أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 629

جلسة 10 من مايو سنة 1962

برياسة السيد المستشار محمد متولى عتلم، وبحضور السادة المستشارين/ محمد زعفرانى سالم، ومحمود القاضى، ومحمود توفيق اسماعيل، وأحمد شمس الدين.

(95)
الطعن رقم 359 لسنة 26 القضائية

( أ ) نظرية الحوادث الطارئة(1). "مناط تطبيقها". محكمة الموضوع.
تدخل القاضى لرد الالتزام الى الحد المعقول طبقا للمادة 147/ 2 مدنى رخصة من القانون يجب لاستعمالها تحقق شروط معينة أهمها شرط الارهاق المهدد بخسارة فادحة. تقدير ذلك منوط بالاعتبارات الموضوعية بالنسبة للصفقة ذاتها.
تدليل الحكم على انتفاء شرط الارهاق المهدد بخسارة فادحة من ظروف الصفقة وملابساتها بأسباب سائغة - مما يدخل فى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع - كافية لحمل الحكم عليها. لا جدوى من تعييب الحكم فيما قرره من جواز النزول عن الحق فى التمسك بالظروف الطارئة لاستقامة الحكم بدونه.
(ب) نظرية الحوادث الطارئة. إصلاح زراعى. "عقود البيع الثابتة التاريخ" "الاستيلاء على الأطيان المبيعة". القانون 452 سنة 1953. "مدى تطبيقه". بيع.
مؤدى نص المادة الأولى من القانون 452 سنة 1953 انه اذا كان سند المستولى لديه عقد بيع ثابت التاريخ قبل 23 يوليه سنة 1952 وكان الأجل المعين للوفاء بالثمن كله أو بعضه يحل أصلا بعد هذا التاريخ تحمل كل من البائع والمشترى نصف الفرق بين ثمن المستولى عليه من الأرض المبيعة والتعويض المستحق له. عدم انطباق هذا النص الا على الأطيان التى تستولى عليها الحكومة تنفيذا لقانون الاصلاح الزراعى رقم 178 سنة 1952.
(ج) حكم. "عيوب التدليل". "مخالفة الثابت بالأوراق". بيع "تحديد الثمن". محكمة الموضوع.
تحديد المحكمة ثمن المبيع - فى حدود سلطتها التقديرية - بمجموع ما دفعه المشترى عند تحرير العقد الابتدائى وبعده وبما بقى من الثمن عند تحرير العقد النهائى وحصلت من ذلك الثمن الذى انعقدت عليه إرادة الطرفين بعد تحرير العقد الابتدائى. استناد هذا الاستخلاص إلى عناصر ثابتة بأوراق الدعوى. النعى على الحكم بتشويه الوقائع أو مخالفة الثابت بالأوراق فى غير محله.
1 - تدخل القاضى لرد الالتزام إلى الحد المعقول - طبقا للمادة 147/ 2 من القانون المدنى - رخصة من القانون يجب لاستعمالها تحقق شروط معينة أهمها شرط الارهاق المهدد بخسارة فادحة وتقدير ذلك منوط بالاعتبارات الموضوعية بالنسبة للصفقة ذاتها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على انتفاء ذلك الشرط من ظروف الصفقة وملابستها وكان ما قرره فى هذا الشأن سائغا مما يدخل فى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع وكافيا لحمل قضائه فإنه لا جدوى من تعييب الحكم فيما قرره من جواز النزول عن الحق فى التمسك بالظروف الطارئة لأن ما أورده الحكم فى هذا الصدد يستقيم الحكم بدونه.
2 - تنص المادة الأولى من القانون 452 سنة 1953 على أنه "إذا كان سند المستولى لديه عقد بيع ثابت التاريخ قبل 23 يوليه سنة 1952 وكان الأجل المعين للوفاء بالثمن كله أو بعضه يحل أصلا بعد هذا التاريخ تحمل كل من البائع والمشترى نصف الفرق بين ثمن المستولى عليه من الأرض المبيعة والتعويض المستحق له". ولا ينطبق هذا النص - كما أفصحت المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور - إلا بالنسبة للأطيان التى تستولى عليها الحكومة فعلا تنفيذا لقانون الإصلاح الزراعى رقم 178 سنة 1952 والتى تحدد سعرها على الأساس المبين بهذا القانون. فإذا كان ما تصرف فيه الطاعن إلى أولاده لا يعد من الأطيان التى استولت عليها الحكومة فإن النعى على الحكم بعدم تطبيق القانون 452 سنة 1953 بالنسبة لتلك الأطيان يكون متعين الرفض.
3 - متى كان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة قد رأت - فى سبيل الوصول إلى حقيقة ما انعقدت عليه إرادة الطرفين بشأن تحديد ثمن المبيع، وذلك فى حدود سلطتها التقديرية - أن تحدد ثمن الصفقة بمجموع ما دفعه المشترى (الطاعن) سواء عند تحرير العقد الابتدائى أو بعد ذلك وبما بقى من الثمن عند تحرير العقد النهائى وحصلت من ذلك الثمن الذى اتفق عليه الطرفان بعد تحرير العقد الابتدائى، وكان هذا الاستخلاص مستمدا من عناصر ثابتة بأوراق الدعوى فإن النعى على الحكم بتشويه الوقائع أو مخالفة الثابت بالأوراق يكون فى غير محله.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائع النزاع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق فى أن الطاعن أقام الدعوى 2644 سنة 53 كلى الاسكندرية على المطعون عليهما وقال فى صحيفتها إنه اشترى 163 فدانا و17 قيراطا و5 أسهم بناحية مشال مركز بسيون من المطعون عليهما بموجب عقد إبتدائى تاريخه 20 يناير سنة 1951 بسعر الفدان 450 جنيها دفع منه 23274 جنيها و240 مليما - وأن باقى الثمن يدفع على قسطين متساويين كل منها 25199 جنيها و158 مليما - يستحقان فى 31 ديسمبر سنة 1951 وفى 31 ديسمبر سنة 1952 مع إضافة الفوائد بالنسبة للقسط الثانى - كما اتفق على تحرير العقد النهائى فى 31 ديسمبر سنة 1951 ولكن تحريره تراخى إلى أن وثق فى 3/ 8/ 1952. ونص فيه على أن الأطيان مساحتها 162 فدانا و16 قيراطا و21 سهما وأن سعر الفدان 390 جنيها وأن الثمن الإجمالى 63454 جنيها و221 مليما دفع منه المشترى 38473 جنيها و50 مليما - ويدفع باقى الثمن ومقداره 24981 جنيها و171 مليما فى 31 ديسمبر سنة 1952 مع الفوائد - وقال الطاعن إن قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 صدر فى سبتمبر سنة 1952 وكان يملك وقت صدوره حوالى 190 فدانا فصار مالكا لـ 352 فدانا باع منها لأولاده مائة فدان عملا بالمادة الرابعة من القانون وبقى ما يخضع للاستيلاء 52 فدانا و15 قيراطا - ولما كان صدور هذا القانون بما ترتب عليه من هبوط أثمان الأراضى الزراعية يعتبر ظرفا طارئا طبقا للمادة 147/ 2 مدنى فقد طلب من المطعون عليهما تخفيض ثمن الأطيان إلى الحد الذى قرره قانون الإصلاح الزراعى ثمنا للأراضى التى تخضع للاستيلاء أى بسعر الفدان 280 جنيها طبقا للضريبة المقررة ولكنهما رفضا واستطرد الطاعن فذكر أنه باع 52 فدانا من الأرض التى اشتراها لصغار الزراع طبقا للمادة الرابعة من ذلك القانون بعد أن اتفق مع المطعون عليهما على تحرير عقد شطب امتياز جزئى فى 18 أغسطس سنة 1953 عن هذا القدر وسدد باقى الثمن عدا مبلغ 7250 جنيها بقيت فى ذمته وانتهى إلى طلب الحكم ببراءة ذمته من هذا المبلغ وشطب حق الامتياز المقيد على الأطيان المبيعة مع إلزامها برد مبلغ 20450 جنيها المكمل لمبلغ 27700 جنيه وهو الفرق بين سعر الشراء بموجب العقد الابتدائى وبين سعر الاستيلاء طبقا لقانون الإصلاح الزراعى وقد أصدرت المحكمة الابتدائية حكمها فى 19 ديسمبر سنة 1954 حضوريا ببراءة ذمة المدعى (الطاعن) من مبلغ 2400 جنيه وإلزام المدعى عليهما (المطعون عليها) - المصروفات ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات - استأنف الطاعن هذا الحكم - كما استأنفه المطعون عليهما وقيد الاستئنافان برقمى 41 و257 سنة 11 إستئناف القاهرة وأصدرت محكمة الإستئناف حكمها فى 26 فبراير سنة 1956 بقبول الاستئنافين شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وبراءة ذمة المستأنف (الطاعن) من مبلغ 3125 جنيها و730 مليما مما تضمنته المحاسبة الحاصلة فى 3/ 8/ 1953 وألزمت المستأنف عليهما بالمصروفات المناسبة عن الدرجتين وقد طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض بتقرير فى 16 يوليه سنة 1956 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 22 نوفمبر سنة 1961 وفيها صممت النيابة على مذكرتها المتضمنة طلب رفض الطعن. وأصدرت دائرة الفحص قرارها بإحالة الطعن إلى الدائرة المدنية وبعد استيفاء الإجراءات اللاحقة لهذا القرار حدد لنظر الطعن جلسة 12 أبريل سنة 1962 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بنى على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن فى السبب الأول منها على الحكم المطعون فيه أنه شوه الوقائع حسبما هى ثابتة فى الأوراق ودفاع الطرفين - وفى بيان ذلك يقول الطاعن إن محكمة الاستئناف أخذت بدفاع المطعون عليهما من أنهما سبقتا المشرع إلى تخفيض الثمن من قبل صدور القانون 178 لسنة 1952 فى حين أن العقد النهائى تم فى 3 من أغسطس سنة 1952 أى قبل صدور قانون الإصلاح وقبل أن تبدو أية بادرة لإصداره - كما أن ذلك العقد قدم مشروعه للشهر العقارى فى 20 يوليه سنة 1952 قبل قيام الثورة - والنتيجة التى خلص إليها الحكم المطعون فيه باعتبار ثمن الفدان 409 جنيهات و920 مليما لا تطابق الثابت فى الأوراق ولا ما جاء بدفاع الطرفين الذى انحصر فيما إذا كان ثمن الفدان 450 جنيها كما جاء بالعقد الابتدائى أم 390 جنيها كما جاء بالعقد النهائى - ويضيف الطاعن أن ما ذكره الحكم المطعون فيه من أن عبارة خطاب 17 أبريل سنة 1952 قد جاءت قاصرة على تحميل الطاعن تبعة التقصير فى أداء مبلغ 7000 جنيه وأنها لا تؤدى إلى أن الثمن الذى انعقدت عليه إرادة الطرفين هو 450 جنيها للفدان - هذا الذى ذكره الحكم مشوب بفساد الإستدلال ذلك أن موافقة البائعتين على تأجيل هذا المبلغ تقطع فى أن الثمن هو 450 جنيها للفدان لأنه بإضافة المبلغ المبين بالخطاب المذكور إلى المبالغ المدفوعة من الطاعن قبل تحريره يتقرر بلا أدنى شك أن ثمن الفدان 450 جنيها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه باعتبار ثمن الفدان 409 جنيهات و920 مليما على قوله "ومن حيث إنه ثابت من الرجوع إلى العقد الإبتدائى أن المدفوع بموجبه من الثمن مبلغ 23274 جنيها و730 مليما ودفع المشترى أيضا 15000 جنيه، 3000 جنيه، 472 جنيها وأن الباقى من الثمن طبقا لما جاء بصلب العقد النهائى هو 24981 جنيها و171 مليما فيكون المجموع 66738 جنيها و511 مليما وهو ما تخلص منه المحكمة إلى أن الثمن الحقيقى للفدان فى مجموع الصفقة وقدرها 162 فدانا و17 قيراطا و5 أسهم هو 409 جنيهات و920 مليما ومن حيث إن القول من جانب المشترى أن العبرة بما ورد فى الاتفاق الأول وأنه غير معقول أن يطبق البائع أحكام القانون 452 لسنة 1953 قبل صدوره فيتنازل من تلقاء نفسه مقدما عن جزء كبير من الثمن. هذا القول مردود بشقيه فلطرفى العقد إجراء أى تعديل فى نصوصه الأولى والمعول عليه هو ما ينتهى إليه اتفاقهما الأخير فى حدود القانون والنظام العام وليس ثمة ما يحول دون اتفاقهما - أو يعيب مثل هذا الإتفاق على تعديل السعر إذا استشعر كلاهما أنه ثمن مرهق نظرا لما أصاب أسعار القطن من تدهور شديد فى الفترة بين تاريخ العقد الابتدائى والنهائى وما أصاب الحالة الإقتصادية بوجه عام من كساد وركود نتيجة لذلك اضطر معهما الشارع إلى التدخل فى النصف الأول من عام 1952 بإصدار عدة تشريعات لموازنة أسعار القطن وصيانة الثروة العامة المرتبطة به" - ويبين من هذا الذى أورده الحكم أن المحكمة إزاء الخلاف على تحديد الثمن المتفق عليه - رأت فى سبيل الوصول إلى حقيقة ما انعقدت عليه إرادة الطرفين فى هذا الخصوص وفى حدود سلطتها التقديرية - أن تحدد ثمن الصفقة بمجموع ما دفعه الطاعن سواء عند تحرير العقد الإبتدائى أو بعد ذلك وبما بقى من الثمن عند تحرير العقد النهائى. وحصلت من ذلك أن الثمن الذى اتفق عليه الطرفان بعد تحرير العقد الإبتدائى هو 409 جنيهات و920 مليما للفدان - ولما كان هذا الإستخلاص مستمدا من عناصر ثابتة فى أوراق الدعوى فإن النعى على الحكم بتشويه للوقائع أو مخالفة الثابت فى الأوراق يكون فى غير محله أما تعييب الحكم فيما ذكره عن مؤدى خطاب 17 أبريل سنة 1952 فمردود بأن عبارة هذا الخطاب صريحة فى أن الباقى من مقدم الثمن فى ذمة الطاعن عند تحرير هذا الخطاب هو 7000 ج وهذه العبارة لا تؤدى إلى المعنى الذى يحمله إياها الطاعن.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن فى السبب الثانى أن الحكم خالف القانون ذلك أنه كان يملك 190 ف زادت بشرائه الأطيان من المطعون عليهما إلى 352 فدانا فلم يكن له بحسب قانون الإصلاح الزراعى إلا أن يحتفظ لنفسه بمائتى فدان أما ما زاد عن ذلك فإنه يخضع للاستيلاء - ولكن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ قصر تطبيق القانون 452 لسنة 1953 على القدر البالغ 52 ف و15 ط و4 س وهو ما باعه الطاعن إلى صغار الزراع دون المائة فدان التى باعها لأولاده مع اتحاد العلة القانونية فى الحالتين.
وحيث إن هذا النعى فى غير محله - ذلك أن القانون 452 لسنة 1953 نص فى مادته الأولى على أنه "إذا كان سند المستولى لديه عقد بيع ثابت التاريخ قبل 23 يوليو سنة 1952 وكان الأجل المعين للوفاء بالثمن كله أو بعضه يحل أصلا بعد هذا التاريخ تحمل كل من البائع والمشترى نصف الفرق بين ثمن المستولى عليه من الأرض المبيعة والتعويض المستحق له..." وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية عن غرض الشارع من أن هذا القانون لا ينطبق إلا بالنسبة للأراضى التى تستولى عليها الحكومة فقالت "وفى نفس الوقت ستقوم الحكومة بالاستيلاء على بعض هذه الأراضى التى لم يسدد ثمنها بالكامل بعد بأسعارها الحقيقية فكان لزاما أن يحدد موقف كل من البائع والمشترى كل من الآخر" - ومفاد ذلك أن القانون 452 لسنة 1953 لا ينطبق إلا فى خصوص الأراضى التى تستولى عليها الحكومة فعلا تنفيذا للقانون 178 لسنة 1952 والتى تحدد سعرها على الأساس المبين بهذا القانون - ولما كان ما تصرف فيه الطاعن إلى أولاده لا يعد من الأطيان التى استولت عليها الحكومة فان النعى على الحكم بعد تطبيق القانون 452 لسنة 1953 بالنسبة لتلك الأطيان يكون متعين الرفض.
وحيث إن الطاعن ينعى فى السبب الثالث على الحكم المطعون فيه خطأه فى القانون لأنه لم يطبق نظرية الظروف الطارئة إلا بالنسبة للقدر 52 ف 15 ط 4 س المبيع منه لصغار الزراع وذلك إعمالا للقانون 452 لسنة 1953 مع أن هذا القانون ينص صراحة فى الفقرة الأخيرة منه - على عدم الإخلال بحقوق الطرفين طبقا لأحكام القانون المدنى. وكان يتعين تطبيق حكم المادة 147/ 2 مدنى بالنسبة لباقى الأطيان التى باعها اليه المطعون عليهما والخارجة عن مجال تطبيق القانون 452 سنة 1953 وقد علل الحكم المطعون فيه قضاءه بقوله "إن هبوط أسعار الأطيان التى تستولى عليها الحكومة لم يكن نتيجة مترتبة على صدور قانون الإصلاح الزراعى وحده دون اعتبار لباقى الظروف الإقتصادية التى عاصرت صدور هذا القانون. وهذه الأسباب وإن كونت فى مجموعها حادثا طارئا استثنائيا يبيح تدخل القاضى لرد الالتزام إلى الحد المعقول إلا أنه من المقرر أن للمدين أن ينزل عن حقه فى التمسك بالحادث الطارئ وأن يتعهد بالوفاء كاملا غير منقوص. ويعتبر هذا الإتفاق بعد وقوع الحادث جائزا قانونا - وما منعه الشارع وأضافته لجنة المراجعة للقانون المدنى هو حصول الإتفاق السابق على تحميل المدين وحده تبعة الحادث الطارئ - أما النزول عن الحق باتفاق جديد بعد وقوع الحادث الطارئ فهذا لا يمتد إليه جزاء البطلان لأنه لا يحاط بشبهة الضغط على المدين الذى قدر ظروفه الخاصة ووقع على إلتزام جديد تعهد فيه بالوفاء وقد تعهد المشترى من جديد للبائعتين فى عقد الشطب المؤرخ 18/ 8/ 1953 بأداء جميع الباقى من الثمن وفوائده فى المواعيد المتفق عليها" - وينعى الطاعن على هذا الاستخلاص بانه غير سائغ وفيه تشويه للوقائع - ذلك أن الطاعن لم يوقع على عقد الشطب المشار إليه إلا تحت تأثير الضغط الذى يتمثل فى تهديد المطعون عليهما بسند البيع الرسمى المشمول بصيغة التنفيذ وباستعمال حق الامتياز الذى لم يقبلا شطبه إلا جزئيا - كما أن التنازل عن الحقوق لا يفترض ويجب أن تتجه إليه النية الصريحة وأن يكون المتنازل على بينة من الأمر والطاعن لم تتجه نيته مطلقا إلى التنازل عن حقه فى التمسك بالظرف الطارئ الذى جعله الشارع من النظام العام - وأبطل كل اتفاق يقع على خلافه - ويؤيد فساد ما ذهب إليه الحكم أن القانون 452 لسنة 1953 وهو من أسانيد الطاعن فى طلب تخفيض الثمن لم يصدر إلا فى 18 أغسطس سنة 1953 بعد تحرير عقد الشطب. ويضاف إلى ذلك أن المطعون عليهما لم يتمسكا بحصول التنازل الذى خلقته محكمة الاستئناف واثارته من تلقاء نفسها.
وحيث إن هذا النعى فى غير محله - ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن قرر امكان تطبيق نظرية الحوادث الطارئة على باقى أطيان الصفقة التى لا ينعطف عليها حكم القانون 452 سنة 1953 انتهى إلى أن تطبيقها ممتنع فى خصوص هذه الدعوى لاسباب محصلها - 1 - أن هبوط الأسعار لم يكن نتيجة مترتبة على صدور قانون الإصلاح الزراعى وحده دون اعتبار لباقى الظروف الإقتصادية التى عاصرت صدور القانون - وهذه الأسباب وإن كونت فى مجموعها حادثا طارئا استثنائيا يبيح تدخل القاضى لرد الإلتزام إلى الحد المعقول إلا أنه من المقرر أن للمدين أن ينزل عن حقه فى التمسك بالحادث الطارئ وأن يتعهد بالوفاء بالتزامه غير منقوص. ويعتبر هذا إتفاقا جائزا - والنزول عن الحق باجراء اتفاق جديد بعد وقوع الحادث الطارئ لا يمتد إليه جزاء البطلان لأنه لا يحاط بشبهة الضغط على المدين الذى قدر ظروفه ووقع على التزام جديد - 2 - أن الطاعن احتفظ لنفسه وأولاده بأحسن أجزاء الصفقة التى تمتاز بوجود منشآت ومبان وطلمبات لم تشتمل عليها العقود الصادرة منه لصغار الزراع. وهو يقرر أن الأثمان التى تدون فى العقود النهائية لا تعبر عن الحقيقة للرغبة فى تخفيض رسوم التسجيل وهو ما يدعو للاعتقاد أن ثمن الفدان فى الارض المبيعة لصغار الزراع يزيد على 300 جنيه ومن ثم يكون الجزء الباقى من الصفقة يربو فى قيمته الحقيقية عن هذا السعر - ويبين من هذا أن الحكم المطعون فيه قد عول فى رفض طلب تطبيق المادة 147/ 2 من القانون المدنى على ما باعه لأولاده - أولهما - أن صدور القانون 178 لسنة 1952 ليس من شأنه جعل تنفيذ الإلتزام مرهقا للطاعن - وثانيهما - أن الطاعن نزل عن التمسك بحقه فى تطبيق الظروف الطارئة بعد قيامها - ولما كان تدخل القاضى لرد الإلتزام إلى الحد المعقول طبقا للمادة 147/ 2 مدنى وهو رخصة من القانون يجب لاستعمالها تحقق شروط معينة اهمها شرط الإرهاق المهدد بخسارة فادحة وتقدير ذلك منوط بالإعتبارات الموضوعية بالنسبة للصفقة ذاتها - ولما كان الحكم المطعون فيه قد دلل من ظروف الصفقة وملابساتها على انتفاء ذلك الشرط على ما سبق بيانه - وكان ما قرره فى هذا الشأن سائغا ومما يدخل فى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع وكان يكفى لحمل قضائه فانه لا جدوى من تعييب الحكم فيما قرره عن نزول الطاعن عن الحق فى التمسك بالظروف الطارئة لأن ما قرره الحكم فى هذا الشأن يستقيم الحكم بدونه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن متعين الرفض.


(1) راجع نقض 7/ 12/ 1961 مجموعة المكتب الفنى س 12 رقم 125 ونقض 31 مايو سنة 1961 مجموعة المكتب الفنى س 12 رقم 69 "مناط تطبيق نظرية الحوادث الطارئة قيام الالتزام من الطرفين. امتناع تطبيقها عند تغيير الالتزام" ونقض 8/ 11/ 1951 مجموعة المكتب الفنى س 3 رقم 5 "قوام نظرية الحوادث الطارئة عمل المحاكم أن يكون الحادث استثنائيا وغير متوقع وقت انعقاد العقد".