أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 6 - صـ 1347

جلسة 7 من يوليه سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: محمد نجيب أحمد وكيل المحكمة، وعبد العزيز سليمان، ومحمود عياد، ومحمد فؤاد جابر المستشارين.

(182)
القضية رقم 408 سنة 21 القضائية

( أ ) دفع. دعوى. دفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة. سير الإجراءات أمام محكمة أول درجة حتى استئناف الحكم دون الاعتراض على الصفة. الدفع لم يبد إلا أمام محكمة الاستئناف بعد أن صدر من المدعى عليه ما يفيد التسليم بالصفة. الدفع غير مقبول.
(ب) قانون أجنبى. التمسك به أمام محكمة النقض. هو مجرد واقعة. يجب إقامة الدليل عليها. لا يكفى فى إثباتها تقديم صورة عرفية تحوى أحكام هذا القانون.
(ج) أحوال شخصية. عقد. وصية. النزاع على صحة وصية. اتفاق الخصوم على بطلانها وتحديد حقوق كل منهم بموجب هذا الاتفاق. يجب على المحكمة إعمال أحكام هذا الاتفاق. الرجوع إلى الوصية فى تحديد حقوقهم دون الاتفاق. مخالفة للقانون.
1 - متى كان الحكم إذ قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة أقام قضاءه على عدم إثارة الجدل حول صفة المدعى أمام محكمة أول درجة وعلى قبول المدعى عليه لشكل الدعوى وقت رفعها واستمرار دفاعه فيها بالشكل الذى رفعت به حتى صدور الحكم الابتدائى وإعلانه صحيفة الاستئناف للوكيل بعد سبق إعلانها للأصيل مما يتعارض مع إنكاره صفة الوكالة وعدم تمسكه بهذا الدفع إلا أمام محكمة الاستئناف، وكانت وجهة نظر الحكم قد تأيدت بإجراء لاحق وهو إعلان تقرير الطعن بالنقض للمطعون عليه بصفته وكيلا للخصم الأصيل فى الدعوى بغض النظر عن التحفظ الذى أبداه الطاعن من أن إعلان الطعن للوكيل لا يعتبر اعترافا منه بصحة التوكيل وتنازلا عن الدفع، فإن هذا الذى قرره الحكم يكفى لحمل قضائه فى توافر الصفة ولا خطأ فيه.
2 - التمسك بتشريع أجنبى أمام محكمة النقض لا يعدو أن يكون مجرد واقعة يجب إقامة الدليل عليها ولا يغنى فى إثباتها تقديم صورة عرفية تحوى أحكام هذا التشريع.
3 - متى كان النزاع بين ورثة الموصى والموصى إليه قد انحسم بموجب اتفاق عقد بينهم أشير فى ديباجته إلى تسليم الطرفين ببطلان الوصية وتحديد حقوق كل منهما فى التركة وفقا للشروط التى نص عليها فى هذا الاتفاق، فإنه يتعين على محكمة الموضوع وهى بصدد التصرف على حقيقة المصدر الذى تلقى عنه الخصوم حقوقهم أن ترجع إلى الاتفاق المشار إليه وإذا جاز التعرف على نية أطراف الاتفاق بالرجوع إلى الوصية فيجب أن يكون هذا الرجوع لمجرد الاسترشاد بواقعة خارجة عن نطاق العقد الذى أنشأ حقوق الطرفين والذى يعتبر وحده مصدر هذه الحقوق دون الرجوع بها إلى ما قبل ذلك، فإذا كانت المحكمة قد انحرفت فى تكييف حقوق الخصوم عن حقيقة مصدرها وعما تؤدى إليه أوراقها بأن اعتبرت الوصية هى مصدر هذه الحقوق فإنها تكون قد خالفت القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن هذا الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعة الدعوى - على ما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون عليه قد أقام بواسطة ممثله فى مصر الخواجه "باريسى بللينى" الدعوى رقم 748 سنة 72 ق أمام محكمة مصر الابتدائية المختلطة ضد الطاعنين بصحيفة أعلنت فى 2 و11 من نوفمبر سنة 1946 طلب فيها الحكم باعتبار الالتزام المقرر لمصلحته بموجب الوصية الصادرة من المرحوم بازيل نقولاييدس أمام القنصلية اليونانية بباريس فى 13 من أغسطس سنة 1892 وبموجب عقد الصلح المحرر فى 21 من فبراير سنة 1901 المكمل للوصية دينا قيميا وأن ريع الأرض البالغ مقدارها 500 فدان المخصص للانفاق على مدارس ليروس المشمولة بإدارته ولضمان تقدمها وهى المشروط بقاؤها فى حيازة الطاعنين لاستثمارها يجب أن يحتسب على أساس القيمة الإيجارية لهذه الأطيان وأن يكون متناسبا حسب الظروف والأوقاف مع غلتها من جهة وحاجات المدارس من جهة أخرى والحكم بتحديد الريع المستحق لمجلس إدارة المدارس منذ أول يناير سنة 1935 بمبلغ 2666.666 جنيها سنويا على أساس أن القيمة الإيجارية لهذه الأطيان لا تقل بحال من الأحوال فى تلك المدة عن 4000 جنيه سنويا وأن المطعون عليه بصفته يستحق فى هذا الريع قيمة الثلثين والطاعنان الثلث وبإلزام الطاعنين بدفع قيمة المتأخر عن تلك المدة على هذا الأساس وهو مبلغ 28400 جنيه وفوائده القانونية والمصاريف فدفع الطاعنان الدعوى بأن عقد الصلح المحرر فى 21 من فبراير سنة 1901 قرر لهما حق "أمفتيوز" على الخمسماية فدان مقابل دفعهما للمطعون عليه سنويا مبلغا مقررا ثابتا لا يتعدى مقداره 10000 فرنك ذهبا وأن الطرفين احترما هذا الوضع ونفذاه وكان المطعون عليه يقبض من الطاعنين هذا المقابل سنويا دون اعتراض إلى أن أراد المطعون عليه أن يؤدى إليه هذا المقابل ذهبا لا ورقا. وفى 7 من يونيه سنة 1948 قضت محكمة مصر الابتدائية المختلطة بتحديد ما يجب على الطاعنين دفعه للمطعون عليه نظير استثمارهما الأرض المملوكة للمطعون عليه بمبلغ 1750 جنيها سنويا وبإلزام الطاعنين بدفعه للمطعون عليه على هذا الأساس اعتبارا من تاريخ رفع الدعوى بعد خصم ما سبق لهما رفعه إلى هذا التاريخ مع المصاريف والأتعاب وبنت المحكمة حكمها على أن لها أن تبحث عن حقيقة ما قصده الموصى فى وصيته وما قصده الموقعون على عقد الصلح المكمل للوصية دون تقيد بما ورد بهما من عبارات واصطلاحات وبما أورده الخصوم فى أقوالهما وأنها ترى بناء على ذلك أن الموصى قصد بوصيته ترتيب ريع مؤيد للمطعون عليه يعادل نصف غلة الأطيان الموصى بها التى خفضت إلى 500 فدان بموجب الصلح المحرر فى 21 من فبراير سنة 1901 وأنها تقدر الغلة الصافية للفدان الواحد بمبلغ 7 ج سنويا وعلى هذا الأساس يكون الريع الذى يستحقه المطعون عليه مبلغ 1750 ج سنويا من تاريخ رفع الدعوى وأنه لا حق له فى المطالبة بهذا الريع عن المدة السابقة لأن حكمها يعتبر منشئا لحق المطعون عليه ولأن الطاعنين يعتبران حسنى النية فيتملكان الثمار السابقة على رفع الدعوى. وقال الحكم كذلك إن الوصية والصلح لا يرتبان للطاعنين حق "أمفتيوز" لأنه يخالف النظام العام فى مصر ولا يعرفه التشريع المصرى. وانه وان كان لم يترتب عليهما كذلك إنشاء وقف لصالح المطعون عليه بعدم توافر أوضاعه الشكلية فانه يستفاد من نصوصهما أنه قصد بهما فيما بين الطرفين مراعاة أحكام الوقف وأن هذه الحالة شبيهة بالحكر الذى يعرفه القانون المصرى وهو نظام يجوز معه التصقيع وأن عدم اعتراض المطعون عليه عند قبضه ما كان يدفعه له الطاعنان لا يعتبر تنازلا منه عن حقه فى طلب تعديل حصته فى الريع. وبصحيفة معلنة فى 17 من يناير سنة 1949 استأنف الطاعنان هذا الحكم أمام محكمة استئناف اسكندرية المختلطة وقيد الاستئناف بجدولها برقم 355 سنة 74 ق وبعد انتهاء فترة الانتقال أحيل إلى محكمة استئناف القاهرة وقيد بجدولها برقم 1028 سنة 66 ق وطلب الطاعنان فى استئنافهما إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المطعون عليه مع المصاريف والأتعاب عن الدرجتين وأقام المطعون عليه بدوره استئنافا مقابلا قيد برقم 231 سنة 68 ق طلب فيه رفض الاستئناف الأصلى المرفوع من الطاعنين وتعديل الحكم المستأنف والقضاء له بأن حصة مدارس ليروس فى ريع الأطيان موضوع الدعوى توازى الثلثين لا النصف وبالزامهما بأن يدفعا للمدارس المذكورة مبلغ 7830 ج سنويا قيمة حصتها فى غلة الأطيان المذكورة ابتداء من سنة 1935 لغاية تمام السداد مع المصاريف والأتعاب. فدفع الطاعنان بعدم قبول هذا الاستئناف المقابل وعدم قبول الدعوى الأصلية لرفعها من غير ذى صفة وأن رافعها "باريسى بللينى" لم يقدم ما يثبت صفة نيابته عن المدارس ليروس فى توجيه الخصومة وطلبا فى الموضوع إلغاء الحكم المستأنف ورفض طلبات المستأنف مع المصاريف والأتعاب. وبتاريخ 29 من مايو سنة 1951 قضت محكمة الاستئناف بقبول الدعوى الأصلية المرفوعة من الخواجة باريسى بللينى بصفته استنادا إلى أن التوكيل المقدم منه كاف للتقاضى باسم مدارس ليروس وعرضت فى أسباب حكمها للموضوع وقالت بأن الحق موضوع النزاع إنما نشأ من الوصية المحررة بين الطرفين فى سنة 1901 بل من وقت وجوب السبب الذى أنشأ هذا الحق وأن شرط عدم التصرف الوارد فى الوصية ليس بوقف وحقيقته وصية صادرة من غير مسلم من رعايا الحكومة المصرية تخضع لأحكام الشريعة الاسلامية وهى صحيحة لتوافر أركانها، وأما الشرط المانع من التصرف فيعتبر باطلا لمخالفته لمقتضى العقد، وأن الوصية تمليك، وأن الموصى له متى ملك بالوصية كان ملكه تاما، وأن بطلان الشرط المانع لا يؤثر فى صحة الوصية. وأما من جهة الأخوين جورج واستافرو ليونتيدس فهما موصى لهما كذلك لوجودهما وقت الوصية ووقت وفاة الموصى دون ذريتهما "الطاعنين" أى موصى لهما بالتأجير وهو حق شخصى وبذا يكون ملك الأعيان تاما للمدارس، وأن الصلح المحرر فى سنة 1901 لم يأت بجديد فى خصوص الملكية لأن المدارس قد ملكت بالوصية لا بالصلح، كما يجب استبعاد فكرة "الامفتيوز" لأنه نظام غريب عن التشريع المصرى وكذلك الحكر باعتباره صورة مهذبة من "الامفتيوز" تلك الفكرة التى تشبثت بها المدارس فى الدعوى وهى لا تخدم قضيتها بعد أن ثبت أن الأطيان ليست وفقا، إذ الحكر على أرض غير موقوفة لا تقبل أجرته الزيادة ولو زاد أجر المثل إلى أن انتهت المحكمة إلى القول بأنها إذ لا تستطيع تغيير أساس الدعوى فلا يسعها إلا أن تلغى الحكم المستأنف وأن تحكم برفض الدعوى وهى إذ تحكم بهذا الرفض تقصد أن تحكم فيها بالحالة التى هى عليها على أساسها الذى أسست عليه مع حفظ الحق لكل من له حق، ورفض الدعوى الأصلية يستتبع حتما رفض الاستئناف المقابل. فطعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ تطبيق القانون من وجهين: الأول - إذ قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى المرفوعة من الخواجة "باريسى بللينى" دون أن يقدم رافعها ما يثبت صفته فى التقاضى باسم المطعون عليه طبقا للشروط المقررة فى التشريع اليونانى كما شاب الحكم المطعون فيه قصور فى التسبيب من هذه الناحية إذ أغفل الرد على دفاع الطاعنين فى هذا الخصوص وهو عدم استيفاء الإجراءات التى يستلزمها التشريع اليونانى من وجوب تصديق الحاكم العسكرى لجزر الدوديكانيز على محاضر جلسات مجلس إدارة مدارس ليروس وعدم تقديم صورة من محضر الجلسة المشار إليها مع التوكيل المقدم من المطعون عليه حتى تتحقق المحكمة من صحة تشكيل المجلس وصحة قراره وصحة صفة الموكل كما أن التوكيل المقدم لم يثبت التصديق عليه من أية جهة رسمية تكون قد تحققت من صفة الموكل مما يجعل هذا التوكيل غير مستوف للشروط التى يستلزمها التشريع اليونانى وغير صالح لتحقيق الصفة الواجبة لرافع الدعوى قانونا، وخلو الحكم من مناقشة هذا كله - الوجه الثانى أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ قضى بأن سبب الحق المعترف به لمدارس ليروس إنما يرجع لا إلى عقد الاتفاق المحرر فى 21 من فبراير سنة 1901 بل إلى وصية المرحوم باسيلى نقولاييدس الصادرة فى 13 من أغسطس سنة 1892 ويعتبر ثابتا من تاريخ الوصية لا من تاريخ الصلح وذلك رغم اعتراف ذوى الشأن ببطلان الوصية ورغم تنازل مداس ليروس فى عقد الصلح عن كافة الحقوق التى كانت تدعيها بمقتضى الوصية ورغم إقرار ملكية المدارس إلى خمسمائة فدان وحقها فى إيجارها من تاريخ التوقيع على عقد الاتفاق. كما أخطأ إذ قضى بأن الشرط المانع من التصرف الوارد بعقد الوصية شرط باطل لا يؤثر فى صحة الوصية ولا يراعى، لمخالفته لأحكام الشريعة الاسلامية، ولذا تكون المدارس مالكة للأطيان ملكا تاما بمقتضى الوصية التى أنشأت فى الوقت نفسه حقا شخصيا لجورج واستافرو ليونتيدس فى استئجار هذه الأطيان وزاد خطأ الحكم إذ قرر أن عقد الاتفاق المبرم فى 21 من فبراير سنة 1901 لم يأت بجديد فى خصوص ملكية الأطيان التى آلت إلى المدارس بمقتضى الوصية فى حين أن هذا العقد هو الذى ملك المدارس وأنشأ حقها من تاريخ التوقيع عليه وفقا لما جاء فى نصوصه كما أخطأ الحكم أيضا إذ استبعد فكرة الامفتيوز بمقوله إنه نظام غريب عن القانون المصرى فى حين أنه عقد خاص منشئ لحقوق والتزامات من نوع خاص اتفق عليها لمعالجة ظروف وأحوال استثنائية فيعتبر من العقود غير المسماة التى يعترف بها الفقه والقضاء ولو لم يتضمنها نص قانون خاص، وأضاف الحكم المطعون فيه إلى جملة أخطائه خطأ آخر إذ طبق أحكام الوصية المقررة فى الشريعة الإسلامية على عقد الاتفاق الرقيم 21/ 2/ 1901 التى تشترط فى الموصى له أن يكون حيا وقت الوصية إذا كان معينا أو موجودا وقت موت الموصى إذا كان غير معين بمقولة إن المتصالحين إنما أرادوا توكيد نية الموصى وبذا اعتبر الحكم أن الوصية صحيحة بالنسبة لوالدى الطاعنين لأنهما كانا معينين وموجودين وقت تحرير الوصية واعتبرها باطلة بالنسبة للطاعنين لأنهما لم يكونا موجودين حقيقة ولا حكما وقت الوصية ولا وقت وفاة الموصى، والحكم المطعون فيه - وهذا منهجه فى تكييف الدعوى مع تعدد أخطائه ومخالفته للقانون - يكون واجب النقض.
ومن حيث إن هذا النعى مردود فى وجهه الأول بأن الحكم المطعون فيه إذ أخذ من عدم اثارة أى جدل حول صفة المطعون عليه أمام محكمة أول درجة ومن قبول الطاعنين لشكل الدعوى وقت رفعها واستمرار دفاعهما فيها على شكلها الذى رفعت به حتى صدور الحكم الابتدائى فيها بتاريخ 7/ 7/ 1948 ومن إعلانهما المطعون عليه نفسه بصحيفة الاستئناف بعد سبق إعلانها للأصيل مما يتعارض مع انكار صفة الوكالة للمطعون عليه ومن عدم تمسكهما بهذا الدفع إلا أمام الاستئناف، أن الدفع غير جدى واعتبر أن الصفة ثابتة للمطعون عليه بقوله "حيث إنه مما تجب ملاحظته أن انكار صفة النيابة على رافع الدعوى لم يأت من جانب خصمه إلا فى المرحلة الثانية من الخصومة فلا هو أتى أمام الدرجة الأولى ولا هو جاء فى صحيفة الاستئناف وغاية ما فى الأمر أنهما عمدا إلى إعلان استئنافهما فى جزر الدود يكانيز بالطريق الدبلوماسى إلى صاحب الغبطة عمانويل رئيس كنيسة كوس والمندوب البطريركى عن ليروس بوصفه رئيسا لمجلس إدارة مدارس ليروس. وإذا كان هذا الإعلان ينطوى على معنى من معانى التجاهل فإنهما عادا وأدخلا باريسى بللينى فى الخصومة وهذا السلوك إن دل على شئ فإنما يدل على أنهما غير جادين فى دفعهما ومع ذلك فإن باريسى بللينى - بالنظر لتغير الأوضاع فى تلك الجزر قدم توكيلا رسميا صادرا إليه من صاحب الغبطة عمانويل بوصفه السالف الذكر وهذا التوكيل يخوله حق تمثيل المدارس أمام المحاكم على اختلاف درجاتها وفيه إجازة صريحة لجميع الأعمال التى باشرها بناء على الوكالة السابقة وعلى الأخص التى استلزمتها الدعوى المرفوعة بالمملكة المصرية ضد المستأنفين "الطاعنين" وبناء على ذلك يتعين رفض ادفع... وقد تأيدت وجهة نظر الحكم المطعون فيه بإجراء لاحق وذلك بإعلان تقرير الطعن بالنقض للمطعون عليه بصفته وكيلا عن رئيس مجلس إدارة المدارس الخصم الأصيل فى الدعوى دون التفات إلى ما أبداه الطاعنان من تحفظ بأن إعلان الطعن للوكيل لا يعتبر اعترافا منهما بصحة توكيله وتنازلهما عن الدفع بعدم قبول الدعوى وفى هذا ما يكفى لتوافر الصفة وهو ما لا خطأ فيه... أما ما أثاره الطاعنان من القول بمخالفة التشريع اليونانى الذى يوجب تصديق الحاكم العسكرى على محاضر جلسات مجلس إدارة مدارس ليروس حتى تتحقق لرئيس هذا المجلس أهلية التقاضى ولوكيله صفة النيابة وسكوت الحكم المطعون فيه عن التحدث عن ذلك يجعله قاصر الأسباب، فإنه مردود كذلك بأن الطاعنين لم يقدما صورة رسمية لهذا التشريع الأجنبى بملف الطعن ولا ترجمة رسمية له، والتمسك بتشريع أجنبى أمام هذه المحكمة لا يعدو أن يكون مجرد واقعة يجب إقامة الدليل عليها ولا يغنى فى اثباتها تلك الصور العرفية التى استند إليها الطاعنان بملف الطعن ما يتعين معه رفض هذا الوجه.
ومن حيث إنه عن الوجه الثانى فإن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على القول بأن حقوق الطاعنين الواردة بعقد الاتفاق المحرر فى 21 من فبراير سنة 1901 مستمدة من الوصية الصادرة من المرحوم باسيلى نقولاييدس فى سنة 1892 ثم انتهى إلى القول بأن تلك الحقوق - وهى فى ذاتها وصية بالنسبة إلى الطاعنين صادرة من المرحوم باسيلى نقولاييدس - تعتبر باطلة بطلانا تلحقه الإجازة وذلك لعدم وجودهما حقيقة أو حكما وقت وفاة الموصى فى سنة 1892 ولثبوت ميلادهما فى سنة 1903 وسنة 1906 حسب الثابت بالأوراق - وهذا النظر من الحكم غير سليم ذلك لأنه ظاهر من نصوص عقد سنة 1901 أن نية أطرافه قد انعقدت على أن يكون هو مصدر حق كل منهم لا وصية سنة 1892 وأنه وإن جاز التعرف على نية المتصالحين الذين عقدوا ذلك الاتفاق فى سنة 1901 بالرجوع إلى وصية سنة 1892 إلا أن هذا لا يعدو أن يكون مجرد استرشاد بواقعة خارجة عن نطاق العقد الذى أنشأ حقوق الطرفين والذى يعتبر وحده مصدر هذه الحقوق دون الرجوع بها إلى ما قبل ذلك. وآية ذلك أن وصية سنة 1892 المشار إليها وقد سبق الحكم من المحاكم اليونانية ببطلانها، ولما قضى القضاء المختلط بعد ذلك بأن تقرير الجنسية المحلية للموصى يستتبع عدم إمكان الاحتجاج بالحكم الصادر من القضاء اليونانى وبوجوب الالتجاء إلى قاضى الأحوال الشخصية المختص، أثير نزاع جديد بين المدارس وورثة الموصى على ملكية الأطيان وقد حسم هذا النزاع بالاتفاق الذى عقد فى فبراير سنة 1901 والذى أشير فى ديباجته إلى ما يفيد تسليم الطرفين ببطلان الوصية كما نص فى آخره "على تنازل مجلس إدارة المدارس عن كل دعوى أو تصرف أو حق أيا كان ضد ورثة المرحوم باسيلى نقولاييدس الذين يعترف بهم كورثة شرعيين مالكين دون غيرهم للأطيان الأخرى المملوكة لتركة مورثهم باسيلى نقولاييدس ويعتبر كل نزاع قائم حتى اليوم بينه وبين الورثة الشرعيين محسوما قطعا وخالصا تماما" ويبين من مراجعة هذا الاتفاق أن الورثة وإن حاولوا أن يتابعوا إلى حد ما إرادة المورث الأصلى "باسيلى نقولاييدس" إلا أنهم اعتبروا أنفسهم هم المصدر الأصلى للحقوق التى تقررت فى عقد الاتفاق كما سبق بيانه وهى حقوق مختلفة عما كان مقررا فى وصيته سنة 1892 وهذا مستفاد من مقارنة نصوص عقدى الاتفاق والوصية المشار إليهما فبعد أن كانت الوصية تقرر للمدارس حق ملكية على 1013 فدانا مع تحديد مقابل ريعها السنوى بمبلغ 18000 فرنك يجرى دفعه للمدارس من تاريخ وفاة الموصى فى سبتمبر سنة 1892 فإذا بعقد الاتفاق ينص على اعتراف الورثة للمدارس بملكية 500 فدان فقط وهى نصف المساحة التى وردت بالوصية كما حدد مقابل ريعها على أساس 20 فرنكا للفدان الواحد بدلا من 18 فرنكا المحددة بالوصية وكما حدد تاريخ دفع هذا المقابل للمدارس ابتداء من 1/ 10/ 1901 بدلا من سبتمبر سنة 1892 التاريخ المعين بالوصية كما أن الصلح تضمن نزول أخوى ليونتيدس مورثى الطاعنين عن حقهما الذى كان مقررا فى الوصية فى استئجار 1013 فدانا بايجار معين وعما كانا يدعيانه من تعويضات خاصة بتحسين الأطيان مقابل إنشاء حق "أمفتيوز" لهما على نصف هذه المساحة أى على الخمسمائة فدان التى اختصت به إدارة المدارس.
وحيث إنه يبين من هذا أن الحكم المطعون فيه قد بنى على اعتبار وصية سنة 1892 هى مصدر حقوق الطاعنين كما هى ومصدر حقوق المدارس ورتب على ذلك نتيجة لم يقل بها أحد من خصوم الدعوى وهى تجرد الطاعنين من أى سند قانونى فى استغلال هذه الأطيان تأسيسا على أنه لا يجوز لهما أن يستمدا حقا من وصية سنة 1892 لبطلانها بالنسبة إليهما مع أنه كان يتعين على المحكمة وهى بصدد التعرف على حقيقة المصدر الذى تلقى عنه الطاعنان حقهما إذا شاءت التعرض لما لم يطلبه أحد من الخصوم صيانة للنظام العام أن ترجع فى ذلك إلى الاتفاق المحرر فى 21 من فبراير سنة 1901 كمصدر للحقوق. فاذا قام نزاع حول تكييف ما انطوى عليه ذلك الاتفاق من تصرفات تعين البحث فيه على هذا الأساس وما تلاه والحكم المطعون فيه إذ انحرف فى تكييفه لحقوق الخصوم عن حقيقة مصدرها وعما تؤدى إليه أوراقها على النحو الذى أورده فى أسبابه يكون قد خالف القانون وتعين لذلك نقضه دون بحث فى باقى الأوجه الأخرى.