أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 1207

جلسة 2 من يونيه سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الاساتذة: عبد العزيز سليمان، وأحمد العروسى، ومحمد فؤاد جابر، ومحمد عبد الواحد على المستشارين.

(160)
القضية رقم 347 سنة 21 القضائية

تعويض. حق ارتفاق. حكم. تسبيبه. قضاؤه بالتعويض عن التعرض فى حق ارتفاق الرى. استناده على حكم صادر بمنع التعرض فى هذا الحق. خلطه بين ثبوت الحق ومجرد حيازته. تأثير هذا الخلط فى قضائه من حيث تحديد مدة التعرض وتقدير التعويض وتقويم عناصره. انعدام أساسه القانونى.
متى كانت محكمة الموضوع إذ قضت بتعويض المدعى عن الضرر الناشئ من حرمان أطيانه من الرى لم تستبن الفرق بين ثبوت حق ارتفاق الرى وبين مجرد حيازته التى تبيح الإجراء المؤقت الذى أسبغه القانون على واقعة الحيازة، فأسست قضاءها على ثبوت حق الارتفاق مستندة فى ذلك إلى الحكم الصادر بمنع تعرض المدعى عليه للمدعى فى حق ارتفاق الرى، مع أن هذا الحق لم يثبت بعد وكل ما أثبته الحكم المذكور هو مجرد حيازة ظاهرة على المسقى يحميها القانون دون بحث فى أصل الحق أو أساسه، الأمر الذى كان يتعين معه على المحكمة مراعاة هذا الأساس، وإذ هى لم تفعل ولم تلق بالا إلى مدى الفرق بينهما مما كان له أثر فى قضائها من حيث تحديد مدة التعرض وتقدير التعويض وتقويم عناصره وانسحاب أثر ذلك التقدير إلى بدء التعرض المدعى به وتحديد مقابله عن مدة سابقة مع منازعة المدعى عليه فى نشوء ملكيته فى تلك المدة فإن حكمها يكون معدوم الأساس القانونى مما يستوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعة الدعوى تتحصل - على ما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - فى أن المطعون عليهما أقاما الدعوى رقم 22 سنة 1946 كلى الاسكندرية وقالا فى صحيفتها المعلنة فى 24/ 10/ 1945 إنهما يملكان أرضا زراعية بزمام ناحية البسلقون وكوم أشو مركز كفر الدوار وأن لهذه الأطيان طريق رى واحدا مأخذه من ترعة يسرى العمومية وذلك بواسطة مروى تمر أولا بأطيان مورث الطاعنين وتنتهى عند أطيان المطعون عليه الثانى وأن هذه المروى كان ينتفع بها الملاك السابقون والحاليون منذ أكثر من خمسين سنة وفى سنة 1940 رغب مورث الطاعنين فى شراء أرض المطعون عليهما ولما رفضا البيع لبخس الثمن عمل على معاكستهما بأن أقام سدا بالمروى عند نهاية أرضه فحال بذلك دون وصول المياه إلى أرضهما، فبادر المطعون عليهما برفع الدعوى رقم 39 سنة 1943 مدنى مستعجل اسكندرية بطلب إزالة السد المذكور مع ندب خبير لإثبات الحالة وتقدير ما لحق الأرض من ضرر فقضى فيها بطلباتهما إلا أن هذا الحكم ألغى استئنافيا وقضى فيه بعدم اختصاص القضاء المستعجل بنظر الدعوى وذلك فى الاستئناف رقم 77 سنة 1943 س مستعجل اسكندرية. ولما اطمأن مورث الطاعنين إلى هذه النتيجة أبدل بهذا السد المؤقت سدا آخر ثابتا ووضع فى أسفل السد "سحارة" لتصريف المياه المحتجزة إلى أرض المطعون عليهما والتى سرعان ما تلفت وتحولت بسبب منع مياه الرى عنها وتصريف مياه الصرف فيها إلى مستنقع تتجمع فيه الحشائش والبعوض. فأقام المطعون عليهما الدعوى رقم 238 سنة 1943 مدنى مستعجل اسكندرية طلبا فيها إثبات حالة أرضهما وبيان سبب عدم وصول المياه إليها وما لحقها من ضرر بسبب الصرف فيها فقضت المحكمة بندب خبير لأداء هذه المأمورية وقدم تقريرا أثبت فيه أن المروى هى الطريق الوحيد لرى أرضهما وأن مورث الطاعنين منع الرى عنها وأن أرضهما تحتاج إلى إعداد جديد وإصلاح يستغرق ثلاث سنين إلى آخر ما ورد بذلك التقرير وعلى أثر ذلك أقام المطعون عليهما الدعوى رقم 633 سنة 1943 مدنى مستعجل بطلب إزالة السد والسحارة فقضت المحكمة يومئذ بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها فى القضية رقم 77 سنة 1943 س مستعجل اسكندرية. فلجأ المطعون عليها الأولى وحده إلى القضاء العادى وأقام الدعوى رقم 175 سنة 1944 مدنى كفر الدوار طلب فيها الحكم بمنع تعرض مورث الطاعنين له فى إزالة السد والسحارة المشار إليهما فقضى فيها ابتدائيا برفضها فاستأنف هذا الحكم وقضى فى الاستئناف رقم 392 سنة 1944 بإلغاء ذلك الحكم المستأنف وبمنع تعرض مورث الطاعنين وبإزالة السد والسحارة المشار إليهما وبتمكين المطعون عليه الأول من رى أطيانه وقد نفذ هذا الحكم بالإزالة فى 14 من أبريل سنة 1945. فطعن مورث الطاعنين فى هذا الحكم بالنقض وقضى فيه بالرفض، ثم قال المطعون عليهما بعد استعراض هذه الخصومات المتعددة إن تصرفات مورث الطاعنين قد أضرت بهما ضررا بليغا إذ حرمت أرضهما من الرى زهاء ست سنوات امتنع عليهما زراعتها خلالها وطلبا تعويضهما عن ذلك بمبلغ 5000 جنيه منها 1250 جنيها مقابل إصلاح الأرض بواقع عشرة جنيهات للفدان الواحد ومبلغ 3750 جنيها مقابل ريع الأرض عن سنى النزاع باعتبار أن غلة الفدان الواحد خمسة جنيهات سنويا. ودفع مورث الطاعنين الدعوى بأن أساسها هو الحكم فى الدعوى رقم 392 سنة 1944 س اسكندرية، وهى دعوى منع تعرض ومثل هذه الدعوى شرعت لحماية حق مؤقت حتى تستقر ملكية هذا الحق، وأنه قد أقام الدعوى رقم 877 سنة 1946 كلى اسكندرية بطلب تثبيت ملكيته للمروى موضوع النزاع مطهرة من أى حق أو ادعاء من المطعون عليهما وكف منازعتهما له فيها ولم يفصل فيها بعد، وطلب لذلك عدم قبول دعوى التعويض لرفعها قبل أوانها أو إيقافها حتى يفصل فى ملكية المسقى، كما دفع بأن المطعون عليه الثانى لا يملك أرضا بجهة كفر الدوار كما لم يكن طرفا فى دعوى منع التعرض رقم 392 سنة 1944 استئناف اسكندرية لأنه اشترى أرضا بورا بالمزاد الإدارى من مديرية البحيرة لتخلف ملاكها عن سداد الأموال الأميرية ولم تخلص له الملكية لوقوع الشرط الفاسخ وهو عدم مصادقة المالية على البيع لأن الملاك طالبوا برد التكليف بعد قيامهم بدفع الأموال الأميرية المطلوبة وأمر هذه المنازعة ثابت فى الدعوى رقم 439 سنة 1947 كلى دمنهور التى طلب فيها المطعون عليه الثانى إثبات التعاقد عن محضر المزاد واعتباره سندا ناقلا للملك وتدخل الملاك فيها وتقرر فيها بإيقاف السير فى الدعوى - ولكن محكمة أول درجة ردت على الطلب الخاص بعدم قبول الدعوى أو وقفها "بأن التعويض المطلوب لا يستند إلى ملكية المطعون عليهما للمروى بل إلى أحقيتهما فى الانتفاع بها وحرمانهما منه الأمر الذى أثبته الحكم رقم 392 سنة 1944 س اسكندرية وأيده الخبير الذى ندب فى دعوى إثبات الحالة رقم 238 سنة 1943 مستعجل اسكندرية - وأما عن عدم أحقية المطعون عليه الثانى فى الإفادة من حكم منع التعرض لعدم تمثيله فيه أو أنه لا يملك أرضا تروى من المسقى محل النزاع فمردود بما أثبته الخبير فى القضية رقم 238 سنة 1943 مستعجل اسكندرية من أن للمطعون عليه الثانى أرضا تروى من المسقى المشار إليها وكان مورث الطاعنين ممثلا فى تلك الدعوى وغيرها من القضايا السابقة ولم ينكر على المطعون عليه الثانى ملكية أرض له هناك "ثم انتهت محكمة أول درجة من ذلك إلى الحكم تمهيديا بندب ذات خبير دعوى إثبات الحالة الأول لبيان الضرر وتقدير التعويض وقدم الخبير تقريره وأثبت فيه أن المطعون عليهما يستحقان تعويضا قدره 4875 جنيها منه 2145 جنيها للمطعون عليه الأول و2720 جنيها للثانى فقضت المحكمة فى 12/ 3/ 1949 بإلزام مورث الطاعنين بهذا المبلغ. فاستأنف مورث الطاعنين هذا الحكم لدى محكمة استئناف اسكندرية وقيد استئنافه بجدولها برقم 108 سنة 5 ق. وقد توفى مورث الطاعنين أثناء نظر الاستئناف وحل ورثته محله وهم الطاعنون. وبتاريخ 12 من يونيه سنة 1951 قضت محكمة استئناف اسكندرية برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف أخذا بأسباب الحكم المستأنف ثم قالت عن التعويض إن الطاعنين لم ينازعوا فى قيمته مما يتعين معه اعتماد تقرير الخبير حسبما رآه الحكم المستأنف. فطعن الطاعنون على هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم تناقض أسبابه وخلطه بين دعوى الملك ودعوى اليد رغم ما بينهما من حدود واضحة، ذلك بأنه إذ أقام قضاءه بالتعويض تأسيسا على الحكم الصادر فى الدعوى رقم 392 سنة 1944 س اسكندرية وهى دعوى يد قصد منها حماية الحيازة المادية الظاهرة المستمرة لمدة سنة على المسقى موضوع النزاع وهو ما كان ينبغى - فى رأى الطاعنين - إرجاؤه حتى يفصل فى دعوى ملكية المسقى، إلا أن الحكم المطعون فيه رغم ذلك عاد فأكد وجود حق ارتفاق الرى وثبوته للمطعون عليهما مع ما ينكره عليهما الطاعنون فى خصوص هذا الحق بل رفعوا الدعوى رقم 877 سنة 1946 كلى اسكندرية بطلب تثبيت ملكيتهم لهذه المسقى مطهرة من أى حق بالارتفاق عليها مع كف منازعة المطعون عليهما فيها. فقضاء الحكم المطعون فيه بالتعويض قام على دعامتين متناقضتين وجاء فى إسناده مزيجا بين سببين متنافرين لكل منهما أثره فى تقدير المحكمة لعناصر الضرر وسببه ومدته وتقدير مقابله، ولو اقتصر الحكم فى قضائه بالتعويض على مجرد الإخلال بوضع اليد الذى سجله حكم منع التعرض رقم 392 سنة 1944 المشار إليه - رغم ما يهدد قضاءه إذا ما تجرد من سببه بالحكم للطاعنين بملكية المسقى لو اقتصر الحكم على ذلك لتغير وجه الرأى فى الحكم، وأضاف الطاعنون أنه حتى مع تحديد مبدأ التعرض الذى قضى به الحكم رقم 392 سنة 1944 س اسكندرية بسنة سابقة على رفع الدعوى الابتدائية أمام محكمة كفر الدوار والمعلنة صحيفتها فى 8 من يناير سنة 1944 كما هو شرط قبولها فإن التعويض المقضى به قد انسحب إلى سنة 1940 أى قبل أن يتلقى مورث الطاعنين ملكية أطيانه بما يزيد على السنة إذ أن عقد شرائه تم وسجل فى ديسمبر سنة 1941 وهو مقدم بملف الطعن، ومع استحالة إسناد التعرض إلى مورث الطاعنين فى ذلك التاريخ فإن الحكم المطعون فيه لم يفطن إلى ذلك وجاوز فى قضائه هذه المدة بغير مقتض مما يجعله باطلا لقصور أسبابه مستوجبا نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أورد ضمن أسبابه "وبما أن الثابت مما سبق أن المستأنف عليهما "المطعون عليهما" لم ينازعا مورث المستأنفين "الطاعنين" ملكية المسقى بل أن دفاعهما فى القضايا التى تناولتها الخصومة بين الطرفين أن أساس حقهما الانتفاع بالمسقى وأنهما كانا واضعى اليد على حق الارتفاق هذا وأن مورث المستأنفين قام بحرمانهما من هذا الحق وترتب على عمله هذا الضرر الذى قاما بالمطالبة بالتعويض عنه..." ثم عاد الحكم فقرر "وبما أنه ثبت من الحكم الصادر فى القضية رقم 392 سنة 1944 استئناف اسكندرية وجود هذا الحق بناء على تقرير الخبير الذى تقدم فى القضية المذكورة وقد رفع مورث المستأنفين نقضا عن هذا الحكم قضى برفضه أما إقامة مورث المستأنفين القضية رقم 877 سنة 1946 فلا تأثير لها على إثبات وضع يد المستأنف عليهما على حق الانتفاع وأن حرمانهما من استعمال هذا الحق قد سبب لهما ضررا يجب تعويضهما عنه، ومتى ثبت وضع يد المستأنف عليهما بالحكم النهائى السابق ذكره الذى قضى بمنع تعرض مورث المستأنفين للمستأنف عليهما فقد وجب تعويض هذين عما أصابهما من ضرر، بصرف النظر عن ثبوت ملكية المستأنفين للمسقى المذكورة ما دام الحكم النهائى قد صدر بقيام حق الارتفاق على هذا المسقى......" ثم أورد الحكم عند تحدثه عن الضرر الذى لحق أرض المطعون عليهما وطريقة تقويمه وتحديد مدة التعرض نقلا عن تقرير الخبير ما يلى: "أما عن الضرر فسببه هو عدم رى أرض المطعون عليهما بسبب حجز المياه بواسطة السحارة والسد، وأما عن قيمة الضرر فأرى أنه لما كانت أرض المطعون عليهما بورا وكانت تزرع فى السنين السابقة فلإعادة إعدادها للزراعة من جديد تحتاج إلى ثلاث سنوات: الأولى تكون بدون إيراد مقابل الإصلاح والثانية يكون الفدان بواقع جنيه وفى السنة الثالثة بواقع 2 جنيه للفدان إنتاج وذلك فى سنوات 1940، 1941، 1942 حيث قرر المدعى عليه الأول أنه انتهى من وضع السحارة فى سنة 1940" إلى أن قال "وبناء عليه يكون التعويض المستحق للمدعيين "المطعون عليهما" كالآتى فى سنة 1940، 1000 ج مقابل تكاليف الاصلاح والايجار، وهكذا انتهى إلى مبلغ 4875 جنيها عن السنوات من سنة 1940 حتى سنة 1947" وهو ما اعتمده الحكم وقضى به ويبين من هذا الذى أورده الحكم أن المحكمة لم تستبن الفرق بين ثبوت حق ارتفاق الرى وبين مجرد حيازته التى تبيح الاجراء المؤقت الذى أسبغه القانون على واقعة الحيازة فأسست قضاءها بالتعويض على ثبوت حق الارتفاق مع أن هذا الحق لم يثبت بعد، وكل ما أثبته الحكم الصادر فى الدعوى رقم 392 سنة 1944 س اسكندرية بمنع التعرض وجود مجرد حيازة ظاهرة على المسقى يحميها القانون دون بحث فى أصل الحق أو أساسه مما كان ينبغى معه على المحكمة وهى تفصل فى طلب التعويض مراعاة هذا الأساس، وإذ هى لم تفعل ولم تلق بالا إلى مدى الفرق بينهما مما كان له أثره فى قضائها من حيث تحديد مدة التعويض وتقدير التعويض وتقويم عناصره وانسحاب أثر ذلك التقدير إلى بدء التعرض المدعى به وتحديد مقابله ابتداء من سنة 1940 مع قيام اعتراض الطاعنين على ذلك بأن ملكية مورثهم لم تنشأ إلا فى ديسمبر سنة 1941 حسب الثابت بعقد تمليكهم المقدم بملف الطعن، كان حكمها معدوم الأساس قانونا مما يتعين معه نقضه دون حاجة لبحث باقى أوجه الطعن.