أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 571

جلسة 3 من مايو سنة 1962

برياسة/ السيد المستشار محمد متولى عتلم، وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضى، ومحمود توفيق اسماعيل، وأحمد شمس الدين، ومحمد عبد اللطيف مرسى.

(86)
الطعن رقم 328 لسنة 26 القضائية

( أ ) نقض. "حجية الحكم بالنقض". "سلطة محكمة الإحالة".
كل ما حرمه القانون على محكمة الإحالة بعد نقض الحكم هو مخالفة رأى محكمة النقض فى المسألة التى تكون قد فصلت فيها. ما عدا ذلك من الحكم فى الدعوى على خلاف اتجاه محكمة النقض أو بالموافقة للحكم المنقوض جائز. لمحكمة الإحالة أن تبنى حكمها على فهم جديد لواقع الدعوى من جميع عناصرها.
(ب) بيع "التزامات المشترى". "ميعاد دفع الثمن". "الإتفاق على ذلك". عرف.
وجود اتفاق بين الطرفين على دفع الثمن نقدا فى ميعاد معين. لا محل للرجوع إلى العرف لمعرفة ميعاد دفع الثمن أو طريقة الوفاء به أو لبيان ما إذا كان يحق للبائع التحلل من الصفقة فى حالة عدم الوفاء فى الميعاد ما دام أن القانون قد خوله هذا الحق بنص م 335 من القانون المدنى القديم التى تعتبر البيع مفسوخا حتما إذا اتفق على ميعاد لدفع الثمن واستلام المبيع ولم يوف المشترى الثمن فى الميعاد المحدد وذلك بغير حاجة إلى تنبيه رسمى.
(ج) "إثبات". "اليمين المتممة" "حجيتها". استئناف "الحكم فيه". حكم.
اليمين المتممة إجراء يتخذه القاضى من تلقاء نفسه وهى لا تحسم النزاع. للقاضى - بعد توجيهها - أن يقضى على أساس اليمين التى أديت أو على أساس عناصر إثبات أخرى سابقة على الحلف أو لاحقة له. لا تتقيد محكمة الإستئناف بما رتبته محكمة أول درجة على اليمين المتممة التى وجهتها. حكم توجيه اليمين من الأحكام الصادرة قبل الفصل فى الموضوع وغير منه للخصومة كلها أو بعضها. لا تثريب على محكمة الاستئناف فى قضائها بإلغاء الحكم الصادر فى الموضوع دون إلغاء حكم توجيه اليمين، حسبها أن تورد فى أسباب حكمها ما جعلها تطرح نتيجة هذه اليمين.
(هـ) إثبات. "الإقرار". "ماهيته". "الطلب الإحتياطى".
لا يعد إقرارا ما يسلم به الخصم اضطرارا واحتياطا لما عسى أن تتجه إليه المحكمة من إجابة الخصم إلى بعض طلباته. التسليم الجدل لا يعتبر اعترافا خالصا بوجود الحق. الطلب الإحتياطى لا يعد بمثابة إقرار بصحة دعوى الخصم.
1 - لا تثريب على محكمة الإحالة إذا هى استخلصت الواقعة - التى نقض الحكم السابق فى خصوصها - من مصدر آخر بين عناصر الدعوى إذ أن كل ما حرمه القانون هو مخالفة رأى محكمة النقض فى المسألة التى تكون قد فصلت فيها، أما ما عدا ذلك من الحكم فى الدعوى على خلاف اتجاه محكمة النقض أو بالموافقة للحكم الأول المنقوض فلا خلاف فى جوازه ولمحكمة الإحالة أن تبنى حكمها على فهم جديد لواقع الدعوى تحصله - حرة من جميع عناصرها(1).
2 - متى كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن اتفاقا قد تم بين الطرفين على دفع الثمن جميعه نقدا فى ميعاد معين فإنه لا محل للرجوع إلى العرف لمعرفة ميعاد دفع الثمن والطريقة التى يدفع بها أو لبيان ما إذا كان يحق للبائع التحلل من الصفقة إذا لم يوف المشترى الثمن فى الميعاد ما دام أن القانون قد خوله هذا الحق بنص صريح بما قرره فى المادة 335 من القانون المدنى القديم(2) من أنه إذا اتفق فى بيع البضائع والأمتعة المنقولة على ميعاد لدفع الثمن ولاستلام المبيع كان البيع مفسوخا حتما إذا لم يدفع الثمن فى الميعاد المحدد بغير حاجة إلى تنبيه رسمى.
3 - لما كانت اليمين المتممة ليست إلا إجراء يتخذه القاضى من تلقاء نفسه رغبة منه فى تحرى الحقيقة وكانت هذه اليمين لا تحسم النزاع فإن القاضى - من بعد توجيه هذه اليمين - يكون مطلق الخيار فى أن يقضى على أساس اليمين التى أديت أو على أساس عناصر إثبات أخرى اجتمعت له قبل حلف هذه اليمين أو بعد حلفها. ولا تتقيد محكمة الإستئناف بما رتبته محكمة أول درجة على اليمين المتممة التى وجهتها ومن ثم فلا تثريب عليها إن هى لم تقض بإلغاء حكم توجيه اليمين المتممة مع إلغائها الحكم الابتدائى الصادر فى موضوع الدعوى وحسبها أن تورد فى أسباب حكمها ما جعلها تطرح نتيجة هذه اليمين. ذلك أن الحكم بتوجيه اليمين هو من الأحكام التى تصدر قبل الفصل فى الموضوع ولا تنته به الخصومة كلها أو بعضها.
4 - لا يعتبر إقرارا ما يسلم به الخصم اضطرارا واحتياطا لما عسى أن تتجه إليه المحكمة من إجابة الخصم إلى بعض طلباته لأن هذا التسليم لا يعتبر اعترافا خالصا بوجود الحق الذى سلم به تسليما جدليا فى ذمته، ومن ثم فإذا كان المطعون عليه بعد أن طلب فى الإستئناف بصفة أصلية إلغاء الحكم الإبتدائى ورفض دعوى الطاعن قبله برمتها طلب من باب الاحتياط تخفيض مبلغ التعويض المحكوم به ابتدائيا فإن هذا الطلب الإحتياطى لا يعد بمثابة إقرار من المطعون عليه بصحة دعوى خصمه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائعه - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وباقى الأوراق تتحصل فى أن الطاعن أقام الدعوى رقم 589 سنة 1949 تجارى كلى الاسكندرية ضد المطعون عليه طالبا إلزامه بأن يسلمه الخمسين طردا من التمباك المبينة أرقامها بصحيفة الدعوى نظير قبض ثمنها وقدره 1075 جنيها وفى حالة عدم التسليم أو هبوط السعر عند الحكم عن ثمن الشراء وهو 21.5 جنيها للطرد الواحد يلزم المطعون عليه بأن يؤدى إليه مبلغ 250 جنيها على سبيل التعويض مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وأسس الطاعن دعواه هذه على أن المطعون عليه باعه فى 30 من مايو سنة 1949 تلك الطرود من الطباق (تمباك) الإيرانى بسعر 21.5 ج للطرد الواحد وقد تمت العملية بينهما بموجب اتفاق شفوى وطبقا للعرف التجارى فى بيع طرود التمباك والدخان التى يحصل التعامل عليها وهى فى مخازن الجمارك بعد المعاينة وقد تمت معاينته للطرود التى حصل الاتفاق على بيعها له ووافق عليها غير أن المطعون عليه نكل عن اتفاقه وأراد التحلل من البيع بسبب ارتفاع أسعار التمباك بعد تمام العملية فاضطر الطاعن إلى التنبيه عليه بخطاب مسجل فى 4 من يونيه سنة 1949 بتسليم الطرود المبيعة نظير قبض الثمن الذى تم به البيع فرد المطعون عليه بخطاب مسجل تاريخه 8 من يونيه سنة 1949 أقر فيه بحصول التفاوض على الصفقة والاتفاق على معاينتها وحصول هذه المعاينة فعلا باتفاق الطرفين إلا أنه تحلل من التزامه بزعم أن الطاعن بعد أن أبدى استعداده للعودة فى اليوم التالى لإتمام عملية الشراء تخلف عن الحضور فلم تتم الصفقة - دفع المطعون عيه الدعوى بأن التعاقد لم يتم وأن الأمر لم يخرج عن كونه مجرد مفاوضات لم تنته إلى اتفاق على البيع - وبتاريخ 30 من أبريل سنة 1950 أصدرت المحكمة الابتدائية حكما بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن بكافة طرق الإثبات القانونية أن المطعون عليه باعه خمسين طردا من التمباك المبينة أرقامها بصحيفة الدعوى بثمن قدره 21.5 جنيها للطرد الواحد وأنه عاين المبيع يوم أول يونيه سنة 1949 بمخازن الجمرك وعرض الثمن على البائع فى اليوم التالى فرفض استلامه وليثبت الطاعن أيضا العرف التجارى فى بيع التمباك المودع بمخازن مصلحة الجمارك وليثبت المطعون عليه أن الاتفاق تم على معاينة البضاعة يوم أول يونيه سنة 1949 على أن يتم الطاعن إجراءات البيع حتى ظهر ذلك اليوم وصرحت المحكمة لكل من الطرفين بنفى ما يثبته خصمه - وبعد أن نفذ هذا الحكم حكمت المحكمة الابتدائية فى 26 من يوليه سنة 1950 بتوجيه اليمين المتممة إلى الطاعن بالصيغة الآتية "أقسم بالله العظيم بأن الاتفاق قد تم بينى وبين المدعى عليه (المطعون عليه) على أن أقوم بدفع ثمن الصفقة له فى اليوم التالى للمعاينة وهو يوم 2 من يونيه سنة 1949 وليس بعد ظهر يوم المعاينة بالذات وهو يوم أول يونيه" - وبعد أن أدى الطاعن هذه اليمين حكمت المحكمة الابتدائية فى 15 من اكتوبر سنة 1950 بإلزام المطعون عليه - أولا - أن يسلم الطاعن عينا الثلاثين طردا من التمباك ضمن المبين أرقامها بصحيفة الدعوى نظير قبض ثمنها وقدره ستمائة وخمسة وأربعون جنيها – ثانيا - أن يدفع للمطعون عليه مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض. فاستأنف المطعون عليه هذا الحكم بالاستئناف رقم 286 سنة 6 ق تجارى الاسكندرية وبتاريخ 18 من ديسمبر سنة 1951 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنه برقم 26 سنة 22 ق وبتاريخ 11 من مارس سنة 1954 قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة استئناف الاسكندرية وبتاريخ 17 من مايو سنة 1959 قضت محكمة استئناف الاسكندرية من جديد بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليه (الطاعن) وإلزامه بالمصاريف عن الدرجتين ومبلغ خمسة عشر جنيها أتعابا للمحاماة فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض فى 30 من يونيه سنة 1956 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 30 من مايو سنة 1961 وفيها صممت النيابة على ما جاء بمذكرتها التى طلبت فيها رفض الطعن وقررت دائرة الفحص فى تلك الجلسة إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبعد إستيفاء الإجراءات التالية للاحالة حدد لنظره جلسة 29/ 3/ 1962 وفيها أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه فى سببين أولهما من وجهين يتحصل الوجه الأول فى أن الحكم أخطأ فى القانون وفى تطبيقه ذلك أن محكمة النقض سبق أن قضت فى خصوصية نقطة النزاع بالذات وهى وجود أو عدم وجود اتفاق بين الطرفين على تحديد ميعاد لدفع الثمن مما كان يتعين معه على الحكم المطعون فيه أن يلتزم رأى محكمة النقض فى هذا الخصوص إذ هى لم تصدر حكمها إلا بعد بحث لجميع أوجه النزاع وجميع وجوه الطعن التى كان الطاعن قد تقدم بها إليها فى الطعن السابق ولو أنها وجدت من عموم ظروف الدعوى أن اتفاقاً تم بين الطرفين على ميعاد لدفع الثمن لقضت برفض الطعن ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على أن اتفاقا تم بين الطرفين على تحديد ميعاد لدفع الثمن ولم يقم الطاعن بالوفاء بالثمن فى ذلك الميعاد - قد خالف القانون بمخالفته حكم النقض السابق ويتحصل الوجه الثانى من السبب الأول فى أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور فى التسبيب ذلك أنه لم يرد على الحكمين التمهيديين الصادرين من محكمة أول درجة وبخاصة حكم توجيه اليمين المتممة ولم يقل إذا كان صدور ذلك الحكم فى محله أو أن صدوره كان خطأ قانونيا من تلك المحكمة كما أنه لم يقض بإلغاء ذلك الحكم عند ما قضى بإلغاء الحكم الموضوعى الذى انبنى عليه وبذلك بقى حكم اليمين قائما وصحيحا فيما قضى به ولا يغنى فى هذا المقام أن الحكم ناقش موضوع اليمين التى أداها الطاعن واتخذ من حلفها قرينة ضده.
وحيث إن الوجه الأول مردود بأنه لما كان يبين من حكم محكمة النقض السابق أنها قبلت ما نعاه الطاعن فى السببين الأول والثالث من أسباب الطعن من خطأ فى الإسناد وقع فيه الحكم الاستئنافى الأول إذ أقام قضاءه على ما استخلصه من أقوال الشاهدين ليون جولزيان ومترى موسى فى لتحقيق الذى أجرته المحكمة الإبتدائية من أن اتفاقا تم بين الطرفين على ميعاد معين لدفع الثمن - فى حين أن تلك الأقوال - على ما قالت محكمة النقض فى حكمها المذكور - لا يمكن أن يستفاد منها ذلك - وقررت محكمة النقض أن هذا الخطأ فى الإسناد هو مما يبطل الحكم ويستوجب نقضه دون حاجة إلى بحث بقية أسباب الطعن - لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه بالطعن الحالى أنه بعد أن أثبت حصول التعاقد دلل على الاتفاق بين طرفى العقد على تحديد ميعاد لدفع الثمن بما أورده من أدلة وقرائن غير مستمدة من أقوال الشاهدين ليون جولزيان ومترى موسى وانتهى إلى ترجيح دفاع المستأنف من أنه حدد لدفع الثمن مساء يوم أول يونيه سنة 1949 الذى عاين فيه الطاعن الطرود المبيعة وأن الطاعن قصر فى الوفاء بالثمن فى هذا الميعاد مما رتبت عليه المحكمة اعتبار العقد مفسوخا - لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف رأى محكمة النقض فى المسألة التى فصلت فيها وهى عدم جواز استخلاص الاتفاق على تحديد ميعاد لدفع الثمن من أقوال شاهدين بعينهما - ولا تثريب على محكمة الإحالة إذا هى استخلصت الواقعة ذاتها من مصدر آخر من بين عناصر الدعوى ذلك أن كل ما حرمه القانون عليها إنما هو مخالفة رأى محكمة النقض فى المسألة التى تكون قد فصلت فيها أما غير ذلك من الحكم فى الدعوى على خلاف إتجاه محكمة النقض أو بالموافقة للحكم الأول المنقوض فلا خلاف فى جوازه فلمحكمة الإحالة أن تبنى حكمها على فهم جديد لواقع الدعوى تحصله حرة من جميع عناصرها وغير صحيح ما يقوله الطاعن من أن محكمة النقض بحثت جميع أوجه النزاع وأوجه الطعن التى كان قد تقدم بها الطاعن إليها وأنها لو كانت قد وجدت فى عناصر الدعوى الأخرى ما يؤدى إلى حصول اتفاق على تحديد موعد لدفع الثمن لقضت برفض الطعن ذلك أنها لم تبحث غير الوجه الذى بنت عليه نقض الحكم ولم تتعرض لباقى أوجه الطعن كما أنها لم تبحث إمكان استخلاص الاتفاق على تحديد ميعاد الدفع الثمن من عناصر الدعوى الأخرى لأن هذا البحث لم يكن يقتضيه الفصل فى الطعن السابق.
وحيث إن الوجه الثانى مردود بأن محكمة الاستئناف عرضت فى حكمها المطعون فيه لأقوال الشهود الذين سئلوا فى التحقيق الذى أجرته محكمة أول درجة وأخذت بما اطمأنت إليه منها وطرحت ما عداه كما أنها عرضت لليمين المتممة التى أداها الطاعن أمام تلك المحكمة وذكرت الأسباب التى جعلتها لا تأخذ بنتيجتها ولما كانت اليمين المتممة ليست إلا إجراء يتخذه القاضى من تلقاء نفسه رغبة منه فى تحرى الحقيقة وكانت هذه اليمين لا تحسم النزاع فإن القاضى من بعد توجيه هذه اليمين يكون مطلق الخيار فى أن يقضى على أساس اليمين التى أديت أو على أساس عناصر إثبات أخرى اجتمعت له قبل حلف هذه اليمين أو بعد حلفها ولا تتقيد محكمة الاستئناف بما رتبته محكمة أول درجة على اليمين المتممة التى وجهتها - لما كان ذلك وكان الحكم بتوجيه اليمين هو من الأحكام التى تصدر قبل الفصل فى الموضوع ولم ينه الخصومة كلها أو بعضها فإنه لم يكن على محكمة الاستئناف أن تقضى بإلغائه عند الحكم بإلغاء الحكم الابتدائى الصادر فى موضوع الدعوى وحسبها أنها أوردت فى أسباب حكمها ما جعلها تطرح نتيجة هذه اليمين.
وحيث إن السبب الثانى من ثلاثة أوجه ينعى الطاعن فى الوجه الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ فى الإسناد ومخالفة الثابت فى الأوراق فيما ذهب إليه الحكم من أنه حدد لدفع الثمن بعد ظهر يوم المعاينة وفى بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم استند فى تقرير هذه الواقعة التى أقام عليها قضاءه إلى أن المعاينة كانت بإقرار الطرفين وبإقرار شاهد المطعون عليه ووكيله يوم أول يونيه سنة 1949 وأن الثابت من أقوال شاهدى الطاعن أنه وعد المطعون عليه بالمرور عليه فى اليوم التالى للمعاينة فى حين أن الطاعن أو شاهديه اللذين أشار إليهما الحكم لم يقرر أيهم أبدا أن اتفاقا حصل وقت التعاقد على ميعاد لدفع الثمن بل الذى قرره الطاعن وشاهداه هو أنه (أى الطاعن) بعد أن انتهى مع المطعون عليه على الصفقة وعده بأنه سيحضر إليه فى اليوم التالى للمعاينة والمقطوع به أن هذه المعاينة تمت فى يوم أول يونيه وليس طبيعيا أو حتميا أن يدفع الثمن فى اليوم ذاته وبخاصة مع وجود معاملات سابقة بين الطرفين وقيام الثقة المتبادلة بينهما - والمطعون عليه لم يقل فى خطابه المؤرخ 8/ 6/ 1949 أنه حدد ميعادا الدفع الثمن كما أنه فى مذكرته المقدمة لمحكمة الاستئناف لجلسة 23 يناير سنة 1951 أنكر انعقاد البيع أصلا ولم يقل بحصول اتفاق على هذا الميعاد - هذا إلى أن المستفاد من أقوال شاهدى الطاعن ليون جولزيان ومترى موسى أنه لم يحصل مثل هذا الاتفاق وأن العرف يقضى بأنه متى تم الاتفاق على الصفقة فلا يلزم دفع الثمن فى نفس اليوم بل تسلم البضاعة للمشترى ولو لم يقبض البائع ثمناه ومرد ذلك إلى الثقة المتبادلة بين تجار الدخان وخلص الطاعن إلى أنه متى كان الثابت أنه لم يكن هناك اتفاق سابق على دفع الثمن ولكن كان هناك اتفاق - بعد أن تم العقد - على حضوره إلى المطعون عليه فى اليوم الثانى ليوم المعاينة لتنظيم عملية تنفيذ الصفقة وعملية تسليم البضاعة ودفع الثمن وأن المعاملة بين الطرفين كانت تجرى بدون تحديد مواعيد لدفع الثمن أو مواعيد للتسليم فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على قيام الطاعن بالتزامه بدفع الثمن فى الميعاد المحدد لدفعه وهو نفس يوم المعاينة يكون قد أخطأ فى الإسناد وخالف الثابت فى الأوراق ويعيب الطاعن أيضا فى هذا الوجه على الحكم قوله إن اليمين المتممة التى حلفها الطاعن دلت على تناقضه وشاهديه ليس فقط بشأن تاريخ المعاينة بل فى خصوص حصول اتفاق على ميعاد لدفع الثمن واستخلاصه من أقوال الطاعن ما يفيد إقراره بأن دفع الثمن كان موضوع اتفاق بينه وبين البائع وأنه حدد لدفعه يوم 2 يونيه - ويقول الطاعن إن الحكم قد خالف فى ذلك كله الثابت فى الأوراق ذلك أنه ليس ثمة تناقض بين أقوال الطاعن وأقوال شاهديه وأن الطاعن لم يقر أبدا بحصول اتفاق بينه وبين المطعون عليه على تحديد ميعاد لدفع الثمن وأن ما اعتبره الحكم إقرارا منه بحصول هذا الاتفاق لا يعتبر إقرارا بهذه الواقعة إذ لم يعد ما قاله أنه وعد المطعون عليه بالمرور عليه فى اليوم التالى لإجراء المعاينة ولما مر عليه فى الميعاد ووجد منه ميلا للنكول عن إتمام الصفقة عرض عليه الثمن جميعه - ولم يكن هذا العرض تنفيذا لميعاد سابق وإنما جاء على أثر ظهور محاولة المطعون عليه للتنصل من الصفقة - الوجه الثانى - ويعيب فيه الطاعن على الحكم المطعون فيه خطأه فى التفسير ومخالفته لما هو ثابت فى أوراق الدعوى فيما قاله من أنه لم يثبت وجود عرف بالمعنى الصحيح فى خصوص بيع الدخان وطريقة دفع الثمن ذلك أن أقوال الشهود التى استند إليها الحكم فى استخلاص هذه النتيجة تؤدى إلى قيام عرف فى هذا الشأن يقضى بعدم التزام المشترى بدفع الثمن فى نفس اليوم الذى تتم فيه الصفقة وبأنه لا يجوز للبائع التحلل من الصفقة إذا لم يدفع له الثمن فى هذا اليوم - الوجه الثالث - أن الحكم قد شابه القصور - أولا - فيما استند إليه عند ترجيح أقوال المطعون عليه على أقوال الطاعن فى خصوص تحديد الميعاد الذى اتفق عليه لدفع الثمن ذلك أنه استند فى هذا الترجيح على أقوال شاهد المطعون عليه وهو عبد المنعم العراقى فى حين أن أقوال هذا الشاهد سماعية عن المطعون عليه - وأن هذا الأخير لم يذكر فى خطابه المؤرخ 8/ 6/ 1949 ولا فى مذكرته المقدمة إلى محكمة الاستئناف شيئا مما قال الشاهد بأنه سمعه منه - ثانيا - فيما افترضه الحكم افتراضا من حصول اتفاق على ميعاد لدفع الثمن معاصر للاتفاق على الصفقة إذ أن هذا الافتراض تنقضه أوراق الدعوى وإقرارات المطعون ضده نفسه - ثالثا - فى إهدار الحكم إقرار المطعون عليه بصحة دعوى الطاعن - وهو الإقرار المستفاد من طلبه فى الاستئناف تخفيض التعويض المحكوم به ابتدائيا لأنه مبالغ فيه.
وحيث إن هذا النعى فى شقه الأول مردود بأن الحكم المطعون عليه بعد أن أثبت حصول التعاقد ذاته قال "إن النزاع أصبح بعد ذلك محصورا فيما إذا كان هناك دليل على ما يقول به المستأنف عليه (الطاعن) من أن ميعاد دفع الثمن لم يكن هو مساء يوم المعاينة - عل ما قال المطعون عليه - وإنما كان تاليا لذلك التاريخ وحيث إنه لم يتعرض أحد من شهود المستأنف عليه (الطاعن) صراحة لأمر هذا الموعد بل إن ما جاء على لسان شاهديه السابقة الإشارة إليهما لا يعدو وما قيل من أنه "المستأنف عليه" وعد المستأنف بالمرور بهذا الأخير فى اليوم التالى للمعاينة التى قالا إنها كانت يوم 31 مايو والتى قال محمد عزت علام من شهود المستأنف (المطعون عليه) وأمين مخزنه بالجمارك بأنها كانت بعد ظهر يوم أول يونيه ثم حلف المستأنف عليه بعد ذلك اليمين المتممة - على أن الاتفاق قد تم بينه وبين المستأنف على أن يكون دفع الثمن يوم 2 يونيه سنة 1949 التالى ليوم المعاينة الحاصلة فى أول يونيه المذكور فدلت هذه اليمين على تناقض المستأنف عليه وشاهديه المذكورين بشأن تاريخ المعاينة فقط بل على أنه كان هناك اتفاق بشأن ميعاد دفع الثمن وهو سابق على كل حال ليوم 2 يونيه الذى يقول المستأنف عليه إنه توجه فيه لدفع الثمن وقوبل بالرفض من المستأنف وهذا الموقف الأخير للمستأنف عليه فيه إقرار من جهته بأن دفع الثمن كان موضوع اتفاق بينه وبين البائع مقيد بقيد هو أن ميعاد الدفع هو يوم 2 يونيه وحكم هذا الإقرار كذلك أنه يتعين عدم إطراح شئ منه إلا بدليل آخر مستقل على ما يترك وحيث إن المستأنف عليه (الطاعن) قرر فى بدء مرافعته أنه لم يكن هناك ميعاد لدفع الثمن وقال إن ذلك يفيد بمقتضى العرف أن يكون التسليم قبل الدفع وأن يكون الثمن مؤجلا يدفع نجوما تبعا لما يبيعه المشترى من الصفقة وظل المستأنف عليه متمسكا بهذا الدفاع حتى حلف بعد التحقيق اليمين فناقض به نفسه مناقضة جوهرية ترى فيها المحكمة قرينة لغير صالحه مع القرائن الأخرى التى سيشار إليها فيما يلى ومن حيث إنه يلاحظ أولا بشأن العرف الذى كان قد استند إليه المستأنف عليه أن ما ظهر بشأنه من التحقيق لم يدل على أن هناك عرفا بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة من أنه مصدر من مصادر القانون ويكون فى منزلة التشريع ويتممه وقاعدة مطردة وإنما هى عادة اتفاقية بين التجار مرجعها كما قرر شهود المستأنف الثقة بين المتعاملين وانصراف النية إليها دون أى اتفاق آخر وحكم هذا النظام فى المعاملات هو أن لا يكون ملزما إلا إذا ثبت أن الطرفين ارتضياه صراحة أو ضمنا ولا دليل على هذا التراضى فى الدعوى الحالية من أقوال أى جانب - وحيث إنه باستبعاد الاحتكام إلى العادة التجارية بشأن الدفع الآجل ترى المحكمة أولا أنه لابد أن يكون قد حصل الاتفاق على ميعاد دفع الثمن معاصرا للاتفاق على الصفقة إذ يرجح من مجموع وقائع الدعوى أن الاتفاق الذى طالت فيه المساومة حول الثمن بالصورة التى وصفها ليون جولازيان شاهد المستأنف عليه (الطاعن) قد شمل أيضا ميعاد الدفع ثم إنه فى صدد البحث بعد ذلك فى أى الميعادين أصدق أهو الميعاد الذى حدده المستأنف أم ذلك الذى حدده المستأنف عليه ترى المحكمة ترجيح أقوال المستأنف التى تأيدت بأقوال شاهده عبد المنعم الجعرانى فيما قرره المذكور من أنه علم من المستأنف مساء يوم المعاينة بأنه ينتظر مرور المستأنف عليه لدفع الثمن - دون أقوال شهود المستأنف عليه اللذين خالفوه بشأن تاريخ المعاينة والذين تلاحظ المحكمة خلو شهادتهم كما تقدم القول من ذكر شئ عما لابد أن يكون الطرفان قد تكلما فيه بشأن نظام الدفع أو ميعاده ويضاف إلى هذا ما تلاحظه المحكمة أيضا من تأخير المستأنف عليه بضعة أيام فى إنذار المستأنف ومن أن ما تحدث عنه من عرض متأخر كذلك للثمن على المستأنف كان عرضا غير حقيقى" - "وخلص الحكم من ذلك إلى أن الطاعن قصر فى الوفاء بالثمن فى مساء يوم أول يونيه سنة 1949 المحدد لدفعه وأنه لذلك يكون للمطعون عليه الحق فيما ذهب إليه من إعتبار البيع مفسوخا" - وهذا الذى قرره الحكم وأقام عليه قضاءه ليس فيه مخالفة للثابت فى الأوراق ولا خطأ فى الإسناد ولم يبن على افتراض تحكمى كما يقول الطاعن وإنما بنى على مقدمات من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى رتبها عليها الحكم وهى أن اتفاقا تم بين الطرفين على أن يوفى المشترى (الطاعن) الثمن فى مساء يوم أول يونيه سنة 1949 الذى تمت فيه معاينته للمبيع وأن الطاعن لم يقم بالتزامه بالوفاء بهذا الثمن فى الميعاد مما يجعل للمطعون عليه الحق فى اعتبار العقد مفسوخا - وهذا الحق مستمد من المادة 335 من القانون المدنى القديم التى تقضى بأنه فى بيع البضائع والأمتعة المنقولة إذا اتفق على ميعاد لدفع الثمن ولاستلام المبيع يكون البيع مفسوخا حتما إذا لم يدفع الثمن فى الميعاد المحدد بدون احتياج للتنبيه الرسمى - ولم يسند الحكم إلى الطاعن أو إلى شاهديه اللذين أشار إليهما أن أيهم قال بأنه حصل إتفاق على دفع الثمن وإنما استخلص الحكم حصول هذا الاتفاق من وقائع أخرى إستخلاصا سائغا وإذا كان الحكم قد حصل من اليمين المتممة التى أداها الطاعن أنه قد ناقض بها نفسه إذ أنكر أولا - حصول أى اتفاق على ميعاد لدفع الثمن بينما مقتضى اليمين التى حلفها هو أن اتفاقا تم بينه وبين المطعون عليه على دفع الثمن فى يوم 2 يونيه سنة 1949 التالى ليوم المعاينة فإن هذا الفهم صحيح وله سنده فى أوراق الدعوى كذلك فإن إستخلاص الحكم قيام التناقض بين الطاعن وشاهديه ليوم جولوزيان ومترى موسى فى خصوص تحديد اليوم الذى تمت فيه المعاينة صحيح أيضا ذلك أنه يبين من الصورة الرسمية لمحضر التحقيق أن هذين الشاهدين قررا أن المعاينة تمت فى يوم 31 من مايو سنة 1949 بينما مقتضى اليمين التى حلفها الطاعن هو أن المعاينة تمت فى يوم أول يونيه سنة 1949.
وحيث إنه لا وجه للطاعن فيما يعيبه على الحكم المطعون فيه من عدم أخذه بالعرف الذى شهد الشهود بقيامه فى تجارة الدخان ذلك أنه وقد انتهى الحكم إلى أن إتفاقا قد تم بين الطرفين على دفع الثمن جميعه نقدا فى ميعاد معين فإنه لا محل للرجوع إلى العرف لمعرفة ميعاد دفع الثمن والطريقة التى يدفع بها كما لا يجوز الرجوع إلى هذا العرف لبيان ما إذا كان يحق للبائع التحلل من الصفقة إذا لم يوفه المشترى الثمن فى الميعاد ما دام أن القانون قد خوله هذا الحق بنص صريح بما قرره فى المادة 355 من القانون المدنى الملغى من اعتبار البيع مفسوخا فى هذه الحالة.
وحيث إنه عما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من ترجيح أقوال أحد شهود المطعون عليه على أقوال شهوده فإنه مردود بأن تقدير أقوال الشهود هو من إطلاقات محكمة الموضوع وأن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فى تقدير المحكمة للدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض - أما ما يعيبه الطاعن على الحكم لإهداره ما وصفه الطاعن بأنه إقرار قضائى صادر من المطعون عليه بصحة الدعوى فمرود بأنه إذا كان المطعون عليه بعد أن طلب فى الاستئناف بصفة أصلية إلغاء الحكم الابتدائى ورفض دعوى الطاعن قبله برمتها طلب بعد ذلك ومن باب الاحتياط تخفيض مبلغ التعويض المحكوم به ابتدائيا فإن هذا الطلب الاحتياطى لا يعتبر بمثابة إقرار من المطعون عليه بصحة دعوى خصمه ذلك أنه لا يعتبر إقرارا ما يسلم به الخصم اضطرارا واحتياطا لما عسى أن تتجه إليه المحكمة من إجابة الخصم إلى بعض طلباته لأن هذا التسليم لا يعتبر اعترافا خالصا بوجود الحق الذى سلم به تسليما جدليا - فى ذمته.
وحيث إنه لما تقدم جميعه يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه.


(1) راجع نقض 26/ 4/ 1956 مجموعة المكتب الفنى السنة السابعة رقم 76 "نقض الحكم كليا القصور فى التسبيب لعدم الرد على طلب التحقيق وإحالة القضية إلى محكمة الاستئناف لتحكم فيها من جديد. لمحكمة الإحالة أن تسلك فى الحكم فى الدعوى ما كان جائزا لها قبل إصدار الحكم المنقوض ولها أن تجيب طلب التحقيق وأن تأمر بالتحقيق من تلقاء نفسها متى رأت فى ذلك فائدة لاظهار الحقيقة ما دام أن القانون يسمح بالاثبات بالبينة" وراجع نقض 3 مايو سنة 1962 فى الطعن 427 سنة 26 ق مجموعة المكتب الفنى س 13 ع 2 رقم 88 وراجع نقض 13/ 2/ 1941 فى الطعن رقم 71 سنة 10 ق "عدم التزام المحكمة المحال عليها الدعوى بعد نقض الحكم إلا باتباع حكم النقض فى المسألة القانونيه التى فصل فيها" ونقض 25/ 3/ 1944 فى الطعنين 146 و147 س 21 ق "حق محكمة الاحالة فى إقامة قضائها على فهم جديد لواقع الدعوى أو على أسس قانونية أخرى غير تلك التى استوجبت نقض الحكم المطعون فيه متى كانت لا تخالف قاعدة قانونية قررها الحكم الناقض".
(2) تراجع المادة 461 من القانون المدنى الجديد.