أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الأول - السنة 7 - صـ 435

جلسة 29 من مارس سنة 1956

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد على، ومحمد متولى عتلم، وابراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(63)
القضية رقم 399 سنة 22 القضائية

( أ ) صلح واق. إفلاس. المقصود بالتوقف عن الدفع المنصوص عليه فى المادة 3 من القانون رقم 56 لسنة 1945. هو بذاته التوقف عن الدفع المقصود فى باب الإفلاس. ماهيته.
(ب) صلح واق. إفلاس. اعتبار بروتستو عدم الدفع توقفا عن الدفع. غير صحيح بصفة مطلقة. متى يبدأ ميعاد الخمسة عشر يوما المنصوص عليها فى المادة 3 من القانون رقم 56 لسنة 1945.
1 - التوقف عن الدفع المقصود بالمادة الثالثة من القانون رقم 56 لسنة 1945 الخاص بالصلح الواقى من الإفلاس هو بذاته التوقف عن الدفع المقصود فى باب الإفلاس وهو الذى ينبئ عن مركز مالى مضطرب وضائقة مستحكمة يتزعزع معها ائتمان التاجر وتتعرض بها حقوق دائنيه إلى خطر محقق أو كبير الاحتمال فليس كل امتناع عن الدفع يعتبر توقفا إذ قد يكون مرجع هذا الامتناع عذرا طرأ على المدين مع اقتداره وقد يكون لمنازعته فى الدين من ناحية صحته أو مقداره أو حلول أجل استحقاقه أو انقضاؤه بسبب من أسباب الانقضاء.
2 - لا يصح أن يعتبر بصفة مطلقة بروتستو عدم الدفع توقفا عن الدفع بل يكون لزاما على المحكمة إذا أرادت أن تؤاخذ المدين بميعاد الخمسة عشر يوما المنصوص عليها فى المادة الثالثة من القانون رقم 56 لسنة 1945 أن تبحث فى قيام توقف المدين عن الدفع وفى ثبوت أنه فى حالة عجز عن الوفاء بدين تجارى غير متنازع فيه وفى متى بدأ هذا التوقف لتجرى من تاريخه إعمال القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه القانونية فيتعين قبوله شكلا.
ومن حيث إن وقائع هذا الطعن - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق - تتحصل فى أن المطعون عليه الأول تقدم فى 28/ 2/ 1952 بطلب إلى رئيس محكمة الزقازيق الابتدائية طالبا إشهار إفلاس الطاعن (وقيدت الدعوى برقم 2 سنة 1952 إفلاس الزقازيق) وذكر فى طلبه أن المدين (الطاعن) توقف عن دفع ديونه. وفى 1/ 4/ 1952 تقدم الطاعن طالبا الصلح الواقى من الإفلاس وفقا للقانون رقم 56 لسنة 1945 وقيد برقم 1 لسنة 1952 صلح وقال فى طلبه هذا أن دين المطعون عليه الأول متنازع فيه - وأنه موضوع محاسبة بينهما لم تتم تصفيتها بعد وأن أمرها قد رفع إلى القضاء - ثم استعرض حياته التجارية وأنها بدأت منذ سنة 1914 ثم ازدهرت وتعامل مع كبار التجار حتى نال ثقتهم وكان موضع ائتمانهم وحسن تقديرهم، مما جعله يحصل على موافقة أغلبية دائنيه على هذا الصلح مقابل أن يوفى 75% من ديونهم فى بحر سنتين وعلى أن يرهن إليهم من أملاكه 65 فدانا ضمانا للوفاء بتعهداته - ثم أرفق بطلبه كافة الأوراق والمستندات التى يتطلبها قانون الصلح فيما عدا كشف جرد البضاعة الموجودة بمحله بسبب غلقه ووضع الأختام عليه فى 28/ 2/ 1952 نفاذا لأمر رئيس المحكمة فى دعوى الإفلاس - وطلب أخيرا الأمر بفتح إجراءات الصلح الواقى وبنزع الأختام الموضوعة على محله وتعيين رقيب مؤقت ليشرف على عمله فى محله حتى يعين الرقيب بصفة نهائية وإيقاف السير فى دعوى الإفلاس واعتذر عن امتناعه عن الدفع بسبب ما قرره فى طلبه بخصوص النزاع بينه وبين المطعون عليه الأول وما اتخذه هذا قبله من إجراءات تعسفية ثم دلل على حسن نيته بأنه كان قائما بالوفاء بديونه حتى يوم غلق محله فى 28/ 2/ 1952. دفع المطعون عليه الأول بعدم قبول الدعوى (ثم انضم إليه المطعون عليه الثانى) استنادا إلى عدم تقديم الطلب فى ميعاده القانونى المحدد فى المادة 198 تجارى التى تحيل عليها المادة 3 من قانون الصلح الواقى (56 لسنة 1945) وإلى أن الطاعن لم يقدم بيانا بما اتخذه من إجراءات فى الخمسة عشر يوما السابقة على طلبه وأخيرا إلى أن الطاعن اعترف بأنه توقف عن دفع ديونه من 25/ 2/ 1952 وأنه حرر سندات مجاملة ثم زاد فى مذكرته أن القانون يستلزم موافقة أغلبية الدائنين بشرط أن يكونوا حائزين لثلاثة أرباع الديون وهو لم يوافق على هذا الصلح وديونه تربو على نصف ديون الطالب. وبجلسة 29/ 5/ 1952 قضت المحكمة بعدم قبول هذا الطلب وألزمت الطاعن بمصروفاته بمقولة إن القانون يشترط لقبول طلب المدين شروطا أهمها حسن النية، ثم الاضطراب المالى الذى قد يؤدى إلى ضعف ائتمانه لظروف لم يترقبها ولم يستطع تجنبها فتمهل على نفسه حتى توقف عن الدفع - وأوجب عليه القانون عند ذلك للوصول إلى حقيقة نواياه أن يسارع بتقديم طلبه فى بحر خمسة عشر يوما - فإن فوت على نفسه هذا الميعاد كان تحقق باقى الشروط وعدمه سواء - ولأن الطالب توقف عن دفع ديون المطعون عليه وقدرها 2480 جنيها و430 مليما فليس من شأن هذا التوقف خشية احتمال ضعف ائتمانه فحسب بل إنه تأكد لديها ضياع بعض أمواله حتى بفرض صحة عدم مديونيته للمطعون عليه فيما يزيد على نصف ديونه وليس هذا هو الارتباك المالى البسيط أو ضعف الائتمان الذى عناه قانون الصلح وأخيرا فإن حالة التوقف ثابتة فى حق الطاعن من اعترافه فى البروتستات الموجهة إليه من المطعون عليه ومن ثم كان الطلب قد حصل بعد فوات المواعيد ويتعين لذلك عدم قبوله. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ فى القانون من وجهين: الوجه الأول - أقام الحكم قضاءه بعدم قبول طلب الصلح على أن الطاعن توقف عن دفع ديونه فى 25/ 2/ 1952 بإقراره فى طلبه وبما ثبت فى إنذارات الاحتجاج (البروتستات) التى وجهت إليه - ورغم ذلك فإنه لم يتقدم بطلب الصلح إلا فى 1/ 4/ 1952 أى بعد فوات الخمسة عشر يوما المحددة فى المادة 198 تجارى والتى أحالت اليها المادة 3 من قانون الصلح الواقى - فى حين أن التوقف عن الدفع إنما هو التحقق من عدم ائتمان المدين وعجزه التام عن الوفاء - ولا يختلف معناه هذا فى أى من القانونين - الوجه الثانى - أخطأ الحكم كذلك فى تقريره أن الطاعن ليس ممن يرجى إنقاذه بالصلح فى حين أن المادة 47 من قانون الصلح تجيز طلبه حتى بعد الحكم بإشهار إفلاسه - وقبل صيرورة هذا الحكم انتهائيا.
ومن حيث إن هذا النعى فى محله. ذلك بأن القانون رقم 56 لسنة 1945 الخاص بالصلح الواقى من الإفلاس أجاز للتاجر حسن النية الذى اضطربت أعماله المالية اضطرابا قد يؤدى إلى إضعاف ائتمانه إثر ظروف لم يتوقعها ولم يستطع تجنبها أن يطلب الصلح (المادة 2) ثم أجازت المادة الثالثة طلب الصلح كذلك للتاجر المتوقف عن الدفع ولو طلب تفليسه متى توافرت فيه شروطه ولم تكن المواعيد المنصوص عليها فى المادة 198 من قانون التجارة قد انقضت - وقد اشترط القانون فى الحالة الأخيرة أن يقدم طلب الصلح فى ظروف خمسة عشر يوما من تاريخ التوقف عن الدفع - والتوقف عن الدفع المقصود بهذه المادة هو بذاته التوقف عن الدفع المقصود فى باب الإفلاس وهو الذى ينبئ عن مركز مالى مضطرب وضائقة مستحكمة يتزعزع معها ائتمان التاجر وتتعرض بها حقوق دائنيه إلى خطر محقق أو كبير الاحتمال فليس كل امتناع عن الدفع يعتبر توقفا إذ قد يكون مرجع هذا الامتناع عذرا طرأ على المدين مع اقتداره وقد يكون لمنازعته فى الدين من ناحية صحته أو مقداره أو حلول أجل استحقاقه أو انقضائه بسبب من أسباب الانقضاء - ويبين من وقائع الدعوى أن المطعون عليه الأول طالب الطاعن بدين له ثم أنذره بالدفع ولما لم يدفع حرر له بروتستو فى 25/ 2/ 1952 ثم أقام عليه دعوى الإفلاس رقم 2 لسنة 1952 الزقازيق - وأقام الطاعن من ناحيته دعوى حساب أمام محكمة الزقازيق على المطعون عليه - ثم تقدم فى 1/ 4/ 1952 بطلب الصلح وقال فى صحيفته "إنه طلب من محكمة الإفلاس بجلسة 13/ 3/ 1952 التأجيل للصلح فأجابته المحكمة إلى طلبه وسعى لدى الدائنين حتى حصل على موافقتهم جميعا فيما عدا المطعون عليه الأول على أن يوفى إليهم 75% من قيمة ديونهم فى ظرف عامين وعلى أن يقدم لهم بعض أملاكه التى حددها ضمانا لهذا الوفاء - ولما كان بينه وبين المطعون عليه الأول حساب فقد رفع الطالب دعوى حساب حدد لنظرها جلسة 9/ 6/ 1952 أمام محكمة الزقازيق الكلية وكانت الإجراءات التى اتخذها المطعون عليه المذكور بدون وجه حق نظرا للحساب الجارى والقائم بين الطرفين سببا فى توقف الطاعن عن الدفع" ولكن المحكمة رغم ترديدها لدفاع الطاعن هذا وقولها فى صدر الحكم المطعون فيه "إنه نظرا لتوقفه عن الدفع بسب النزاع القائم بينه وبين المطعون عليه الأول" رفضت قبول طلب الصلح بمقولة إنه تقدم بعد أكثر من خمسة عشر يوما من تاريخ التوقف عن الدفع واعتبرت تاريخ البروتستو هو تاريخ التوقف عن الدفع وأن المدين (الطاعن) اعترف فى طلب الصلح بامتناعه عن الدفع - وهذا الذى أقامت عليه المحكمة قضاءها غير صحيح فى القانون، ذلك لأنه لا يصح أن يعتبر بصفة مطلقة اعتبار بروتستو عدم الدفع توقفا عن الدفع. إذ يجوز أن يكون عدم الدفع ليس ناشئا عن توقف بالمعنى المقصود بالقانون فمتى كان الثابت فى الدعوى أن المدين يدعى أن امتناعه عن الدفع راجع إلى منازعته فى دين المطعون عليه الأول وأنه أقام بخصوص ذلك دعوى الحساب أمام محكمة الزقازيق كما ادعى أنه أوفى ببعض ديونه حتى يوم 28/ 2/ 1952، فكان يجب على المحكمة قبل أن تعتبر الطاعن متوقفا عن الدفع أن تحقق هذا الادعاء وأن يثبت أمامها أن المدين فى حالة عجز عن الوفاء بدين تجارى غير متنازع فيه وكان لزاما عليها إذا أرادت أن تؤاخذ الطاعن بميعاد الخمسة عشر يوما المنصوص عليها فى المادة 3 من قانون الصلح أن تبحث هى فى قيام توقف المدين عن الدفع وفى ثبوته بالمعنى السابق إيضاحه وفى متى بدأ هذا التوقف لتجرى من تاريخه إعمال القانون.
ومن حيث أنه لذلك كله يتعين نقض الحكم بغير حاجة لبحث باقى أوجه الطعن.