أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 7 - صـ 508

جلسة 5 من ابريل سنة 1956

برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: اسحق عبد السيد، ومحمد عبد الواحد على، ومحمد متولى عتلم، وابراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(68)
القضية رقم 327 سنة 22 القضائية

بيع. عربون. عقد. تكييفه. حكم. تسبيبه. عقد بيع نص فيه صراحة على دفع العربون وتحديد مقداره وحالة استرداده وحالة الاحتفاظ به وتحديد موعد وفاء باقى الثمن وشرط استحقاقه. تكييفه بأنه بيع العربون. سليم. عدم تعرض الحكم لعبارة أنه "عقد بيع نافذ المفعول" الواردة بختام العقد التى لا تعنى أكثر من نفاذ العقد بشروطه. لا عيب.
متى كان قد نص فى عقد البيع صراحة على أن المشترى دفع عربونا وحدد مقداره والحالة التى تبيح للمشترى استرداده وتلك التى تبيح للبائع الاحتفاظ به كما حدد فى العقد موعد الوفاء بباقى الثمن وشرط استحقاقه فإن تكييف محكمة الموضوع لهذا العقد بأنه بيع بالعربون يحوى خيار العدول هو تكييف سليم، ولا يعيب الحكم عدم تعرضه للعبارة التى ختم بها العقد من أنه "عقد بيع نافذ المفعول" ما دامت هذه العبارة لا تعنى أكثر من نفاذ العقد بشروطه ومن بينها أن حق المشترى فى العدول عن العقد لا يسقط إلا عند تمام الواقعة التى حددها الطرفان لانتهاء خيار العدول.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن الطاعن أقام الدعوى رقم 567/ 1176 سنة 1950 أمام محكمة طنطا الابتدائية على المطعون عليهما وطلب الحكم بالزام المطعون عليه الأول بأن يدفع له مبلغ 1337 جنيها والفوائد بواقع 5% سنويا من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء - وأسس دعواه على أنه بموجب عقد محرر فى 15 من أغسطس سنة 1950 باع إلى المطعون عليه الأول أنقاض عشرة دكاكين قائمة على أرض وقف الأحمدى الخيرى مساحتها 211 مترا و27 س بثمن قدره 1400 جنيه دفع منه المطعون عليه الأول مائة جنيه عند التعاقد وتعهد بدفع الباقى عند توقيعه على عقد تنازل مطبوع من مأمورية الأوقاف بقبول التنازل لاسمه من اسم الطاعن وتحرير عقد إيجار من المأمورية إلى المطعون عليه الأول - وأنه نفاذا لهذا الاتفاق وقع على عقد التنازل المطبوع بمأمورية الأوقاف كما وقع عليه المطعون عليه الأول بقبول هذا التنازل وأن ذلك تم فى اليوم الذى حصل فيه التعاقد مما يقطع باقرار المطعون عليه الأول بنفاذ عقد البيع - وأضاف الطاعن إن مأمورية الأوقاف أعدت عقد إيجار ليوقع عليه المطعون عليه الأول ولكنه لم يفعل - وقال الطاعن إنه بموجب عقد آخر - حرر فى نفس يوم العقد الأول - تنازل المطعون عليه الأول عن قطعة أرض مساحتها 155 مترا و25 س مؤجرة إليه من وزارة الأوقاف مقابل مبلغ 37 جنيها وحرر عنها إقرار التنازل فى مأمورية أوقاف طنطا وافق عليه المطعون عليه الأول كذلك - وأنه إزاء امتناع الأخير عن دفع باقى الثمن الخاص بالأنقاض ومقابل التنازل عن الإيجار موضوع العقد الثانى فقد قام بإنذاره فى 9 و16 من سبتمبر سنة 1950 - وقدم الطاعن تأييدا لدعواه العقدين سالفى الذكر والإنذارين وعقدى الإيجار الصادرين إليه من وزارة الأوقاف - دفع المطعون عليه الأول بأن عقد الإيجار المحرر بين الطاعن والمطعون عليها الثانية لا يبيح للأول إقامة مبان لها صفة البقاء على الأرض المؤجرة وأكدت المطعون عليها الثانية تمسكها بهذا العقد وأضافت إلى ذلك أنها من ناحيتها وافقت على التنازل الصادر من الطاعن إلى المطعون عليه الأول ولكن هذا الأخير هو الذى قصر إذ لم يذهب إليها للتوقيع على عقد الإيجار وقدمت المطعون عليها الثانية مستندين عبارة عن طلبين مقدمين من الطاعن بتنازله عن عقدى الإيجار موقع عليهما من المطعون عليه الأول بقبول التنازل إليه ومؤشر عليهما من الموظف المختص بالوزارة فى 31 من أغسطس سنة 1950 بالموافقة على التنازل وباتخاذ الإجراءات - وبتاريخ 12 من مارس سنة 1951 قضت المحكمة بالزام المطعون عليه الأول بأن يدفع للطاعن مبلغ 1337 جنيها والفوائد بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة فى 15 من أكتوبر سنة 1950 - وأسست قضاءها على أن الطاعن قام بجميع الالتزامات التى فرضها عليه عقدا التنازل كما أن وزارة الأوقاف من ناحيتها قبلت هذا التنازل وأقرته كتابة وأنه لا عبرة بعدم تحرير عقدى إيجار جديدين للمطعون عليه الأول من الوزارة طالما أنها وافقت كتابة على التنازل الصادر إليه - استأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 93 سنة 1 ق استئناف طنطا وبتاريخ 9 من يونيو سنة 1952 قضت محكمة استئناف طنطا بالغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن تأسيسا على أن الظاهر من عقد البيع الخاص بالمبانى أن ما دفع من الثمن كان عربونا وأن حق المطعون عليه الأول فى نقض هذا العقد يظل قائما حتى تحرير عقد الإيجار له من الوزارة والتوقيع عليه وأنه فيما يتعلق بالتنازل عن عقد إيجار الأرض الفضاء موضوع العقد الثانى فان ظروف الدعوى تدل على أنه قصد أن يكون هذا التعاقد متمما للعقد الأول باعتبارهما صفقة واحدة وأنه لا يتصور قيام هذا العقد مع فسخ العقد الأول - فقرر الطاعن الطعن فى هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة 11 من يناير سنة 1956 إحالته إلى الدائرة المدنية.
وحيث إن الطاعن ينعى فى سببى الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله وقصور أسبابه وتناقضها ومسخ واقعة الدعوى - وأسس هذا النعى على أن عقد البيع الصادر منه إلى المطعون عليه الأول والخاص بأنقاض المبانى القائمة على الأرض الموقوفة والمؤجرة إليه من المطعون عليها الثانية قد ختم بعبارة "وتحرر هذا عقد بيع نافذ المفعول" وأن هذه العبارة صريحة فى نفاذ العقد وإبرامه بصفة نهائية ولا يمكن لهذا اعتباره بيعا بالعربون مما نصت عليه المادة (102) من القانون المدنى، وبالتالى لا يكون لأحد طرفى العقد حق العدول عنه - كما أنه ليس فى إعطاء حق العدول عن التعاقد فى حالة الاتفاق على العربون ما يبيح لكل من طرفى العقد حق العدول غير المقيد بأجل - وأن تنفيذ العقد من طرفيه يفيد إسقاطهما حق العدول - وأنه إذ كان عقد البيع يتضمن تنازل الطاعن عن عقد الإيجار الصادر إليه من المطعون عليها الثانية إلى المطعون عليه الأول وكان هذا التنازل قد تم فعلا من الطاعنة وقبله المطعون عليه الأول ووافقت عليه المطعون عليها الثانية فان العقد يكون قد تنفذ من جميع أطرافه وهذا التنفيذ مانع من استعمال حق العدول - يضاف إلى ذلك خطأ الحكم المطعون فيه فيما قرره من أن تنازل الطاعن عن عقد الإيجار الصادر إليه من المطعون عليها الثانية إلى المطعون عليه الأول لم يدخل فى دور التنفيذ وأن حق العدول يظل قائما حتى يتم تحرير عقد الإيجار ذلك لأن الإيجار حق شخصى يتم التنازل عنه بمجرد حصوله دون التوقف على إجراءات شكلية - وأن المطعون عليها الثانية قد وافقت على هذا التنازل بورقة مستقلة وأن هذه الموافقة ما هى إلا أثر من آثار تنفيذ العقد يصبح معها باتا ومنجزا فضلا عن أن موافقة المطعون عليها الثانية على التنازل قد أوجدت علاقة جديدة مباشرة بينها وبين المطعون عليه الأول - كما أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور فى التسبيب إذ لم يبين لم عدل عن الأخذ بالعبارة الواردة بنهاية العقد من أنه "عقد بيع نافذ المفعول" كما أغفل مؤدى واقعة تنازل الطاعن عن عقدى الإيجار وموافقة المطعون عليهما على هذا التنازل - فضلا عن أن الحكم قد مسخ واقعة الدعوى فيما أورده عن العقد الخاص بالتنازل الصادر من الطاعن إلى المطعون عليه الأول عن قطعة الأرض الفضاء إذ قرر أن العقد المذكور تحرر مع عقد بيع الأنقاض فى تاريخ واحد وأن ظروف الدعوى تدل على أنه قصد أن يكون هذا التعاقد متمما للعقد الأول واعتبارهما صفقة واحدة وأنه لا يتصور قيام هذا العقد من فسخ العقد الأول - ذلك أن كلا العقدين تحرر بورقة مستقلة وعن قطعة خاصة وبثمن خاص ولم يرد ذكر لأيهما فى الآخر أو أنهما حررا لغرض واحد.
وحيث إن هذا النعى بسببيه مردود بأن عقد بيع الأنقاض محل النزاع فى الدعوى نص فيه صراحة على أن المشترى دفع عربونا وحدد مقداره والحالة التى تبيح للمطعون عليه استرداده وتلك التى تبيح للطاعن الاحتفاظ به كما حدد فى العقد موعد الوفاء بباقى الثمن وشرط استحقاقه فتكييف محكمة الموضوع لهذا العقد بأنه بيع بالعربون يحوى خيار العدول تكييف سليم كما أن عبارة "أنه عقد بيع نافذ المفعول" الواردة به لا تعنى أكثر من نفاذ العقد بشروطه ومن بينها أن حق المشترى فى العدول عن العقد لا يسقط إلا بتحرير عقد الإيجار وتسليمه إلى المطعون عليه الأول وهذه الواقعة هى التى حددها الطرفان لانتهاء خيار العدول بدليل ما ورد بالعقد من أنه "إذا تأخر المشترى عن دفع باقى الثمن عند استلام عقد الإيجار فلا يكون له الحق فى مطالبة البائع بمبلغ المائة جنيه قيمة العربون وكذا إذا تأخر البائع عن التوقيع النهائى وقت تحرير العقد بالمأمورية فيلزم بدفع مبلغ المائة جنيه المدفوعة من المشترى" - ولما كان الطرفان قد اتفقا على بقاء حق العدول قائما حتى يتم تحرير عقد الإيجار وتسليمه إلى المطعون عليه الأول فإن الحكم المطعون فيه لم يخالف ما اتفق عليه الطرفان صراحة فى العقد ومن ثم فلا مخالفة للقانون فيما انتهى إليه فى هذا الخصوص ولا محل بعد ذلك للتحدى بالتنازل الحاصل من الطاعن عن عقد الإيجار إلى المطعون عليه الأول وموافقة المطعون عليها الثانية عليه لأن هذا الإجراء ليس من شأنه أن يغير ما اتفق عليه الطرفان من انه إذا تأخر المشترى عن دفع باقى الثمن عند استلام عقد الإيجار فلا يكون له الحق فى مطالبة البائع بمبلغ المائة جنيه قيمة العربون - أى أن التنازل لا يمس ما اتفق على الطرفان من أن خيار العدول لا ينتهى إلا بتحرير عقد الإيجار من وزارة الأوقاف وتسليمه إلى المطعون عليه الأول وعلى ذلك فلا يعيب الحكم المطعون فيه عدم تعرضه لواقعة تنازل الطاعن عن عقد الإيجار وموافقة المطعون عليهما على هذا التنازل ولا للعبارة التى ختم بها العقد من أنه "عقد بيع نافذ المفعول" ما دام أن الحكم أقام قضاءه على بقاء حق العدول قائما حتى يتم تحرير عقد الإيجار وحتى يسلم للمطعون عليه الأول - كما أن ما استخلصه الحكم عن العقد الثانى واعتباره مكملا لعقد بيع الانقاض هو استخلاص سائغ مما تستقل به محكمة الموضوع - ويتعين لهذا رفض الطعن.