أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 612

جلسة 9 من مايو سنة 1962

برياسة السيد/ محمد فؤاد جابر نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أحمد زكى محمد، واحمد احمد الشامى، ومحمد عبد الحميد السكرى، ومحمد عبد اللطيف.

(92)
الطعن رقم 18 لسنة 29 ق "أحوال شخصية"

( أ ) وقف. "شروط الوقف". "تغييرها". "الشروط العشرة".
اشهاد الواقف بانشاء وقفه على نفسه مدة حياته ومن بعده على أولاده الموجودين ومن سيحدثه الله له من الأولاد ذكورا وإناثا ثم من بعد كل منهم ينتقل نصيبه لولده أو لأولاده للذكر مثل حظ الانثيين وهكذا. تغيير الواقف شروط الوقف بما له من "الشروط العشرة" سواء من حيث الاستحقاق أو الشروط وانشاء الوقف على نفسه ثم من بعده فعلى من سيحدثه الله له من الاولاد ذكورا واناثا ثم على أولاد أولاده ذكورا فقط بمعنى أن يكون المستحق منهم من "أولاد الظهور" دون "أولاد البطون" ظاهر هذا التغيير (1) أنه أخرج أولاد الواقف الموجودين وقت التغيير وقصر الاستحقاق فيمن سيحدثه الله له من الأولاد بحيث يعتبر الوقف أنه قد انعقد ابتداء على هذا الوجه. (2) وأنه يستحق من أولاد أولاده الذكور وحرم بذلك أولاد البنات من الاستحقاق فى الوقف.
(ب) وقف. "شرط لواقف". "تفسيره". "ذرية الواقف". "معناها".
شرط الواقف على صرف باقى ريع الوقف على ذرية الواقف ذكورا أو اناثا بحسب الفريضة الشرعية ثم على أولاد أولاده بحيث يكون المستحقون من "أولاد الظهور" دون "أولاد البطون" دلالة ذلك أن الواقف قصد بكلمة "الذرية" أولاده لصلبه أى أولاد أولاده الذكور فقط.
1 - متى كان يبين من اشهاد الوقف أن الواقف انشأ وقفه على نفسه مدة حياته ومن بعده على أولاد الموجودين ومن سيحدثه الله له من الأولاد ذكورا واناثا ثم من بعد كل منهم ينتقل نصيبه لولده أو اولاده للذكر مثل حظ الانثيين "وكان الواقف قد غير فى شروط الوقف بما له من "الشروط العشرة" واشهد على نفسه أنه عدل عن كل ما دونه بوقفه من شروط واستحقاق وشرط شروطا أخرى منها أنه أنشأ الوقف على نفسه مدة حياته ومن بعده فعلى من سيحدثه الله من الأولاد ذكورا أو اناثا حسب الفريضة الشرعية ثم على أولاد أولاده ذكورا فقط بمعنى أن يكون المستحق من "أولاد الظهور" دون "أولاد البطون" فان ظاهر هذا الإنشاء يدل على أن الواقف قد أخرج من وقفه من عساه أن يكون موجودا من أولاده وقت التغيير وقصر الاستحقاق فيه على من سيحدثه الله له من الأولاد ذكورا أو اناثا بحيث يعتبر الوقف وكانه انعقد ابتداء على هذا الوجه والقول من الواقف، "ثم على أولاد أولاده"، إنما ينصرف إلى اولاد من يحدث له من الأولاد الذى حصر الاستحقاق فيهم لا إلى أولاد من هو موجود منهم وقت التغيير أو كان موجودا فيه وأخرجهم.
2 - إذا كان الواقف قد نص فى اشهاد التغيير على أن ما يتبقى من ريع الوقف بعد سداد الأموال الأميرية وإصلاح ما يجب إصلاحه وخصم حصة الناظر والصرف على المسجد والخيرات المبينة بكتاب الوقف، يصرف على "ذرية الواقف" ذكورا أو اناثا بحسب الفريضة الشرعية ثم على أولاد أولاده فان سياق هذه العبارة يدل على أن الواقف إنما يقصد بها أولاده لصلبه.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن عبد الخالق محمود على عمرو المطعون عليه أقام الدعوى رقم 217 لسنة 1952 القاهرة الإبتدائية الشرعية ضد السيدتين جليلة وزهيرة محمود على عمرو بطلب استحقاقه لنصف فاضل ريع وقف المرحوم محمد محمد قاسم الطرزى وقال شرحا لدعواه إنه بموجب الإشهاد المؤرخ 16 مارس سنة 1899 وقف المرحوم محمد محمد قاسم الطرزى الأعيان المبينة به على نفسه مدة حياته ثم من بعده تكون وقفا على أولاده الموجودين ومن سيحدثه الله له من الأولاد ذكورا وإناثا للذكر مثل حظ الأنثيين ثم بعد كل منهم فعلى أولاده ثم أولاد أولاده، وبموجب الإشهاد المؤرخ 21 مارس سنة 1904 وقف أعيانا أخرى بنفس الإنشاء والشروط المبينة بالوقف الأول وألحقها به وجعلهما وقفا واحدا، وبتاريخ 11 مارس سنة 1911 غير فى وقفه المذكور بأن جعله على نفسه مدة حياته ثم من بعده فعلى من سيحدثه الله له من الأولاد ذكورا وإناثا حسب الفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثيين ثم على أولاد أولاده ذكورا فقط وجعل من ريع هذا الوقف مصاريف كثيرة ومرتبات وخيرات متنوعة مقدمة فى الصرف على المستحقين منها مبلغ ستة آلاف قرش سنويا لأولاد كريمته الست خديجة المرزوقين لها من السيد محمود على عمرو، وبموجب الإشهاد المؤرخ 18 نوفمبر سنة 1914 وقف الأعيان المبينة به وألغى وأبطل ما شرطه بوقفه السابق من صرف زائد ريعه على الفقراء والمساكين وجعل ما يتبقى من ريع هذا الوقف وريعه للفقراء والمساكين وباقيه الثلاثة أرباع يحفظ تحت يد الناظر إلى أن يتجمد مبلغ يشترى به أطيانا تلحق بهذا الوقف، وإذ توفى الواقف من غير أولاد سوى أولاد بنته خديجة التى توفيت قبله وهم المدعى والمدعى عليهما وانحصر الاستحقاق فيهم للذكر مثل حظ الأنثيين وقد أقيمت المدعى عليهما فى النظر على هذا الوقف ووضعتا أيديهما على أعيانه وأنكرتا على المدعى استحقاقه فقد انتهى إلى طلب الحكم له به. وأثناء نظر الدعوى أدخلت وزارة الأوقاف خصما مدعى عليها بصفتها ناظرا على حصة الخيرات وطلبت رفض الدعوى، وتدخل كل من محمد ومحمود حسن قاسم الطرزى خصما ثالثا منضما للوزارة فى طلباتها. وبتاريخ 27 يونيه سنة 1954 قررت المحكمة رفض الدعوى واستأنف المطعون عليه هذا الحكم لدى المحكمة العليا الشرعية طالبا إلغاءه والحكم له بطلباته وقيد استئنافه برقم 119 لسنة 1954، ولمناسبة صدور القانون رقم 462 لسنة 1955 بتوحيد القضاء أحيل إلى محكمة استئناف القاهرة وقيد يجدولها برقم 3 سنة 73 ق. وبتاريخ 28 فبراير سنة 1959 حكمت المحكمة حضوريا بقبول الإستئناف شكلا وفى الموضوع برفض ما دفع به المستأنف وبإلغاء الحكم المستأنف وباستحقاق المستأنف لنصف صافى ريع الوقف المذكور بعد المرتبات والخيرات المبينة بحجج الوقف وألزمت المستأنف عليهم عدا السيدتين جليلة وزهيرة مصاريف الدرجتين وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وقد طعنت وزارة الأوقاف فى هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة فى التقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى دائرة المواد المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية حيث أصرت الطاعنة على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليه رفض الطعن وتدخلت كل من السيدتين جليلة وزهيرة محمود عمرو خصما منضما للمطعون عليه فى طلباته وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت نقض الحكم.
وحيث إن الطعن يقوم على أربعة أسباب (أولها) أن إشهاد سنة 1911 والإنشاء الوارد به قد نص فيه على أن الواقف أنشأ وقفه على نفسه أيام حياته ثم من بعده فعلى ما سيحدثه الله له من الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا حسب الفريضة الشرعية، ثم على أولاد أولاده ذكورا فقط "وفى آخر الإنشاء وضح المقصود بكلمة "ذكورا" توضيحا أزال كل لبس حيث قال "ثم على أولاد أولاده حسبما سبق نصه بمعنى أن يكون المستحق من أولاد الظهور دون أولاد البطون" وهذه النصوص صريحة فى أن المستحق من أحفاد الواقف هم أولاد الذكور دون أولاد الاناث وإذ قضى الحكم المطعون فيه باستحقاق المطعون عليه بينما هو من أولاد البطون فإنه يكون قد خالف شرط الواقف وخالف القانون لأن شرط الواقف كنص الشارع فى الفهم والدلالة ووجوب العمل به (وثانيهما) أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تأويل عبارات الواقف إذ فسر كلمة "ذكورا" بأنها وصف لأحفاد الواقف لا لأولاده مع أن الواقف أحال فى تفسيرها إلى آخر الإنشاء فقال "بمعنى أن المستحق يكون من أولاد الظهور دون أولاد البطون وتفسير الواقف لعباراته هو الذى يجب اعتباره - وإذ فسر عبارة "ثم على أولاد أولاده" وعبارة "على أن من مات من الموقوف عليهم عن ولد انتقل نصيبه إلى ولده حسب الفريضة الشرعية"، وعبارة "على أن من مات من الموقوف عليهم قبل دخوله فى هذا الوقف من الذكور والاناث قام ولده مقامه" بأنها عامة تشمل المطعون عليه وهو تفسير يناقضه أن العبارة الأولى مقيدة بأن يكون الحفيد من أولاد الذكور والعبارة الثانية والثالثة مقيدة بأن يكون الميت موقوفا عليه ووالدة المطعون عليه ليست موقوفا عليها - وإذ فسر عبارة "ذرية الواقف" التى وردت فى مواضع متعددة من الإشهاد بمعناها اللغوى العام مع أنها وردت فى كل موضع مقيدة بقيد يجعلها لا تشمل أولاد البطون (وثالثها) أنه ذهب إلى أن غرض الواقف اعطاء المطعون عليه وأختيه لأنهم كانوا أثيرتين عنده فى حين أن الدليل من عبارات الواقف ومسلكه قائم ينادى بأن غرضه حرمان أولاد البطون وأنه أراد أن يمححض وقفه للصدقة (ورابعها) أن الحكم باستحقاق المطعون عليه لنصف صافى ريع الوقف بعد الخيرات والمرتبات يقتضى وجود مرتبات مستحقة مع وجود ذرية مستحقة وهما أمران متناقضان لأن المرتبات إنما شرطها الواقف عند عدم وجود ذرية.
وحيث إن هذا النعى فى محله ذلك أنه وإن كان يبين من إشهادى الوقف المؤرخين 16 مارس سنة 1899 و21 مارس سنة 1904 أن الواقف أنشأ وقفه "على نفسه مدة حياته ومن بعده على أولاده الموجودين ومن سيحدثه الله له من الأولاد ذكورا واناثا بالفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثيين ثم من بعد كل من أولاده ينتقل نصيبه من ذلك لولده أو أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين - ثم من بعد كل منهم فعلى أولاده ثم على أولاد أولاده ثم على أولاد أولاد أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين" إلا أنه عاد بعد ذلك وبموجب إشهاد التغيير المؤرخ 11 ديسمبر سنة 1911 وبما له من الشروط العشرة فأشهد على نفسه أنه "عدل عن كل ما دونه بوقفه المذكور وألغى جميع ما نص وشرح به من شروط واستحقاق وغيرها وشرط شروطا لوقفه هذا حث عليها وأكد العمل بها" منها أنه أنشأ وقفه المذكور "على نفسه أيام حياته ثم من بعده فعلى من سيحدثه الله له من الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا حسب الفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثيين ثم على أولاد أولاده ذكورا فقط" وظاهر هذا الإنشاء يدل على أن الواقف أخرج من وقفه من عساه أن يكون موجودا من أولاده وقت التغيير وقصر الاستحقاق فيه على من سيحدثه الله له من الأولاد ذكورا وإناثا بحيث يعتبر الوقف وكأنه انعقد ابتداء على هذا الوجه ومن المقرر فى هذا الصدد أنه "لو قال على ولدى المخلوقين وعلى نسلهم لا يعطى من يحدث له من أولاد الصلب. ولو قال أرضى صدقة موقوفة على من يحدث لى من الولد فالوقف جائز وهى للفقراء حتى يحدث له ولد فإذا حدثوا كانت لهم". والقول من الواقف "ثم على أولاد أولاده" إنما ينصرف إلى أولاد من يحدث له من الأولاد الذين حصر الاستحقاق فيهم لا إلى أولاد من هو موجود منهم وقت التغيير أو كان موجودا قبله وأخرجهم، يدل على ذلك قوله فى آخر الانشاء "فإن لم يحدث للواقف ذرية فيكون وقفا مصروفا ريعه على الفقراء والمساكين من المسلمين حسبما يأتى ذكره "وهو صريح فى أنه قصر الاستحقاق فى الوقف على الذرية التى تحدث لا الذرية الموجودة. ومن جهة أخرى فإن كلمة "ذكورا" التى وردت ضمن عبارة ثم على أولاد أولاده ذكورا فقط" وإن اتسع لها الجدل فى أقوال الفقهاء وهل هى قيد للمضاف أم للمضاف إليه أم لهما معا إلا أن هذا الجدل لا محل له فى صورة النزاع المعروض وقد كشف الواقف عن غرضه من هذا القيد بقوله فى آخر الانشاء "بمعنى أن المستحق يكون من أولاد الظهور دون أولاد البطون" فدل بذلك على أن مقصوده حرمان أولاد البنات من الاستحقاق فى الوقف ذكورا كانوا أو إناثا وتخصيصه لأولاد الأبناء ذكورا أو إناثا وهو نفس الوضع الذى التزمه فى إشهاد سنة 1914 وعبر عنه بقوله "..... ومن بعد وفاته يكون وقفا على من يحدثه الله له من الأولاد ذكورا وإناثا حسب الفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثيين ثم على أولاد أولاده الذكور ذكورا وإناثا" وما نص عليه فى إشهاد التغيير من أن "ما يتبقى بعد ذلك من ريع هذا الوقف بعد سداد الأموال الأميرية وإصلاح ما يجب إصلاحه وخصم حصة الناظر والصرف على المسجد والخيرات المبينة بكتاب هذا الوقف وبعد ترميم مدفن الواقف وملحقاته ومدفن والديه وحرمه وكريمته وفرش هذه القبور والكتاب والأضرحة يصرف على ذرية الواقف ذكورا وإناثا بالفريضة الشرعية" لا وجه للمطعون عليه فيه ذلك أنه ظاهر من سياق هذه العبارة الأخيرة أن الواقف إنما يقصد بها أولاده لصلبه بدليل قوله بعدها "وعلى أولاد أولاده" وقد أردف هذه العبارة بقوله "بمعنى أن المستحق يكون من أولاد الظهور دون أولاد البطون" ثم أردف هذه العبارة بقوله "وعند عدم وجود ذرية للواقف فيصرف من الباقى المذكور... مبلغ ستة آلاف قرش سنويا إلى أولاد كريمة الواقف المرحومة الست خديجة المرزوقين لها من السيد/ محمود على عمرو وهم عبد الخالق وجليلة وزهيرة على التفاضل بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين مدة حياتهم وليس لذريتهم من بعدهم شئ من ذلك ومن مات منهم يرجع نصيبه لأصل الوقف "وقد سبق القول بأن الواقف قصر الإستحقاق فى الوقف على الذرية التى تحدث لا الذرية الموجودة - وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى للمطعون عليه باستحقاقه لنصف فاضل ريع الوقف بعد المرتبات والخيرات بينما هو من الذرية الموجودة وقت التغيير لا الذرية التى حدثت بعده ومن أولاد البطون لا من أولاد الظهور، فإنه يكون قد خالف شروط الوقف بما يوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم يتعين تأييد الحكم المستأنف.