أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الأول - السنة 7 - صـ 230

جلسة 16 من فبراير سنة 1956

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد على، ومحمد متولى عتلم، وابراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(31)
القضية رقم 74 سنة 22 القضائية

شفعة. دفاع. أحوال لا تجوز فيها الشفعة. تمسك المشترى بشراء أرض بطريق الممارسة من مصلحة الأملاك. اعتبار هذا البيع متراوحا بين البيع والهبة والصلح. عدم جواز الشفعة فيه. قضاء الحكم بالشفعة مع إغفال الرد على هذا الدفاع. نقض الحكم.
إذا كان المشترى قد تمسك بعدم جواز الشفعة فى أرض اشتراها بطريق الممارسة من مصلحة الأملاك بثمن روعى فى تقديره اعتبارات خاصة وكان الحكم إذ قضى بالشفعة لم يرد على هذا الدفاع الجوهرى فإنه يتعين نقضه. ذلك أنه متى كان البيع مقصورا على أشخاص معينين فلا يمكن حصوله لغيرهم مهما ألحت عليهم الحاجة فى شرائها ومهما زايدوا على أثمانها، ويعتبر البيع فى هذه الأحوال متراوحا بين البيع والهبة والصلح لأن تقدير الثمن تراعى فيه اعتبارات تتعلق بشخصية المشترى من ناحية وبمصالح عليا اجتماعية وسياسية من الناحية الأخرى وكل ذلك لا يمكن تقديره بثمن.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه فيتعين قبوله شكلا.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق - تتحصل فى أن المطعون عليها الثانية (مصلحة الأملاك الأميرية) باعت إلى الطاعن قطعة أرض من أملاكها بمركز امبابه مساحتها 18 قيراطا و18 سهما بثمن مقداره 125 جنيها و22 مليما ولما علم المطعون عليه الأول بهذا البيع وشروطه وجه إلى الطاعن والمطعون عليهما الثانية والثالث
(باعتبار هذا الأخير مشتريا مع أخيه الطاعن) إنذارا برغبته فى أخذ العقار المبيع بالشفعة ثم أقام عليهم الدعوى رقم 1103 لسنة 1949 مدنى بندر الجيزه وطلب الحكم بأحقيته فى أخذ العقار بالشفعة فى مقابل الثمن الحقيقى المتفق عليه - وفى 11/ 12/ 1950 قضت للمدعى بأحقيته فى أخذ العقار المبيع بالشفعة نظير الثمن المتفق عليه لأنه جار للعقار المشفوع فيه من حدين (البحرى والقبلى) استأنف الطاعن والمطعون عليه الأخير هذا الحكم أمام محكمة الجيزه الابتدائية وقيد برقم 8 لسنة 1951 مدنى مستأنف وطلبا إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الشفيع لأنه لم يكن جارا للأرض المشفوع فيها من حدين ولان ما يملكه بجوارها لا يبلغ نصف قيمتها. ولأن الحكم المستأنف أقحم المطعون عليه الأخير فى النزاع مع أنه غريب عنه ولم يشترك فى شراء أرض النزاع مع أن الطاعن هو الذى اشتراها وحده. وبجلسة 25/ 2/ 1951 أضاف الحاضر عن المستأنفين سببا آخر لرفض الدعوى هو عدم جواز الشفعة فى مثل هذا النوع من البيع لأن المستأنف الثانى (الطاعن) كان يضع يده على الأرض المبيعة بقصد استصلاحها ثم أجرتها إليه مصلحة الأملاك بشروط كان من بينها أنه لا يجوز للمصلحة تأجيرها أو بيعها لغيره - وكان هذا الشرط هو سبب البيع إليه بالممارسة دون المزاد العلنى وعلى هذا تكون قيمة الأرض عبارة عن الثمن المتفق عليه مضافا إليه قيمة ما بذله من مال ومجهود فى سبيل استصلاح الأرض ثم تمسكا بهذا السبب الجديد فى مذكراتهما وبجلسة 25/ 3/ 1951 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وقبل الفصل فى موضوعه بندب الخبير الهندسى صاحب الدور لبيان ما إذا كانت أرض الشفيع تجاور الأرض المشفوع فيها من حدين وبيان مدى التلاصق مع تعريف قيمتها وقت طلب الشفعة - وبعد أن أودع تقريره اعترض عليه الطاعن. فأعيدت إليه المأمورية بحكم تمهيدى ثان - وبعد أن قدم الخبير تقريره الثانى قضت المحكمة بجلسة 9/ 12/ 1951 فى موضوع الاستئناف برفضه وبتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف الثانى بالمصروفات عن الدرجتين - فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على حكم المطعون فيه أنه جاء مشوبا بالقصور لإغفاله الرد على وجوه دفاعه الجوهرية التى تمسك بها وأخصها ما جاء فى الوجه الأول من السبب الأول من أنه تمسك أمام محكمتى أول وثانى درجة بأنه اشترى الأرض موضوع دعوى الشفعة بالممارسة من مصلحة الأملاك لسبق وضع اليد عليها أكثر من خمسين سنة فأجرى بها إصلاحات وأدخل عليها تحسينات وغرس بها أشجارا وأن المصلحة راعت ذلك كله فى تقدير الثمن فجعلته موازيا لقيمة الأرض من غير أن تحتسب قيمة ما عاد عليها من تحسينات وإصلاحات ونفقات واعترفت بهذه الحقيقة بمذكرتها أمام محكمة أول درجة - ولكن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع الجوهرى بكلمة واحدة رغم أهميته المستمدة من قانون الشفعة (القديم والحالى) كما أنه لم يحفظ للطاعن حقه فى كل ما أنفقه على الأرض ولا فى قيمة الغراس الذى غرسه بها وفقا للمادة العاشرة من قانون الشفعة القديم والذى يحكم واقعة النزاع.
ومن حيث إن هذا النعى فى محله ذلك بأن الطاعن ظل يردد أثناء النزاع أنه استأجر الأرض من مصلحة الأملاك ثم أجرى بها إصلاحات وأدخل عليها تحسينات وزرع بها أشجارا ونخيلا وبذل فى سبيل ذلك عمره وجهده وماله لأنه لبث على هذا الحال نحو الخمسين عاما ثم اتباعها بعد ذلك من المصلحة بطريق الممارسة نفاذا لقرارها بالبيع اليه فى 2/ 12/ 1948 وقد راعت المصلحة ظروفه ومجهوده عند تقدير الثمن - فلم يكن متفقا مع القيمة الحقيقية للأرض وإنما أضيف عليه مجهوده هو وأفراد عائلته طول هذه المدة - ولما لم تلق محكمة أول درجة بالا إلى هذا الدفاع وصدر حكمها فى غير مصلحته استأنف ذلك الحكم وتمسك بهذا الدفاع فى عريضة الاستئناف ثم أثبت فى محضر أول جلسة 25/ 2/ 1951 أنه يضيف سببا إلى أسباب الاستئناف وهو أنه لا يجوز الأخذ بالشفعة فى هذا النوع من البيع لأن المستأنف الثانى (الطاعن) كان يضع يده على هذه الأرض بقصد الاستصلاح وربطت عليه من مصلحة الأملاك بالإيجار بشرط ألا تؤجرها المصلحة أو تبيعها لغيره وكان هذا هو السبب فى بيعها إليه بالممارسة دون المزاد العلنى وعلى هذا فان قيمة الأرض هى عبارة عن الثمن المدفوع إلى المصلحة زائدا المجهود والأموال التى بذلت فى سبيل الاستصلاح) ثم أعاد هذا القول فى مذكرته المقدمة لجلسة 18/ 3/ 1951 وزاد عليها "أن المصلحة اعترفت أمام محكمة أول درجة بأنها اعتمدت بيع الأرض بالممارسة بتاريخ 2/ 12/ 1948 إلى المدعى عليهما الثانى والثالث صاحبى المغروسات الموجودة بها بالتقسيط ثم أن القول بعدم جواز الشفعة يتمشى مع المنطق كما يتمشى مع روح المادة الخامسة من قانون الشفعة القديم الذى رفعت الدعوى فى ظله حيث نصت على أنه (لا يصح الأخذ بالشفعة من الموهوب له ولا ممن تملك بغير المبايعة وأن هذا هو حاله على حقيقته لأن العقد الصادر إليه ليس عقدا عاديا ولكنه عقد روعيت فيه أسباب خاصة وإجراءات خاصة وامتيازات خاصة لا تتوفر إلا له ولأمثاله ممن تنطبق عليهم تعليمات المصلحة التى تقضى بعدم البيع أو حتى مجرد التأجير إلا لحائز الأرض الذى وضع يده عليها مدة طويلة واستصلحها) ويبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه لم يرد على هذا الدفاع الجوهرى الذى لو صح لكانت له أهميته التى تستند إلى نصوص قانون الشفعة وإلى طبيعة هذه البيوع التى تعتبر بحق ذات طابع خاص وتجرى وفقا لقرارات مجلس الوزراء العديدة والتى جاء آخرها فى 5/ 5/ 1946 بقصر هذه البيوع على صغار المزارعين بالممارسة إذا توافرت فى طالب الشراء شروط معينة منها ما يتعلق بشخصه لقيامه باصلاح الأرض المتصرف إليها فيها أو باستئجارها مدة معينة مع قيامه بسداد الأجرة ومنها ما يتعلق بمصالح اجتماعية واقتصادية ترمى إلى رفع مستوى صغار المزارعين وتوفير أسباب العيش لهم - والتشجيع على إصلاح الأراضى البور - ومتى كان البيع مقصورا على اشخاص معينين فلا يمكن حصوله لغيرهم مهما ألحت عليهم الحاجة فى شرائها ومهما زايدوا على أثمانها - ويعتبر البيع فى هذه الأحوال متراوحا بين البيع والهبة والصلح لأن تقدير الثمن تراعى فيه اعتبارات تتعلق بشخصية المشترى من ناحية وبمصالح عليا اجتماعية وسياسية من الناحية الأخيرة وكل ذلك لا يمكن تقديره بثمن مهما دقت الموازين أو تضافرت الجهود - فالقضاء بالشفعة فى مثل هذه الأحوال - لو صح دفاع الطاعن يتنافى مع طبيعة العقد وفيه تفويت للأغراض المنشودة منه (الطاعن رقم 357 لسنة 21 ق لجلسة 26/ 12/ 1953).
ومن حيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم المطعون فيه بغير حاجة لبحث باقى أسباب الطعن.