أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 522

جلسة 26 من ابريل سنة 1962

برياسة السيد المستشار محمد متولى عتلم، وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضى، ومحمود توفيق اسماعيل، وأحمد شمس الدين، ومحمد عبد اللطيف مرسى.

(79)
الطعن رقم 363 لسنة 26 القضائية

نقل. "نقل الأشخاص". "الالتزام بسلامة الراكب". التزام "الخطأ العقدى" "الالتزام بتحقيق غاية". اثبات. مسئولية.
(أ، ب) عقد نقل الأشخاص يلقى على عاتق الناقل التزاما بضمان سلامة الراكب. التزام بتحقيق غاية. يكفى الراكب اثبات اصابته أثناء تنفيذ العقد ويعتبر هذا اثباتا لاخلال الناقل لالتزامه وقيام مسئوليته عن الضرر الناشئ عن الاصابة بغير حاجة إلى اثبات وقوع خطأ من جانبه. لا ترتفع هذه المسئولية إلا بالقوة القاهرة أو خطأ المضرور أو خطأ من الغير لم يكن فى مقدور الناقل توقعه أو تفاديه، متى كان هذا الخطأ وحده هو سبب الضرر الحادث للراكب.
1 - إن عقد نقل الأشخاص يلقى على عاتق الناقل التزاما بضمان سلامة الراكب، بمعنى أن يكون ملتزما بتوصيله إلى الجهة المتفق عليها سليما، وهو التزام بتحقيق غاية بحيث إذا أصيب الراكب فانه يكفى أن يثبت أنه أصيب أثناء تنفيذ عقد النقل ويعتبر هذا منه اثباتا لعدم قيام الناقل بالتزامه، ومن ثم تقوم مسئولية الناقل عن هذا الضرر بغير حاجة إلى اثبات وقوع خطأ من جانبه.
2 - لا ترتفع مسئولية الناقل عن سلامة الراكب إلا إذا أثبت هو - أى الناقل - أن الضرر (الحاصل للراكب) قد نشأ عن قوة قاهرة أو عن خطأ من المضرور أو عن خطأ من الغير، على أنه يشترط فى خطأ الغير الذى يعفى الناقل من المسئولية اعفاء كاملا ألا يكون فى مقدور الناقل توقعه أو تفاديه وأن يكون هذا الخطأ وحده هو سبب الضرر. فاذا كانت الوقائع التى أوردها الحكم لا يبين منها أن مصلحة السكك الحديدية لم يكن فى مقدورها توقع خطأ الغير (محاولة تهريب مواد متفجرة فى القطارات والقائها) الذى سبب اصابة الراكب، أو منع هذا الخطأ، بل كان من الممكن توقعه وتفاديه باتخاذها الاحتياطات الكفيلة بمنع نقل المواد المتفجرة ومنع القائها، فان هذا الخطأ من الغير لا يعفى الناقل (مصلحة السكك الحديدية) من المسئولية اعفاء كليا.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن - تتحصل فى انه فى 21 من أغسطس سنة 1950 حدث انفجار بقطار الركاب رقم 265 القادم من مرسى مطروح إلى الاسكندرية نتيجة إلقاء أحد الركاب بستة أجولة بها مواد متفجرة (جلجنيت) من القطار أثناء سيره فسقط أحدها تحت العجلات ومرت عليه فحدث الانفجار الذى أودى بحياة بنت المطعون عليهما التى كانت من بين ركاب ذلك القطار - فأقام المطعون عليهما الدعوى رقم 1036 سنة 1951 كلى الاسكندرية ضد الطاعنين وطلبا إلزامهما بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه تعويضا لهما عما أصابهما من أضرار نتيجة لخطأ الطاعنين الذى يتمثل فى اهمال رجال السكة الحديدية فى الإشراف على سلامة الركاب وفى العمل على منع نقل المواد المتفجرة فى القطارات ولاسيما قطارات الركاب القادمة من الصحراء الغريبة لسابقة تهريب المواد المتفجرة بها وحدوث انفجارات فيها وقالا إن مسئولية مصلحة السكة الحديدية فى هذه الحالة مسئولية تعاقدية تترتب على عقد النقل - وبتاريخ 18 من فبراير سنة 1953 حكمت المحكمة الابتدائية بالزام الطاعنين بأن يدفعا للمطعون عليهما مبلغ ألفى جنيه والمصروفات المناسبة فاستأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 189 الحكم بالاستئناف رقم 189 سنة 9 ق الاسكندرية وأسسا استئنافهما على ما كانا قد دفعا به امام محكمة أول درجة من أنه لم يقع خطأ من جانبهما وأن الحادث وقع نتيجة خطأ من الغير وأن من شأن هذا الخطأ أن يرفع المسئولية عنهما سواء عرفت شخصية هذا الغير أو لم تعرف وبتاريخ 29 من فبراير سنة 1956 حكمت محكمة استئناف الاسكندرية بتأييد الحكم المستأنف فطعن الطاعنان فى هذا الحكم الاستئنافى بطريق النقض وذلك بتقرير فى قلم كتاب هذه المحكمة تاريخه 16 من يوليه سنة 1956 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 21 من ديسمبر سنة 1960 وفيها صممت النيابة على ما جاء بمذكرتها التى طلبت فيها نقض الحكم وقررت دائرة الفحص فى تلك الجلسة احالة الطعن إلى هذه الدائرة وبعد استيفاء الإجراءات حدد لنظره أخيرا جلسة 29/ 3/ 1962 وفيها أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه فى سببين يتحصل أولهما فى مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله ذلك أنه قضى بمسئولية مصلحة السكة الحديدية عن الضرر رغم ما ثبت من أن هذا الضرر إنما ترتب على فعل الغير الذى ألقى بأجولة من المتفجرات من القطار وقد أسس الحكم قضاءه على أن المصلحة كان يمكنها تفادى الحادث لو أنها شددت الرقابة لمنع هذا الغير من إلقاء الأجولة ويقول الطاعنان إن المسئولية سواء كانت تعاقدية أو تقصيرية يجب أن يتوافر لقيامها ثلاثة أركان هى الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما وعلاقة السببية هذه تنتفى بوجود السبب الأجنبى وان الثابت هو أن مصرع ابنة المطعون عليهما قد نتج عن القاء أحد الركاب أجولة بها مادة متفجرة فانفجر أحدها وهذا هو السبب المباشر للحادث وهو خطأ من هذا الراكب الذى لم يعرف وليس من الضرورى أن يكون الغير معروفا ما دام الدليل قد قام على أن الحادث كان من بين أسبابه خطأ صدر من شخص ثالث لم يعرف أما قول الحكم بأن المصلحة قد أخطأت فانه فضلا عن انه قول مرسل ملقى على عواهنه فانه بفرض حصول هذا الخطأ فليس هو السبب المباشر أو المنتج اذ لو أن المصلحة كانت قد عينت العديد من المفتشين كما قالت محكمة الموضوع فان ذلك لم يكن من المحتمل أن يمنع الحادث إذ ليس فى وسع هؤلاء المفتشين ولا من سلطتهم تفتيش أمتعة الركاب لأن التفتيش لا يجوز إلا فى الأحوال المعينة فى القانون ولا يجوز الالتجاء إليه لاكتشاف الجرائم فالحكم المطعون فيه إذ قضى بالتعويض على أساس أن المصلحة لم تحاول منع الحادث ثم كيف هذا الامتناع بأنه خطأ مع أنه فى الواقع ليس خطأ على الاطلاق ولو كان خطأ فانه خطأ عارض غير منتج تنتفى به علاقة السببية بين الخطأ والضرر - فان الحكم يكون قد خالف القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أنه "لا خلاف فى أن تصوير الحادث هو أن أحد الركاب ألقى من القطار ستة أجولة جاءت خمسة منها بعيدة عن عجلات القطار وسقط السادس تحت القطار فمرت عليه العجلات فحصل الانفجار الذى أودى بحياة بنت المستأنف عليهما (المطعون عليهما) وحيث إنه من جهة مسئولية الناقل ازاء الراكب أهى مسئولية عقوبة أم مسئولية تقصيرية فقد أصبح من المفروغ منه الآن أن هذه المسئولية هى مسئولية عقدية ترتب على الناقل أن يوصل الراكب سليما وكل ما على الراكب أن يثبته هو أن الحادث وقع أثناء السفر دون أن يكلف اثبات سبب الحادث ولا علاقته بالسفر... اذ يعتبر الناقل متعهدا بنقل المسافر سليما وإلا اعتبر مسئولا مسئولية لا يرفعها عنه إلا أن يثبت أن الحادث يرجع إلى خطأ غير متوقع من المسافر أو من الغير أو إلى قوة قاهرة لا تتصل بمهمات النقل. وحيث ان مصلحة السكة الحديدية تعتمد فى دفع المسئولية عنها على أن أحد الركاب قد ألقى جوالا به مواد متفجرة تحت عجلات القطار فمر عليها فحدث الانفجار الذى سبب الحادث... وحيث إنه من المشروط فى خطأ الغير المعفى من المسئولية أن يكون غير متوقع ومن غير الممكن تفاديه. وحيث إن الواضح هنا أن الفعل الذى تسب عنه الحادث مباشرة هو القاء جوال به مواد متفجرة سقط تحت عجلات القطار وهذا الفعل متوقع الحصول قد احتملته لوائح السكة الحديدية فمنعته مقدما وحرمت على الركاب القاء شئ من القطار. والفعل أيضا كان من الممكن تفاديه لو أن عمال السكة الحديدية حاولوا أن يوقفوا هذا الراكب عن القاء الأجولة وظاهر أن القاءها لم يكن دفعة واحدة لأن هذا غير متصور ماديا وظاهر أيضا انه قد القيت خمسة قبل القاء الجوال الأخير الذى سقط تحت العجلات فسبب الحادث فلو أن أحدا من عمال السكة الحديدية أوقف الراكب عن سوء فعلته لما كان تمادى فى الالقاء حتى ألقى الجوال الأخير ولكن الظاهر من الأوراق انه لم يتعرض له أحد من عمال القطار فتمادى حتى القى الجوال الأخير.. وقد اسبغت القرارات على عمال المصلحة صفة الضبطية القضائية تمكينا لهم من مراقبة تنفيذ القرارات الخاصة بنظم السكة الحديدية ولا تستطيع المصلحة ان تتحلل من شرط عدم امكان التفادى لقصور عدد عمالها عن امكان مراقبة حركات الركاب ومنعهم عن الاتيان بعمل مخالف لأن قلة عدد العمال لا يمكن أن يندرج تحت شرط عدم امكان التفادى وفى ظروف القضية لا يظهر أنه استحال على عمال المصلحة منع هذا الراكب من عملية الالقاء لأنه لم يثبت أن أحدا منهم لاحظ فعلته أو حاول منعه فاستعصى عليه ذلك بل الثابت أنه لم يكن هناك أحد من عمال المصلحة حين قام هذا الراكب بإلقاء الأجولة ومن ثم فإن فعل الراكب هذا لا يمكن أن يندرج تحت خطأ الغير بشرائطه المطلوبة للإعفاء من المسئولية تلك المسئولية المشددة على أمين النقل" - وهذا الذى قرره الحكم وأقام عليه قضاءه صحيح فى القانون ذلك أن عقد نقل الأشخاص يلقى على عاتق الناقل التزاما بضمان سلامة الراكب بمعنى أن يكون ملزما بأن يوصله إلى الجهة المتفق عليها سليما وهذا الإلتزام هو التزام بتحقيق غاية فإذا أصيب الراكب فإنه يكفى أن يثبت أنه أصيب أثناء تنفيذ عقد النقل ويعتبر هذا منه إثباتا لعدم قيام الناقل بالتزامه فتقوم مسئولية الناقل عن هذا الضرر بغير حاجة إلى إثبات وقوع خطأ من جانبه ولا ترتفع هذه المسئولية إلا إذا أثبت هو أن الحادث نشأ عن قوة قاهرة أو عن خطأ من الراكب المضرور أو خطأ من الغير ويشترط فى خطأ الغير الذى يعفى الناقل من المسئولية إعفاء كاملا ألا يكون فى مقدور الناقل توقعه أو تفاديه وأن يكون هذا الخطأ وحده هو الذى سبب الضرر للراكب ولما كانت الوقائع كما سجلتها محكمة الموضوع فى حدود سلطتها الموضوعية لا يبين منها أن مصلحة السكة الحديدية لم يكن فى مقدورها توقع خطأ الغير الذى سبب الانفجار ومنع هذا الخطأ بل إن محاولة تهريب المواد المتفجرة فى القطار على النحو الذى فعله هذا الغير والذى أدى إلى الإنفجار هو أمر كان فى استطاعة المصلحة توقعه وبخاصة - كما قال الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه - فى القطارات القادمة من الصحراء حيث يتسع مجال تهريب المواد المتفجرة - كما كان فى مقدور المصلحة أيضا تفادى عواقب هذا الفعل لو أنها اتخذت الاحتياطات الكفيلة بمنع نقل المواد المتفجرة فى القطار ومنع إلقائها منه أثناء سيره ولا يهم ما قد تكبدها هذه الاحتياطات من مشقة ومال إذ طالما كان فى الإمكان تفادى عواقب خطأ الغير بأية وسيلة فإن هذا الخطأ لا يعفى الناقل من المسئولية إعفاء كليا.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه فى السبب الثانى التخاذل فى التسبيب والقصور ذلك أنه استخلص نتائج من أسباب يستحيل عقلا أن تؤدى إليها فقد أقام الحكم قضاءه بمسئولية المصلحة على أن اللوائح تمنع الركاب من إلقاء أى شئ من القطار وكان من الممكن للمصلحة أن تتفادى ذلك لو كان عمالها قد أوقفوا هذا الراكب عن إلقاء الأجولة حالة أن مخالفة الراكب لهذا الحظر لا تدل إلا على أنه قد ارتكب خطأ بهذه المخالفة ولا تؤدى إلى تحميل المصلحة المسئولية عن هذا الخطأ أما قول الحكم بأنه كان فى إمكان المصلحة منع وقوع هذا الخطأ فإنه قول غير مستساغ إذ لا يمكن للمصلحة أن تمنع المخالفات مهما شددت الرقابة ووضعت جنديا مع كل راكب والأخذ بقول الحكم فى هذا الشأن يؤدى إلى أن تكون الحكومة مسئولة عن جميع الجرائم التى يرتكبها الأفراد.
وحيث إن هذا النعى غير صحيح ذلك أن النتيجة التى انتهى إليها الحكم محمولة على أسباب قانونية وواقعية تؤدى إليها وليس فى هذه الأسباب تخاذل أو قصود يعيبها.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.