أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 646

جلسة 23 من مايو سنة 1962

برياسة السيد/ محمد فؤاد جابر نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين/ أحمد زكى محمد، وأحمد أحمد الشامى، ومحمد عبد الحميد السكرى، ومحمد عبد اللطيف مرسى.

(98)
الطعن رقم 298 لسنة 27 القضائية

التزام المرافق العامة. "إسقاط الإلتزام". قبول الإدارة تنفيذ عقود العمل بعد الإسقاط. "أثره". "إنهاء عقد العمل قبل نهاية مدته". تعويض. مسئولية. "مسئولية عقدية".
استيلاء الادارة على المرفق العام ثم إسقاطها الالتزام عن الملتزم السابق وإدارتها المرفق مباشرة. قبولها بقاء عمال وموظفى الملتزم السابق فى أعمالهم. إسناد تسيير المرفق من جديد إلى ملتزم آخر بشروط من بينها أن له الخيرة فى الاستغناء عمن يرى الاستغناء عنه من كبار موظفى الملتزم السابق مع التزامه تشغيل عماله. إنهاء جهة الادارة عقد العامل - الذى لم يشأ الملتزم الجديد الاحتفاظ به - قبل نهاية مدته من جانبها بعد أن قبلت تنفيذه من وقت الاستيلاء على المرفق - وبعد إسقاط الالتزام عن الملتزم الأول - حتى تاريخ الانهاء موجب لمساءلتها عن هذا الانهاء ونتائجه.
لا شأن لهذه الحالة بآثار إسقاط الالتزام على العقود والالتزامات المبرمة بين الملتزم السابق والغير(1).
متى كان يبين من الأوراق أن الإدارة قد تولت بنفسها تسيير المرفق مؤقتا بموجوداته وعماله وموظفيه نفاذا للأمر العسكرى رقم 89 سنة 1954 الصادر بالاستيلاء المؤقت على المرفق ثم عادت وأسقطت الإلتزام عن الملتزم السابق وظلت تدير المرفق حتى وضعت قائمة شروط جديدة لتسييره كان من بينها التزام الملتزم الجديد بتشغيل عمال الملتزم السابق بحيث تكون له الخيرة فى الاستغناء عمن يرى الاستغناء عنه من كبار موظفى الملتزم السابق ومن بينهم المطعون عليه الأول فلم يشأ الملتزم الجديد إبقاء الأخير وأخطر بذلك جهة الإدارة التى قامت بإنهاء العقد (المحدد المدة) وتحديد مكافأته، وكان مؤدى ذلك أن إنهاء العقد قد وقع بناء على عمل إيجابى من جانب الإدارة بعد أن قبلت تنفيذه المدة من وقت الاستيلاء على المرفق - وبعد إسقاط الإلتزام - حتى تاريخ إنهائها للعقد، فحققت بذلك مساءلتها عن هذا الإنهاء وما يترتب عليه من نتائج، وذلك بصرف النظر عن البحث فى آثار إسقاط الالتزام ومدى تقيد جهة الإدارة بآثار العقود والالتزامات المبرمة بين الملتزم السابق والغير. ومن ثم فالحكم المطعون فيه إذ أسس قضاءه بالتعويض عن فسخ الإدارة عقد المطعون عليه الأول من جانب واحد وقبل إنتهاء مدته، لا يكون قد خالف القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 143 سنة 1956 عمال كلى القاهرة ضد الطاعنة والمطعون عليه الثانى طالبا إلزامهما بطريق التضامن بأن يدفعا له مبلغ 2522 ج و880 م والفوائد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال شرحا لدعواه إنه عندما منحت شركة مينا التزام استغلال خطوط المجموعة الأولى من خطوط أوتوبيس القاهرة التحق بخدمتها بمقتضى عقد لمدة خمس سنوات تبدأ من أول يوليو سنة 1953 وتنتهى فى 30 يونيو سنة 1958 للقيام بأعمال رئيس إدارة الحسابات والمهايا بالشركة بمرتب تبلغ قيمته مع إعانة غلاء المعيشة سبعين جنيها شهريا وظل يباشر عمله حتى صدر الأمر العسكرى رقم 89 فى 17 أبريل سنة 1954 الذى قرر الاستيلاء على سيارات الأوتوبيس وكافة الموجودات المستخدمة فى استغلال المجموعة الأولى من خطوط الأوتوبيس المشار إليها وذلك بصفة مؤقتة لاستغلالها بمعرفة بلدية القاهرة فى مرفق النقل على الخطوط المذكورة واستمر المطعون عليه الأول فى عمله مع البلدية فى هذا المرفق حتى صدر القانون رقم 686 لسنة 1954 بالإذن لها فى منح هذا الالتزام للمطعون عليه الثانى فأرسلت البلدية للمطعون عليه الأول خطابا مؤرخا فى 6 يونيو سنة 1955 تخطره فيه بفسخ عقده ثم أردفت ذلك بخطاب آخر تبلغه أن تاريخ انتهاء عقده حدد بيوم 7 يوليو سنة 1955 وأن الفترة من 6 يونيو سنة 1955 إلى 5 يوليو سنة 1955 تعتبر فترة الثلاثين يوما المنصوص عليها فى المادة 36 من المرسوم بقانون رقم 317 سنة 1952 وطلبت منه استلام مكافأته عن مدة عمله تحت إدارة البلدية منذ 8 أبريل سنة 1954، ولما كان هذا الفصل بغير حق فإنه يطالب بأجره عن المدة الباقية من عقده وبجلسة 27 أكتوبر سنة 1956 قضت المحكمة برفض دعواه، فطعن فيه بالاستئناف رقم 104 سنة 74 ق - استئناف القاهرة وقضت المحكمة الاستئنافية بجلسة 30 يونيو سنة 1957 بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام الطاعنة بأن تدفع له مبلغ ألف جنيه والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وأعلن الحكم للطاعنة فى 22 يوليو سنة 1957 فقررت بالطعن فيه بالنقض فى 21 أغسطس سنة 1957 طالبة نقضه للأسباب الواردة بتقرير الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة 6 نوفمبر سنة 1960 إحالته على هذه الدائرة حيث صممت الطاعنة على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليه الأول رفضه وصممت النيابة العامة على طلب نقض الحكم.
وحيث ان الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد نعت فيه الطاعنة على الحكم المطعون فيه انه خالف القانون واخطأ فى تطبيقه من وجهين يتحصل أولهما فى أن الحكم قد قرر أن الطاعنة بعد أن استولت على إدارة المرفق مؤقتا تكون فى مركز الحارس الخاص على شركة مينا وانه لا مجال فى واقعة الدعوى للتحدث عن هذه الشركة إذ هى قد رفعت يدها عن المرفق ولم يكن لها دخل فى فصل المطعون عليه الأول، لأن الطاعنة هى التى فصلته فأصبحت مسئولة عن التعويض وهى وشأنها مع الشركة ان كان لها حق قبلها، وهذا الذى قرره الحكم يقوم على فهم خاطئ لطبيعة المرفق العام وأحكام عقد التزامه وعلاقة الملتزم بالدولة ذلك ان الدولة تهدف عن طريق المرافق العامة إلى تحقيق النفع العام للمجتمع وهى مظهر سلطانها تديرها بنفسه أو بواسطة غيرها من الأفراد أو الهيئات عن طريق منحها التزام إدارة المرفق ولكن هذا الالتزام لا يغير من طبيعة المرفق الذى يظل مؤسسا على فكرة النفع العام ولا يعدو الملتزم أن يكون نائبا فى هذه الإدارة عن الدولة التى تملك سحب الإلتزام فى أى وقت لإدارته بنفسها أو الغاء المرفق أو تعديل طريقة إدارته حسبما يبين لها وجه المصلحة فيه، وفى واقعة الدعوى رأت الدولة أن تعهد بادارة مرفق النقل المشار إليه إلى شركة مينا عن طريق الإلتزام فلما تبينت الطاعنة عجز هذه الشركة عن إدارة المرفق اسقطت عنها الإلتزام وسحبت منها إدارة المرفق واستولت على الموجودات بوصف انها أموال عامة مخصصة لخدمة المرفق ولازمة لإدارته وبهذا الاسقاط انتهت كل علاقة لشركة مينا وعمالها وموظفيها بادارة المرفق وانتقلت تلك الإدارة إلى الدولة فورا وتفاديا من تعطيل سير المرفق اصدر الحاكم العسكرى أمره المشار إليه بابقاء موظفى الشركة وعمالها لإدارة المرفق بصفة مؤقتة ريثما تستقر البلدية على رأى فى طريقة إدارته، ثم انتهت البلدية إلى أن عهدت بالإلتزام إلى المطعون عليه الثانى وكان يسع البلدية الا تعنى بأمر عمال ومستخدمى شركة مينا بعد ان عهدت إلى الملتزم الجديد بادارة المرفق ولكنها رأت رأفة بهم ان تشترط عليه فى المادة 55 قائمة شروط المزاد أن يعين عمال الشركة وموظفيها الصغار أما كبار الموظفين فقد تركت له الحرية فى الاستغناء عن خدمات من لا يرى فيه الصلاحية للتعاون معه وكان المطعون عليه الأول أحد الذين رأى الملتزم الجديد عدم صلاحيتهم للتعاون معه فاخطر بذلك البلدية وهى بدورها تولت اخطاره وهذا يوضح ان قطع صلة المطعون عليه الأول بادارة المرفق كان نتيجة طبيعية وأثرا من أثار سحب الإلتزام من شركة مينا التى كان متعاقدا معها وان عقده مع الشركة لازال قائما ولا تأثير لاسقاط الإلتزام عن الشركة عليه ولا علاقة للطاعنة بذلك بل لا يتصور أن تتدخل فى هذا العقد بأى طريقة سواء بتعديله أو انهائه لأنها ليست طرفا فيه، ولم يكن الملتزم الجديد ملزما بأن يلحق المطعون عليه الأول بعمله كما لم يكن للبلدية الحق فى أن تفرض ذلك عليه، ومن ثم فلا وجه لإلزام البلدية بالتعويض المطلوب ويتحصل الوجه الثانى فى أن قضاء الحكم المطعون فيه بالزام الطاعنة بالتعويض لا يمكن أن يحمل إلا على معنى أن البلدية خلفت شركة مينا فيما لها وما عليها وقد بينت الطاعنة لمحكمة الإستئناف خطأ القول بالاستخلاف فى هذا المقام لان اسقاط الإلتزام لا ينطوى على حل شركة مينا أو تصفيتها إذ أن هذه الشركة لازالت قائمة ولها كيانها وذمتها المالية الخاصة ولازالت عقودها مع مستخدميها سارية - والتزاماتها نحوهم باقية وقد شاب الحكم المطعون فيه قصور فى تسبيبه اذ لم يرد على هذا الدفاع.
وحيث إن هذا النعى مردود فى وجهيه ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه على "ان المستأنف - المطعون عليه الأول - صاحب حق فى التعويض عن فسخ عقده من جانب واحد قبل انتهاء مدته بنحو ثلاث سنوات كما ترى لهذا ان الدفع المقدم من البلدية بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة قولا منها بأن عقد المستأنف غير قائم فى مواجهة البلدية هو دفع واجب الرفض فقد نفذت البلدية هذا العقد لمدة تزيد على سنة من وقت استلام المرفق إلى يوم 6 يونيو سنة 1955 وحتى عند انهاء عمل المستأنف فقد أقرت فى خطابيها بحقوقه التى تعترف له بها على أساسه"، وهذا الذى قرره الحكم لا مخالفة فيه للقانون ذلك انه بصرف النظر عن البحث فى اثار اسقاط الالتزام أو استرداده ومدى تقيد جهة الإدارة باثار العقود والالتزامات المبرمة بين الملتزم السابق والغير فان الثابت فى خصوصية هذا النزاع ان الإدارة قد تولت بنفسها تسيير المرفق مؤقتا بموجوداته وعماله وموظفيه بما فيهم المطعون عليه الأول وذلك نفاذا للأمر العسكرى رقم 89 سنة 1954 الصادر بالاستيلاء المؤقت على المرفق ثم عادت فاسقطت الالتزام عن شركة مينا - الملتزم السابق - ووضعت قائمة شروط جديدة لتسييره وكان من بينها إلزام الملتزم الجديد بتشغيل عمال الملتزم السابق كما جعلت الخيرة للمتلزم الجديد فى الاستغناء عمن يرى الاستغناء عنه من كبار موظفى الملتزم السابق ومنهم المطعون عليه الأول فلم يشأ الملتزم الجديد الابقاء على المطعون عليه الأول واخطر جهة الإدارة بذلك فقامت بدورها باخطاره بانهاء عقده وتحديد مكافأته بخطابيها المؤرخين فى 6 و7 يونيو سنة 1955 ولما كان انهاء عقد المطعون عليه الأول قد وقع على هذه الصورة وبناء على عمل ايجابى من جانب الطاعنة اذ تولت هى اخطاره بهذا الانهاء وتحديد مكافأته طبقا لذلك العقد بعد أن كانت قد قبلت تنفيذه مدة تزيد على سنة من وقت الاستيلاء على المرفق حتى 6 يوليو سنة 1955 فحقت بذلك مساءلتها عن هذا الانهاء ونتائجه والحكم المطعون فيه اذ انتهى إلى هذه النتيجة لا يكون قد خالف القانون ومن ثم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.


(1) راجع نقض 22 نوفمبر سنة 1961 مجموعة المكتب الفنى س 12 ص 696 "إسقاط الالزام يضع حدا فاصلا بين إدارة الملتزم والحراسة الادارية على المرفق وبين الادارة الحكومية للمرفق يعد إسقاط الالتزام. الحكم الصادر ضد الملتزم والحراسة لا ينسحب أثره إلى المرفق ذاته بعد إسقاط الالتزام".