أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 53 - الجزء 2 - صـ 982

جلسة 20 من أكتوبر 2002

برئاسة السيد المستشار/ مجدى الجندى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أنور محمد جابرى، أحمد جمال الدين عبد اللطيف، فريد عوض على عوض وعادل الكنانى نواب رئيس المحكمة.

(164)
الطعن رقم 6627 لسنة 72 القضائية

(1) إعدام. نقض "ميعاده". محكمة النقض "سلطتها". نيابة عامة.
إثبات تاريخ تقديم مذكرة النيابة فى قضايا الإعدام. غير لازم. أساس ذلك؟
اتصال محكمة النقض بالدعوى المحكوم فيها بالإعدام بمجرد عرضها عليها.
(2) أسباب الاباحة وموانع العقاب "المرض العقلى". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير حالة المتهم العقلية".
تقدير حالة المتهم العقلية. موضوعى.
وجوب أن تبين المحكمة فى حكمها الأسباب التى تبنى عليها قضاءها فى هذه المسألة. لا يجوز لها أن تستند فى إثبات عدم إصابة المتهم بمرض عقلى إلى أنه لم يقدم دليلاً تثق به. وجوب أن تثبت هى من أنه لم يكن مصابًا بهذا المرض وقت ارتكاب الفعل.
(3) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره" حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن - ما يقبل منها".
دفاع الطاعن بجنونه وقت ارتكابه لجرائمه. جوهرى. وجوب أن تحققه المحكمة إغفال ذلك. قصور.
(4) حكم "ما يعيبه فى نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن - ما يقبل منها".
اعتناق الحكم صورتين متعارضتين لواقعة الدعوى. تناقض يعيبه.
مثال:
(5) قتل عمد. إعدام. نقض "نظر الطعن والحكم فيه".
وظيفة محكمة النقض فى شأن الأحكام الصادرة بالإعدام؟
(6) محكمة الجنايات "الإجراءات أمامها". إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع - ما يوفره". محاماه. دستور. نقض "نظر الطعن والفصل فيه". عقوبة "تطبيقها".
حتمية الاستعانة بمحام لكل متهم بجناية حتى يكفل له دفاعًا حقيقيًا لا شكليًا. أساس وعلة ذلك؟
توقيع عقوبة الغرامة على كل محام منتدبًا كان أو موكلاً عن المتهم لم يدافع عنه أو يعين من يقوم مقامه. المادة 375. إجراءات.
إبداء المحامى المنتدب عن المحكوم عليه دفاعًا لا يتحقق به الغرض الذى أوجب الشارع من أجله حضوره مع متهم بجناية. أثره. بطلان إجراءات المحاكمة والحكم.
1 - لما كانت النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية المماثلة على هذه المحكمة، عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، مشفوعة بمذكرة برأيها، انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم فيما قضى به من إعدام المحكوم عليه، دون إثبات تاريخ تقديمها، بحيث يستدل منه على أنه روعى عرض القضية فى ميعاد الستين يومًا المبين بالمادة 34 من ذلك القانون، المعدل بالقانون رقم 23 لسنة 1992، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها، لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها- دون أن تتقيد بمبنى الرأى الذى تضمنه النيابة مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، يستوى فى ذلك أن يكون عرض النيابة فى الميعاد المحدد أو بعد فواته، ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة شكلاً.
2 - من المقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية وإن كان فى الأصل من المسائل الموضوعية التى تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، غير أنه من الواجب عليها أن تبين فى حكمها الأسباب التى تبنى عليها قضاءها فى هذه المسألة بيانًا كافيًا لا إجمال فيه، وليس لها أن تستند فى إثبات عدم إصابة المتهم بمرض عقلى إلى زنه لم يقدم دليلاً تثق به، بل إن من واجبها فى هذه الحالة أن تتثبت هى من أنه لم يكن مصابًا بهذا المرض وقت ارتكاب الفعل وأن تقيم قضاءها بذلك على أسباب سائغة.
3 - لما كان ما ورد به الحكم على دفاع الطاعن لا يفيد أنه كان متمتعًا بقواه العقلية وقت ارتكابه جرائمه، وحمله فى الوقت نفسه عبء إثبات مرضه العقلى، كما تساند فى تبرير عدم إجابة الدفاع إلى طلبه فحص حالة الطاعن العقلية بما لا يسوغ ما انتهى إليه فى هذا الشأن، ذلك بأن مسلك الطاعن فى الفترة السابقة على الجريمة، واعترافه بارتكابها، وموقفه أثناء المحاكمة، كل ذلك لا يلد بذاته على أنه كان سليم العقل وقت ارتكاب الجريمة، وقول الحكم بأن الشهادات الطبية المقدمة من الطاعن منسوبة إلى طبيب خاص ويسهل إعدادها لتخليص المتهم من مسئوليته، لا يسوغ وحده استبعادها، إذ كان يتعين على المحكمة متى ساورها الشك فيها، أن تستوثق من ذلك عن طريق المختص فنيًا بهذا الأمر، كما أن ما استطرد إليه الحكم من أن ما ورد بها لا يفيد إصابة الطاعن بعاهة عقلية، فإنه - وبفرض صحته - لا يلزم عند عدم إصابته بها. لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن فى الخصوص السالف يعد جوهريًا، لأنه ينبنى عليه - إذا صح - امتنع عقابه عن الأفعال المسند إليه ارتكابها، فقد كان متعينًا على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع الجوهرى الذى يسانده واقع عن طريق المختص فنيًا، أما وهى لم تفعل اكتفاء بما قالته فى هذا الشأن، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال وأخل بحق الطاعن فى حق الدفاع.
4 - لما كان الحكم المطعون فيه قد اعتنق فى تحصيله لواقعة الدعوى صورة مضمونها أنه حال مشاهدة الطاعن وزوجته للتلفاز، تحدث معها بشأن تشككه فى مسلكها فأقرت له الإثم مع آخر، فثارت ثورته عليها، وأوثق معصميها وقدميها وكم فاها بشريط لاصق ثم قطع سلك الهاتف ولفه حول عنقها وخنقها إلى أن تأكد من موتها، وبعد أن أورد الحكم الأدلة التى صحت لديه على ثبوت هذه الصورة, عاد فى معرض استظهاره لنية القتل لدى الطاعن، فاعتنق صورة أخرى تتعارض مع الصورة السابقة، مضمونها أنه بعد علم الطاعن بعلاقة زوجته الآثمة بشريكها، رغب بشدة فى الانتقام منهما، فأعد لذلك آلة حادة: "سكين" وأشرطة لاصقة وسلك هاتف، ثم ارتكب جريمته فى التوقيت الذى تخيره لذلك. لما كان ذلك، فإن اعتناق الحكم هاتين الصورتين المتعارضتين فى مقام تحصيله لواقعة الدعوى، لما يدل على اختلال فكرته عن عناصر الواقعة، وعدم استقرارها فى ذهن المحكمة الاستقرار الذى يجعلها فى حكم الوقائع الثابتة، الأمر الذى يستحيل معه على محكمة النقض أن تتعرف على أى أساس كونت محكمة الموضوع عقيدتها فى الدعوى, فضلاً عما ينبئ عنه من أن الواقعة لم تكن واضحة لديها بالقدر الذى يؤمن معه خطأوها فى تقدير مسئولية الطاعن، ومن ثم يكون حكمها متخاذلاً فى أسبابه متناقضًا فى بيان الواقعة.
5 - لما كانت المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، تتضمن النص على أنه: "مع عدم الإخلال بالأحكام المتقدمة، إذا كان الحكم صادرًا حضوريًا بعقوبة الإعدام........ تحكم المحكمة طبقًا لما هو مقرر فى الفقرة الثانية من المادة 35 والفقرتين الثانية والثالثة من المادة 39"، ومفاد ذلك أن وظيفة محكمة النقض فى شأن الأحكام الصادرة بالإعدام ذات طبيعة خاصة يقتضيها أعمال رقابتها على عناصر الحكم كافة، شكلية وموضوعية، وتقضى بنقض الحكم إذا كان مبنيًا على مخالفة القانون، أو أخطأ فى تطبيقه أن تأويله أو شابه بطلان، أو وقع فى الإجراءات بطلان أثر فيه، غير مقيدة فى ذلك بأوجه الطعن أو مبنى الرأى الذى تعرض به النيابة العامة لتلك القضايا.
6 - لما كانت المادة 67 من الدستور توجب أن يكون لكل متهم بجناية محام يدافع عنه، وكان من القواعد الأساسية التى يوجبها القانون أن تكون الاستعانة بالمحامى إلزامية لكل متهم بجناية أحيلت لنظرها أمام محكمة الجنايات، حتى يكفل له دفاعًا حقيقيًا لا مجرد دفاع شكلى، تقديرًا بأن الاتهام بجناية أمر له خطره، ولا تتحقق ثمرة هذا الضمان، إلا بحضور محام أثناء المحاكمة، ليشهد إجراءاتها، وليعاون المتهم معاونة إيجابية، بكل ما يرى تقديمه من وجوه الدفاع عنه، وحرصًا من الشارع على ضمان فاعلية هذا الضمان الجوهرى، فرض عقوبة الغرامة من المادة 375 من قانون الإجراءات الجنائية، على كل محام منتدبًا كان أو موكلاً من قبل متهم يحاكم فى جناية، إذا هو لم يدافع عنه، أو يعين من يقوم مقامه للدفاع عن المتهم، فضلاً عن المحاكمة التأديبية إذا اقتضتها الحال. لما كان ذلك، وكان ما أبداه المحامى الحاضر مع المتهم من دفاع، على السياق المتقدم، لا يتحقق به الغرض الذى من أجله أوجب الشارع حضور محام مع المتهم بجناية، ويقصر عن بلوغ هذا الغرض ويعطل حكمه تقريره، فإن إجراءات المحاكمة تكون قد وقعت باطلة بطلانًا أثر فى الحكم، بما يوجب نقضه والإعادة حتى تتاح للمحكوم عليه فرصة الدفاع عن نفسه، دفاعًا كاملاً حقيقيًا، لا مبتورًا ولا شكليًا، أمام سلطة القضاء.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بوصف أنه أولا: قتل........ عمدًا مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتلها وعقد العزم على ذلك وأعد لهذا الغرض (شريط لاصق وسلك هاتف) وما أن ظفر بها حتى أوثق وثاقها بشريط لاصق وكتفها وقام بخنقها بلف سلك الهاتف حول عنقها وضغط بكلتا يديه على عنقها قاصدًا من ذلك قتلها فأودى ذلك بحياتها على النحو المبين بتقرير الصفة التشريحية وقد اقترنت هذه الجناية بجنايات أخرى هى أنه فى ذات الزمان والمكان أنفى البيان (1) قتل........ عمدًا بأن كتفها قاصدًا من ذلك قتلها فأودى بحياتها على النحو المبين بتقرير الصفة التشريحية (2) قتل.......... عمدًا بأن أوثق وثاقة بشريط لاصق ووضع جزءًا منه على فمه ثم وضع رأسه داخل إناء مملوء بالماء قاصدًا من ذلك قتله فأودى ذلك بحياته على النحو المبين بتقرير الصفة التشريحية (3) قتل........ عمدًا بأن أوثق وثاقه بشريط لاصق ووضع جزءًا منه على فمه ثم وضع رأسه داخل إناء مملوء بالماء قاصدًا من ذلك قتله فأودى ذلك بحياته على النحو المبين بتقرير الصفة التشريحية (4) قتل....... عمدًا بأن أوثق وثاقها بشريط لاصق ووضع جزءًا منه على فمها ثم وضع رأسها داخل إناء مملوء بالماء قاصدًا من ذلك قتلها فأودى ذلك بحياتها على النحو المبين بتقرير الصفة التشريحية (5) قتل....... عمدًا مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتله وعقد العزم على ذلك وأعد لهذا الغرض سلاحًا أبيض (سكينًا) واستدرجه إلى مسكنه وانهال عليه طعنًا وضربًا بالسلاح الأبيض فى أجازاء متفرقة من جسده فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. ثانيًا: أحرز سلاحين أبيضين (سكينًا ومطواه) بغير ترخيص ودون مسوغ من الضرورة الحرفية أو الشخصية. وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا وبإجماع الآراء بإرسال أوراق القضية إلى فضيلة مفتى الجمهورية لإبداء الرأى بالنسبة للمتهم........ حسان وحددت /.... /..... للنطق بالحكم.
وبالجلسة المحددة قضت حضوريًا عملاً بالمواد 230 و231 و234/ 1 و2 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و25 مكررًا من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 26 لسنة 1978 و165 لسنة 1981 والبندين رقمى 10 و11 من الجدول الأول الملحق بالقانون الأول والمستبدل بالقانون رقم 97 لسنة 1992 مع أعمال المادة 32/ 2 من ذات القانون بمعاقبته بالإعدام شنقًا ومصادرة السلاح الأبيض المضبوط.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض فى..... إلخ. كما عرضت النيابة العامة القضية بمذكرة مشفوعة برأيها موقعًا عليها من رئيس بها.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية المماثلة على هذه المحكمة. عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، مشفوعة بمذكرة برأيها، انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم فيما قضى به من إعدام المحكوم عليه، دون إثبات تاريخ تقديمها، بحيث يستدل منه على أنه روعى عرض القضية فى ميعاد الستين يومًا المبين بالمادة 34 من ذلك القانون، المعدل بالقانون رقم 23 لسنة 1992، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد، لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها، لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها - دون أن تتقيد بمبنى الرأى الذى تضمنه النيابة مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، يستوى فى ذلك أن يكون عرض النيابة فى الميعاد المحدد أو بعد فواته، ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة شكلاً.
حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتى القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجنايات قتل أخرى، وإحراز سلاحين أبيضين (سكين ومطواه) بغير ترخيص أو مسوغ، قد شابه القصور والتناقض فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن المدافع عنه تمسك بجنونه إبان ارتكابه تلك الجرائم، وقدم شهادات طبية مثبتة، وأعرضت عن دفعه ومستنداته، برد غير سائغ، هذا فضلاً عن أن الحكم اعتنق صورتين متعارضتين لواقعة الدعوى, بما يعيبه ويستوجب نقضه.
حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل واقعة الدعوى وأدلة ثبوتها، عرض لما تمسك به المدافع عن الطاعن من دفع بجنوه وقت ارتكابه لجرائمه. ولطلبه إحالته إلى إحدى المصحات العقلية إثباتًا لذلك، وأطرحهما بقوله: الثابت من التحقيقات أن المتهم فى الفترة السابقة على ارتكاب الجريمة كان يتمتع بشخصية معتدلة وبحسن معاملة الآخرين وأن علاقته بزوجته كانت علاقة طيبة فلم يقل أحد من الشهود أنه قد بدر منه ما يفصح عن اختلال قواه العقلية، بل إن تصرف المتهم وطريقته فى التفكير قبل الحادث تتم عن توازنها وتمتعه بقدر كبير من الذكاء والحصافة فعندما علم بأن هناك مكالمات هاتفية تأتى لزوجته هداه فكره إلى إدخال خاصية إظهار رقم الطالب على هاتفه المنزلى ليتمكن من كشف شخصية المتصل وهو تصرف يدل على الرؤية والتعقل دون تخبط فى العامة التهم بالآخرين دون دليل، وذلك لا يصدر إلا من شخص متعقل فى تصرفاته ويعى ما يهدف إليه جيدًا. والأكثر من ذلك أنه عندما علم برقم الهاتف الذى صدر منه الاتصال تمكن من الوصول إلى عنوان صاحبه فتوجه إليه فتبين له أن هاتف حانوت فتناقش معه صاحبه وصولاً لمعرفة المتصل وتمكن بالفعل من معرفته الأمر الذى يفصح عن أنه ما قام به ما هو إلا تصرف عاقل ذكى يعى كيفية إلى ما سعى إليه وبالنظر إلى وقت ارتكاب الجريمة فإن التحقيقات أثبتت أن سلوك المتهم وتفكيره حال ارتكاب جريمته ينمان على أنه كان متمتعًا بكامل قواه العقلية وأقدم عليها بعد تفكير وروية مسيطرًا ومتحكمًا فى كافة فرائضه وأعصابه ويتضح ذلك من تخيره للأشرطة اللاصقة فى كم فاه وتقيد حركة كل من المجنى عليهم وزوجته وأولاده وهى أداة سريعة الاستعمال وسهل تطويعها عن غيرها ثم تنوع وسائل قتل المجنى عليه من الخنق إلى الإغراق إلى الذبح يدل على عمق تفكيره والتروى فى التنفيذ وثبات أعصابه. كما أن الثابت من اعترافات المتهم أنه وبعد أن أجهز على زوجته وأولاده أخذ يتدبر أمر قتل المجنى عليه الحسينى أحمد عبد الباقى وفى اليوم التالى قام بشراء سكين كبيرة الحجم وتمكن بطريقة ذكية إلى استدراجه إلى مسكنه بعد أن اختلق له رواية وهمية وحاجته الشديدة إليه ليساعده على حلها، وعقب وثوق المجنى عليه فى صحة تلك الرواية حضر إليه بالمسكن ليلقى طعنة قاتلة فى جانبه تلتها ضربة أخرى فى رقبته ثم تركه المتهم ينزف فترة طويلة وهى يلقى على مسامعه علمًا بعلاقته بزوجته وبعد أن أفشى غليله منه هم بذبحه ليلقى حتفه. الأمر الذى يفيد بجلاء ذكاء الخاطر وعمق الفكر وثبات الأعصاب لدى المتهم وأنه بمنأى عن أى آفة أو عاهة عقلية وقت ارتكابه الجريمة. كما أن الثابت أيضا من التحقيقات التى أجريت معه بمعرفة النيابة العامة أن المتهم كان يجيب على كافة الأسئلة التى وجهت إليه أثناء التحقيق بدقة وإلمام وبإحاطة شاملة لكافة الوقائع التى اقترفها دون سهو أو إغفال مع قدرة فائقة على طرح وتوضيح مشاعره أثناء قتله للمجنى عليه مع تبيانها عند قتل أولاده وأوضح أن ذلك كان سببًا فى تغيير وسائل قتلهم وصولاً إلى أقلها ألمًا وعنفًا وهو ما يجزم بسلامة قواه العقلية تمامًا. كما أن مسلكه أمام المحكمة يتم عن ذلك وكان فى إجابته عليها عندما واجهته بالتهم المسندة إليه بقوله "قدر الله وماشاء فعل" وثباته واتزانه طيلة جلسات المحاكمة أقوى دليل على سلامة عقله من أية مرض بعدم مسئوليته الجنائية عن الجريمة. ومن ثم فإن ما أثاره الدفاع فى هذا الخصوص لا يعدو أن يكون مجرد قول مرسل لا يسانده دليل أو حتى قرينة تشير ولو من بعيد إلى جدية هذا الإدعاء الذى لم يقل به أحد بالتحقيقات ومما يدلل على فساد هذا الإدعاء أن مظاهر هدوء التفكير وقوة ثبات الأعصاب عند التنفيذ وإدراكه طبائع الأشياء والحرص واليقظة الثابتين قبل وأثناء وبعد التنفيذ كل ذلك واضحًا تمامًا وثابتًا على نحو ما ورد باعترافه التفصيلى الذى أسلفناه وما سبق أو أوضحته المحكمة آنفًا ولا ينال من ذلك ما قرر به شقيقتا المتهم من أنه كان يعانى من مرض عقلى قبل الجريمة بخمس سنوات أو أكثر كما لا ينال من ذلك ما قدمه الدفاع من تذكرة طبية صادرة من طبيب خاص وكذا رسم مخل يقال أنه خاص بالمتهم إذ أن المحكمة لا تطمئن لإسناد صدورها إلى طبيب خاص ويسهل إعدادها لتخليص المتهم من مسئوليته علاوة على أن ما ورد بها لا يفيد إصابة المتهم بعاهة عقلية بعدم مسئوليته الجنائية. وأن تلك الأقوال التى أبديت من شقيقتا المتهم لا تطمئن المحكمة إليها إذ ترى أن تلك الأقوال أبديت لذات الغرض ولم يقل بها سواهما. ومن ثم فإن المحكمة تطرح هذا الدفع لا تجيب الدفاع إلى مطلبه الذى قصد به (التشكيك والمماطلة). لما كان ذلك، وكان تقدير حالة المتهم العقلية وإن كان فى الأصل من المسائل الموضوعية التى تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، غير أنه من الواجب عليها أن تبين فى حكمها الأسباب التى تبنى عليها قضاءها فى هذه المسألة بيانًا كافيًا لا إجمال فيه، وليس لها أن تستند فى إثبات عدم إصابة المتهم بمرض عقلى إلى زنه لم يقدم دليلاً تثق به، بل إن من واجبها فى هذه الحالة أن تتثبت هى من أنه لم يكن مصابًا بهذا المرض وقت ارتكاب الفعل وأن تقيم قضاءها بذلك على أسباب سائغة. لما كان ذلك، وكان ما ورد به الحكم على دفاع الطاعن لا يفيد أنه كان متمتعًا بقواه العقلية وقت ارتكابه جرائمه، وحمله فى الوقت نفسه عبء إثبات مرضه العقلى، كما تساند فى تبرير عدم إجابة الدفاع إلى طلبه فحص حالة الطاعن العقلية بما لا يسوغ ما انتهى إليه فى هذا الشأن، ذلك بأن مسلك الطاعن فى الفترة السابقة على الجريمة، واعترافه بارتكابها، وموقفه أثناء المحاكمة، كل ذلك لا يدل بذاته على أنه كان سليم العقل وقت ارتكاب الجريمة، وقول الحكم بأن الشهادات الطبية المقدمة من الطاعن منسوبة إلى طبيب خاص ويسهل إعدادها لتخليص المتهم من مسئوليته، لا يسوغ وحده استبعادها، إذ كان يتعين على المحكمة متى ساورها الشك فيها، أن تستوثق من ذلك عن طريق المختص فنيًا بهذا الأمر، كما أن ما استطرد إليه الحكم من أن ما ورد بها لا يفيد إصابة الطاعن بعاهة عقلية، فإنه - وبفرض صحته - لا يلزم عند عدم إصابته بها. لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن فى الخصوص السالف يعد جوهريا، لأنه ينبنى عليه - إذا صح - امتنع عقابه عن الأفعال المسند إليه ارتكابها، فقد كان متعينًا على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع الجوهرى الذى يسانده واقع عن طريق المختص فنيًا، أما وهى لم تفعل اكتفاء بما قالته فى هذا الشأن، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال أخل بحق الطاعن فى حق الدفاع. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق فى تحصله لواقعة الدعوى صورة مضمونها أنه حال مشاهدة الطاعن وزوجته للتلفاز، تحدث معها بشأن تشككه فى مسلكها فأقرت له بالإثم مع آخر، فثارت ثورته عليها، وأوثق معصميها وقدميها وكم فاها بشريط لاصق ثم قطع سلك الهاتف ولفه حول عنقها وخنقها إلى أن تأكد من موتها، وبعد أن أورد الحكم الأدلة التى صحت لديه على ثبوت هذه الصورة, عاد فى معرض استظهاره لنية القتل لدى الطاعن، فاعتنق صورة أخرى تتعارض مع الصورة السابقة، مضمونها أنه بعد علم الطاعن بعلاقة زوجته الآثمة بشريكها، رغب بشدة فى الانتقام منهما، فأعد لذلك آلة حادة: سكين " وأشرطة لاصقة وسلك هاتف، ثم ارتكب جريمته فى التوقيت الذى تخيره لذلك. لما كان ذلك، فإن اعتناق الحكم هاتين الصورتين المتعارضتين فى مقام تحصيله لواقعة الدعوى، لما يدل على اختلال فكرته عن عناصر الواقعة، وعدم استقرارها فى ذهن المحكمة الاستقرار الذى يجعلها فى حكم الوقائع الثابتة، الأمر الذى يستحيل معه على محكمة النقض أن تتعرف على أى أساس كونت محكمة الموضوع عقيدتها فى الدعوى, فضلاً عما ينبئ عنه من أن الواقعة لم تكن واضحة لديها بالقدر الذى يؤمن معه خطؤها فى تقدير مسئولية الطاعن، ومن ثم يكون حكمها متخاذلاً فى أسبابه متناقضًا فى بيان الواقعة.
وحيث إن المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، تتضمن النص على أنه: "مع عدم الإخلال بالأحكام المتقدمة، إذا كان الحكم صادرًا حضوريًا بعقوبة الإعدام...... تحكم المحكمة طبقًا لما هو مقرر فى الفقرة الثانية من المادة 35 والفقرتين الثانية والثالثة من المادة 39، ومفاد ذلك أن وظيفة محكمة النقض فى شأن الأحكام الصادرة بالإعدام ذات طبيعة خاصة يقتضيها أعمال رقابتها على عناصر الحكم كافة، شكلية وموضوعية، وتقضى بنقض الحكم إذا كان مبنيًا على مخالفة القانون، أو أخطأ فى تطبيقه أن تأويله أو شابه بطلان، أو وقع فى الإجراءات بطلان أثر فيه، غير مقيدة فى ذلك بأوجه الطعن أو مبنى الرأى الذى تعرض به النيابة العامة لتلك القضايا. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة التى صدر فيها الحكم المطعون فيه، أن المحامى الحاضر مع الطاعن اقتصر فى مرافعته على الدفع بجنونه وطلب إيداعه إحدى المصحات العقلية، وإرجاء دفاعه إلى حين الفصل فى الدفع دون أن يبدى أى دفاع فى شأن وقائع الدعوى، وإذ طلبت منه المحكمة المرافعة فى الدعوى، قال إنه "ليس فى مقدوره أى دفاع"، ثم استطرد فى شرح دفعه، مختتمًا حديثه بأنه يرجأ دفاعه وباقى طلباته إلى ما بعد الفصل فى الدفع إما بالقبول أو بالرفض ويحتفظ بباقى دفاعه فى ذلك - وأنه ليس لديه أى دفاع آخر ليدلى به. لما كان ذلك، وكانت المادة 67 من الدستور توجب أن يكون لكل متهم بجناية محام يدافع عنه، وكان من القواعد الأساسية التى يوجبها القانون أن تكون الاستعانة بالمحامى إلزامية لكل متهم بجناية أحيلت لنظرها أمام محكمة الجنايات، حتى يكفل له دفاعًا حقيقيًا لا مجرد دفاع شكلى، تقديرًا بأن الاتهام بجناية أمر له خطره، ولا تحقق ثمرة هذا الضمان، إلا بحضور محام أثناء المحاكمة، ليشهد إجراءاتها، وليعاون المتهم معاونة إيجابية، بكل ما يرى تقديمه من وجوه الدفاع عنه، وحرصًا من الشارع على ضمان فاعلية هذا الضمان الجوهرى، فرض عقوبة الغرامة من المادة 375 من قانون الإجراءات الجنائية، على كل محام منتدبًا كان أو موكلاً من قبل متهم يحاكم فى جناية، إذا هو لم يدافع عنه، أو يعين من يقوم مقامه للدفاع عن المتهم، فضلاً عن المحاكمة التأديبية إذا اقتضتها الحال. لما كان ذلك، وكان ما أبداه المحامى الحاضر مع المتهم من دفاع، على السياق المتقدم، لا يتحقق به الغرض الذى من أجله أوجب الشارع حضور محام مع المتهم بجناية، ويقصر عن بلوغ هذا الغرض ويعطل حكمه تقريره، فإن إجراءات المحاكمة المحاكمة تكون قد وقعت باطلة بطلانًا أثر فى الحكم، بما يوجب نقضه والإعادة، حتى تتاح للمحكوم عليه فرصة الدفاع عن نفسه، دفاعًا كاملاً حقيقيًا، لا مبتورًا ولا شكليًا، أمام سلطة القضاء، وذلك دون حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن المقدمة من المحكوم عليه.