أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 7 - صـ 471

جلسة 12 من يونيه سنة 1956

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وحضور السادة: مصطفى فاضل وعبد العزيز سليمان وكيلى المحكمة، وأحمد العروسى، ومحمود ابراهيم اسماعيل، ومحمود عياد، ومصطفى كامل، ومحمد فؤاد جابر، واسحق عبد السيد ومحمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد عبد الواحد على، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين، وأحمد قوشه، وفهيم يسى الجندى، ومحمد متولى عتلم، والسيد أحمد عفيفى، وابراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(11)
الطلب رقم 8 سنة 25 القضائية "تنازع الاختصاص"

تنازع الاختصاص. اختصاص. محاكم شرعية. أحوال شخصية. طعن القبطية الارثوذكسية فى الحكم الصادر من المحكمة الشرعية باعتباره صادرا من محكمة لا ولاية لها. عدم اعتبار ذلك رضاء أو تسليما باختصاص تلك المحكمة.
متى تبين أن التجاء القبطية الأرثوذكسية للمحكمة الشرعية إنما كان للطعن فى الحكم الذى أصدرته ضدها باعتباره صادرا من محكمة لا ولاية لها، فإن هذا لا يعتبر رضاء أو تسليما باختصاصها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة محامى الطرفين والنيابة وبعد المداولة.
من حيث إن حاصل الطلب كما يبين من أوراقه والمستندات المقدمة فيه أنه فى 12 من يوليه سنة 1943 عقد زواج الطالبة من المدعى عليه وهما قبطيان أرثوذكسيان طبقا لطقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وقد أثمر هذا الزواج طفلين هما كوكب وعادل عمدا فى كنيسة الأقباط الأرثوذكس وانتهت الطالبة إلى أن الخلاف دب بينهما الأمر الذى اضطرت معه إلى رفع دعوى طلاق أمام المجلس الملى للاقباط الأرثوذكس قضى فيها انتهائيا بالطلاق فى شهر أغسطس سنة 1948 - ثم رفع المدعى عليه بعد ذلك ثلاث دعاوى متوالية أمام المجلس المذكور يطلب ضم ولديه إليه قضى فيها جميعا بالرفض وقد استند فى الدعوى الأخيرة منها إلى أنهما جاوزا سن الحضانة ولكن المجلس قضى برفض هذه الدعوى لما تبين له أن مصلحة القاصرين فى بقائهما فى حضانة والدتهما. واستأنف المدعى عليه هذا الحكم فقضى بتأييده فى الدعوى رقم 366 سنة 1953 فى 20 من يناير سنة 1954 وعلى أثر ذلك رفعت الطالبة دعوى أمام المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس طلبت فيها الحكم بزيادة النفقة المقررة للقاصرين وحدد لنظر الدعوى جلسة 17/ 12/ 1954 وفيها دفع المدعى عليه بعدم اختصاص المجلس بنظر الدعوى لاعتناقه المذهب القبطى الكاثوليكى وقدم شهادة دالة على ذلك - ولكن المجلس رفض الدفع بعدم الاختصاص كما قضى برفض طلب زيادة النفقة - لجأ المدعى عليه بعد ذلك إلى محكمة السيدة زينب الشرعية بطلب ضم ولديه إليه فى الدعوى رقم 3291 سنة 1954 وحصل على حكم غيابى بطلباته فى 26 من ديسمبر سنة 1954 - وعارضت الطالبة فى هذا الحكم وأسست معارضتها على عدم اختصاص المحكمة الشرعية بنظر الدعوى لأن المدعى عليه اعتنق المذهب الكاثوليكى بطريق الغش بأن أخفى على الكاهن المختص تطليقه من زوجته كما أخفى عنه زواجه من أخرى - وقد أجرت الكنيسة الكاثوليكية تحقيقا انتهت بعده إلى شطب اسم المدعى عليه من دفاترها - ولكن المحكمة الشرعية لم تأخذ بهذا الدفع وأخذت بما ذكره المدعى عليه من دفاع يتلخص فى أنه وإن كان قد شطب اسمه من سجلات الكنيسة الكاثوليكية إلا أن عقيدته لا تزال كاثوليكية - فلا يؤثر هذا الشطب على عقيدته - كما استندت المحكمة الشرعية إلى أن المدعى عليه وقد تخلى عن المذهب الأرثوذكسى ورفضت الكنيسة الكاثوليكية قبوله قد أصبح فى حكم المرتد فهو على أى حال ليس قطعا أرثوذكسيا وانتهت إلى رفض الدفع بعدم الاختصاص وبتأييد الحكم المعارض فيه - ورفعت الطالبة استئنافا عن هذا الحكم قضى فيه بجلسة 10 من سبتمبر سنة 1955 باعتباره كأن لم يكن.
ومن حيث إن الطالبة قدمت الطلب الحالى فى 29 من سبتمبر سنة 1955 لرئيس محكمة النقض تطلب فيه. أولا - وبصفة مستعجلة مؤقتة وقف تنفيذ الحكم الغيابى الصادر من محكمة السيدة زينب الشرعية فى القضية رقم 3291 سنة 1954 المؤيد فى المعارضة بتاريخ أول مايو سنة 1955 والمحكوم فيه فى 10 من سبتمبر سنة 1955 فى الاستئناف رقم 1936 سنة 1955 باعتبار الاستئناف كأن لم يكن وذلك حتى يقضى من محكمة النقض موضوعا فى انعدام ولاية المحكمة الشرعية فى الفصل فى هذا النزاع. وثانيا - عرض الموضوع على الجمعية العمومية لمحكمة النقض لتقضى المحكمة بانعدام أثر الحكم المذكور ووقف تنفيذه نهائيا لانعدام ولاية المحكمة الشرعية فيما قضت به مع إلزام المدعى عليه بالمصاريف - وفى 4 من أكتوبر سنة 1955 صدر الأمر بوقف تنفيذ الحكم الشرعى وقفا مؤقتا حتى يفصل من الجمعية العمومية فى الطلب المقدم من الطالبة.
ومن حيث إن أساس طلب الطالبة يتحصل فى أن الحكم الصادر من المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس والذى قضى برفض الدعوى المرفوعة من المدعى عليه بطلب ضم ولديه القاصرين لأن مصلحتهما فى بقائهما مع والدتهما والذى تأيد استئنافيا فى 20 من يناير سنة 1954 هو حكم صدر من المجلس الملى فى حدود ولايته - وذلك لأن الطالبة قد تزوجت من المدعى عليه تحت سلطان القوانين التى تدين بها طائفة الأقباط الأرثوذكس والتى يتبعها الطرفان المتنازعان وقد حكم المجلس الملى فى دعوى النفقة المرفوعة من الطالبة على أساس أن المدعى عليه لا يزال خاضعا لاختصاصه لأنه قبطى أرثوذكسى ولأنه لم ينجح فى محاولة الانضمام إلى مذهب آخر - وردت على ما جاء بالحكم الشرعى من أن المدعى عليه لا مذهب له - بأن مذهبه قبطى أرثوذكسى ولا يزال اسمه مقيدا بالكنيسة - وهو ما استند إليه المجلس الملى فى رفض الدفع بعدم الاختصاص المقدم منه فى دعوى النفقة سالفة الذكر.
ومن حيث إن المدعى عليه طلب رفض طلب وقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الشرعية لصدوره منها فى حدود ولايتها - ولأن المجلس الملى إنما يختص بنصيب من ولاية القضاء فى بعض مواد الأحوال الشخصية بين المصريين غير المسلمين المتحدى الديانة والمذهب والملة فلا يؤثر على اختصاص المحاكم الشرعية ذات الولاية العامة فى هذه الشئون - ولما كان المدعى عليه وقت أن رفع دعواه أمام المحكمة الشرعية يختلف مذهبه عن مذهب الطالبة إذ هو قبطى كاثوليكى والطالبة قبطية أرثوذكسية فان المحكمة الشرعية تكون هى المختصة بنظر دعوى الضم ويكون الحكم الصادر منها بالضم قد صدر فى حدود ولايتها ولا يقدح فى ذلك ما دفعت به الطالبة من أن الكنيسة الكاثوليكية قد أصدرت قرارا بشطب اسمه من سجلات الأقباط الكاثوليك لأنه مردود بأن عقيدته ما زالت كاثوليكية ولا يجوز لأى جهة دينية أن تمس عقيدة الشخص بالتعديل أو التبديل - ومع ذلك فإنه بعد شطب اسمه من سجلات هذه الكنيسة قد أصبح بلا مذهب وهو ما يحقق اختلافه مع الطالبة فى المذهب مما يجعل المجلس الملى للاقباط الأرثوذكس غير مختص بنظر الدعوى ولا يقدح فى ذلك أيضا ما تقول به الطالبة من أنه غير مذهبه هروبا من أحكام مذهبه الأصلى وتحايلا على قواعد الاختصاص إذ أن محكمة النقض قد اطرد قضاؤها على احترام الوضع الظاهر فى مسائل العقائد الدينية لكونها نفسية محضة - هذا إلى أن لجوء الطالبة إلى المحكمة الشرعية عند المعارضة فى الحكم الغيابى الصادر ضدها لمصلحته بضم القاصرين - وفى رفع استئناف عن الحكم الصادر فى المعارضة مما يفهم منه أنها قد ارتضت اختصاص هذه المحكمة بنظر النزاع.
ومن حيث إن النيابة العامة أبدت رأيها بأنه لا محل لتنفيذ الحكم الشرعى ذلك لأن المذهب الكاثوليكى لا يباح فيه التطليق - ولهذا كان قرار القوام على هذا المذهب بأن انضمامه إليه وقع باطلا وكأن لم يقع - ولما كان انتقاله من طائفة إلى أخرى لم يتم فان المدعى عليه يستمر على مذهبه - ويبقى أرثوذكسيا متحد المذهب مع الطالبة - وانتهت إلى تأييد رأى الطالبة ووقف تنفيذ الحكم الشرعى.
ومن حيث إن المدعى عليه يدفع بأن لجوء الطالبة إلى المحاكم الشرعية عندما عارضت فى الحكم الغيابى الصادر من محكمة السيدة زينب الشرعية - وعندما رفعت استئنافا عن الحكم الصادر فى المعارضة يفهم منه أنها ارتضت اختصاص هذه المحاكم. ومن حيث إن هذا الدفع مردود بأن التجاء الطالبة للمحكمة الشرعية إنما كان للطعن فى الحكم الذى أصدرته باعتباره صادرا من محكمة لا ولاية لها فلا يعتبر رضاء أو تسليما باختصاصها. ومن حيث إن أساس طلب الطالبة هو أنها هى والمدعى عليه متحدان ملة ومن ثم يخضعان فى خصوص أحوالهما الشخصية إلى المجلس الملى للاقباط الأرثوذكس ويبين مما سبق إيراده أنهما الإثنان ينتميان لطائفة الأقباط الأرثوذكس وعقد زواجهما على هذا الوصف فى 12/ 7/ 1943 كما أن ولديهما عادل وكوكب عمدا فى تلك الكنيسة - ولغاية 20 من يناير سنة 1954 تاريخ الحكم الاستئنافى الصادر من المجلس الملى برفض دعوى الضم كان المدعى عليه يتمسك باختصاص هذا المجلس وقد لجأ اليه برفع دعواه أمامه بطلب الضم مما يستفاد منه أنه لغاية هذا التاريخ لم يكن ينازع فى أنه من طائفة الأقباط الأرثوذكس - أما النزاع الذى أثاره أخيرا اعتمادا على الشهادة المؤرخة فى 19 من ديسمبر سنة 1954 والصادرة من كنيسة الأقباط الكاثوليك بأنه انضم للكنيسة الكاثوليكية وأن ديانته قبطى كاثوليكى فهو نزاع غير جدى - ذلك لما ثبت من الأوراق أن البطريركية القبطية الكاثوليكية قررت فى 25 من فبراير سنة 1955 اعتبار انضمام المدعى عليه للطائفة القبطية الكاثوليكية باطلا وكأن لم يكن من تاريخ انضمامه إليها وقد سلم المدعى عليه بصدور هذا القرار.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن المدعى عليه لم ينتقل إلى المذهب الكاثوليكى وأن تغييرا فى مذهبه لم يحصل لأن انضمامه إلى الكنيسة الكاثوليكية اعتبر كأن لم يكن - ويكون المجلس الملى الاستئنافى لطائفة الأقباط الأرثوذكس إذ قضى فى 20 من يناير سنة 1954 برفض الدعوى المرفوعة من المدعى عليه بطلب ضم ولديه ليتولى حضانتهما - قد قضى فى حدود ولايته - ويكون الحكم الصادر غيابيا من محكمة السيدة زينب الشرعية فى القضية رقم 3291 سنة 1954 المؤيد فى المعارضة بتاريخ أول مايو سنة 1955 والمحكوم فيه فى 10 من سبتمبر سنة 1955 فى الاستئناف رقم 1936 سنة 1955 باعتبار الاستئناف كأن لم يكن، قد صدر منها فى نزاع لا ولاية لها بالفصل فيه، ولما كان هذا الحكم الصادر من المحكمة الشرعية مناقضا للحكم السابق الصادر من المجلس الملى للاقباط الأرثوذكس فانه يتعين وقف تنفيذ الحكم الشرعى.