أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 7 - صـ 730

جلسة 14 من يونيه سنة 1956

برياسة السيد المستشار محمد فؤاد جابر، وبحضور السادة: محمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد عبد الواحد على، وأحمد قوشه، وابراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(102)
القضية رقم 54 سنة 23 القضائية

( أ ) نقض. طعن. أسباب الطعن. بيان الطاعن وجه مخالفة الحكم للقانون وتحديده المآخذ التى يعيبها على الحكم تحديدا واضحا صريحا. الدفع ببطلان الطعن شكلا لتجهيل أسبابه. على غير أساس. عدم إيراد الطاعن عنوانا لكل سبب على حدة. لا يهم.
(ب) إجارة. التزام. مرافق عامة. عقد. تكييفه. تعاقد بلدية اسكندرية مع أحد الأفراد على استغلال كازينو النزهة ووصف هذا العقد بأنه إيجار. النص فيه على قيود على حق المنتفع تنافى طبيعة الإيجار وتخرج التعاقد عن نطاقه وذلك بقصد تحقيق مصلحة عامة. اعتباره التزاما بأداء خدمة عامة لا إيجارا. كون البلدية تقتضى جعلا محددا أو تطلب زيادته على غرار الزيادة العسكرية. لا يغير من ذلك.
(جـ) أعمال إدارية. اختصاص. تصرف الإدارة فى أملاكها العامة. هو على سبيل الترخيص. حقها فى إلغائه أو الرجوع فيه قبل حلول الأجل. اعتباره من الأعمال الادارية التى تخرج من ولاية المحاكم ولا تخضع للقانون الخاص.
1 - متى كان يبين من مراجعة أسباب الطعن أن الطاعن قد بين وجه مخالفة الحكم للقانون وحدد المآخذ التى يعيبها على الحكم تحديدا صريحا واضحا لا غموض ولا تجهيل فيه فإن الدفع ببطلان الطعن شكلا لتجهيل أسبابه يكون على غير أساس، ولا يغض من هذا عدم إيراد الطاعن عنوانا لكل سبب على حدة ما دام أن المخالفات التى يثيرها والتى حدد أدلتها واضحة من سياق أسباب الطعن.
2 - العبرة فى تكييف العقد والتعرف على حقيقة مرماه وتحديد حقوق الطرفين فيه إنما هو بما حواه من نصوص. فإذا كان يبين من نصوص العقد محل النزاع الذى رخصت به بلدية الاسكندرية لأحد الأفراد فى استغلال كازينو النزهة أنه وإن وصف بأنه عقد إيجار إلا أنه تضمن من القيود الواردة على حق المنتفع ما ينافى طبيعة الإيجار وتخرج التعاقد عن نطاقه كما تبين من هذه القيود أن البلدية فى تعاقدها لم تكن تنشد استغلال محل معد للتجارة وإنما تبغى من وراء ذلك أولا وبالذات تحقيق مصلحة عامة، فإنه لا يصح اعتباره عقد إيجار وارد على محال تجارية بل التزاما بأداء خدمة عامة، ولا يغير من هذا النظر كون البداية تقتضى من ذلك جعلا محددا أو تطلب زيادته على غرار الزيادة العسكرية المقررة بالأوامر الخاصة بذلك إذ ليس من شأن ذلك أن يغير من صفة العقد ولا أن يحول المكان المرخص بإشغاله من المنافع العامة إلى محل تجارى.
3 - تصرف الادارة فى أملاكها العامة لا تكون إلا على سبيل الترخيص وهو مؤقت يبيح للسلطة المرخصة دواما ولداعى المصلحة العامة الحق فى إلغائه أو الرجوع فيه ولو قبل حلول أجله وكل أولئك من الأعمال الادارية التى يحكمها القانون العام ولا ولاية للمحاكم فى شأنها ولا تخضع للقانون الخاص - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن واقعة الدعوى - على ما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أنه بموجب عقد اتفاق وترخيص مؤرخ 30 من يونيه سنة 1940 رخصت بلدية الاسكندرية "الطاعنة" للمطعون عليه فى استغلال المقهى الكبير بحديقة النزهة والمعروف بكازينو النزهة لمدة عشر سنوات تنتهى فى آخر ديسمبر سنة 1949 وبالشروط والقيود الواردة فيه وقد صرحت البداية على النص على أن يكون لقسم الصحة مطالبة المطعون عليه بتنفيذ جميع الاشتراطات الصحية بالمحل وإدارته وأن يعاد دهان الكراسى والمناضد مرة فى كل سنتين على الأقل وأن تكون المواد الغذائية والمشروبات التى تقدم بالمحل مصانة بحالة لائقة لا فاسدة ولا ضارة ولمندوبى البلدية مراقبتها فى أى وقت إلى آخر ما ورد فى الاتفاق المذكور وقد استمر هذا الوضع قائما إلى أن تراءى للبلدية فى سنة 1952 إنهاء الترخيص المذكور فأخطرت المطعون عليه فى 13 من أغسطس سنة 1952 ثم فى 23 من سبتمبر سنة 1952 بضرورة إخلاء الكازينو وتسليمه فى ميعاد غايته 29 من سبتمبر سنة 1952 وإلا قامت البلدية بإخلائه إداريا على نفقته لذلك أقام المطعون عليه الدعوى رقم 1939 سنة 1952مستعجل اسكندرية ضد الطاعن طلب فى صحيفتها المعلنة فى 19 من أغسطس سنة 1952 الحكم بوقف تنفيذ قرار البلدية بإخلاء الكازينو لحين الفصل فى النزاع الموضوعى بشأن تجديد عقد الإيجار الخاص به استنادا إلى أن العلاقة بين الطرفين مدينة بحتة أى علاقة إيجار تحكمها شروط الإيجار المبرم بين الطرفين فى 30 من يونيه سنة 1940 وأحكام القانون المدنى والتشريع الاستئنافى بشأن إيجار الأماكن وأنها ليست علاقة إدارية أو ترخيصا تخول للبدية سلطة إنهاء العقد والتنفيذ بحقوقها بالطرق الإدارية ومن ثم يكون إنذارها له باستعمال هذه السلطة يعتبر عملا من أعمال الغصب فيكون من حقه الالتجاء إلى القضاء المستعجل لوقف تنفيذه وقد عارضت البلدية فى تكييف هذه العلاقة وتأسيس الدعوى على هذا الوصف الخاطئ ودفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظرها لانعدام ولايتها عليها ذلك لأن واقعة النزاع تدور حول طلب إيقاف تنفيذ قرار البلدية الإدارى بإنهاء الترخيص وهو قرار إدارى لا تملك المحاكم إيقاف تنفيذه طبقا للمادة 18 من قانون نظام القضاء. وفى 28 من أغسطس سنة 1952 قضت محكمة أول درجة المستعجلة بقبول الدفع بعدم الاختصاص تأسيسا على أن حديقة النزهة بمشتملاتها وتوابعها بما فيها الكازينو محل النزاع تعتبر من الأملاك العامة فالتصرف فيها بانتفاع الأفراد إنما يكون على سبيل الترخيص لا التأجير والترخيص بطبيعته مؤقت ولجهة الادارة فى كل وقت ولدواعى المصلحة العامة حق إنهائه ولو قبل حلول أجله وهذه أعمال إدارية يمتنع على المحاكم التعرض لها أو إيقاف تنفيذها - استأنف المطعون عليه هذا الحكم طالبا إلغاءه وقيد استئنافه لدى محكمة الاسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية برقم 575 سنة 1952 وطلب الحكم برفض الدفع واختصاص المحكمة بنظره وبصفة مستعجلة بإيقاف تنفيذ قرار الإخلاء المذكور، وفى 6 من نوفمبر سنة 1952 قضت المحكمة الاستئنافية بقبول الاستئناف شكلا وقبول تدخل حامد المعطاوى خصما منضما للبلدية فى طلباتها "باعتباره الراسى عليه مزاد تأجير الكازينو" وفى الموضوع بالغاء الحكم المستأنف وبوقف تنفيذ القرار الادارى الصادر من البلدية بالاخلاء حتى الفصل نهائيا من محكمة الموضوع فى مصير عقد الايجار... وقد طعن المجلس البلدى على هذا الحكم بطريق النقض وقد عرض على دائرة فحص المطعون فقررت إحالته إلى الدائرة المدنية لنظره بجلسة 31/ 5/ 1956 وقد أبدت النيابة رأيها بقبول الطعن بالنسبة للوجه الأول وعدم قبول الوجهين الآخرين وصممت على هذا الرأى بجلسة المرافعة.
ومن حيث إن المطعون عليه دفع ببطلان الطعن شكلا لتجهيل أسبابه إذ أن ما تضمنه التقرير هو أقرب للشكوى من الحكم المطعون فيه منه إلى تقرير الطعن بالنقض مستوف لاجراءاته الشكلية التى يستلزمها القانون بحيث يكون التقرير مشتملا على تفصيل الأسباب التى بنى عليها الطعن والا كان باطلا والطعن المقدم يشوبه الغموض والتجهيل وعدم إيضاح الأسباب التى بنى عليها وتفصيلها تفصيلا وافيا وهل تقوم على خطأ فى تطبيق القانون وتأويله أو على بطلان وقع فى الحكم أو فى الاجراءات أثرت فى الحكم والمقصود بتفصيل الأسباب إيرادها بنوع من البيان يعرف به كل سبب على حدة تعريفا محددا وكاشفا عن المقصود منها كشفا وافيا نافيا للجهالة مع بيان العيب الذى يعزوه الطاعن للحكم وبيان موضعه منه وأثره فيه وهو ما لم يتضح أو يتحقق فى أسباب الطعن المقدمة مما يجعله باطلا طبقا للمادة 429 مرافعات.
ومن حيث إن هذا الدفع مردود بأنه متى كان يبين من مراجعة أسباب الطعن أنها تقوم فى جملتها على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون فضلا عن قصوره فى التسبيب ذلك أن الطاعن نعى فى السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون فى تكييف التعاقد المبرم بين الطرفين موضوع هذه الدعوى بأنه عقد إيجار مع أنه فى حقيقته ترخيص باستغلال مرفق عام تحكمه قواعد القانون العام وأيد ذلك بأحكام القانون وقضاء المحاكم ثم تناول فى السبب الثانى ما غفل عنه الحكم من عدم مراعاة أحكام قانون المرافعات إذ تصدى لموضوع الدعوى فى غير الحالات التى يوجبها القانون المشار اليه، كما غشيه قصور مبطل لعدم تسبيب قضائه على ما بينه فى السبب الثالث وواضح مما سبق بيانه أن الطاعن قد بين وجه مخالفة الحكم للقانون وحدد المآخذ التى يعيبها على الحكم تحديدا صريحا واضحا لا غموض ولا تجهيل فيه ولا يغض من هذا عدم إيراده عنوانا لكل سبب على حدة ما دام أن المخالفات التى يثيرها والتى حدد أدلتها واضحة من سياق أسباب الطعن ومن ثم يكون الدفع على غير أساس.
ومن حيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أن الحكم إذ أقام قضاءه على أن العلاقة بين الطرفين علاقة مدنية يحكمها عقد الايجار المبرم بينهما بتاريخ 30 من يونيه سنة 1940 وأن الطاعن عند إبرامه لذلك العقد تنازل عن صفته العامة وتعاقد مع المطعون عليه كفرد من الأفراد على تأجير "الكازينو" لمصلحة تجارية وحددت نصوص العقد للطاعن سبيل المطالبة بحقوقه عند الاخلال بشروط العقد وأن المستفاد من أحكام الفقه الادارى أن الادارة حيث تعمل فى حدود حقوقها المالية تخضع فى هذا للقانون الخاص وقد رتب الحكم على ذلك أن التعاقد محل النزاع ليس من قبيل الترخيص الذى يجوز لجهة الإدارة إلغاؤه استهدافا للمصلحة العامة ثم انتهى الحكم إلى أن مثل هذا القرار الصادر من الطاعنة بإخلاء المطعون عليه من "الكازينو" يعتبر من أعمال الغصب والاعتداء غير المشروع التى يحق للمحاكم بحثها وتقديرها والحكم بإلغائها أو إيقاف تنفيذها والحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على هذا النظر يكون قد أخطأ فى تكييف قانون العقد وتطبيقه على واقعة الدعوى ذلك أن حديقة النزهة بمشتملاتها وتوابعها ومنها المقصف موضوع التعاقد من المرافق العامة التى خصصت لأداء خدمة عامة هى تشجيع الجمهور على ارتياد الحديقة وتهيئة وسائل الراحة والمتعة لروادها مع توفير ما يحتاجون إليه من طعام وشراب فى أوقاف فراغهم وقد حرصت البلدية على استظهار هذه المعانى فى اتفاقها مع المطعون عليه وإثبات حقها فى الرقابة والاشراف على حسن سير العمل بها ومطالبة إدارتها الصحية بتنفيذ هذه التدابير وغيرها مما تضمنها العقد وفى هذا ما ينفى عن العقد شبهة المضاربة أو قصد الربح أو الاستغلال بل يقطع بأنه عقد ترخيص والتزام باستغلال مرفق عام تحكمه القواعد الادارية مما يجوز للبداية أن تعمل على إنهائه بالطريق الادارى فى أى وقت ولدواعى المصلحة العامة ومن ثم فالأمر الصادر بإخلاء المطعون عليه من الكازينو هو أمر إدارى أصدرته البلدية فى حدود سلطتها وليس للمحاكم ولاية تأويله أو إيقاف تنفيذه مما يؤكد خطأ الحكم المطعون فيه من اعتبار هذه العلاقة مدنية وأن الأمر بالاخلاء اعتداء غير مشروع يجوز للمحاكم حق إلغائه أو إيقاف تنفيذه.
ومن حيث إن هذا النعى فى محله ذلك أن العبرة فى تكييف العقد محل النزاع والتعرف على حقيقة مرماه وتحديد حقوق الطرفين فيه إنما هو بما حواه من نصوص فإذا كان يبين من نصوصه أنه وإن وصف بأنه عقد إيجار إلا أنه يتضح من مجموع نصوصه وما فرضه من التزامات أنه ألزم المطعون عليه بجعل المحل ومهماته بحالة نظيفة وجيدة وتزويده بالمشروبات والمأكولات ومن أجود الأصناف وأن تكون مضمونة ومحفوظة بحالة لائقة حتى لا تتعرض للفساد أو الضرر وأن يخضع المطعون عليه لمراقبة قسم الصحة البلدية فى تنفيذ جميع التدابير الصحية المتعلقة بالمحل وإدارته وأن تحتفظ البلدية بحقها فى إصدار تصريحات للشركات والعائلات باقامة حفلات ورحلات بحديقة النزهة التى يتبعها "الكازينو" موضع النزاع دون اعتراض من المطعون عليه فى ذلك وأن يلتزم المطعون عليه باعادة دهان الكراسى والمناضد مرة فى كل سنتين على الأقل وأن يمنع لعب المسير بأنواعه بالمحل إلى غير ذلك من الشروط التى تضمنها العقد وكلها قيود واردة على حق المنتفع وهى تنافى طبيعة الايجار وتخرج التعاقد عن نطاقه وتدل بوضوح على أن هذا العقد لا يصح اعتباره عقد إيجار وارد على محال تجارية بل التزاما بأداء خدمة عامة لأنه يبين من هذه القيود أن الطاعنة فى تعاقدها مع المطعون عليه لم تكن تنشد استغلال محل معد للتجارة وإنما تبغى من وراء ذلك أولا وبالذات تحقيق مصلحة عامة هى تشجيع الجمهور على ارتياد الحديقة وتهيئة أسباب المتعة وتوفير وسائل الراحة لروادها مع توفير ما قد يحتاجون إليه من طعام وشراب أثناء تجوالهم ولا يغير من هذا النظر كون البلدية تقتضى من ذلك جعلا محددا أو تطلب زيادة على غرار الزيادة العسكرية المقررة بالأوامر الخاصة بذلك إذ ليس من شان ذلك أن يغير من صفة العقد ولا أن يحول المكان المرخص للمطعون عليه باشغال المنافع العامة إلى محل تجارى، ولما كان تصرف الادارة فى أملاكها العامة وعلى هذا الوصف لا يكون إلا على سبيل الترخيص وهو مؤقت يبيح للسلطة المرخصة دواما ولداعى المصلحة العامة الحق فى إلغائه أو الرجوع فيه ولو قبل حلول أجله وكل أولئك من الأعمال الادارية التى يحكمها القانون العام ولا ولاية للمحاكم فى شأنها ولا تخضع للقانون الخاص - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أساس أن العقد محل النزاع هو عقد إيجار وارد على محل عمومى يخضع فى تكييفه وتنفيذه لأحكام القانون الخاص والأوامر العسكرية الخاصة بذلك وأن الأمر باخلاء المطعون عليه مع عدم توافر سببه يعتبر اعتداء غير مشروع على حقه يستوجب حمايته بوقف تنفيذ الأمر المشار إليه يكون قد خالف القانون ويتعين لذلك نقضه دون حاجة لبحث باقى أوجه الطعن.
ومن حيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم المطعون فيه وتأييد الحكم المستأنف الصادر بتاريخ 28 من أغسطس سنة 1952 فى الدعوى رقم 1939 سنة 1952 مستعجل الأسكندرية.