أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 7 - صـ 737

جلسة 21 من يونيه سنة 1956

برياسة السيد المستشار محمد فؤاد جابر، وبحضور السادة: محمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد عبد الواحد على، وأحمد قوشه، وابراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(103)
القضية رقم 430 سنة 22 القضائية

قاضى الأمور المستعجلة. طلب إثبات حالة المعاشرة الزوجية. رفعه بقصد تعقب الأنثى لتوقيع الكشف الطبى عليها لإثبات حالتها الجنسية. تصريحها بامتناعها عن إجراء هذا الكشف. اعتبار الطلب غير مقبول. علة ذلك.
إذا كان المقصود من الطلب المرفوع إلى قاضى الأمور المستعجلة باثبات حالة المعاشرة الزوجية هو إلزام الزوجة تقديم دليل ضد نفسها عن طريق الاعتداء على حريتها وشخصها فإن هذا الطلب يكون غير مقبول إذ لا جدال فى أن اللحاق بالأنثى وتعقبها لإجراء الكشف الطبى عليها كرها عنها رغبة فى إثبات حالتها الجنسية وبعد أن صرحت بامتناعها عن إجراء هذا الكشف هو فضلا عما فيه من إهدار لآدميتها فإنه اعتداء شاذ تأباه الكرامة الانسانية ومما يتنافى مع الحرية الشخصية ولأن مرد هذه الأمور لجهة الأحوال الشخصية المختصة التى من شأنها أن تحقق هى أسباب مثل هذه المنازعة بالطرق التى رسمها لها القانون وقضاؤها فى ذلك مانع من طرح أسانيد هذا النزاع وأسبابه أمام جهة قضائية أخرى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى شرائطه القانونية.
ومن حيث إن الوقائع تخلص - كما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن - فى أن الطاعن رفع الدعوى رقم 2845 سنة 1952 أمام محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة بصحيفة أعلنت فى 16 من يونيه سنة 1952 على المطعون عليهما طلب فيها الحكم بندب من ترى ندبه من الأطباء للكشف عليه لبيان ما إذا كان مصابا بالعنة وعلى المطعون عليها الأولى لبيان ما إذا كانت حالتها تدل على معاشرة جنسية أم لا وإلزام من ترى المحكمة إلزامه بالمصروفات بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبنسخته الأصلية - ثم عدل طلباته فى مذكرته الختامية المقدمة لتلك المحكمة - إلى طلباته الأصلية الواردة بصحيفة الدعوى والحكم بإلزام المطعون عليها الأولى بأن تدفع له مبلغ خمسة جنيهات غرامة تهديدية عن كل يوم من الأيام التى تتأخر فيه عن عرض نفسها على الطبيب أو الهيئة من الأطباء التى تأمر المحكمة بعرض نفسها عليها. وقال بيانا لدعواه إنه تزوج من المطعون عليها الأولى وقد سارت العلاقة بينهما على أحسن ما تكون عليه بين زوجين حتى فوجئ فى 26 من مارس سنة 1952 بدعوى ادعى عليه فيها المطعون عليهما أمام المجلس الملى لطائفة الأقباط الأرثوذكس بأنه مصاب بالعنة ولا يستطيع مباشرة العلاقة الزوجية مما يحق معه تطليق الزوجة وأنه لما كان ما نسبه إليه المطعون عليهما فى دعوى المجلس الملى لا يتفق مع الحقيقة مما يخوله الحق فى مطالبتهما بالتعويض لذلك رفع دعوى بطلب إثبات حالته حتى يتسنى له مطالبتهما بالتعويض عما نسباه إليه. وفى 8 من يوليو سنة 1952 حكمت المحكمة المذكورة. أولا: برفض الدفع بعدم الاختصاص وباختصاصها بنظر الدعوى. ثانيا: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها. ثالثا: وبصفة مستعجلة بندب كبير أطباء مصلحة الطب الشرعى لتوقيع الكشف الطبى على الطاعن لبيان ما إذا كان مصابا بالعنة أم لا وعلى المطعون عليها الأولى لبيان ما إذا كانت حالتها تدل على معاشرة جنسية أم لا ورفضت طلب الإلزام بالغرامة التهديدية مشيرة فى أسباب حكمها إلى أن ذلك مما يملكه قاضى الموضوع دون القاضى المستعجل لما فى ذلك من المساس بأصل الحق. فاستؤنف الحكم المذكور من جانب طرفى الخصومة وقيد استئناف الطاعن برقم 911 سنة 1952 س مصر واستئناف المطعون عليهما برقم 926 سنة 1952 س مصر. وبتاريخ 12 من أغسطس سنة 1952 قررت المحكمة الأخيرة ضم الاستئناف الأخير إلى الاستئناف الأول وبتاريخ 21 من أكتوبر سنة 1952 قضت بعدم قبول الاستئناف رقم 911 سنة 1952 س مصر المرفوع من الطاعن لبطلان صحيفته شكلا لعدم التوقيع عليها من محام مقرر بالاستئناف وبقبول الاستئناف رقم 926 سنة 1952 س مصر المرفوع من المطعون عليهما وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وقبول الدفع بعدم الاختصاص والحكم بعدم اختصاص القضاء المستعجل بنظر الدعوى وألزمت الطاعن بمصاريفها. فقرر الطاعن الطعن فى هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 10 من ديسمبر سنة 1952 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 7 من مارس سنة 1956 فقررت إحالته على هذه الدائرة لجلسة 24 من مايو سنة 1956، وقد قدمت النيابة مذكرة قالت فيها بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
ومن حيث إن الطاعن بنى طعنه على سببين: نعى بأولهما على الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه على أن المسألة المطلوب إثبات الحالة بخصوصها هى من صميم الأحوال الشخصية وقد فصل فيها المجلس الملى - فى حدود اختصاصه - وبذلك أنشأ بين الخصوم حالة قانونية يمتنع على قاضى الأمور المستعجلة المساس بها وإلا كان حكمه ماسا بأصل الحق بين الطرفين ولا يرد على ذلك بأن النزاع لا يزال قائما بين الطرفين لدى المجلس الملى لأن رفع الالتماس عن الحكم لا يسقطه ولا يزيل حجيته لأن الالتماس طريق طعن غير عادى لا يوقف تنفيذ الحكم طبقا للمادة 420 مرافعات. وهذا الذى أقام الحكم المطعون فيه قضاءه عليه يخالف القانون من أربعة أوجه: أولها - أنه لا يتصور قانونا أن يكون مجرد إثبات الحالة مسألة من مسائل الأحوال الشخصية فهو مجرد إجراء تمهيدى لإثبات حالة عادية بحتة قابلة للتغيير والزوال السريع ومقصود منه أن توضع صورة للحالة أمام قاضى الموضوع فى نزاع موضوعى قد يكون مسألة من مسائل الأحوال الشخصية أو غيرها من المسائل الأخرى وقد تصلح أساسا لدعوى تضمينات. الوجه الثانى - أن القضاء المستعجل مختص بالفصل فى طلب إثبات حالة تتعلق بطلب موضوعى أساسه النزاع فى حقوق والتزامات مالية متى كان لهذا النزاع صورة من الصور التى تختص المحكمة المدنية بالفصل فيها. الوجه الثالث - أن طلب إثبات الحالة فى الدعوى الحالية له ما يبرره بعد ما رفع المطعون عليه الثانى دعوى مدنية بالمطالبة بالتعويض ضد الطاعن عن الضرر الذى أصاب ابنته بسبب العنة وأخرى رفعت من الطاعن ضد المطعون عليها بتعويضه عما أصاب سمعته من نسبة العنة إليه ودعوى ضد الأطباء الذين قدموا تقاريرهم أمام المجلس الملى وأثبتوا فيها ما يخالف الواقع ودعوى ضد أعضاء المجلس الملى العام بمساءلتهم بالتضمينات لما وقع منهم من خطأ مهنى جسيم ترتب عليه ضرر موجب للتعويض لإقامتهم قضاءهم على تقارير ممن لم يندبوا من المجلس ولم يحلفوا اليمن أمامه ورفعه دعوى بطلب وقف تنفيذ حكم المجلس الملى - وكل ذلك لا مندوحة معه من إجابة طلب إثبات الحالة محافظة على حقوق الطرفين حتى يفصل فى النزاع الموضوعى. أما مآل هذا النزاع فلا شأن لقاضى الأمور المستعجلة به ولا يؤثر فى اختصاصه - ولا أن حكم المجلس الملى قد حاز قوة الأمر المقضى به إذ بحث هذه الحجية هو الموضوع ذاته، وبفرض قيامها فلا تلحق إلا ما قضى به حكم المجلس الملى من الفصل بين الزوجين، أما ما عداه فلا يمنع أن يكون محل النزاع فضلا عن أن حجية حكم صدر مخالفا لقواعد قانون المرافعات الجوهرية هى مسألة غير مسلم بها فضلا عن أنها لا تكون سببا لعدم الاختصاص ولا لعدم قبول الدعوى بحجة سبق الفصل فيها وقد شاب الحكم المطعون فيه الخطأ إذ لم يناقش النظر الذى أقام عليه الطاعن دعواه. الوجه الرابع - أن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن حكم المجلس الملى أصبح انتهائيا يحوز حجية قانونية قد أخطأ. ذلك أنه طبق قانون المرافعات فى مسائل الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس مع أن لهذه الطائفة لائحة تنص المادة 66 منها على أن الحكم لا يعتبر انتهائيا إلا بعد استنفاد جميع طرق الطعن بما فيها التماس إعادة النظر - ومتى ثبت ذلك وثبت أن قيام الدعوى أمام محكمة الموضوع لا يمنع من اختصاص قاضى الأمور المستعجلة فقضاء الحكم المطعون فيه بعدم الاختصاص يكون مخالفا للقانون. وحاصل السبب الآخر من سببى الطعن هو الخطأ فى القانون إذ قرر الحكم المطعون فيه أنه لا عبرة بما أثاره الطاعن من اعتزامه رفع دعوى تعويض على المطعون عليهما لأن الأحقية فى التعويض مترتبة على ما تورده محكمة الأحوال الشخصية من أسباب البطلان وليس للمحكمة المدنية مناقشة هذه الأسباب ووجه الخطأ فى ذلك أن اختصاص القاضى المستعجل هو فرع من اختصاص المحكمة المدنية وبذلك يتوفر له الاختصاص بقطع النظر عن مآل الدعوى الموضوعية لدى محكمة الموضوع.
ومن حيث انه ولو أن اختصاص قاضى الأمور المستعجلة إنما هو فرع من اختصاص المحكمة المدنية وأنه متى ثبت أن للنزاع وجها مدنيا كدعوى تعويض فإن قاضى الأمور المستعجلة يكون مختصا باثبات حالة يخشى عليها من الزوال أو التغيير بمرور الزمن بقطع النظر عن مآل تلك الطلبات الموضوعية أمام محكمة الموضوع إلا أنه إذا كان المقصود من الدعوى إلزام إنسان تقديم دليل ضد نفسه عن طريق الاعتداء على حريته وشخصيته فإن الطلب يكون غير مقبول إذ لا جدال فى أن اللحاق بالأنثى وتعقبها لإجراء الكشف الطبى عليها كرها عنها رغبة فى إثبات حالتها الجنسية وبعد أن صرحت بامتناعها عن إجراء هذا الكشف هو فضلا عما فيه من إهدار لآدميتها فإنه اعتداء شاذ تأباه الكرامة الإنسانية ومما يتنافى مع الحرية الشخصية ولأن مرد هذه الأمور لجهة الأحوال الشخصية المختصة التى من شأنها أن تحقق هى أسباب مثل هذه المنازعة بالطرق التى رسمها لها القانون وقضاؤها فى ذلك مانع من طرح أسانيد هذا النزاع وأسبابه أمام جهة قضائية أخرى وعلى الصورة التى يريدها الطاعن إذ أن ذلك لا يعدو أن يكون ترديدا منه لما سبق أن قام عليه قضاء جهة الأحوال الشخصية المختصة بين الطرفين فإذا كان الثابت من الأوراق أن دعوى التطليق التى رفعت من المطعون عليها لدى المجلس الملى المختص بنيت على قيام العنة المانعة من استمرار المعاشرة الزوجية وقد صح ذلك لدى المجلس بالأدلة التى رآها وقدرها فيكون طلب إثبات حالة العنة أو المعاشرة الزوجية اعدادا لدليل موضوعى بطلب التعويض غير مقبول لسبق الفصل فى قيام هذه العلة التى أدت إلى الحكم بالتطليق من الجهة صاحبة الاختصاص ومن ثم يكون الحكم بعدم اختصاص القضاء المدنى فى محله ويكون غير منتج مناقشة باقى أوجه الطعن الأخرى.