أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 7 - صـ 483
جلسة 26 من يونيه سنة 1956
برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وحضور السادة: مصطفى فاضل وعبد العزيز سليمان وكيلى المحكمة وأحمد العروسى ومحمود ابراهيم اسماعيل ومحمود عياد ومصطفى كامل ومحمد فؤاد جابر واسحق عبد السيد ومحمد عبد الرحمن يوسف ومحمد عبد الواحد على ومحمود محمد مجاهد ومحمد محمد حسنين وأحمد قوشه وفهيم يسى الجندى ومحمد متولى عتلم وأحمد زكى كامل والسيد أحمد عفيفى وابراهيم عثمان المستشارين.
(13)
الطلب رقم 6 سنة 25 القضائية: "تنازع الاختصاص"
( أ ) تنازع الاختصاص - اختصاص - مجالس ملية. أحوال شخصية. نفقات.
اختصاص المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس بنظر دعاوى نفقات ذوى الأرحام من طائفة
الأقباط الأرثوذكس. الأمر العالى الصادر فى 14/ 5/ 1883 المعدل بالقانون رقم 19 سنة
1927.
(ب) تنازع الاختصاص. قوة الأمر المقضى. مجالس ملية. اختصاص. نقض "سبب جديد". رفع الدعوى
امام المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس باعتبار طرفيها من طائفة الأقباط الأرثوذكس، تسليم
الطرفين بالوحدة الطائفية إلى أن صدر الحكم النهائى من المجلس الملى العام، اعتبار
هذا الحكم حائزا قوة الأمر المقضى. ادعاء المدعى عليه لأول مرة أمام محكمة النقض أنه
من اتباع المذهب الانجيلى. لا يفيده.
1 - دعاوى نفقات ذوى الأرحام من طائفة الأقباط الأرثوذكس هى مما يدخل فى ولاية المجلس
الملى العام للأقباط الأرثوذكس وفقا لحكم المادة 16 من الأمر العالى الصادر بتاريخ
14 من مايو سنة 1883 المعدل بالقانون رقم 19 سنة 1927.
2 - متى كان يبين من الاطلاع على الحكم الصادر من المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس
أن الدعوى رفعت باعتبار طرفى الخصومة فيها من طائفة الأقباط الأرثوذكس، وسلم الطرفان
طيلة مراحل التقاضى أمام المجلس الملى بالوحدة الطائفية واستمر المدعى عليه لا يدعى
غير ذلك حتى صدر الحكم النهائى من المجلس الملى العام، فإن ادعاءه لأول مرة أمام محكمة
النقض أنه من اتباع المذهب الانجيلى لا يفيده شيئا - ويكون حكم المجلس الملى حائزا
لقوة الأمر المقضى.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر والمرافعة
والمداولة.
حيث إن الوقائع - حسبما يبين من صحيفة الطلب ومن سائر الأوراق - تتحصل فى أنه صدر للطالبتين
أماليا وتفيده منسى حنا حكم نهائى من المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس فى القضية
رقم 278 سنة 1943 ضد المدعى عليهما إسكندر وفريد صالح حنا يقضى بالزام الأول بأن يدفع
لهما 50 قرشا والزام الثانى بأن يدفع 25 قرشا كنفقة شهرية اعتبارا من أول نوفمبر سنة
1943 ورفع اسكندر صالح حنا ضد الطالبين الدعوى رقم 533 سنة 1943 - 1944 بمحكمة ببا
الجزئية الشرعية بطلب إبطال النفقة المقضى بها بحكم المجلس المذكور وقضى فى تلك الدعوى
بعدم الاختصاص واستأنف اسكندر صالح هذا الحكم لدى محكمة بنى سويف الابتدائية الشرعية
بالقضية رقم 350 سنة 43 - 1944 فقضى بالتأييد - كما رفع فريد صالح حنا ضد الطالبتين
الدعوى رقم 816 سنة 43 - 1944 ببا الشرعية وحكم باعتبارها كأن لم تكن ثم رفع المدعى
عليهما ضد الطالبتين الدعوى رقم 1279 سنة 1953 محكمة بندر طنطا الشرعية بطلب إبطال
حكم المجلس الملى المشار اليه وسقوط متجمد النفقة المحكوم بها تأسيسا على أن الطالبتين
لا تستحقان هذه النفقة لأنهما بنتا عمهما وليستا من ذوات الأرحام. وحكم فى هذه الدعوى
بعدم الاختصاص فاستأنفا هذا الحكم بالقضية رقم 250 سنة 1954 لدى محكمة طنطا الابتدائية
الشرعية التى قضت فى 9/ 6/ 1954 بالغاء حكم عدم الاختصاص وباعادة القضية إلى محكمة
بندر طنطا الشرعية للسير فيها حسب المنهج الشرعى. وهذه المحكمة قضت بتاريخ 20/ 9/ 1954
غيابيا بابطال حكم المجلس الملى وسقوط متجمد النفقة وقد أصبح هذا الحكم نهائيا بفوات
مواعيد الطعن فيه. وتقدمت الطالبتان فى 2/ 6/ 1955 بصحيفة طلبهما إلى محكمة النقض تطلبان
تنفيذ حكم المجلس الملى وبطلان الحكم الصادر من محكمة طنطا الشرعية واعتباره كأن لم
يكن والزام المدعى عليهما بالمصروفات وأتعاب المحاماة مع النفاذ، وبعد أن تم تحضير
الدعوى أحيلت لجلسة المرافعة بالتقرير المرفق بها.
وحيث إن الطالبتين تؤسسان طلبهما على وجود نزاع بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين
أحدهما صادر من المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس ومقرر للنفقة، والثانى صادر من
محكمة بندر طنطا الشرعية وقاض بابطال الحكم الملى وسقوط متجمد النفقة المقضى بها فيه،
وعلى أن حكم المجلس الملى هو الأولى بالتنفيذ لصدوره فى حدود ولايته لأنهما والمدعى
عليهما من طائفة الأقباط الأرثوذكس ولم يدفع المدعى عليهما فى مراحل التقاضى بالمجلس
الملى بعدم اختصاصه أما شهادة الكنيسة الإنجيلية التى قدمها المدعى عليه الأول بملف
هذا الطلب للاستدلال بها على انتمائه للطائفة الانجيلية فلا يقصد بها سوى الكيد والتحايل
على تغيير الاختصاص هذا فضلا عن أن محكمة بنى سويف الابتدائية الشرعية سبق أن قضت بعدم
اختصاصها بهذا النزاع فيكون حكم محكمة طنطا الشرعية قد جانب الصواب فيما قضى به من
الاختصاص.
وحيث إن المدعى عليهما طلبا رفض الطلب وقالا بأن الحكم الشرعى هو الواجب التنفيذ لأن
المحاكم الشرعية هى صاحبة الولاية العامة فى مسائل الأحوال الشخصية بين غير المسلمين
المختلفى الملة وهما من اتباع المذهب الانجيلى بينما الطالبتان من طائفة الأقباط الأرثوذكس
وقد بنى الحكم الشرعى على اختلاف الملة وعلى عدم استحقاق الطالبتين للنفقة باعتبارهما
من بنات العم وقبلت الطالبتان اختصاص المحكمة الشرعية، كما يستفاد من عدم طعنهما على
حكمها هذا، فضلا عن أن الحكم الملى جاء مخالفا للقانون إذ قضى لهما بالنفقة فى حين
أن لهما مالا وأنهما تكسبان من حياكة الملابس وأن لهما أخا شقيقا مليئا هو أولى بالانفاق
عليهما وأن الطالبة الثانية قد تزوجت من رجل ملئ منذ سنة 1951.
وحيث إن النيابة العامة أبدت برأيها بأن الطلب واجب الرفض وقالت فى بيان ذلك إنها وان
كانت ترى مبدئيا أن ثمة تعارضا بين الحكم الملى والحكم الشرعى وأنه لا دليل من الأوراق
على أن المدعى عليهما دفعا أمام المجلس الملى باختلافهما مع الطالبتين فى الطائفة أو
الملة أو أن كلا الحكمين لم يعرض لاختلاف ملة المتداعين لأن هذه المسألة لم تكن مثار
خلاف فصل فيه أحدهما إلا أن الحكم الشرعى قد أصاب فى قضائه بالاختصاص وجاء الحكم الملى
خارجا عن حدود ولايته لأن اختصاص المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس كما حددته المادة
16 من الأمر العالى الصادر فى 14/ 5/ 1883 مقصور على مسائل الأحوال الشخصية الوارد
ذكرها بكتاب الأحوال الشخصية الذى نشر مع قوانين المحاكم المختلطة وهذا الكتاب فى خصوص
النفقات لم يجعل استحقاق النفقة بين ذوى الأرحام إلا للمحارم فما خرج عن هذا النطاق
من النفقات لا تتسع له ولاية المجالس الملية مهما اتحدت ملة الخصوم ومهما كانت تجيزه
شريعة ملتهم ويصبح الاختصاص خارج هذا النطاق للمحاكم الشرعية صاحبة الولاية العامة
ولا يغير من ذلك قيام التناقض بين الحكم الشرعى الصادر من محكمة طنطا بالاختصاص وبين
الحكم الشرعى السابق صدوره من محكمة بنى سويف بعدم الإختصاص لأن الطالبتين لا تطلبان
تفضيل أحد هذين الحكمين على الآخر بل انصب طلبهما على تنفيذ الحكم الملى وهو صادر فى
غير اختصاصه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم الشرعى الصادر فى 20/ 9/ 1954 من محكمة بندر طنطا
الشرعية فى الدعوى رقم 1279 سنة 1953 أنه قضى بأبطال الحكم الملى الصادر للطالبتين
ضد المدعى عليهما وبسقوط متجمد النفقة المحكوم بها فيه وأنه أسس قضاءه على ما حكمت
به محكمة طنطا الابتدائية الشرعية فى القضية الاستئنافية رقم 250 سنة 1954 من إعادة
الدعوى إلى محكمة أول درجة للسير فيها حسب المنهج الشرعى. ويبين من الاطلاع على الحكم
الشرعى الصادر فى القضية الاستئنافية رقم 250 سنة 1954 أنه قضى بإلغاء حكم محكمة بندر
طنطا الشرعية الصادر فى 2/ 3/ 1954 بعدم اختصاصها بنظر دعوى المدعى عليهما ضد الطالبتين
وباختصاص المحاكم الشرعية بنظر هذه الدعوى وإعادتها إلى محكمة أول درجة للسير فيها
حسب المنهج الشرعى أنه بنى قضاءه على أن ولاية المجلس الملى تنحصر فى مسألتى الزواج
والطلاق وما يترتب عليهما مباشرة كالمهر والجهاز ولا تتسع لنفقات الأقارب فتبقى من
اختصاص المحاكم الشرعية صاحبة الولاية العامة وهذا الذى قرره الحكم الشرعى عن نفى اختصاص
المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس بنظر دعوى النفقة المحكوم فيها للطالبتين ضد ولدى عمهما
المدعى عليهما لا يستند إلى أساس من القانون: ذلك أن المادة 16 من الأمر العالى الصادر
بتاريخ 14 من مايو سنة 1883 بلائحة ترتيب واختصاصات المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس
المعدل بالقانون رقم 19 سنة 1927 تنص على أن "من وظائف المجلس المذكور أيضا النظر فيما
يحصل بين أبناء الملة من الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية الواضحة أنواعها بكتاب
الأحوال الشخصية الذى صار نشره مع قوانين المحاكم المختلطة فيما عدا ما هو من اختصاص
المجالس الحسبية". وقد اشتمل كتاب الأحوال الشخصية المشار إليه بين ما تضمنته من مسائل
الأحوال الشخصية الموضحة به على نفقة ذوى الأرحام الواردة بعنوان الفصل الرابع من هذا
الكتاب فيكون هذا النوع من الدعاوى الشخصية داخلا فى ولاية المجلس الملى ولا يغير من
ذلك أن يكون كتاب الأحوال الشخصية المشار إليه قد نص فى أحكامه الموضوعية على أن نفقة
الأقارب لا تستحق إلا بين ذوى الأرحام المحارم ذلك أن المادة 16 سالفة الذكر لا تحيل
إلى كتاب الأحوال الشخصية المنشور مع قوانين المحاكم المختلطة فيما جاء به من الأحكام
الموضوعية لدعاوى الأحوال الشخصية بل قصدت إلى مجرد بيان أنواع هذه الدعاوى بما نصت
عليه من عبارة "الواضحة أنواعها بكتاب الأحوال الشخصية" اقتصارا من المشرع عن سرد هذه
الدعاوى وتعدادها بالإشارة إلى أنواعها الواضحة بالكتاب المذكور من غير أن يقيد المجلس
الملى بالأحكام الموضوعية التى اشتمل عليها هذا الكتاب فى شأن أى نوع من أنواع مسائل
الأحوال الشخصية الواردة به.
وحيث إنه لما كان ذلك وكان يبين من الحكم الشرعى موضوع التنازع أنه لم يعرض لاختلاف
ملة طرفى الخصومة التى فصل فيها وكان الظاهر أن الطرفين من الأقباط الأرثوذكس ولم يدع
أحدهما باختلاف الملة فإن المحكمة الشرعية إذ قضت بين أخصام غير مسلمين وغير منازع
فى اتحاد ملتهم وفى مسألة داخلة فى اختصاص المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس تكون
قد جاوزت حدود اختصاصها.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم الصادر من المجلس الملى العام للأقباط الأرثوذكس
فى القضية رقم 278 سنة 1943 بتقرير نفقة للطالبتين أن الدعوى رفعت منهما على ولدى عمهما
المدعى عليهما باعتبارهم جميعا من طائفة الأقباط الأرثوذكس وقد سلم الطرفان طيلة مراحل
التقاضى أمام المجلس الملى بالوحدة الطائفية واستمر المدعى عليهما لا يدعيان غير ذلك
حتى صدر الحكم النهائى من المجلس الملى العام بتاريخ 18/ 11/ 1943 بل ولم يدعيا اختلاف
الملة فى النزاع الذى نشب بعد ذلك بينهما وبين الطالبتين بشأن هذا الحكم أمام المحاكم
الشرعية، فإذا كانا يدعيان الآن لأول مرة أمام محكمة النقض أنهما من أتباع المذهب الإنجيلى
وكان أولهما قد قدم أمام هذه المحكمة شهادة تدل على انتمائه لهذا المذهب فإن هذا لا
يفيدهما شيئا، ذلك أن العناصر الواقعية المتعلقة بعدم ولاية المجلس الملى التى يدعيانها
الآن لم تعرض على المجلس الملى ابتدائيا واستئنافيا حتى قضى فى الدعوى نهائيا فلا يصح
أن ينسب إلى المجلس الملى الخطأ فى مسألة اختصاصه إذ لا يرجع الادعاء بانعدام الولاية
إلى أسباب قانونية صرف كان المجلس يستطيع إدراكها من الثابت فى واقعة الدعوى بل إلى
ما يدعيه المدعى عليهما أمام هذه المحكمة لأول مرة من أسباب تختلط بواقع لم يعرض على
المجلس الملى وقت نظر الدعوى وأصدر الحكم فيها ومن ثم يكون حكم المجلس الملى حائزا
لحجية ولقوة الأمر المقضى.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم الصادر من المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس بتقرير النفقة
للطالبتين ضد المدعى عليهما جديرا بالتنفيذ دون الحكم الشرعى القاضى بإبطال الحكم الملى
وسقوط متجمد النفقة.