبصفة مالك - والشرط الثانى. أن يكون المرتهن حسن النية، فلا يكفى أن يعتقد أن مدينه مالك، بل يجب أن يكون لديه أسباب قوية أوجبت اعتقاده ملكية الراهن.
ومن حيث إن هذا النص، وقد كان نصا استثنائيا محضا لمخالفته للقاعدة العامة المقررة من أن رهن العقار المملوك للغير باطل فلا يترتب عليه نشوء الرهن - كان هدف الشارع منه تشجيع رؤوس الأموال الأجنبية على استثمارها فى قروض مضمونة بعقارات مصرية، وذلك عن طريق حماية الدائن المرتهن حماية خاصة فاعتبر بموجب هذا النص، الرهن الصادر من غير المالك - وهو الذى لا يجوز له الاحتجاج بتملكه العقار بمضى المدة لكونه سيء النية مثلا - اعتبر هذا الرهن نافذا فى حق المالك - وأضفى الشارع على الدائن المرتهن تلك الحماية الخاصة بشروط خاصة واعتبر الرهن صحيحا كما لو كان الراهن مالكا للعقار المرهون. إلا أن هذا ليس معناه - أن يكون الرهن صادرا ممن كان واضعا يده قبل الرهن على العقار المرهون بأية صفة كانت ومهما كان سبب وضع اليد - ولو كان وضع اليد هذا غير مقترن بنية المدين الراهن تملك هذا العقار - إذ مقتضى هذا القول اعتبار الرهن الصادر من الواضع اليد بسبب معلوم غير أسباب التملك، كالمستأجر والمستعير صحيحا، وهو قول مخالف للقواعد القانونية العامة.
ومن حيث إن الحكم إذ أوجب توافر شرط نية التملك لدى المدين الراهن ليصح رهنه فإنه لا يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.