أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 7 - صـ 489

جلسة 5 من ابريل سنة 1956

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: محمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد عبد الواحد على، ومحمد متولى عتلم، وابراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(65)
القضية رقم 255 سنة 22 القضائية

( أ ) وكالة. انتهاؤها. محكمة الموضوع. استخلاصها لأسباب سائغة عدم نجاح الوكيل فى العمل الموكل فيه وانتهاء مهمته. موضوعى. المادة 714 مدنى.
(ب) وكالة. تجاوز حدود التوكيل. محكمة الموضوع. تقرير الحكم بتجاوز الوكيل حدود التوكيل لأسباب سائغة. لا رقابة لمحكمة النقض عليه.
1 - متى استخلصت المحكمة لأسباب سائغة أن الوكيل لم ينجح فى العمل الموكل فيه فانتهت بذلك مهمته، فإن استخلاص المحكمة لهذه النتيجة هو استخلاص موضوعى ولا مخالفة فيه للقانون.
2 - متى كان الحكم إذ قرر بأن الوكيل قد تجاوز حدود التوكيل قد أقام ذلك على استخلاص موضوعى سائغ، فلا رقابة لمحكمة النقض عليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن الطاعن رفع الدعوى رقم 1165 سنة 1949 كلى اسكندرية على المطعون عليها التى يمثلها السيد محمد فرغلى رئيس مجلس إدارتها طالبا الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ خمسة آلاف جنيه والفوائد من تاريخ المطالبة الرسمية... وقال شرحا لدعواه إن المطعون عليها شركة مصرية مساهمة تكونت بفرمان صدر فى سنة 1892 حدد مدتها بخمسين سنة تنتهى فى سنة 1942. وفى سنة 1934 اجتمعت جمعيتها العمومية وقررت مد أجل الشركة لمدة خمسين سنة تنتهى فى سنة 1992 واستمرت فى مزاولة نشاطها حتى نبهتها إدارة مراقبة الشركات بوزارة التجارة فى 22 من مايو سنة 1948 إلى أن أجلها قد انتهى منذ سنة 1942 وأن امتداد هذا الأجل لا يمكن أن يكون إلا بمرسوم ولا يغنى عنه صدور قرار من الجمعية العمومية للشركة فرد محاميا الشركة فى 26 من مايو سنة 1948 بأنهما لا يوافقانها على هذا الرأى وعندئذ عرضت إدارة الشركات الأمر على مجلس الدولة لإبداء الرأى فأفتى بأن قرار الجمعية العمومية للشركة لا يغنى عن صدور المرسوم كما نشرت الصحف حديثا لوكيل وزارة التجارة يتضمن هذا المعنى ويقول الطاعن إن السيد محمد فرغلى تحدث إليه فى الموضوع وطلب منه أن يبحثه وأن يبعث إليه برأيه فيه، فأرسل إليه بأنه يرى وجوب مناقشة الموضوع مع مجلس الدولة لتفادى إجراءات قد تكبد الشركة مصاريف باهظة. وفى 4 من يونيه سنة 1948 أرسلت إليه الشركة كتابا تفوضه بمقتضاه فى تمثيلها لدى وزارة التجارة لوقف ما قد يتخذ ضدها من إجراءات، فقام بمهمته وقدم مذكرة إلى وزارة التجارة فى 21 من يونيه سنة 1948 يبين فيها وجهة نظر الشركة وطلب احتياطيا أن يصدر مرسوم ذو أثر رجعى بمد أجلها واسباغ الصبغة القانونية عليها. وفى يوم 25 من يونيه سنة 1948 وصله كتاب من المطعون عليها يتضمن عزله من التوكيل إذ أن مجهوداته لم تفلح فى إقناع وزارة التجارة بوجهة نظر الشركة وهى أن قرار جمعيتها العمومية الصادر فى سنة 1934 يغنى عن صدور مرسوم - ولما كان الطاعن يعتقد أنه لا يحق للمطعون عليها أن تنفرد بعزله إذ انعقد التوكيل لمصلحة الطرفين كما أن هذا العزل جاء فى وقت غير مناسب فقد رأى الاستمرار فى مهمته وأرسل إليها فى 12 من أكتوبر سنة 1948 كتابا قال فيه إن مجلس الدولة قد عدل عن رأيه الأول ووافق على إصدار مرسوم يكون له أثر رجعى فلم ترد على كتابه هذا ولم تدفع له الأتعاب التى يستحقها على الرغم من مطالبتها وأنه يقدر هذه الأتعاب بمبلغ خمسة آلاف جنيه الذى رفع به الدعوى، ثم عدل طلباته بعد ذلك إلى طلب الحكم بمبلغ 4781 جنيها و260 مليما - إذ قبل مبلغ مائتى جنيه كانت قد عرضته عليه المطعون عليها - ويقول الطاعن إن مجهوداته هى التى أنقذت المطعون عليها من ورطتها ومن خطر إبطال تصرفاتها فى خلال المدة من سنة 1942 وهو تاريخ انتهاء أجلها حتى صدور المرسوم - دفعت المطعون عليها الدعوى بأن الواقع غير ما يدعيه الطاعن ذلك أن توكيلها له فى 4 من يونيه سنة 1948 كان توكيلا خاصا محددا لغرض معين هو إقناع إدارة الشركات بعدم ضرورة صدور مرسوم لمد أجل الشركة ولم تكتف بذلك التوكيل بل وافته بالحجج القانونية التى تدعم وجهة نظرها إذ أرفقت بخطاب التوكيل الذى بعثت به إليه صورة الكتاب الذى أرسله محامياها الأستاذان يادوا ومواس إلى إدارة الشركات
وفى 22 من يونيه تلقت الشركة المطعون عليها كتابا من مراقبة الشركات أشارت فيه إلى كتاب الأستاذين يادوا ومواس وقالت إن مجلس الدولة لا يزال عند رأيه السابق وهو أنه يجب أن يصدر مرسوم بمد أجل الشركة وعندئذ رأت الشركة أنه لا جدوى من الاستمرار فى النقاش والمجادلة وقررت الانصياع لرأى مجلس الدولة وكلفت محامييها بإعداد طلب لاستصدار المرسوم ثم أرسلت إلى الطاعن فى 25 من يونيه بانتهاء وكالته إذ قررت طلب استصدار مرسوم بمد أجلها وبعد ذلك تولى الدكتور عبد الحميد بدوى عضو مجلس إدارة الشركة تقديم الطلب إلى رئيس مجلس الوزراء وصدر المرسوم بناء على هذا الطلب وتقول المطعون عليها إنه على الرغم من عدم نجاح الطاعن فيما وكل من أجله وتجاوزه حدود وكالته فقد عرضت عليه مبلغ مائتى جنيه مقابل مجهوداته فى المدة من 4 إلى 25 من يونيه سنة 1948 وهو تاريخ إنهاء وكالته - وفى 19 من يونيه سنة 1950 قضت المحكمة برفض دعواه، فاستأنف هذا الحكم وقيد الاستئناف برقم 39 سنة 6 ق استئناف اسكندرية، وفى 14 من أبريل سنة 1952 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف للأسباب التى قام عليها ولما أضافته من أسباب أخرى، فقرر الطاعن الطعن فى هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه قصور التسبيب والخطأ فى تطبيق القانون لستة أسباب: يتحصل الأول منها - فى أن الحكم شابه القصور لتضارب أسبابه، ذلك أنه استند فى تبرير عزل الطاعن من التوكيل إلى القول بأن المذكرة التى قدمها إلى وزارة التجارة فى 21 من يونيه سنة 1948 كانت عديمة الجدوى بدليل أن مراقب الشركات بهذه الوزارة أرسل إلى المطعون عليها كتابا فى 22 من يونيه سنة 1948 يقول فيه إن مجلس الدولة لا يزال عند رأيه الأول وهو أن يجب استصدار مرسوم بمد أجل الشركة وتقارب التاريخين يدل على أن وزارة التجارة لم تكن قد تلقت المذكرة بعد عندما أرسلت كتابها سالف الذكر إلى المطعون عليها وبالتالى لم يكن مجلس الدولة قد نظرها، ويقول الطاعن إن ترتيب العزل على أن مساعيه لم تفلح يتضارب مع قول الحكم أن المذكرة لم يتناولها البحث فضلا عما فيه من خلط فى استخلاص النتيجة من السبب، كما أن عزله من التوكيل قبل النظر فى المذكرة يحمل الدليل على سوء نية المطعون عليها وتعمدها عزله فى وقت غير لائق.
ومن حيث إن هذا النعى مردود بأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه فى خصوص عزل الطاعن من التوكيل على أن العمل الذى وكلته فيه المطعون عليها فى 4 من يونيه سنة 1948 وهو اقناع وزارة التجارة بعدم ضرورة إصدار مرسوم قد تم فعلا فى يوم 22 من يونيه إذ أبلغتها الوزارة فى ذلك اليوم بأن مجلس الدولة مصر على وجوب استصدار المرسوم ومن ثم حق للمطعون عليها أن تنهى توكيلها له فقال الحكم - "وإذا كانت الشركة مع هذه الظروف قد رأت إنهاء المأمورية التى كلفت المستأنف - الطاعن - القيام بها لعدم وجود فائدة من إصرارها على التمسك بوجهة نظرها الأولى من امتداد قيامها قانونا بدون صدور مرسوم بذلك وأنها تؤثر المطالبة باستصدار هذا المرسوم وأرسلت خطابا بتاريخ 25 من يونيه سنة 1948 تخطره فيه بسحب التوكيل منه لأن مساعيه لدى وزارة التجارة لم تفلح فى إقناعها بوجهة نظر الشركة وإنها ستكلف مستشارها بطلب استصدار مرسوم إذا فعلت الشركة ذلك فإنها لا تكون قد تجاوزت حقها أو تعسفت فيه أو فسخت عقد الوكالة فى وقت غير ملائم كما يقول المستأنف، ذلك أن المهمة تحددت بالخطاب المؤرخ فى 4 من يونيه سنة 1948 وهو تأييد نظرية الشركة فى عدم قيام حاجة لاستصدار المرسوم بالامتداد، وظهر من كتاب إدارة الشركات فى 22 من يونيه سنة 1948 إصرار مجلس الدولة على وجوب إستصدار مرسوم به... فمن حق الشركة أن ترى من صالحها عدم الاستمرار فى هذا الجدل ويصبح من حقها بالتالى أن تنهى التوكيل الصادر منها إلى المستأنف دون أن يكون لهذا الأخير الحق فى القول إنها متعسفة فى هذا العمل" وهذا الذى قال به الحكم لا مخالفة فيه للقانون ذلك أن المادة 714 من القانون المدنى تنص على أن الوكالة تنتهى بإتمام العمل الموكل فيه وقد استخلصت المحكمة أن العمل الذى وكل فيه الطاعن هو إقناع وزارة التجارة بعدم ضرورة صدور مرسوم لمد أجل الشركة وأنه لم ينجح فانتهت بذلك مهمته، واستخلاص المحكمة لهذه النتيجة هو استخلاص موضوعى سائغ وكان هو الدعامة التى قام عليها الحكم فى تبرير عزل الطاعن إذ لم يكن تحدث الحكم فى هذا المقام عن المذكرة المقدمة إلى وزارة التجارة فى 21 من يونيه سنة 1948 إلا أستعراضا للظروف التى أحاطت بالنزاع منذ توكيل الطاعن فى 4 من يونيه سنة 1948 حتى عزله فى 25 من ذلك الشهر.
ومن حيث إن السببين الثانى والثالث يتحصلان فى أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون واستند إلى ما لا سند له فى الأوراق حين قال إن المطعون عليها لم تفد من المذكرة التى قدمها الطاعن إلى وزارة التجارة أخذا بكتاب صادر من الدكتور عبد الحميد بدوى إلى الشركة المطعون عليها إذ هو عضو لمجلس إدارتها والكتاب الذى يصدر منه بوصفه هذا كأنه صادر من المطعون عليها نفسها والقانون لا يقر الدليل الذى يكون من صنع الخصم، وأن ما تضمنه هذا الكتاب لا سند له من الأوراق إذ جاء به أن مجلس الدولة لا اعتراض له على القرار الذى أصدره مجلس إدارة الشركة المطعون عليها فى سنة 1934 من الوجهة الشكلية وأن اعتراضه كان مقصورا على مدة الإطالة إذ يرى أن تكون 25 سنة بدلا من 50 سنة وأنه لم تكن هناك أخطار تهدد الشركة، وهذا كله غير صحيح إذ الأوراق ومذكرات المطعون عليها فيها الدليل على قيام الخلاف، كما أن حديث وكيل وزارة التجارة إلى الصحف ثم توكيل المطعون عليها للطاعن كل ذلك يدل على أن الخطر كان يهدد المطعون عليها.
ومن حيث إن هذا النعى مردود - أولا - بأنه يبين من صورة مذكرة الطاعن أمام محكمة الاستئناف والمقدمة صورتها من المطعون عليها أن الطاعن قد استند إلى كتاب الدكتور عبد الحميد بدوى واعتبره دليلا له على أن المطعون عليها قد أفادت من عمله فقال فى هذه المذكرة "ويكفينا فى هذا الصدد أن نذكر الهيئة الموقرة بأن الشركة كانت فى بداية الأمر ليست بناكرة على الأستاذ فارس عمله ومجهوده بل قالت إن هذا العمل والمجهود لم يؤديا إلى نتيجة فى صالح الشركة لأن الشركة هى التى قامت بالإجراءات اللازمة للحصول على المرسوم وقد تم ذلك حسبما جاء فى دفاعها بواسطة أحد أعضاء مجلس إدارتها الأستاذ عبد الحميد بدوى فتحديناها لإثبات ذلك وأنذرناها بتقديم الدليل عليه وجاء خطاب عبد الحميد بدوى مؤيدا لأقوالنا ونافيا لادعاء الشركة واضطرت أزاء هذا التكذيب أن تعدل عن خطتها وتعدل فى دفاعها..." فليس للطاعن بعد ذلك أن يعيب على الحكم النظر فى هذا الكتاب لمجرد أنه فسر مضمونه تفسيرا لا يتفق وصالحه، والحكم إذ فعل ذلك لا يكون قد خالف القانون فى شئ - ومردود ثانيا - بما أقام الحكم المطعون فيه قضاءه عليه من أن الطاعن قد تجاوز حدود التوكيل بطلبه صدور مرسوم بإطالة مدة الشركة وأن هذا الطلب لم يكن محل نزاع لا من وزارة التجارة ولا من مجلس الدولة كما تدل على ذلك الخطابات التى تبودلت بين الطاعن والمطعون عليها وبينهما ووزارة التجارة فقد قال الحكم "وبما أنه لذلك يتضح أن المهمة التى وكل إلى المستأنف - الطاعن - فى تنفيذها قد تحددت بخطاب 4 من يونيه سنة 1948 وأنه إذا كان قد تجاوز هذه الحدود بطلب صدور مرسوم بإطالة أمد الشركة فإن هذا الطلب لم يكن محل نزاع لا من وزارة التجارة ولا من مجلس الدولة كما أن الشركة المستأنف عليها ما أن علمت بتاريخ 22 من يونيه سنة 1948 بإصرار وزارة التجارة على موقفها الأول حتى آثرت أن ترضخ له مع أن المستأنف كان يلومها فى الخطاب الذى أرسله إليها فى 28 من يونيه سنة 1948 على التعجيل بإنهاء توكيله - وبما أن قول المستأنف بأن العبرة لم تكن بصدور المرسوم بإطالة أجل الشركة بل يجعل المرسوم ذا أثر رجعى وأنه هو الذى قام بالمطالبة به فى مذكرته التى قدمها - وبما أنه يتضح من مراجعة الخطابات التى تبودلت بين المستأنف والمستأنف عليها وبين هذين ووزارة التجارة عدم قيام خلاف على الأثر الرجعى لمرسوم الامتداد والطلب الاحتياطى الذى تقدم به المستأنف فى مذكرة 21 من يونيه سنة 1948 هو استصدار المرسوم اللازم لإطالة أمد الشركة باعتماد القرار الصادر فى الجمعية العمومية فى 29 من ديسمبر سنة 1934 دون أن يشير فيه للأثر الرجعى للمرسوم كما يدعى". وهذا الذى قال به الحكم هو استخلاص موضوعى سائغ لا رقابة لمحكمة النقض عليه.
ومن حيث إن الأسباب الرابع والخامس والسادس تتحصل فى أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ عول على دفاع المطعون عليها المستند إلى أنها رضخت لرأى مجلس الدولة فكلفت محامييها بتقديم طلب لاستصدار مرسوم. إذ أن الطاعن هو الذى تقدم بهذا الطلب فى مذكرته المقدمة إلى وزارة التجارة بتاريخ 21 من يونيه سنة 1948 وهذا النعى مردود بما سبق الرد به على ما سبق من أسباب وهو لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فى تقدير الدليل.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن لا يستند إلى أساس فيتعين رفضه.