أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الأول - السنة 7 - صـ 190

جلسة 9 من فبراير سنة 1956

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: محمد فؤاد جابر، واسحق عبد السيد، ومحمد عبد الرحمن يوسف، وأحمد قوشه المستشارين.

(24)
القضية رقم 217 سنة 22 القضائية

( أ ) موظفون. اختصاص. مجلس الوزراء. مجالس التأديب. تعويض. مدى اختصاص مجلس الوزراء بفصل الموظفين. استقلال حقه فى ذلك عن الفصل التأديبى. صدور قرار مجلس الوزراء بفصل موظف أحيل إلى مجلس تأديب. الحكم بتعويضه باعتبار أن المجلس غير مختص. خطأ.
(ب) موظفون. الفصل الادارى. اختلاف الفصل التأديبى عن الفصل الإدارى. ماهية هذا الاختلاف.
(ج) موظفون. اختصاص. مجلس الوزراء. قرار الفصل الادارى. مدى رقابة المحاكم عليه.
1 - إن مجلس الوزراء باعتباره السلطة الإدارية العليا التى تحمل مسئولية إدارة المرافق العامة ورعاية مصالح الدولة هو صاحب الحق الأصيل فى فصل الموظفين من وظائفهم تحقيقا للصالح العام وما يقتضيه حسن سير الجهاز الحكومى ما لم يكن هناك نص خاص يحد من هذا الحق، وهو حق مستقل عن فصل الموظفين الذى تتولاه الهيئات التأديبية، ولا يحول دون مباشرته لهذا الحق أن يكون الموظف قدم فعلا إلى مجلس التأديب. وذلك وفقا لأحكام الأوامر العالية الصادرة فى هذا الشأن. وإذن فمتى كان الحكم إذ قضى بتعويض موظف صدر قرار مجلس الوزراء بفصله بعد إحالته إلى مجلس تأديب قد اعتبر أن المجلس غير مختص بإصدار قراره - فإنه يكون قد خالف القانون.
2 - الفصل التأديبى يختلف اختلافا جوهريا عن الفصل الإدارى ذلك أن التأديب يهدف إلى توقيع جزاءات معينة تتدرج بين الإنذار والرفت لأسباب ترجع إلى أخطاء يحاسب عليها الموظف فى حين أن الفصل الادارى ليس فى ذاته عقوبة بل هو إجراء تدرأ به الحكومة عن جهازها الادارى ما قد يعوقه عن أداء مهمته على الوجه الذى يرضيها فى اضطلاعها بمسئوليتها العظمى نحو إدارة الشئون العامة وقد تقوم أسبابه فيما لا يتصل بأخطاء تستأهل جزاء تأديبيا.
3 - إن رقابة المحاكم على قرار الفصل الإدارى إنما تقوم على التحقق من قيام الحالة الواقعية التى استلزمت تدخل مجلس الوزراء لإصدار قرار الفصل وصحة التكييف القانونى للوقائع الثابتة والتأكد من عدم انحراف مجلس الوزراء بسلطته عن حدود الصالح العام، فمتى كانت الاعتبارات التى دعت المجلس إلى اتخاذ قراره مؤسسة على المصلحة العامة ومبنية على أسباب جدية متصلة بذات الموظف المفصول امتنع على المحاكم أن تتداخل فى تقدير صلاحية الموظف للاستمرار فى العمل وملاءمة الفصل للحالة اللاصقة. فإذا كان الحكم إذ قضى بالتعويض قد اعتبر بعض الأسباب التى بنى عليها فصل الموظف مما يكفى فيه التنبيه بالإقلاع عنها والبعض الآخر غير مقطوع بصحته فإنه يكون فى هذا النظر قد أساء فهم القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المطعون عليه رفع ضد وزارتى الداخلية والمالية الطاعنتين الدعوى رقم 138 سنة 1946 مدنى كلى القاهرة قال فيها بأنه تخرج من مدرسة البوليس سنة 1917 والتحق بخدمة الحكومة وأخذ يتدرج فى مختلف وظائف البوليس إلى أن عين فى 24/ 9/ 1942 بوظيفة مأمور مركز وعين فى سنة 1944 مأمورا لمركز سمالوط وفيما هو يقوم بأعباء وظيفته على خير وجه إذ قدمت فى حقه شكوى من بعض الأهلين وندب لتحقيقها أحد المفتشين وتشعبت التحقيقات وتناولت ثلاث مسائل (1) مسلك المطعون عليه فى توزيع الأقمشة الشعبية (2) مسلكه فى توزيع كوبونات الكيروسين (3) مسلكه فى جمع التبرعات لمنكوبى قنا وأسوان وانتهت وزارة الداخلية من هذا التحقيق إلى اعتباره مسئولا عما نسب إليه فى هذه المسائل وإحالته إلى مجلس التأديب إلا انه قبل أن ينتهى هذا المجلس من نظر الدعوى التأديبية تقدمت الوزارة فى 19/ 8/ 1944 إلى مجلس الوزراء بمذكرة بطلب احالته إلى المعاش وصدر قراره بذلك فعلا فى نفس اليوم، ونظرا لأن المطعون عليه يرى أن مجلس الوزراء لا يملك قانونا حق إحالته إلى المعاش وبفرض أن له هذه السلطة فقد امتنع عليه حق ممارستها بعد إحالته إلى مجلس التأديب وبعد أن تعلق حقه بالمحاكمة التأديبية فضلا عن أن الأسباب التى استند إليها مجلس الوزراء فى إصدار قرار الفصل ليست فى محلها فقد طلب الحكم له قبل الطاعنتين بمبلغ 10000 ج على سبيل التعويض عما ناله من اضرار لفصله من الخدمة على خلاف القانون ولبواعث شخصية وحزبية وبتاريخ 6/ 3/ 1947 قضت المحكمة الابتدائية برفض الدعوى وإلزام الطاعن بمصروفاتها وبمبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة، واستأنف هذا الحكم بالقضية رقم 744 سنة 62 ق لدى محكمة استئناف القاهرة التى قضت بتاريخ 20/ 4/ 1952 بالغائه وإلزام الطاعنتين بأن تدفعا للمطعون عليه مبلغ 2750 ج والمصروفات المناسبة عن الدرجتين ومبلغ ألفى قرش مقابل أتعاب المحاماة. فقررت وزارتا الداخلية والمالية بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض.
وحيث إن حاصل ما تنعاه الطاعنتان على الحكم المطعون فيه أنه استند فى قضائه إلى أن مجلس الوزراء لم يكن يملك إحالة المطعون عليه إلى المعاش بعد أن أحيل الى مجلس التأديب وأصبح هذا المجلس مختصا بالفصل فى أمره ولم يكن بعد قد أصدر قراره إذ لا يجوز لسلطة أن تفتات على سلطة أخرى وإن دنت فيكون مجلس الوزراء قد تجاوز اختصاصه وجاء قراره بإحالة المطعون عليه إلى المعاش على خلاف القانون ومشوبا بسوء استعمال السلطة. وهذا الذى أسس عليه الحكم قضاءه مخالف للقانون ذلك أنه من المقرر أصلا أن لمجلس الوزراء الحق المطلق فى فصل الموظفين كبارا وصغارا بغير محاكمة تأديبية، وما الاحالة إلى مجلس التأديب إلا استثناء من هذا الأصل لا يخل بما للحكومة من حق الفصل ولا يفيد تنازلها عن هذا الحق المقرر لها قانونا، ولها أن تعدل عن هذا الطريق الاستثنائى وتمارس حقها فى العزل الإدارى حتى ولو كان الموظف قد أحيل إلى مجلس التأديب ومن غير انتظار لما يقرره هذا المجلس. كما أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تأويله إذ ناقش الأسباب التى بنى عليها قرار الفصل وحاول الاستدلال منها على أن ما نسب إلى المطعون عليه لم يثبت بصفة قاطعة وإذا اعتبر المكاتبات التى تبودلت بين الوزارة وإدارة قضايا الحكومة فى شأن ما طلبه المطعون عليه من إعادته إلى الخدمة دليلا على إقرار الحكومة بأن قرار الفصل كان فى غير محله ذلك أنه ليس من اللازم أن يقوم الدليل القاطع على صحة التهم المسندة للموظف المفصول بالطريق الإدارى ما دام أن قرار الفصل قد استهدف المصلحة العامة وحدها كما أن المفاوضات التى دارت فى شأن إعادة المطعون عليه إلى الخدمة بناء على طلبه والتى انتهت برفض هذا الطلب ليس من شأنها أن تؤدى إلى ما استخلصه الحكم منها من إقرار الحكومة بأنها حادت عن الطريق السوى فى فصل المطعون عليه مما يعتبر مسخا لهذه المكاتبات، فضلا عن الخطأ فى تأويل القانون لمعنى الإقرار الملزم لصاحبه، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور إذ أخذ بمذكرة سكرتير عام وزارة الداخلية التى اقترح فيها إعادة النظر فى أمر إعادة المطعون عليه إلى الخدمة مع محاكمته عن التهم المسندة إليه دون أن يعنى بالرد على ما جاء بدفاع الطاعنتين من أن هذه المذكرة لم تنف التهم الموجهة إليه وأن ما تضمنته هو رأى شخصى لمقدمها وأن وكيل التفتيش قدم مذكرة 23/ 10/ 1944 بين فيها أن تصرفات المطعون عليه إذا أحسن الظن به لا تخلو من إهمال جسيم يورث الشك فى نزاهته وأن وكيل وزارة الداخلية قدم مذكرة أخرى مؤرخة 14/ 5/ 1946 قدمت صورتها لمحكمة الموضوع قرر فيها عدم إعادته إلى الخدمة للتهم الخطيرة المنسوبة إليه وهو دفاع جوهرى يحتمل أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى.
وحيث إن مجلس الوزراء باعتباره السلطة الإدارية العليا التى تحمل مسئولية إدارة المرافق العامة ورعاية مصالح الدولة هو صاحب الحق الأصيل فى فصل الموظفين من وظائفهم تحقيقا للصالح العام وما يقتضيه حسن سير الجهاز الحكومى ما لم يكن هناك نص خاص يحد من هذا الحق وهو حق مستقل عن فصل الموظفين الذى تتولاه الهيئات التأديبية وهذا يبين من مراجعة الأوامر العالية الصادرة فى هذا الشأن إذ أن الحكومة بعد أن أصدرت فى 10 من أبريل سنة 1883 الأمر العالى بلائحة تسوية حالة المستخدمين من الملكيين "الذى شكلت به مجلس الإدارة والتأديب" ونص فى المادة الثامنة على الجزاءات التأديبية ومن بينها الرفت وهو الفصل التأديبى، ونص فى المادة التاسعة على الرفت بصفة عامة أيا كانت أسبابه وجعله مقيدا بموافقة مجلس الإدارة بالنسبة للمستخدمين الذين عناهم الأمر العالى المذكور، عادت فأصدرت أمرا عاليا فى 24 من مايو سنة 1885 بتعديل الأمر العالى السابق وكان من مقتضى هذا التعديل أن ألغى مجلس الإدارة وألغى معه القيد الوارد فى المادة التاسعة سالفة الذكر عن عدم إمكان الفصل إلا بموافقة مجلس الإدارة فعاد للحكومة حقها المطلق فى الفصل الإدارى وأصبح ذلك المجلس مجرد مجلس تأديب يختص بتوقيع الجزاءات التأديبية ومنها "الرفت" التأديبى بغير مساس بحق الحكومة الأصيل فى الفصل غير التأديبى المعبر عنه بالفصل الإدارى ثم صدر الأمر العالى فى 19 من فبراير سنة 1887 عن "مسئولية النظار ورؤساء المصالح وكبار المأمورين لدى محكمة عليا إدارية" ثم دكريتو 24 من ديسمبر سنة 1888 "بتشكيل محكمة عليا تأديبية" وجاء بالمادة 14 منه بأن أحكام هذا الأمر "لا تمس ما للحكومة من الحق المطلق فى رفع أى موظف من وظيفته بدون توسط المحكمة العليا التأديبية" ولم يكن هذا النص منشئا لحق جديد للحكومة بل مقررا لحقها الأصيل الثابت لها أبدا فى فصل الموظف متى رأت أنه غير صالح للعمل رعاية للمصلحة العامة، وقد تأيد الاحتفاظ بهذا الحق فى المادة 13 من القانون الصادر فى 11 من يونيه سنة 1897 الخاص بتأديب أعضاء النيابة والمادة 8 من القانون الصادر فى 18 من أبريل سنة 1917 الخاص بالقضاة الشرعيين وقد أكد هذا الحق ما ورد بالمادة 20 من القانون رقم 5 الصادر فى 15 من أبريل سنة 1909 الخاص بالمعاشات الملكية من أن "من يرفت من خدمة الحكومة من الموظفين أو المستخدمين الدائمين بسبب إلغاء الوظيفة أو الوفر أو بقرار خصوصى من مجلس النظار يكون له الحق فى المعاش أو المكافأة" ثم ما جاء بقانون المعاشات رقم 37 الصادر فى 28 من مايو سنة 1929 عن "معاشات ومكافآت الموظفين والمستخدمين الدائمين المرفوتين بسبب إلغاء الوظيفة أو الوفر أو بأمر ملكى أو بقرار خاص من مجلس الوزراء" مما مفاده أن حق الحكومة الأصيل فى الفصل الإدارى قائم بالنسبة لجميع الموظفين والمستخدمين عدا من استثناهم تشريع خاص لاعتبارات تتصل بالصالح العام اقتضت عدم قابليتهم للعزل عن هذا الطريق كالقضاة، وهذا الحق لا يجبه إمكان فصل الموظف تأديبيا إذ هو يختلف اختلافا جوهريا عن الفصل الإدارى، ذلك أن التأديب يهدف إلى توقيع جزاءات معينة تندرج بين الإنذار والرفت لأسباب ترجع إلى أخطاء يحاسب عليها الموظف فى حين أن الفصل الإدارى ليس فى ذاته عقوبة بل هو إجراء تدرأ به الحكومة عن جهازها الإدارى ما قد يعوقه عن أداء مهمته على الوجه الذى يرضيها فى اضطلاعها بمسئوليتها العظمى نحو إدارة الشئون العامة وقد تقوم أسبابه فيما لا يتصل بأخطاء تستأهل جزاء تأديبيا. فمتى كان الفصل الذى أبيح لمجالس التأديب أن توقعه بالموظف مختلفا فى أصله وفى طبيعته عن حق الفصل المقرر لمجلس الوزراء فان مجالس التأديب وهى تقوم باختصاصها بالفصل التأديبى لا تشترك فى الواقع مع مجلس الوزراء فيما له من حق الفصل ولا تباشر سلطة من سلطانه بل يدور اختصاصها فى مجال مختلف عن مجال اختصاصه، وبالتالى فهى ليست هيئات مرتبة تحت هيئة مجلس الوزراء لممارسة ذات سلطانه فى الفصل حتى يمكن القول بأنه إن لم يتربص حتى تنتهى من ممارسة وظيفتها اعتبر متعديا بل هو صاحب سلطة أصلية فى فصل الموظفين مستمدة من حقه الطبيعى الملازم لمسئوليته وهى سلطة باقية أبدا لمجلس الوزراء ولم ينزعها منه تشكيل مجالس التأديب التى رتبت لاداء وظيفة أخرى لا تخل بما له من مباشرة حقه فى الفصل الإدارى، فلا يحول دون مباشرته لهذا الحق أن يكون الموظف قدم فعلا إلى مجلس التأديب. لما كان ذلك، فان الحكم المطعون فيه إذ اعتبر مجلس الوزراء غير مختص باصدار قراره بفصل المطعون عليه بعد إحالته لمجلس التأديب وأن هذا التعدى يعتبر فى ذاته سوء استعمال للسلطة يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إنه يبين أيضا من الحكم المطعون فيه أنه ناقش الأسباب التى بنى عليها مجلس الوزراء قراره بفصل المطعون عليه وهى أولا - توقيع بعض الجزاءات عليه للإهمال. وثانيا - أنه متوسط الكفاءة فى أعمال الإدارة والضبط. وثالثا - أنه غير محترم من مرءوسيه ومن الأهالى. رابعا - أن تقارير عمله فى السنين الأخيرة تضمنت ما لوحظ عليه من خفة وعدم اتزان. خامسا - اتهامه فى سنة 1944 بأمور خطيرة تضمنت الطعن فى نزاهته فى أعمال التموين وفى جميع التبرعات لمنكوبى قنا وأسوان. ثم خلص الحكم إلى "أن الأسباب الأربعة الأولى لا تدل على عدم كفاية فى أداء واجبه ويمكن لمن نسبت إليه الإقلاع عنها لو نبه إليها. وأما السبب الخامس فإنه بمراجعة التحقيقات التى أجريت مع المأمور المستأنف والمرفقة بالأوراق تبين أنها لا تقطع فى صحة ما نسب إليه وأن الوقائع الثابتة لا تبرر رفته والمحكمة فى هذا المنحى تقر رأى سكرتير عام الوزارة الذى كلف بفحص التظلم المقدم من المستأنف بعد فصله وانتهى إلى أنه لم يثبت بصفة قاطعة أن المأمور قد ارتكب فعلا يقطع باستفادته على حساب وظيفته. وقد أخذت الوزارة بهذا الرأى فعلا ونفذته كما يستفاد من الكتب المتداولة بينها وبين قسم القضايا ومن التنازل المحرر من المستأنف عن دعواه بناء على طلب الوزارة مقابل إعادته للخدمة. ومؤدى ذلك التسليم منها بأنها بفصلها المستأنف بقرار من مجلس الوزراء بعد إحالته على مجلس التأديب حادت عن الطريق السوى وبأن الأسباب التى استندت إليها فى ذلك لا تبرر هذه النتيجة فمن حقه والحالة هذه أن يطالب بتعويض ما حاق به من اضرار من جراء هذا القرار المشوب شكلا وموضوعا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه فيما استند إليه قد خالف القانون وشابه قصور ذلك بأن رقابة المحاكم على قرار الفصل الإدارى إنما تقوم على التحقق من قيام الحالة الواقعية التى استلزمت تدخل مجلس الوزراء لإصدار قراره وصحة التكييف القانونى للوقائع الثابتة والتأكد من عدم انحراف مجلس الوزراء بسلطته عن حدود الصالح العام فمتى كانت الاعتبارات التى دعت المجلس إلى اتخاذ قراره مؤسسة على المصلحة العامة ومبنية على أسباب جدية متصلة بذات الموظف المفصول امتنع على المحاكم أن تتداخل فى تقدير صلاحية الموظف للاستمرار فى العمل وملاءمة الفصل للحالة اللاصقة به - والحكم إذ اعتبر بعض الأسباب التى بنى عليها فصل المطعون عليه مما يكفى فيه التنبيه للاقلاع عنها والبعض الآخر غير مقطوع بصحته يكون فى هذا النظر قد أساء فهم القانون.
وحيث إن الحكم فيما ذهب إليه من أن مجلس الوزراء قد "حاد عن الطريق السوى وأن قراره مشوب بالتعسف فى استعمال السلطة" قد استند أخيرا إلى مذكرة سكرتير عام وزارة الداخلية وإلى الخطابات المتداولة بينها وبين قسم القضايا وهى تالية لقرار الفصل، ولم يناقش ما استند إليه دفاع الطاعنتين من أن مذكرة سكرتير عام على الوزارة لم تنف عن المطعون عليه التهم المسندة إليه وأن مذكرة وكيل التفتيش أثبتت أن التصرفات المنسوبة له لو أحسن الظن به لا تخلو من إهمال جسيم يدعو إلى الشك فى نزاهته وأن مذكرة وكيل الداخلية أثبتت عدم إمكان إعادته للخدمة للتهم الخطيرة المنسوبة إليه، ولما كان هذا الدفاع الذى لم يعرض له الحكم جوهريا ويجوز أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإن إغفال الحكم التحدث عنه يكون قصورا مستوجبا نقض الحكم.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على أساس صحيح ويتعين نقض الحكم المطعون فيه.