أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 6 - صـ 1545

جلسة 8 من ديسمبر سنة 1955

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز سليمان، ومحمود عياد، ومحمد عبد الواحد على، وأحمد قوشه المستشارين.

(212)
القضية رقم 48 سنة 22 القضائية

( أ ) جمارك. وديعة. حق الحبس. احتفاظ مصلحة الجمارك بالبضائع حتى وفاء الرسوم. عدم جواز اعتبارها مودعا لديها بلا أجر.
(ب) جمارك. وديعة. رهن حيازة. حق الحبس. مسئولية مصلحة الجمارك عن فقد البضائع المحبوسة تحت يدها ما لم تثبت أن الفقد كان لسبب قهرى. المواد 544 مدنى قديم و247/ 2 و1103 مدنى جديد.
1 - إن مصلحة الجمارك إذ تتسلم البضائع المستوردة وإذ تستبقيها تحت يدها حتى يوفى المستورد الرسوم المقررة لا تضع اليد على هذه البضاعة كمودع لديه متبرع بخدماته لمصلحة المودع بل تحتفظ بها بناء على الحق المخول لها بالقانون ابتغاء تحقيق مصلحة خاصة بها وهى وفاء الرسوم المستحقة، ومن ثم فانه فى حالة فقد البضائع لا يجوز لها التحدى بأحكام عقد الوديعة وبأن مسئوليتها لا تعدو مسئولية المودع لديه بلا أجر وذلك لانتفاء قيام هذا العقد الذى لا يقوم إلا إذا كان القصد من تسليم الشئ أساسا هو المحافظة عليه ورده للمودع عند طلبه، فاذا كانت المحافظة على الشئ متفرعة عن أصل آخر كما هو الشأن فى الرهن الحيازى انتفى القول بوجوب تطبيق أحكام الوديعة.
2 - إنه وإن كان القانون المدنى القديم لم يورد نصا خاصا عن واجبات الحابس فى حفظ وصيانة الشئ المحبوس تحت يده إلا أنه يجب على الحابس أن يبذل فى حفظه من العناية ما يبذله الرجل المعتاد ويكون مسئولا عن هلاكه أو تلفه إلا إذا كان ذلك بسبب قهرى قياسا على القاعدة المقررة فى رهن الحيازة بالمادة 544 مدنى قديم لاتحاد العلة فى الحالتين وهو ما صرح به القانون المدنى الجديد فى المادة 247/ 2 من التزام الحابس بالمحافظة على الشئ المحبوس تحت يده وفقا لأحكام رهن الحيازة المقررة فى المادة 1103 والتى تقضى بإلزام المرتهن بأن يبذل فى حفظ وصيانة الشئ المرهون ما يبذله الشخص المعتاد وأنه مسئول عن هلاكه أو تلفه ما لم يثبت أن ذلك يرجع لسبب أجنبى لا يد له فيه، ويكون القانون المدنى الجديد إذ أورد المادة 247 إنما قنن فى خصوص التزامات الحابس أحكام القانون القديم ولم يستحدث جديدا. وإذن فمتى كانت البضائع المحبوسة لدى مصلحة الجمارك حتى وفاء الرسوم الجمركية فقدت فانها تكون مسئولة عن فقدها ما لم تثبت أن الفقد كان لسبب قهرى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل فى أن المطعون عليها أقامت على الطاعنة الدعوى رقم 173 لسنة 1950 مدنى كلى الاسكندرية الابتدائية وقالت بيانا لها إنها استوردت من محلات نيكلسون وشركاه بانجلترا صندوقين يحتويان على أثواب من الأقمشة الصوفية وقد تم الكشف على الصندوقين وأودعا بمخزن الجمرك وبعد أن دفعت الشركة الرسوم الجمركية وطلبت استلام الصندوقين فى 3/ 4/ 1949 لم تستلم إلا الصندوق الأول دون الصندوق الثانى الذى تبين ضياعه مما حدا بها لرفع الدعوى وطلبت فيها إلزام مصلحة الجمارك "الطاعنة" بمبلغ 800 جنيه وفوائدها بواقع 4% سنويا تعويضا عما أصابها من ضرر بسبب الحادث. وقالت المدعى عليها إن الصندوق فقد من مخازنها الجمركية إلا أنها تنكر مسئوليتها عن ذلك استنادا إلى أن وضع البضاعة فى المخزن لم يكن إلا مجرد إيداع من غير أجر فلا تسأل المصلحة إلا عن الخطأ الجسيم ولا يدخل فى هذا الخطأ السرقة والضياع وفى 26/ 6/ 1950 قضت المحكمة بإلزام مصلحة الجمارك بأن تدفع إلى المطعون عليها مبلغ 785 جنيها و501 مليما وفوائد هذا المبلغ بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى 10/ 1/ 1950 حتى تمام الوفاء. استأنفت مصلحة الجمارك هذا الحكم وقيد استئنافها برقم 264 لسنة 6 ق محكمة استئناف الاسكندرية التى قضت فى 12/ 11/ 1950 بالتأييد. فقررت الطاعنة بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بنى على سبب واحد يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على أن علاقة مصلحة الجمارك بالشركة المطعون عليها لا يحكمها عقد الوديعة وعلى أن المصلحة المذكورة باعتبارها دائنة ممتازة لها حق حبس البضاعة وقياسا على المادة 544 من القانون المدنى القديم يعتبر الحابس مسئولا عن حفظ الشئ الذى تحت يده ولا ترتفع مسئوليته إلا بسبب قهرى - إذ قرر الحكم ذلك يكون قد خالف القانون: أولا - لأن العلاقة بين مصلحة الجمارك وبين الشركة المطعون عليها إنما يحكمها عقد الوديعة وتعتبر مصلحة الجمارك فى هذه الحالة مودعا لديها بدون أجر وقد انعقدت نية الطرفين على إيداع البضاعة بتسليمها لمخزن الجمرك بقصد أن تقوم المصلحة بحفظ الصندوق، أما حقها فى اقتضاء الرسوم الجمركية فهو حق مقرر لها بمقتضى قانون الجمارك ولا يعتبر أجرا مما يترتب عليه أن تكون مسئولية المودع لديه فى هذه الحالة مترتبة على الخطأ الجسيم دون الخطأ اليسير، ولما كان قد ثبت أنه لم يقع من الطاعنة أى خطأ فى حفظ الصندوق المفقود الذى أودعته فى مخازنها فيكون الحكم إذ أخرج العلاقة بين الطرفين من أحكام الوديعة وافترض الخطأ والإهمال وحاسب الطاعنة على أنه قد وقع خطأ جسيم يكون قد خالف القانون. وثانيا - لأن البضاعة لم تودع لدى مصلحة الجمارك إعمالا لحق الحبس، وإنما جرى العمل أن يودع صاحب الوديعة بضاعته فى مخازن الجمرك لحين قيامه هو باستيفاء الاجراءات الجمركية وهو لا يستطيع بحكم القانون إدخال البضاعة إلى البلاد قبل دفع هذه الرسوم، وصاحب البضاعة قد أودعها برضائه واختياره وباتفاق بينه وبين مصلحة الجمارك على الإيداع وليس الأمر استعمالا لحق الحبس كما ذهب الحكم المطعون فيه - وعلى الفرض بأن لمصلحة الجمارك حق حبس البضاعة فإن القياس الذى ذهب إليه الحكم المطعون فيه عن مساءلة الحابس عن خطئه فى حفظ الأشياء كما هو الحال بالنسبة للدائن المرتهن عملا بالمادة 544 من القانون المدنى القديم فهو قياس خاطئ لأن القانون المدنى القديم لم ينص على واجبات الحابس فى حفظ الشئ الذى فى حيازته كما نص على مسئولية الدائن المرتهن فى تلك الحالة. ثالثا - لأن الحكم أقام قضاءه بمسئولية الطاعنة على المادتين 151 و152 من القانون المدنى القديم مع أنه لم يثبت الخطأ الموجب للضرر ولا يمكن افتراض وجود الخطأ دون أن يقوم عليه دليل.
ومن حيث إن هذا النعى مردود فى جميع أوجهه: أولا - بأن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن العلاقة بين مصلحة الجمارك "الطاعنة" وبين المطعون عليها لا يحكمها عقد الوديعة استند إلى أن هذا العقد يستلزم لقيامه أن يسلم إنسان منقولا لآخر يتعهد بحفظه ورده بعينه وأن الواقع فى هذه الدعوى أن المطعون عليها لم تسلم البضاعة محل النزاع إلى الطاعنة لحفظها لديها بل هى التى وضعت يدها عليها كإجراء قانونى أباحته لها لائحة الجمارك لاستيفاء حقوق الخزانة وهى ليست ملزمة برد البضاعة إلى صاحبها عند أول طلب لها إذ هى لا تسلمها إلا بعد دفع الرسوم المقررة عليها وتبقى البضاعة لديها ضامنة لهذه الرسوم وجميع أنواع المصروفات والغرامات بطريق الامتياز فيكون لها - وفقا لأحكام هذه اللائحة - حق حبس البضاعة تطبيقا للمادة 605 من القانون المدنى القديم - وأنه تطبيقا للقواعد العامة وبطريق القياس على ما نص عليه القانون المذكور فى المادة 544 عن حفظ الشئ المرهون رهنا حيازيا يعتبر الحابس مسئولا عن حفظه ولا ترتفع مسئوليته إلا فى حالة السبب القهرى وأنه يكفى أن يكون قد ثبت أن الصندوق كان فى مخازن مصلحة الجمارك وأنه عند طلبه بعد دفع الرسوم المستحقة عليه لم تستطع مصلحة الجمارك رده لصاحبه - وهذا الذى قرره الحكم لا خطأ فيه ذلك أنه يبين من نصوص اللائحة الجمركية الصادرة فى 19/ 3/ 1909 ومن المواد 8 و15 و36 منها ومن تعليمات مصلحة الجمارك أن البضائع المستوردة تفرغ فى الميناء بعد تقديم مانفستو الشحن وتنقل مباشرة للجمرك "لإجراء عملية المراجعة والتقييد" "وأنه لا يفرج عن أية بضاعة كانت إلا بعد دفع الرسوم المقررة عليها وأن هذه البضائع تضمن للمصلحة بوجه الامتياز دفع الرسوم وجميع أنواع المصروفات المطلوبة على البضائع المذكورة" - ويتضح من هذه النصوص أن مصلحة الجمارك إذ تتسلم البضائع المستوردة وإذ تستبقيها تحت يدها حتى يوفى المستورد الرسوم المقررة لا تضع اليد على هذه البضائع كمودع لديه متبرع بخدماته لمصلحة المودع بل تحتفظ بها بناء على الحق المخول لها بالقانون ابتغاء تحقيق مصلحة خاصة بها وهى وفاء الرسوم المستحقة - وبذلك لا محل للتحدى بأحكام عقد الوديعة وبأن مصلحة الجمارك لا تعدو مسئوليتها مسئولية المودع لديه بلا أجر وذلك لانتفاء قيام عقد الوديعة الذى لا يقوم إلا إذا كان القصد من تسليم الشئ أساسا هو المحافظة عليه ورده للمودع عند طلبه فإذا كانت المحافظة على الشئ متفرعة عن أصل آخر كما هو الشأن فى الرهن الحيازى انتفى القول بوجوب تطبيق أحكام الوديعة. ومردود ثانيا - بأن القانون المدنى القديم وإن كان لم يورد نصا خاصا عن واجبات الحابس فى حفظ وصيانة الشئ المحبوس تحت يده إلا أنه - أى الحكم المطعون فيه - لم يخطئ إذ قرر أنه يجب على الحابس أن يبذل فى حفظ الشئ المحبوس تحت يده من العناية ما يبذله الرجل المعتاد ويكون مسئولا عن هلاكه أو تلفه إلا إذا كان ذلك بسبب قهرى - وذلك قياسا على القاعدة المقررة فى رهن الحيازة، إذ تقضى المادة 544 من القانون المدنى القديم بأن تلف الشئ المرهون وهو فى حفظ الحائز له لا يكون على مالكه إلا إذا كان التلف لسبب قهرى - هذا القياس سليم، وذلك لاتحاد العلة فى الحالتين وهو ما صرح به القانون المدنى الجديد إذ نص فى الفقرة الثانية من المادة 247 على التزام الحابس بالمحافظة على الشئ المحبوس تحت يده وفقا لأحكام رهن الحيازة، ونص فى المادة 1103 منه على أنه إذا تسلم الدائن المرتهن الشئ المرهون فعليه أن يبذل فى حفظه وصيانته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد وأنه مسئول عن هلاك الشئ أو تلفه ما لم يثبت أن ذلك يرجع لسبب أجنبى لا يد له فيه. وعلى ذلك يكون القانون المدنى الجديد إذ أورد المادة 247 إنما قنن فى خصوص التزامات الحابس أحكام القانون المدنى القديم ولم يستحدث جديدا، ويبين من هذا أن مصلحة الجمارك مسئولة أصلا عن فقد البضاعة محل النزاع إلا إذا قامت هذه باثبات أن الفقد كان لسبب قهرى وهو ما لم يقم عليه دليل فى الدعوى. ومردود أخيرا بأن النعى على الحكم خطأه فى تطبيق المادتين 151، 152 من القانون المدنى القديم بمقولة إنه يجب على من أصابه ضرر أن يثبت وقوع الخطأ ممن ينسبه إليه هو نعى غير منتج ذلك لأن الحكم المطعون فيه إذ تعرض لمسئولية مصلحة الجمارك والخطأ الحاصل منها أو من تابعيها أثناء تأدية وظائفهم فإنما كان ذلك استطرادا منه على سبيل الفرض الجدلى بعد أن أقيم الحكم على الدعامة الأساسية التى تكفى وحدها لحمل قضائه وهى أن البضاعة المفقودة كانت فى حيازة الطاعنة باعتبارها حابسة لها حتى توفى لها الرسوم المستحقة على تلك البضاعة وأنها بهذا الوصف مسئولة عن هلاكها إلا إذا أقامت هى الدليل على أن فقدها كان بسبب قوة قاهرة وهو أساس صحيح فى القانون ومن ثم فلا جدوى مما تعيبه الطاعنة على الحكم فيما تعرض إليه تزيدا على سبيل الفرض الجدلى.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه.


ملحوظة - صدر حكم بهذا المعنى فى نفس الجلسة فى الطعن رقم 215 سنة 22 ق.