أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 6 - صـ 1435

جلسة 3 من نوفمبر سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: محمد فؤاد جابر، اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد عبد الواحد على المستشارين.

(193)
القضايا رقم 131 سنة 22 و377 سنة 22 و73 سنة 23 قضائية

( أ ) مجالس بلدية. طلب ترخيص بالبناء من بلدية الاسكندرية. عدم اعتراض البلدية. على البناء أو سكوتها عن إعطاء الترخيص. لا يجوز لطالب الترخيص أن يمضى فى البناء قبل الحصول على رخصة.
(ب) أعمال إدارية. امتناع البلدية عن إعطاء ترخيص بالبناء. حكم. تسبيبه. تقريره أن صدور حكم سابق باعتبار امتناع البلدية عن إعطاء الترخيص غير قانونى مما يجيز لطالب الترخيص أن يمضى فى بنائه. وجوب اعتبار ما قرره هذا الحكم معطلا للأمر الإدارى ومخالفا لمبدأ الفصل بين السلطات.
(ج) نقض. طعن. سبب جديد. التمسك لأول مرة أمام محكمة النقض بخطأ الحكم فى قضائه بفوائد عن مبلغ مطلوب على سبيل التعويض. لا يعتبر سببا جديدا.
(د) فوائد. جواز القضاء بفوائد عن مبلغ مطلوب على سبيل التعويض. المادة 226 مدنى جديد التى تمنع ذلك. ليس لها أثر رجعى.
(هـ) فوائد. وجوب قصر سعر الفائدة القانونية من 15 أكتوبر سنة 1949 على 4%.
(و) فوائد. الفوائد التأخيرية هى الأصل. اعتبارها غير تأخيرية. وجوب الإفصاح عن ذلك فى الحكم مع بيان الأسباب.
1 - ليس فى نصوص قرار بلدية الإسكندرية الصادر فى 19 من فبراير سنة 1909 ولا فى المرسوم الصادر فى 26 من أغسطس سنة 1889 الخاص بأحكام التنظيم نص يجيز لطالب الترخيص بالبناء عند عدم اعتراض البلدية على طلبه أو سكوتها عن إعطائه ترخيصا فى خلال الخمسة عشر يوما التالية لتقديم طلبه أن يمضى فى إقامة بنائه دون حرج، بل المستفاد من هذه النصوص أن البناء إذا أقيم فى هذه الحالة يجوز للبلدية أن تتخذ الإجراءات الإدارية وتمنع متابعة الأشغال فضلا عن تعريض صاحب البناء للعقوبات المنصوص عليها فى المادة 11 عن الهدم أو سد الطريق أو إرجاع المكان لحالته الأصلية المشار إليها فى المادة 15 من دكريتو التنظيم.
2 - متى كان الحكم قد قرر بأنه لا يجوز لأحد أن يتعرض لطالب البناء فى إقامة بنائه بعد أن صدر حكم باعتبار امتناع البلدية عن إعطائه ترخيصا بالبناء عملا مخالفا للقانون، فإن هذا الذى قرره الحكم فضلا عما فيه من تعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات وعدم تعرض القضاء للقرار الإدارى بالإلغاء أو التأويل أو التفسير حسبما كان يوجبه نص المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية، فإن حكم القضاء باعتبار القرار الإدارى مخالفا للقانون لا يعدو أن يكون مجرد توجيه لجهة الإدارة لما يجب عليها أن تتخذه فى خصوصه، ولا يمكن أن يقوم حكم القاضى مقام القرار الصحيح الواجب على الادارة اتخاذه.
3 - التمسك لأول مرة أمام محكمة النقض بأن الحكم قد أخطأ إذ قضى بالفوائد عن مبلغ مطلوب على سبيل التعويض لا يعتبر تمسكا بسبب جديد متى كان المحكوم عليه قد دفع الدعوى بطلب رفض التعويض، ذلك أن سبب الطعن يندرج فى عموم ما دفع به وذلك فضلا عن أن هذا السبب لا يعدو أن يكون حجة قانونية بحتة يستدل بها على خطأ الحكم فى قضائه بالفوائد القانونية.
4 - لا يكون الحكم مخطئا إذ قضى بالفوائد القانونية عن مبلغ مطلوب على سبيل التعويض وفقا لنص المادة 124 من القانون المدنى القديم، ذلك أن المبلغ المطالب به عبارة عن مبلغ من المال مستحق فى ذمة المسئول وان اختلف فى تقديره إلا أن الحكم قد حدده وحسم الخلاف فى شأنه بتقدير مبلغ معين تعتبر ذمة هذا المسئول مشغولة به منذ مطالبته به رسميا لأن الأحكام مقررة للحقوق وليست منشئة لها ولا محل للتحدى بنص المادة 226 من القانون المدنى الجديد لأنه على ما جرى به قضاء هذه المحكمة تشريع مستحدث وليس له أثر رجعى.
5 - إذا كان الحكم قد حدد الفوائد القانونية بسعر 5% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد فإنه يكون قد أخطأ فى هذا التحديد بالنسبة للمدة التى تبدأ من 15 من أكتوبر سنة 1949 تاريخ سريان القانون المدنى الجديد ويتعين إنقاصها إلى 4% من هذا التاريخ وفقا لنص المادة 226 منه.
6 - الأصل فى استحقاق الفوائد القانونية أن تكون تأخيرية ما لم يفصح عنها الحكم ويبين حقيقتها بيانا مميزا مستندا إلى علة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقارير التى تلاها السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعون الثلاثة رقم 73 سنة 23 ق ورقم 131 سنة 22 ق ورقم 377 سنة 22 ق قد استوفيت أوضاعها الشكلية.
ومن حيث إن واقعة الدعوى - على المستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعون الثلاثة - تتحصل فى أن مورث الطاعنين المرحوم عبد السلام حسن القبانى وأخاه محمد حسن القبانى يملكان قطعة أرض بخليج استانلى بالاسكندرية فقدما طلبا فى 6 من مايو سنة 1932 إلى بلدية الأسكندرية بالتصريح لهما باقامة بعض المنشآت عليها "كازينو وأكشاك وفيلات" وفقا للرسوم التى أرفقاها بطلبهما، وفى 20 من يونيه سنة 1932 رفض المجلس البلدى طلبهما استنادا إلى قرار القومسيون البلدى الصادر فى 4 من نوفمبر سنة 1932 الذى يقضى بأنه عندما يقرر مجلس التنظيم خط تنظيم جديد وتوافق عليه المأمورية البلدية يرجأ تسليم أيه رخصة للبناء على الخط الجديد المعدل إلى أن توافق وزارة الداخلية على خط التنظيم الجديد ارتكانا إلى أن مجلس التنظيم البلدى كان قد أصدر قرارا باعتبار الأرض المطلوب البناء عليها من المنافع العامة، فرفع الطاعن محمد حسن القبانى الدعوى رقم 524 سنة 1932 كلى الاسكندرية، ثم انضم إليه فيها مورث باقى الطاعنين وطلبا الحكم فيها بالزام البلدية بأن تدفع لهما تعويضا قدره 2268 جنيها و222 مليما مع الفوائد بواقع 5% عن مبلغ 825 جنيها ابتداء من تاريخ المطالبة الرسمية فى 27/ 7/ 1932 وعن المبلغ المطلوب بأكمله ابتداء من 3/ 12/ 1932 حتى السداد مع حفظ الحق فى المطالبة بالتعويض عما يلحقهما من الضرر مآلا. وبتاريخ 5 من نوفمبر سنة 1932 قضت محكمة اسكندرية الابتدائية تمهيديا بندب خبير لإثبات ما لحق المدعين من ضرر بسبب عدم الانتفاع بالمنشآت المراد إقامتها عن صيف سنة 1932 وتقدير قيمة التعويض عما فاتهما من إيرادها فى تلك الفترة وذلك بعد أن قطع الحكم المذكور فى مسئولية البلدية عن هذا التعويض تأسيسا على أن قرار القومسيون البلدى الصادر فى 4 من نوفمبر سنة 1932 مخالف لنص المادة 11 من القانون المدنى القديم وللمادة 10 من لائحة التنظيم الصادرة فى 8 من سبتمبر سنة 1889 وللمادة 35 من الأمر العالى الصادر فى 5 من يناير سنة 1890 الخاص بتشكيل مجلس بلدى الاسكندرية، وعلى أن البلدية وقد حلت محل وزارة الأشغال فى أمور التنظيم كان يتعين عليها أن تخطر مورثى الطاعنين فى خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديمهما إليها طلب التصريح بالبناء بعدم قبولها هذا الطلب وأن تشفع إخطارها بالملاحظات التى ترى لزوم إبدائها بشأن الشرائط الصحية وأمور الأمن العام وإلا كان الطالبون فى حل من إقامة المنشآت طالما أنه لم يصدر مرسوم باعتماد خط التنظيم. وقد باشر الخبير مأموريته وقدم تقريرا بين فيه أن المدة اللازمة للانتهاء من إقامة المنشآت هى أربعون يوما يضاف إليها عشرة أيام نظير الحصول على رخصة البناء، وأن المبانى المزمع انشاؤها تكلف مبلغ 1152 جنيها و353 مليما والمدة التى كانت مقدرة للانتفاع بتلك المنشآت هى أربعة شهور من صيف سنة 1932، وأن هذه المنشآت كانت تغل إيجارا قدره 1500 جنيه منها 600 جنيه للاكشاك و900 جنيه للكازينو وبتاريخ 9 من مارس سنة 1934 قضت محكمة اسكندرية الابتدائية فى الموضوع بالزام المطعون عليه "البلدية" بأن تدفع لمورث الطاعنين وشقيقه مبلغ 800 جنيه والفوائد بواقع 5% سنويا عن مبلغ 400 جنيه ابتداء من 27/ 7/ 1932 وعن ال 400 جنيه الأخرى ابتداء من 3/ 12/ 1932 حتى السداد معتمدة فى قضائها على تقرير الخبير بعد أن خفضت إيجار الكازينو إلى 400 جنيه، وبعد أن خصمت 200 جنيه مقابل مصروفات الاستهلاك والصيانة ثم قصرت التعويض على صيف سنة 1932 دون شتائها ودون الأعوام التالية. استأنف كل من الطرفين هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة، ثم أحيل لمحكمة استئناف اسكندرية لاختصاصها، وقيد الاستئنافان بجدولها برقم 99 سنة 6 ق، وقد طلب المطعون عليه فى استئنافه إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى مورث الطاعنين وشقيقه، كما طلب هؤلاء فى استئنافهم تعديل الحكم المستأنف وإلزام المطعون عليه بأن يدفع لهما مبلغ 9156 جنيها و190 مليما والفوائد بواقع 5% عن مبلغ 825 جنيها ابتداء من 17/ 7/ 1932 وعن مبلغ 3008 جنيه و222 مليما من 13/ 12/ 1932 وعن المبلغ المطالب به جميعه ابتداء من 11 من أكتوبر سنة 1937 حتى السداد، وفى 29 من مايو سنة 1951 قضت محكمة الاستئناف برفض الاستئنافين وبتأييد الحكم المستأنف وإلزام كل طرف بمصاريف استئنافه مع المقاصة فى أتعاب المحاماة، وقد طعن فى هذا الحكم ورثة المرحوم عبد السلام القبانى بالطعن رقم 73 سنة 23 ق، ومحمد حسن القبانى بالطعن رقم 131 سنة 22 ق، كما طعنت البلدية فيه بالطعن رقم 377 سنة 22 ق. وقد قررت المحكمة بجلسة 20 من أكتوبر سنة 1955 ضم الطعنين رقم 131 سنة 22 ق ورقم 377 سنة 22 ق إلى الطعن رقم 73 سنة 23 ق.
ومن حيث إنه مما ينعاه الطاعنون فى الطعنين رقم 73 سنة 23 ق ورقم 131 سنة 22 ق على الحكم المطعون فيه أنه إذ أقام قضاءه برفض التعويض المطلوب عن السنوات التالية لسنة 1923 على أن مجرد انقضاء خمسة عشر يوما على طلب الترخيص من غير رفض من الإدارة يجعل من حق الطالب إقامة البناء بلا حرج ولا مانع، والطاعنون لم يقدموا على هذه الخطوة ولم يشرعوا فى البناء وعلى أن حكم القضاء بأن قرار الإدارة الصريح أو الضمنى بعدم إعطاء ترخيص بالبناء مخالف للقانون يقوم هذا الحكم مقام الرخصة التى كان لزاما على جهة الإدارة أن تصدرها وعلى أن الطاعنين كانوا غير جادين فى إقامة البناء مع أن الفرصة كانت سانحة لهم بذلك عقب الحكم الصادر باعتبار قرار البلدية مخالفا للقانون فإنه يكون قد خالف القانون ذلك لأنه فضلا عن أن الأمر لم يكن أمر سكوت الإدارة عن التصريح بل كان رفضا صريحا من جانبها سجلته كتب البلدية المتتالية قبل وبعد الحكم التمهيدى الصادر فى 15/ 11/ 1932 الذى أفصح عن هذا التوجيه المشار إليه فليس صحيحا ما قرره الحكم المطعون فيه أن سكوت الإدارة خمسة عشر يوما يجيز لطالب الترخيص إقامة البناء فلا اللائحة ولا القانون يشير من قريب أو بعيد إلى ذلك ولا يشفع للحكم المطعون فيه قوله إن الطاعنين كانوا يرون أن البلدية ما دامت لم تبد اعتراضا يتعلق بشرائط الصحة والا من خلال الخمسة عشر يوما التالية لتقديم الطلب فإنه كان من حقهم إقامة البناء أو أن البلدية وافقت بجلسة 9/ 1/ 1934 على هذا النظر لأن ذلك ينفيه ما لخصه الحكم المطعون فيه من دفاع الطاعنين فى هذا الخصوص ولأن القول بالموافقة على هذا الادعاء أن صحت لا يكون من شأنها التعديل فى أحكام القانون وهى صريحة فى أنه لا يجوز لأحد مطلقا أن يبنى فى المدن إلا بعد حصوله من مصلحة التنظيم على الرخصة وخط التنظيم، وأن من يخالف ذلك يعاقب بالمادة 341 ع فضلا عن الهدم والإزالة وسد الطريق أو إرجاع المكان إلى حالته الأصلية "المواد 1 و11 و15 من المرسوم الصادر فى أغسطس سنة 1889". فإذا جاء الحكم المطعون فيه وحرض الطاعنين على تحدى سلطة الإدارة وقدرتها على الاستعانة بالقوة وعلى عدم الاعتداد بنصوص القانون الصريحة التى تحرم البناء بغير ترخيص وإلا كانوا غير جادين فى إقامة البناء فلا يصح تعويضهم اتضح موضع الانحراف فى الحكم وانكشف خطؤه. وأما قول الحكم المطعون فيه "إنه كان يجب على الطاعنين أن يقدموا على البناء عقب رفض البلدية وكل ما كان محتملا أن يحرر لهم محضر مخالفة يأخذ سيره العادى". أو قوله إنه "ما كان لهم الاحجام عن هذه الخطوة بعد الحكم الصادر فى 15/ 11/ 1932 المؤيد استئنافيا فى 10/ 5/ 1933 والذى صرح للطاعنين باقامة البناء بلا حرج ولا مانع بعد مضى الخمسة عشر يوما دون منازعة البلدية" أو "أن الطاعنين لو كانوا جادين فى مشروعهم لأقاموا البناء فعلا وكانت لديهم الفرصة سانحة لذلك" فإن ذلك معناه فى نظر المحكمة أن الحكم باعتبار قرار البلدية مخالفا للقانون يقوم مقام قرارها الصريح للطاعنين بالترخيص بالبناء وهو نظر غير سليم يتنافى مع مبدأ الفصل بين السلطات وعدم تعرض القضاء للقرار الإدارى بالإلغاء أو التأويل أو التفسير وحسب الحكم المطعون فيه تقريره أن "تصرف البلدية جاء مخالفا للقانون لذا كان ذلك محلا لإلزامها بتعويض الضرر الذى لحق الطاعنين من جراء هذا التصرف" ليتضح تقصير البلدية وموقفها من الطاعنين موقف عنت يجعلها مسئولة عن تعويض الضرر عن المدة التالية لأن تقصيرها هنا كان عن عمد وإصرار على الخطأ فضلا عما فيه من خروج على أحكام القانون - والحكم المطعون فيه إذ أهدر هذا كله ورفض التعويض المطالب به تأسيسا على ما سبق بيانه - يكون قد خالف القانون مما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن هذا النعى فى محله ذلك أن الحكم المطعون فيه إذ أورد "وحيث إن هذه المحكمة لا ترى الحكم بأى تعويض عن السنين التى تلت سنة 1932 وذلك لأنه ما دامت البلدية لم تبد اعتراضا يتعلق بشرائط الصحة والأمن فى خلال الخمسة عشر يوما التالية لتقديم الطلب فإنه كان للطاعنين أن يقيموا البناء بلا حرج ولا مانع ومع ذلك لم يشرعوا فى إقامة البناء ولأن البلدية وافقت على أنه إذا لم تعط الرخصة فى ظرف خمسة عشر يوما أو ترد فلصاحب الشأن أن يتجاوز عن الرخصة ويجرى البناء بدون رخصة" ويبين من هذا أن الحكم المطعون فيه تصور خطأ أن قرار القومسيون البلدى لمدينة الاسكندرية الصادر فى 19 من فبراير سنة 1909 تضمن نصا يجيز لطالب الترخيص - عند عدم اعتراض البلدية على طلبه أو سكوتها عن إعطائه ترخيصا بالبناء فى خلال الخمسة عشر يوما التالية لتقديم طلبه - أن يمضى فى إقامة بنائه دون حرج ولا مانع على نحو ما أثبته الحكم التمهيدى الصادر فى الدعوى بتاريخ 15/ 11/ 1932 وتابعه فى ذلك الحكم الابتدائى والحكم المطعون فيه مع أن القرار المذكور خال مما يسمح بهذا الفهم وكذا المرسوم الصادر فى 26 من أغسطس سنة 1889 الخاص بأحكام التنظيم لا يؤيد هذا النظر إذ كل ما تضمنه قرار سنة 1909 أنه "لا يجوز لأحد أن يبنى أو يوسع أو يعلى أو يقوى منازل أو مبانى قبل أن يعرض على البلدية رسومات العمل الموقع عليه وتصادق عليها وقبل الحصول على رخصة من قلم التنظيم بالبناء على خط التنظيم. وعلى المصلحة فى ميعاد 15 يوما من تاريخ تقديم الرسومات وقائمة الشروط أن تبدى رأيها من حيث المصادقة وتعطى بناء على ذلك رخصة البناء وخط التنظيم وفى حالة عدم قبول الرسومات وقائمة الشروط يجب على البلدية أن تخطر بذلك أصحاب الشأن فى الميعاد نفسه وتبلغهم الملاحظات التى ترى لزوم ابدائها" ثم نص القرار بعد ذلك على أنه "فى أحوال إجراء أشغال بلا تقديم الرسومات قبلا أو بالرغم من عدم قبول الرسومات المقدمة أو بالمخالفة لنصوص الرخصة الصادرة بها يجوز للبلدية بلا إخلال باسترداد الرخصة أن تتخذ الإجراءات الإدارية وتمنع متابعة الأشغال" ومفاد هذه النصوص أنه على البلدية فى ميعاد 15 يوما التالية لتقديم الرسومات أن تبدى رأيها من حيث المصادقة أو عدمها فإن هى صادقت أعطت الترخيص وإلا أخطرت الطالب بملاحظاتها التى رأت لزوم إبدائها وليس فيها ما يفيد أن سكوت البلدية أو عدم اعتراضها على الرسوم المقدمة خلال الخمسة عشر يوما يترتب عليه حتما كما ذهب إليه الحكم المطعون فيه إباحة البناء لطالبه بغير ترخيص بل المستفاد منه عكس ذلك إذ النص يقضى بأن البناء إذ أقيم فى هذه الحالة يجوز للبلدية أن تتخذ الإجراءات الإدارية وتمنع متابعة الأشغال فضلا عن تعريض الطالب للعقوبات المنصوص عليها فى المادة 11 والهدم أو سد الطريق أو إرجاع المكان لحالته الأصلية المشار إليها فى المادة 15 من ديكريتو التنظيم الصادر فى 26 من أغسطس سنة 1889. ولقد جر هذا التصور الخاطئ الحكم المطعون فيه كذلك إلى خطأ آخر إذ أورد فى أسبابه أنه: ما كان لأحد أن يتعرض للطاعنين فى إقامة البناء بناء على الحكم الصادر باعتبار تصرف البلدية مخالفا للقانون ولأنهم لو كانوا جادين فى مشروعهم لأقاموا البناء وكانت الفرصة سانحة لديهم بذلك فتكون تبعة ذلك عليه لا على البلدية". إذ أن هذا الذى أورده الحكم فضلا عما فيه من تعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات وعدم تعرض القضاء للقرار الإدارى بالإلغاء أو التأويل أو التفسير حسبما كان يوجبه نص المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية الملغاة والتى كانت تحكم واقعة الدعوى - فإن حكم القضاء باعتبار القرار الإدارى مخالفا للقانون لا يعدو أن يكون مجرد توجيه لجهة الإدارة لما يجب عليها أن تتخذه فى خصوصه ولا يمكن أن يقوم حكم القاضى مقام القرار الصحيح الواجب على الإدارة اتخاذه وإذن فمتى كان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد بنى على تصويرات خاطئة وتقريرات مخالفة للقانون على النحو السابق بيانه وكان الطاعنون ممنوعين حتما وبحكم القانون من إقامة البناء قبل الحصول على الرخصة يكون هذا الحكم معدوم الأساس متعينا نقضه دون حاجة لبحث باقى الأوجه الأخرى.
ومن حيث إن الطعن رقم 377 سنة 22 ق المقدم من البلدية قد أقيم على مخالفة القانون من وجهين وهى القصور فى التسبيب، وحاصل الوجه الأول: أنه خالف حكم المادة 124 مدنى قديم التى تجعل فوائد التأخير مستحقة إذا كان المتعهد به عبارة عن مبلغ معين من الدراهم معلوم المقدار أما إذا كان لم يكن محله ابتداء مبلغا من النقود ولكنه يصبح كذلك فيما بعد كالتعويض عن المسئولية التقصيرية فلا تنطبق عليه فوائد التأخير وواضح من طلبات المطعون عليهم أنهم إذ طلبوا فوائد عن مبلغ التعويض إنما اعتبروا هذه الفوائد تأخيرية، والحكم المطعون فيه إذ سايرهم فى ذلك يكون قد خالف القانون - وحاصل الوجه الثانى: أن المادة 266 مدنى جديد نصت على التزام المدين بمبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب يدفع تعويضا عن التأخير فوائد قدرها 4%... الخ وأن هذا السعر كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمادة 227 مدنى جديد سيظل السعر المقرر بمقتضى النصوص الحالية قائما إلى تاريخ العمل بأحكام التقنين الجديد بالنسبة للعقود التى تمت من قبل فإذا صح القول بأن الحكم بالفوائد جائز فى هذه الدعوى - مع عدم التسليم به - فإنه كان يتعين على الحكم المطعون فيه وقد صدر بعد العمل بالقانون المدنى الجديد أن يهبط بالفوائد إلى 4% بدلا من 5% ابتداء من تاريخ العمل بالقانون الجديد. ويتحصل الوجه الثالث: فى أن الحكم المطعون فيه لم يبين فى أسبابه نوع الفوائد التى قضى بها وهل هى تأخيرية كما طلبها المطعون عليهم بصحيفة دعواهم بعد أن حددوا كافة عناصر التعويض المطلوب وحصرها الحكم المستأنف فى مبلغ معين أم هى فوائد تعويضية، ولما كان عدم بيان نوع الفوائد ترتب عليه الخلاف بين طرفى الخصومة حول انطباق المادة 124 مدنى قديم و226 مدنى جديد عليها، وتلك مسالة جوهرية فى النزاع ما كان يصح إغفالها فى أسباب الحكم لأن الفوائد فى خصوصية هذه الدعوى لا تعتبر من الملحقات الواجب القضاء بها حتما تبعا للأصل حتى يسوغ القول بأن القضاء فيها سببه إعمال حكم القانون، فالحكم المطعون فيه إذ جاءت أسبابه خلوا من هذا البيان كان مشوبا بقصور مبطل له.
ومن حيث إن المطعون عليهم دفعوا بعدم قبول الطعن لجدة سببه ذلك أن الطاعنة لم تتقدم به أمام محكمة الموضوع وأن دفاعها فى جميع مراحل الدعوى كان يقوم على طلب رفض التعويض ولم تثر هذا الوجه الذى تبنى عليه طعنها الحالى أمام محكمة الموضوع، فليس لها أن تنسمك به لأول مرة أمام محكمة النقض.
ومن حيث إن هذا الدفع مردود بأن سبب الطعن يندرج فى عموم ما دفعت به الطاعنة الدعوى لدى محكمة الموضوع إذ طلبت رفض الدعوى وهذا يشمل ما قضى به من تعويض وفوائد ولأن الوجه المثار فى هذا الطعن لا يعدو أن يكون حجة قانونية بحتة تستدل بها الطاعنة على خطأ الحكم فى قضائه بالفوائد القانونية.
ومن حيث إن هذا النعى مردود فى وجهه الأول - بأن الحكم المطعون فيه قضى بالفوائد القانونية عن المبلغ المحكوم به إبتداء من "27 من يوليه سنة 1932 و3 من ديسمبر سنة 1932" تاريخ المطالبة الرسمية عملا بالمادة 124 من القانون المدنى القديم التى تحكم واقعة الدعوى على اعتبار أن المبلغ المطالب به عبارة عن مبلغ المال مستحق فى ذمة الطاعنة وإن اختلف فى تقديره إلا أن الحكم قد حدده وحسم الخلاف فى شأنه بتقدير مبلغ معين تعتبر ذمة الطاعنة مشغولة به منذ مطالبتها رسميا ذلك لأن الأحكام مقررة للحقوق وليست منشئة لها، ومتى كان ذلك هو أساس الحكم فلا يكون قد خالف القانون ولا محل للتحدى بنص المادة 226 مدنى جديد لأنه - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تشريع مستحدث وليس له أثر رجعى فلا يسرى على واقعة الدعوى، وإذا كان الحكم المطعون فيه لم يخطئ فى قضائه بفوائد التأخير القانونية على الأساس السالف بيانه فإنه أخطأ فى قضائه باستحقاقها بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام السداد، وكان النعى فى خصوص هذا الوجه صحيحا ذلك لأنه كان يتعين تخفيضها إلى 4% إبتداء من 15 من أكتوبر سنة 1949 تاريخ العمل بالقانون المدنى الجديد كمقتضى نص المادة 226 مدنى، ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضا جزئيا فى هذا الخصوص والحكم فى موضوع الاستئناف رقم 99 سنة 6 ق استئناف اسكندرية بتعديل الحكم المستأنف رقم 532 سنة 1932 كلى الاسكندرية وفقا لذلك. وأما ما تنعاه الطاعنة فى الوجه الثالث على الحكم المطعون فيه من أنه لم يبين نوع الفوائد إن كانت تأخيرية أو تعويضية فمردود بأن الأصل فى استحقاق الفوائد القانونية أن تكون تأخيرية ما لم يفصح الحكم عنها ويبين حقيقتها بيانا مميزا مستندا إلى علته، فإذا كان الثابت أن الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه أن المطعون عليهم قد حددوا كافة عناصر التعويض فى عريضة دعواهم وأصروا على طلب الحكم بها وجاء الحكم المطعون فيه وحصرها فى مبلغ معين بعد أن استبعد مصاريف الاستهلاك والصيانة ثم رأى القضاء به، ثم جاء فى منطوقه وقضى بالفوائد القانونية حتى تمام الوفاء، فإنه يكون قد دل بلا شبهة فى أن الفوائد التى قضى بها فوائد تأخير.
وحيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم المطعون فيه فى خصوص قضائه فى الاستئناف المرفوع من المجلس البلدى بتأييد الحكم المستأنف وذلك فيما قضى به من الحكم بالفوائد باعتبارها 5% حتى السداد.
وحيث إن موضوع الاستئناف المرفوع من البلدية فى هذا الخصوص صالح للفصل فيه وترى المحكمة للأسباب السابق بيانها تعديل الحكم المستأنف على هذا الوجه.