أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الأول - السنة 13 - صـ 268

جلسة 15 من فبراير سنة 1962

برياسة السيد محمود عياد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة: حسن خالد، ومحمود توفيق اسماعيل، وأحمد شمس الدين، ومحمد عبد اللطيف مرسى المستشارين.

(41)
الطعن رقم 348 لسنة 26 القضائية

( أ ) عقد. أهلية. "طلب الإبطال لعيب فى الأهلية". تزوير. "الطعن به". التمسك بطلب الإبطال والطعن بالتزوير.
ليس فى القانون ما يحول دون التمسك بطلب بطلان التصرف لعيب فى الأهلية بعد الإخفاق فى الادعاء بتزوير التصرف ذاته. اختلاف نطاق ومرمى كل من الطعنين عن الآخر. ثبوت فساد الإدعاء بالتزوير وصحة إسناد التصرف إلى المتصرف لا يقتضى بطريق اللزوم توافر الأهلية فى التصرف كما أن الطعن بالتزوير لا يتضمن فى ذاته إقرار الطاعن بأهلية المتصرف ولا يفيد نزوله عن حقه فى الطعن بعد ذلك فى التصرف لعيب فى الأهلية.
(ب) التزام. عقد. بطلان. أهلية. "عوارض الأهلية". "حجر".
لا يكون التصرف الصادر قبل تسجيل قرار توقيع الحجر على المتصرف للسفه أو الغفلة باطلا إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ. صدور التصرف قبل تسجيل قرار الحجر. عدم المنازعة فى ذلك. لا جدوى من المنازعة فى صحة التاريخ الذى يحمله المتصرف ما دام أنه لا نزاع فى أسبقيته على تاريخ تسجيل قرار الحجر. مجرد ثبوت تحرير عقد المتصرف فى الفترة ما بين تاريخ تقديم طلب الحجر وصدور القرار بتوقيعه لا يكفى بذاته لترتيب البطلان. وجوب إثبات أن التصرف كان نتيجة استغلال أو تواطؤ.
(جـ) حكم. "عيوب التدليل" "قصور". "ما يعد كذلك". محكمة الموضوع.
قاضى الموضوع غير ملزم بمناقشة كل قرينة لإثبات عدم كفايتها. القرائن المؤثرة فى الدعوى وجوب إشتمال الحكم على إيرادها وتناولها بالبحث والتقرير.
إيراد الحكم بعض هذه القرائن والاكتفاء بالرد عليها بأسباب مجملة لا تدل على بحث المحكمة لها والفصل فيها، قصور مبطل للحكم.
1 - ليس فى القانون ما يحول دون التمسك بطلب بطلان التصرف لعيب فى أهلية المتصرف بعد الإخفاق فى الادعاء بتزوير العقد الحاصل به هذا التصرف لاختلاف نطاق ومرمى كل من الطعنين عن الآخر، إذ يقتصر الأمر فى الطعن بالتزوير على إنكار صدور التصرف من المتصرف دون التعرض للتصرف ذاته من حيث صحته وبطلانه فى حين أن الطعن ببطلان التصرف بصدوره من غير ذى أهلية موجه إلى ذات التصرف بإنكار توافر الأهلية فى المتصرف. فإذا ما ثبت للمحكمة فساد الادعاء بالتزوير وصحة إسناد التصرف إلى المتصرف فإن ذلك لا يقتضى بطريق اللزوم أن يكون هذا المتصرف أهلا لصدور التصرف منه كما أن الطعن بالتزوير لا يتضمن فى ذاته إقرار الطاعن بأهلية المتصرف ولا يفيد نزوله عن حقه فى الطعن بعد ذلك فى التصرف لعيب فى هذه الأهلية.
2 - تقضى المادة 115 من القانون المدنى بأن التصرف الصادر قبل تسجيل قرار الحجر - للسفه أو الغفلة - لا يكون باطلا أو قابلا للابطال إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ، فإذا كان الطاعنون لا ينازعون فى أن العقدين محل النزاع قد صدرا من مورثهم إلى المطعون عليهما قبل تاريخ تسجيل قرار الحجر فلا يجدى الطاعنين بعد ذلك المنازعة فى صحة التاريخ الذى يحمله هذان العقدان ومحاولة إثبات أنه قدم ليكون سابقا على رفع دعوى الحجر ما دام أن هذا التاريخ سابق على أى حال على تسجيل قرار الحجر، كما أن مجرد ثبوت تحرير العقدين فى الفترة ما بين تاريخ تقديم طلب الحجر وتاريخ صدور القرار بتوقيعه لا يكفى بذاته لترتيب البطلان بل يلزم أيضا إثبات أن التصرف كان نتيجة استغلال أو تواطؤ.
3 - لئن كان قاضى الموضوع غير ملزم بمناقشة كل قرينة لإثبات عدم كفايتها فى ذاتها إلا أنه إذا كانت القرائن المقدمة إليه مؤثرة فى الدعوى فإنه يجب عليه أن يبين فى حكمه ما يدل على أنه اطلع عليها وبحثها وخلص من تقديره لها إلى الرأى الذى انتهى إليه. فإذا كان الحكم المطعون فيه لم يشر إلى هذه القرائن إلا إشارة عابره تناول فيها بعضها عند إيراده أسباب الاستئناف واكتفى بالرد على هذا الدفاع بأسباب مجملة ليس فيها ما يدل على أن المحكمة قد بحثت تلك القرائن وقالت كلمتها فيها فإن الحكم يكون قد عاره بطلان جوهرى يستوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن وقائعه - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المطعون عليهما أقاما فى 16 من أكتوبر سنة 1952 الدعوى رقم 514 سنة 1952 كلى المنيا ضد المرحوم أسعد يوسف جرجس مورث الطاعنين حال حياته طالبين الحكم بصحة ونفاذ عقدى البيع الصادرين لهما منه والمؤرخ أولهما 28 ديسمبر سنة 1951 ويتضمن بيعه لهما ثلاثة أفدنة بثمن قدره 1500 جنيه ومؤرخ ثانيهما فى 5 مارس سنة 1952 ويتضمن بيع هذا المورث لهما ثمانية أفدنة بثمن قدره 3200 جنيه والتسليم - وقدم المطعون عليهما للمحكمة هذين العقدين كما قدما إيصالا مؤرخا 4 ابريل سنة 1952 عليه توقيع للمورث ويفيد استلامه منهما مبلغ 900 جنيه باقى الثمن المتفق عليه فى العقدين ثم قدما بعد ذلك محضر صلح تاريخه 26/ 11/ 1952 يحمل توقيع المورث أيضا ويقر فيه بصحة العقدين وبأنه لا يعارض فى القضاء للمطعون عليهما بطلباتهما فى الدعوى - وقد حضر المورث بشخصه أمام المحكمة 5 يناير سنة 1953 وأنكر صدور العقدين منه كما أنكر توقيعه على الإيصال ومحضرى الصلح سالفى الذكر وقرر أنه سيطعن فى جميع هذه الأوراق بالتزوير وبتاريخ 18 من فبراير سنة 1953 وقبل أن يطعن بالتزوير صدر قرار من محكمة الأحوال الشخصية بالحجر عليه للسفه والغفلة وبتعيين ابنه الطاعن الأول قيما عليه وفى 11 مايو سنة 1953 قرر الأخير بالطعن بالتزوير فى عقدى البيع وفى الإيصال ومحضر الصلح وأعلن شواهد التزوير - وفى 16 من أغسطس سنة 1953 توفى المورث وحل محله ورثته الطاعنون وطلبوا الحكم برد وبطلان عقدى البيع وجميع الأوراق التى قدمها المطعون عليهما تأييدا لهذين العقدين كما دفعوا احتياطيا ببطلان العقدين لصدورهما من غير ذى أهلية - وفى 29 من نوفمبر سنة 1953 حكمت المحكمة الابتدائية - أولا - بقبول شواهد التزوير شكلا - ثانيا - برفض الادعاء بالتزوير مع إلزام مدعي التزوير بمصروفاته وبغرامة قدرها 25 جنيها للخزانة - ثالثا - بصحة ونفاذ عقدى البيع والتسليم. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 33 سنة 71 ق وكان من بين ما عابوه على الحكم المستأنف أنهم طعنوا أمام المحكمة الابتدائية ببطلان عقدى البيع لصدورهما من ذى غفلة وذلك فى حالة ما إذا لم تأخذ المحكمة بدفاعهم الأصلى القائم على أن العقدين مزوران وأن المحكمة لم تمكنهم من إبداء دفاعهم الاحتياطى بعد رفضها الادعاء بالتزوير وردت على هذا الدفاع فى حكمها ردا مقتضبا مفاده أنهما لم يثبتا أن التصرف كان نتيجة استغلال أو تواطؤ وقال الطاعنون إنهم يتمسكون بهذا الدفاع إلى جانب دفاعهم الأصلى الخاص بالطعن فى العقدين بالتزوير وبتاريخ 21 من يونيه سنة 1955 حكمت محكمة استئناف القاهرة بتأييد الحكم المستأنف فطعن الطاعنون فى حكمها بطريق النقض بتقرير فى قلم كتاب هذه المحكمة تاريخه 10 من يوليه سنة 1956 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة أول يناير سنة 1961 وفيها صممت النيابة على ما جاء بمذكرتها التى طلبت فيها نقض الحكم فى خصوص السبب الأول وقررت دائرة الفحص فى تلك الجلسة إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبعد استيفاء الإجراءات حدد لنظره جلسة 18 يناير سنة 1962 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بنى على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنون فى أولها على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب والاخلال بحقهم فى الدفاع وفى بيان ذلك يقولون إنهم تمسكوا أمام محكمتى الموضوع بدفاع أصلى هو أن عقدى البيع المطلوب الحكم بصحتهما ونفاذهما مزوران وبدفاع احتياطى حاصله أنه على فرض صحة صدور هذين العقدين من مورثهم فانهما باطلان لصدورهما من عديم الأهلية اذ صدر من محجور عليه لسفه وغفلة ونتيجة استغلال وتواطؤ وأنهم أفاضوا فى صحيفة استئنافهم وفى مذكرتهم التى قدموها إلى محكمة الاستئناف بجلسة 26 ابريل سنة 1953 فى شرح هذا الدفاع الاحتياطى فأبانوا أن مورثهم أصيب فى السنوات الأخيرة من عمره بآفات عقلية وجسمانية جعلته سهل الانقياد للغير سهل الخداع واستولوا على ذلك بما ورد فى القرار الصادر بتوقيع الحجر عليه من شواهد على سوء تصرفاته وضعف عقليته وقالوا إن المطعون عليهما كانا على علم بحالة مورثهم لشدة صلتهما به وقد استغلا ضعفه العقلى وتواطآ معه على استصدار عقدى البيع بعد أن استحوذا عليه وابعداه عن عائلته ليسهل لهما التأثير عليه واستغلاله وأنهما عندما علما بتقديم طلب الحجر عليه عملا على اخفائه عن نيابة الأحوال الشخصية التى قدم إليها هذا الطلب فى 13 من مارس سنة 1952 فلم تتمكن من اعلانه به إلا فى 7 من أغسطس سنة 1952 وأبدى الطاعنون استعداداهم لإثبات التواطؤ والاستغلال بشهادة الشهود إذا لم تكتف المحكمة بالقرائن والمستندات التى قدموها وكان من بين تلك القرائن أن المطعون عليهما من الفاقة والعوز بحيث يعجزان عن شراء الأطيان التى يدعيان ان المورث باعها لهما بمقتضى عقد البيع موضوع الدعوى وذلك بدليل أنه حجز ضدهما وفاء لمبالغ تافهة عجزا عن دفعها وبدليل استدانة أحدهما جنيهين من المورث فى وقت قريب من تاريخ تحرير العقدين كما لم يكن المورث فى حاجة إلى بيع شئ من أطيانه لأنه كان على ثراء كبير ويقول الطاعنون إنهم قدموا للمحكمة المستندات الدالة على صحة هذه الوقائع وأنه على الرغم من توجيههم هذا الطعن إلى العقدين على هذا النحو الصريح فإن الحكم الابتدائى لم يقل فى خصوصه سوى أن الطاعنين قد لمحوا بهذا الدفاع وأنهم لم يثبتوه ثم جاء الحكم المطعون فيه الذى أيد الحكم الابتدائى وأضاف فى صدد الرد على هذا الدفاع "إن المحكمة لا ترى وجها للقول باستغلال المستأنف عليهما (المطعون عليهما) لوالد المستأنفين (الطاعنين) فى التصرف بالبيع الحاصل منه لهما قبل الحجر عليه أو تواطؤهما فى هذا السبيل ولا محل لتحقيق ذلك لأن هذا الطلب لا يستقيم مع ما يدعونه أصلا من تزوير عقدى التصرف بالبيع فضلا عن أنه ليس بظاهر من وقائع الدعوى وجود استغلال أو تواطؤ فى هذا التصرف ولا عبرة بما قيل من أن والد المستأنفين كان يبدد أمواله أو ينفقها جزافا على هواه فإن هذا إن صح سببا للحجر عليه فهو ليس بسبب لبطلان تصرفه قبل الحجر والتدليل به على الاستغلال المقصود بالمادة 115 من القانون المدنى" - ويقول الطاعنون إن هذا الرد ينطوى على خطأ فى القانون وقصور فى التسبيب إذ لا يوجد تعارض بين الطعن بتزوير العقد وبين الطعن ببطلان التصرف الذى يتضمنه هذا العقد لصدوره من سفيه ذى غفلة ونتيجة تواطؤ واستغلال وليس ثمة ما يمنع من إبداء الطعنين معا إذ أن كلا منهما وجه دفاع مستقل له كيانه الخاص والأول أصلى والثانى احتياطى لا يزول بزوال الأول ولا هو متوقف عليه أو نتيجة له فثبوت صحة صدور العقد من المورث لا يمنع من أن يكون مشوبا بعيب من عيوب الأهلية ولقد أدى هذا الخطأ بالحكم إلى أن يتخلى عن تحقيق هذا الدفاع الاحتياطى أما القصور فإنه ماثل فى أن الحكم لم يناقش القرائن العديدة والمستندات التى قدمها الطاعنون لإثبات طعنهم هذا فهو لم يشر إليها ولم يفندها واكتفى بالرد عليها ردا قاصرا لا يدل على أن المحكمة قد أعارت التفاتا لدفاعهم فى هذا الخصوص وقالت كلمتها فيه هذا إلى أن أسباب الحكم فى مجموعها تدل على أنه أقام قضاءه فى هذا الشأن على قيام التعارض بين أساسى الدفاع وهو التعارض الذى لا وجود له وقد رتب الحكم على هذا الفهم الخاطئ رفضه طلب التحقيق وإغفاله بحث المستندات وأوجه الدفاع الهامة التى كانت مطروحة أمام المحكمة.
وحيث إن هذا النعى صحيح ذلك أن الطاعنين قد تمسكوا أمام محكمة الموضوع بدفاع أصلى هو أن عقدى البيع اللذين رفع المطعون عليهما الدعوى بطلب صحتهما ونفاذهما مزوران وبدفاع احتياطى هو أنه بفرض صدور هذين العقدين من مورثهم فإنهما باطلان لصدورهما من غير ذى أهلية للتصرف وقال الطاعنون فى صحيفة استئنافهم وفى مذكرتيهم المقدمتين منهم إلى محكمة الاستئناف لجلستى 26 أبريل و21 مايو سنة 1955 والمودعة صورها بملف الطعن - تأييدا لطعنهم الثانى أنه صدر قرار من محكمة الأحوال الشخصية فى 18 من فبراير سنة 1953 بالحجر على مورثهم للسفه والغفلة وذلك بناء على طلب قدمه ابنه الطاعن الأول فى 13 من مارس سنة 1952 وأن هذه الحالة كانت قائمة به من قبل توقيع الحجر عليه وحين صدر منه التصرف إلى المطعون عليهما وأن هذا التصرف كان نتيجة استغلال وتواطؤ ذلك أن المطعون عليهما كانا على علم بحالة المورث بحكم صلتهما الوثيقة به وملازمتهما له وقد استغلا هذه الحالة حتى جعلاه يتصرف إليهما وساق الطاعنون للتدليل على هذا الاستغلال عدة قرائن حاصلها أن المطعون عليهما استحوذا على المورث وعملا على إبعاده عن عائلته ليسهل لهما التأثير عليه واستغلاله فأسكناه مع ثانيهما بدليل أنه أعلن فى 7 من أغسطس سنة 1952 بدعوى الحجر بحضور المطعون عليه المذكور وذلك على ما هو ئابت من ورقة الاعلان التى قدمها الطاعنون وبدليل ما ورد فى أقوال نائب عمدة بندر مغاغه فى التحقيق الذى أجرته المحكمه فى القضية المرفوعة من بنك مصر ضد الطاعنين بصفتهم ورثة أسعد يوسف من أن المطعون عليه الثانى كان يخفى المورث فى بلده أشنين وهى بلدة المطعون عليه المذكور وأضاف الطاعنون أن المطعون عليهما عندما شعرا بأن الحجر أمر محتوم حملوه على التوقيع على أوراق على بياض من بينها الورقتان اللتان أنشأ عليهما فيما بعد العقدين محل النزاع بخط المطعون عليه الثانى وأن المطعون عليهما من الفاقه بحيث يعجزان عن شراء الأطيان المبيعة كما أن المورث كان على ثراء كبير يجعله فى غير حاجة إلى بيع شئ من أطيانه الأمران اللذان لا يتصور معهما إلا أن يكون التصرف الحاصل من المورث الى المطعون عليهما قد حصل نتيجة استغلالهما لحالة الغفلة التى كان يتردى فيها وقدم الطاعنون لمحكمة الاستئناف مستندات عديدة تدل على فقر المطعون عليهما وعوزهما إلى حد أدى إلى توقيع الحجز ضدهما لامتناعهما عن سداد مبالغ تافهة والى أن يطلب المطعون عليه الثانى من المورث رسالة ارسلها إليه فى 30/ 8/ 1951 أى فى وقت قريب من تاريخ تحرير العقدين أن يقرضه مائتى قرش كما حكم على المطعون عليه الأول لشروع فى سرقة وانتهى الطاعنون إلى طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الاستغلال والتواطؤ بشهادة الشهود وذلك إذا لم تكف القرائن والمستندات المقدمة منهم لاقناع المحكمة بصحة دفاعهم فى هذا الشأن - وقد رد الحكم الابتدائى على هذا الدفاع بقوله "إن التصرف الصادر من المحجور عليه قبل تسجيل قرار الحجر لا يكون باطلا أو قابلا للابطال إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ وهو ما لم يثبته المدعى عليهم (الطاعنون) وأضاف الحكم المطعون فيه إلى هذه الأسباب فى خصوص الرد على الدفاع المذكور وعلى طلب تحقيقه بالبينة "أن المحكمة لا ترى وجها للقول باستغلال المستأنف عليهما (المطعون عليهما) لوالد المستأنفين (الطاعنين) فى التصرف بالبيع الحاصل منه لهما قبل الحجر عليه أو تواطؤهما فى هذا السبيل ولا محل لتحقيق ذلك لأن هذا الطلب لا يستقيم مع ما يدعيانه أصلا من تزوير عقدى هذا التصرف بالبيع فضلا عن أنه ليس بظاهر من وقائع الدعوى وجود استغلال أو تواطؤ فى هذا التصرف ولا عبرة بما قيل من أن والد المستأنفين كان يبدد أمواله أو ينفقها جزافا على هواه فان هذا إن صح سببا للحجر عليه فهو ليس بسبب لبطلان تصرفه قبل الحجر والتدليل به على الاستغلال المقصود بالمادة 115 من القانون المدنى" ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام بصفة أساسية قضاءه برفض طلب بطلان التصرف لصدوره من غير ذى أهلية ورفض تحقيقه بشهادة الشهود على أن هذا الطلب لا يستقيم مع الادعاء أصلا بتزوير العقد الحاصل به هذا التصرف - وهذا الذى أقام عليه الحكم قضاءه بصفة أساسية خطأ فى القانون ذلك أنه لا يوجد ثمة تعارض بين الطلبين وليس فى القانون ما يحول دون التمسك بطلب بطلان التصرف لعيب فى أهلية المتصرف بعد الاخفاق فى الادعاء بتزوير العقد الحاصل به هذا التصرف وذلك لاختلاف نطاق ومرمى كل من الطعنين عن الآخر إذ يقتصر الأمر فى الطعن بالتزوير على إنكار صدور التصرف من المتصرف دون التعرض للتصرف ذاته من حيث صحته وبطلانه بينما أن الطعن ببطلان التصرف لصدوره من غير ذى أهلية يوجه إلى ذات التصرف بانكار توافر أهلية التصرف فى المتصرف فإذا ما ثبت للمحكمة فساد الادعاء بالتزوير وصحة إسناد التصرف إلى المتصرف فإن ذلك لا يقتضى بطريق اللزوم أن يكون هذا المتصرف أهلا لإصدار التصرف كما أن الطعن بتزوير العقد لا يتضمن فى ذاته إقرار الطاعن بأهلية المتصرف ولا يفيد نزوله عن حقه فى الطعن بعد ذلك فى التصرف لعيب فى هذه الأهلية، لما كان ذلك وكان ما أضافه الحكم لتبرير قوله بنفى الاستغلال والتواطؤ ورفضه طلب التحقيق بالبينة مشوبا بالقصور ذلك أنه وإن كان قاضى الموضوع غير ملزم بمناقشة كل قرينة لاثبات عدم كفايتها فى ذاتها إلا أنه إذا كانت القرائن المقدمة إليه مؤثرة فى الدعوى فإنه يجب عليه أن يبين فى حكمة ما يدل على أنه أطلع عليها وبحثها وخلص من تقديره لها إلى الرأى الذى انتهى إليه ولما كان الثابت على ما تقدم ذكره أن الطاعنين قدموا إلى محكمة الاستئناف قرائن ومستندات مؤثرة فى إثبات طعنهم ببطلان التصرف لصدوره من غير ذى أهلية وكان الحكم المطعون فيه لم يشر إلى هذه القرائن والمستندات إلا باشارة عابرة تناول فيها بعضها فقط عند إيراده أسباب الاستئناف واكتفى بالرد على ذلك الدفاع بأسباب مجملة ليس فيها ما يطمئن المطلع عليها أن المحكمة بحثت تلك القرائن والمستندات وقالت كلمتها فيها - وكان لا يغنى الحكم أنه أحال على أسباب الحكم الابتداثى فى الرد على ما ذكره منها فى معرض أسباب الاستئناف لأن بحث الحكم الابتدائى لما بحثه منها - وهو قلة - كان قاصرا على ما لها من أثر فى الادعاء بالتزوير دون الطعن ببطلان التصرف لصدوره من غير ذى أهلية ولأن أكثر القرائن والمستندات لم يكن تحت نظر المحكمة الابتدائية وأنما قدم لأول مرة أمام محكمة الاستئناف لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد عاره من هذه الناحية بطلان جوهرى يستوجب نقضه.
وحيث إن الطاعنين ينعون فى السبب الثانى على الحكم المطعون فيه الخطأ فى القانون والقصور فى التسبيب ذلك أنهم فى سبيل التدليل على أن عقدى البيع المطعون عليهما بغفلة وسفه المتصرف فيهما قد صدرا فى تاريخ لاحق لتاريخ رفع دعوى الحجر - تمسكوا أمام محكمة الاستئناف بأن التاريخ العرفى الذى يحمله هذان العقدان لا يمكن أن يكون حجة على البائع أو عليهم باعتبارهم ورثته خصوصا إذا كان مناط الطعن أن كلا من العقدين أنشئ على ورقة بيضاء كان عليها توقيع المورث من قبل وأن طلب الحجر كان سابقا على دعوى المطعون عليهما بطلب صحة ونفاذ هذين العقدين ولكن محكمة الاستئناف أغفلت الاشارة الى هذا الدفاع فى أسباب حكمها المطعون فيه ولم ترد عليه فى حين أنه من المقرر قانونا أنه وإن كان الوارث لا يستطيع أن يطعن فى العقد العرفى الصادر من مورثه ولا فى تاريخه إلا بما كان يستطيع المورث الطعن به الا أن للوارث أن يثبت بكافة طرق الاثبات عدم صحة التاريخ العرفى اذا كان طعنه بأن التصرف حصل من المورث وقت السفه واذ اغفل الحكم هذا الدفاع مع ما له من آثار قانونية حاسمة فى مصير الدعوى فانه يكون قاصر التسبيب مخالفا للقانون لأنه لو ثبت أن العقدين حررا فى فترة الريبة الواقعة بين تاريخ رفع دعوى الحجر وصدور القرار بتوقيعه. لأغنى ذلك الطاعنين عن كل مطعن وأصبحت تواريخ العقدين لا حجية لها عليهم.
وحيث إنه لما كانت المادة 115 من القانون المدنى تقضى بأن التصرف الصادر قبل تسجيل قرار الحجر لا يكون باطلا أو قابلا للابطال الا اذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ وكان الطاعنون لا ينازعون فى أن العقدين محل النزاع قد صدرا من مورثهم الى المطعون عليهما قبل تاريخ تسجيل قرار الحجر إذ أن المطعون عليهما رفعا الدعوى بطلب صحة هذين العقدين ونفاذهما قبل أن يصدر هذا القرار فانه لا يجدى الطاعنين بعد ذلك المنازعة فى صحة التاريخ الذى يحمله هذان العقدان ومحاولة إثبات أنه قدم ليكون سابقا على رفع دعوى الحجر ما دام أن هذا التاريخ سابق على أى حال على تسجيل قرار الحجر وأن مجرد ثبوت تحرير العقدين فى الفترة ما بين تاريخ تقديم طلب الحجر وتاريخ صدور القرار بتوقيعه لا يكفى بذاته لترتيب البطلان بل يلزم أيضا فى هذه الحالة إثبات أن التصرف كان نتيجة استغلال أو تواطؤ.
وحيث إن الطاعنين ينعون فى السبب الثالث على الحكم المطعون فيه فساد الاستدلال ذلك أنهم تمسكوا أمام محكمة الموضوع بأن جميع الأوراق التى استند اليها المطعون عليهما فى دعواهما سواء منها ما قدماه ابتداء أو ما قدماه بعد أن قطعت الدعوى شوطا بعيدا - هذه الأوراق جميعها مصطنعة إذ لو كانت موجودة فعلا تحت يد المطعون عليهما عند رفع الدعوى لقدماها دفعة واحدة أما أن يخلقا مستندا جديدا كلما احتاجت دعواهما الى تدعيم وأن يكون تاريخ بعض هذه الأوراق لاحقا لرفع الدعوى فان ذلك كان يستلزم ريبة المحكمة بل كان فيه الدليل الجازم على تزوير عقدى البيع وعلى أنه كان تحت يد المطعون عليهما أوراق كثيرة موقع عليها من المورث على بياض - تمسك الطاعنون بذلك فكان رد الحكم الابتدائى على هذا الدفاع بأن بعض تلك الأوراق لم يطعن فيها مدعو التزوير بالطريق القانونى فهى إذن صحيحة ولها حجيتها ولما تمسك الطاعنون بهذا الدفاع أمام محكمة الاستئناف لم تر محلا لتحقيقه لمجرد ما ذكرته فى حكمها من أن الطاعن الأول قد وجه إنذارا فى 6 من يناير سنة 1953 الى المستأجرين من والده ينبه فيه عليهم بعدم اعتماد الايصالات إلا إذا كانت بتوقيعه أو بتوقيع والده المذكور ورتب الحكم على ذلك أن المورث كان يكتب ويوقع بخطه وأن ضعف بصره لم يكن ليحول دون ذلك ويقول الطاعنون بأن هذه النتيجة التى رتبتها المحكمة على هذا الانذار نتيجة خاطئة إذ لا يمكن أن تستخلص من صيغته خصوصا إذا لوحظ أن الطاعن الأول وجهه فى وقت كانت فيه دعوى الحجر مقامة أمام القضاء وقد قصد منه الحد من مطامع المطعون عليهما واتخاذ هذا الإنذار تكأة له فى الطعن على أية ورقة تصدر من المورث فى تلك الفترة - فترة الريبة - وأن الطاعن الأول استصدر من والده فى أول يناير سنة 1953 توكيلا عاما لإدارة أمواله وحرص على أن يلازمه حتى يحميه من استغلال الغير له إلى أن يبت فى طلب الحجر وقد صدر القرار بالحجر فى 18 فبراير سنة 1953 أى بعد الإنذار بقليل ولم يرفع المطعون عليهما دعواهما إلا فى 16 نوفمبر سنة 1952 فالإنذار مع جميع هذه الظروف لا يمكن أن يستفاد منه أن المورث لم يكن ضعيف البصر تخفى عليه حقائق الأمور فإذا استخلص منه الحكم أن المورث لم يكن ضعيف البصر فإنه يكون قد انتزع هذا الذى قال به من مصدر وهمى لا وجود له.
وحيث إن هذا النعى فى شقه الأول مردود بأن ما يثيره الطاعنون فيه لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فى تقدير المحكمة للدليل فى الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض وبأنه لا تثريب على المحكمة إذ استندت إلى أوراق لم يطعن فيها الطاعنون بالتزوير بالطريق القانونى واطمأنت هى إليها. ومردود فى شقه الثانى بأن كل ما استخلصته المحكمة من الإنذار الذى وجهه الطاعن الأول إلى المستأجرين من والده ينبه عليهم فيه بأنه لا تعتمد الإيصالات إلا إذا كانت محررة بخط وتوقيع والده أسعد يوسف أو بتوقيعه هو - كل ما استخلصته المحكمة من هذا الإنذار هو أن والد الطاعنين كان يكتب ويوقع بخطه وأن ضعف بصره لم يكن ليحول دون ذلك إن كان حقا ضعيف البصر وهذه النتيجة مستخلصة استخلاصا سائغا من أصل نتيجتها وليست كما يقول الطاعنون منتزعة من مصدر لا وجود له.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه فى خصوص السبب الأول وحده.