أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 693

جلسة 24 من مايو سنة 1962

برياسة السيد/ حافظ سابق رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد متولى عتلم، ومحمد زعفرانى سالم، ومحمود القاضى، وأحمد شمس الدين.

(103)
الطعن رقم 478 لسنة 26 القضائية

عقد. "ماهية العقد ونطاقه". محكمة الموضوع. هبه.
لمحكمة الموضوع سلطة تعرف حقيقة العقد محل النزاع واستظهار مدلوله من عباراته على ضوء الظروف التى أحاطت بتحريره وما يكون قد سبقه أو عاصره من اتفاقات عن موضوع التعاقد ذاته.
استخلاص الحكم صدور الهبة إلى الموهوب له بصفته نائبا عن أهالى بلدة معينة لبناء مدرسة لا بصفته الشخصية، مما حصله من عبارات العقدين الابتدائى والنهائى ومن ظروف التعاقد وملابساته، استخلاصا سائغا لا يجافى المنطق ولا يناقض الثابت بالأوراق. لا مخالفة فى ذلك للقانون.
لمحكمة الموضوع السلطة فى تعرف حقيقة العقد المتنازع عليه واستظهار مدلوله مما تضمنته عباراته على ضوء الظروف التى أحاطت بتحريره وما يكون قد سبقه أو عاصره من اتفاقات عن موضوع التعاقد ذاته. فإذا كان يبين من الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع وهى بصدد الفصل فى الخصومة التى قامت بين الطاعنة والمطعون عليهم حول ما إذا كانت الهبة قد صدرت من الواهب لمورث الطاعنين الأولين والطاعن الثالث بصفتهما الشخصية أو باعتبارهما نائبين عن أهالى بلدة معينة لبناء مدرسة بها قد رجعت، بجانب ما تضمنه العقدان الإبتدائى والنهائى من عبارات، إلى ظروف التعاقد وملابساته واستخلصت من ذلك أن فكرة إنشاء المدرسة قد نبتت لدى الأهالى وأن تشييدها كان تنفيذا لهذه الفكرة وأن الهبة قد صدرت من الواهب تنفيذا لهذا الغرض، وكان هذا الذى استخلصته محكمة الموضوع سائغا لا يجافى المنطق ولا يناقض الثابت بالأوراق فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد أخطأ تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق فى أن المرحوم محمود أحمد محمدين (مورث الطاعنين الأول والثانى) وحسن محمد بسيونى (الطاعن الثالث) أقاما الدعوى رقم 1188 سنة 1950 مدنى كلى الاسكندرية ضد المطعون عليهم وطلبا الحكم بتثبيت ملكيتهما للعقار الموضح الحدود والمعالم بصحيفة افتتاح الدعوى... وقالا فى بيان دعواهما إنهما يمتلكان قطعة أرض مساحتها 281.30 مترا مربعا آلت إليهما بمقتضى عقد هبة رسمى محرر فى 23/ 5/ 1948 ومسجل فى 4/ 7/ 1948 - صادر لهما من المسيو جوزيف سموحه. وأقاما على مساحة 300 ذراع مربع منها مبنى مكونا من بدروم ودورين إستأجرته وزارة التربية والتعليم لاستعماله مدرسة. وقد نازعهما المطعون عليهم بغير حق فى الملكية بحجة أنهما تجاوزا حدود التوكيل المعطى لهما من أهالى عزبة سعد ووقعا عقد الهبة باسميهما مع أن هذه الهبة كانت لأهالى العزبة لاقامة مدرسة عليها وأن المبانى أقيمت بأموال الأهالى، وأقاموا الدعوى رقم 318 سنة 1950 مستعجل الإسكندرية يطلبون فيها إقامة حارس قضائى على المدرسة وقضى بتاريخ 2/ 3/ 1950 بإقامة المطعون عليه الأخير حارسا قضائيا عليها لإستلامها وتحصيل ريعها وإيداع صافيه خزانة المحكمة حتى يفصل فى النزاع القائم حول ملكية المدرسة أرضا وبناء وبتاريخ 11/ 6/ 1951 قضت محكمة الاسكندرية الابتدائية بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعيان أنهما قاما بتشييد وإعداد المدرسة موضوع النزاع من مالهما الخاص وليثبت المطعون عليهم أن المدرسة شيدت وأعدت من الأموال التى تبرع بها الأهالى، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين إثباتا ونفيا قضت بتاريخ 18/ 2/ 1952 برفض الدعوى... استأنف مورث الطاعنين الأول والثانى والطاعن الثالث هذا الحكم بالاستئناف رقم 141 سنة 8 ق أمام محكمة استئناف الاسكندرية وطلبا إلغاءه والقضاء لهما بطلباتهما التى أبدياها أمام محكمة أول درجة - وبتاريخ 27/ 5/ 1956 قضت المحكمة حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.. وطعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 12/ 2/ 1961 حيث طلب الطاعنون إحالة الطعن إلى هذه الدائرة لتقضى بنقض الحكم وصممت النيابة العامة على رأيها الذى أبدته بمذكرتها تلك، وبتاريخ 26 فبراير سنة 1961 قررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة - وبعد استيفاء الإجراءات التالية لقرار الإحالة عرض الطعن على هذه الدائرة بجلسة 3/ 5/ 1962 فصمم الطاعنون على طلب نقض الحكم المطعون فيه وصمم المطعون عليهما الأولان على طلب رفض الطعن كما أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن بنى على خمسة أسباب يتحصل السببان الأول والرابع منها فى أن الحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه برفض الدعوى تأسيسا على ما قرره من أن عقد الهبة لم يصدر لمورث الطاعنين الأولى والثانى وللطاعن الثالث بصفتهما الشخصية بل صدر لأهالى عزبة سعد ممثلين فى لجنة البر لأهالى هذه العزبة قد جاء مخالفا للقانون ومشوبا بالبطلان، ذلك أن الحكم عول على ما ورد بالعقد الابتدائى المؤرخ 18/ 1/ 1948 من أن الطاعن الثالث ومورث الباقين قد تعاقدا مع المسيو جوزيف سموحة بصفتهما نائبين عن أهالى عزبة سعد وعلى ما ورد بالعقد النهائى المؤرخ 23/ 5/ 1948 من عبارة مشطوبة تفيد هذا المعنى - فى حين أن العقد الابتدائى قد نسخه العقد النهائى وأصبح هو المعول عليه باعتباره قانون المتعاقدين الذى يحكم العلاقة بينهما، وقد أصبحت تلك العبارة بعد شطبها معدومة الأثر بل ان المستفاد من شطبها هو عدول العاقدين عنها لا إقرارهم لها. ويضيف الطاعنون أن الحكم اخطأ إذ لجأ إلى تفسير عقد الهبة بحجة التعرف على إرادة الواهب - والبواعث التى دفعته إلى التعاقد مع أن عبارة العقد واضحة وصريحة فى نقل ملكية الأرض الموهوبة إلى الطاعن الثالث ومورث الباقين بصفتهما الشخصية. ولا يجوز الانحراف عن معناها الظاهر إلى معنى آخر وفقا لحكم المادة 150 من القانون المدنى.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه أورد فى خصوص ما تضمنه هذا النعى ما يأتى:
"ومن حيث إن المدعيين لا ينازعان فى أن فكرة انشاء المدرسة نبتت لدى أهالى عزبة سعد فى أواخر سنة 1947 وكان انشاؤها تنفيذا لهذه الفكرة إلا أنهما يستندان فى ملكيتهما للارض التى أقيمت عليها المدرسة إلى أن عقد الهبة صدر باسمهما خاصة... ومن حيث إن عقد الهبة الابتدائى تم بتاريخ 18/ 1/ 1948 تنفيذا للوعد السابق... وبالاطلاع على هذا العقد تبين أنه محرر بين يوسف سموحة طرف أول ومحمود أحمد محمدين وحسن محمد بسيونى طرف ثان يمثلان أهالى عزبة سعد ونص فى صدر العقد على أن أهالى عزبة سعد رغبوا فى انشاء مدرسة للتعليم ومساهمة من الطرف الأول فى هذا العمل منح الطرف الثانى بلا مقابل قطعة أرض لإقامة المدرسة عليها وأعيد النص فى البند الأول من العقد (أن الطرف الأول تنازل ووهب إلى أهالى عزبة سعد النائب عنهم حضرات محمود أحمد محمدين وحسن محمد بسيونى). ومن حيث إنه من نصوص هذا العقد مقطوع بأن الأرض وهبت لأهالى عزبة سعد لإقامة مدرسة عليها وناب عن الموهوب لهم المدعيان بقبول الهبة.
ومن حيث إنه بالاطلاع على عقد الهبة الرسمى تبين أنه محرر بتاريخ 23/ 5/ 1948 وأثبت الموثق حضور: 1 - السيد/ جوزيف سموحه طرف أول. 2 - محمود أحمد محمدين. 3 - حسن محمد بسيونى. ثم كتبت هذه العبارة وشطب عليها "وهذان الشخصان رقم 2 و3 يتعاقدان بصفتهما نائبين عن أهالى عزبة سعد" ثم كتبت بعد ذلك العبارة الآتية "بما أن أهالى عزبة سعد رغبوا فى أن ينشئوا مدرسة للتعليم وبما أن جناب السيد/ جوزيف سموحه الطرف الأول أراد المساهمة فى هذا العمل فمنح الطرف الثانى قطعة أرض من أملاكه لإقامة المدرسة المذكورة بلا مقابل" ثم كتب بعد ذلك نص العقد الابتدائى...... ومن حيث إن نص عقد الهبة صورة لما ورد بالعقد النهائى وأن الهبة لأهالى عزبة سعد لإنشاء مدرسة عليها فشطب العبارة الدالة على صفة من تلقى الهبة لم يكن ليغير من طبيعة الهبة ولفرض الواهب وإنما كان كما قال المدعى عليهم لتسهيل إجراءات العقد الرسمى وشهره......" وقد أيد الحكم المطعون فيه هذا النظر وأورد بشأنه ما يأتى: "وحيث إن نصوص عقد الهبة الابتدائى الرقيم 18/ 1/ 1948 والعقد الرسمى الرقيم 23/ 5/ 1948 صريحة فى ان مورث المستأنفين الأربعة الأول والمستأنف الأخير تعاقدا مع المسيو جوزيف سموحه بصفتهما نائبين عن أهالى عزبة سعد وليس بصفتهما الشخصية". ولما كان يبين مما ورد بالحكمين المذكورين أن محكمة الموضوع وهى فى سبيل الفصل فى الخصومة التى قامت بين الطاعنين والمطعون عليهم حول ما إذا كانت الهبة قد صدرت من الواهب لمورث الطاعنين الأولى والثانى وللطاعن الثالث بصفتهما الشخصية أو باعتبارهما نائبين عن اهالى عزبة سعد قد رجعت بجانب ما تضمنه العقدان الابتدائى والنهائى من عبارات إلى ظروف التعاقد وملابساته واستخلصت من ذلك أن فكرة إنشاء المدرسة نبتت لدى أهالى العزبة وأن تشييدها كان تنفيذا لهذه الفكرة وأن الهبة صدرت من الواهب تنفيذا لهذا الغرض. وكان هذا الذى استخلصته محكمة الموضوع سائغا لا يجافى المنطق ولا يناقض الثابت بالأوراق وكان لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تعرف حقيقة العقد المتنازع عليه واستظهار مدلوله مما تضمنته عباراته على ضوء الظروف التى أحاطت بتحريره - وما يكون قد سبقه أو عاصره من اتفاقات عن موضوع التعاقد ذاته فإنه ما ينعاه الطاعنون على الحكم فى هذا الصدد يكون على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن حاصل السببين الثانى والخامس هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ القانون وجاء مشوبا بالقصور إذ استند إلى التوكيل المؤرخ 22/ 11/ 1947 الصادر من مورث الطاعنين الأولى والثانى للأستاذ ابراهيم طلعت المحامى فى القول بأن الأرض التى أقيمت عليها المدرسة لم توهب لهذا المورث وللطاعن الثالث بصفتهما الشخصية بل وهبت لأهالى عزبة سعد وكذلك حين قال إن الإشارة إلى هذه اللجنة فى التوكيل يدل على أنها كانت فى طور التكوين ذلك ان الطاعنين تمسكوا فى دفاعهم بأن لجنة البر لأهالى عزبة سعد لم يكن لها وقت صدور التوكيل كيان قانونى يسمح لها بإبرام التصرفات القانونية وأن العبرة فى هذا المقام هى بالوجود القانونى فلا يصلح هذا التوكيل دليلا على قيام تلك اللجنة - هذا إلى أن الثابت بالأوراق ان التوكيل لم يستعمل فى إبرام العقد النهائى وأن مورث الطاعنين الأولى والثانى والطاعن الثالث لم يمثلا فى التعاقد بصفتهما نائبين عن لجنة البر بموجب التوكيل المذكور بل مثلا فيه بصفتهما الشخصية وليس ثمة ما يمنع من أن تصدر الهبة لهما بهذه الصفة بعد أن تعذر استصدارها للجنة البر لتنفيذ مشروع ذى نفع عام دون أن يصبح هذا المشروع ملكا للمستفيدين منه - ولأن الحكم قرر أن عدم توقيع الطاعن الثالث على التوكيل المشار إليه وعدم تنفيذ هذا التوكيل لا يؤثران على الدلالتين اللتين استمدهما منه وهما قيام لجنة البر وصدور الهبة إليها. فى حين انه لا يجوز الإحتجاج على الطاعن الثالث بورقة لم يوقع عليها - ويضيف الطاعنان أن هذا القول من الحكم ينطوى على قصور فى التسبيب بالنسبة إلى الطاعنين جميعا لمجافاة النتيجة التى انتهى اليها للمقدمات التى استخلصها منها ولأن عدم تنفيذ التوكيل يفيد العدول عنه والعدول بالتالى عن إصدار الهبة للجنة البر خلافا لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه. وإذ كان الثابت من بيانات هذا الحكم أن جمعية عزبة سعد الخيرية التى يدعى المطعون عليهم صدور الهبة لها تم انشاؤها وتسجيلها بوزارة الشؤون الاجتماعية بتاريخ 23/ 1/ 1951 أى بعد صدور عقد الهبة بنحو ثلاث سنوات فإن ما قاله الحكم من أن الجمعية كانت فى طور التكوين وقت صدور الهبة يكون مخالفا للثابت بالأوراق هذا إلى أن الحكم خلط بين جمعية البر التى لم يكن لها وجود قانونى وبين جمعية عزبة سعد الخيرية التى لم يفكر فى إنشائها إلا بعد صدور عقد الهبة للطاعن الثالث ومورث الباقين وتشيد المبنى وإعداده من مالهما الخاص وتأجيره بل وبعد قيام النزاع الحالى. وقد اعتبر الحكم الجمعيتين شيئا واحدا وهو خلط يقوم على مخالفة الثابت بالأوراق التى تقطع بأن لجنة البر هى غير جمعية عزبة سعد مما يجعل الأسباب غامضة مشوبة بقصور يعيبها.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه أورد فى هذا الصدد ما يأتى: "ومن حيث إنه بالرجوع إلى مستندات المدعى عليهم المودعة بالدعوى 100 سنة 1950 مستعجل الاسكندرية تبين أنه بتاريخ 22 نوفمبر سنة 1947 بمحكمة اللبان الشرعية صدر إعلام شرعى بتوكيل محمد أحمد محمدين "المدعى الأول" وأحمد محمد حسن الفاو وأحمد محمد حسنين حسن "المدعى عليهما الثانى والثالث" وأحمد عبد الغنى عن أهالى عزبة سعد للاستاذ ابراهيم طلعت المحامى للحضور عنهم فى جميع الدعاوى التى ترفع منهم أو عليهم بصفتهم نائبين عن أهالى عزبة سعد وفى تسجيل العقد الخاص بقطعة الأرض من سموحة إلى لجنة البر لاهالى عزبة سعد والتوقيع عنهم على العقد وقبول هذه القطعة أمام الجهات المختصة. ومن حيث إنه واضح من هذا التوكيل أن الأرض التى أقيمت عليها المدرسة لم توهب للمدعيين أو لأحدهما بصفته الشخصية بل وهبت للجنة البر لأهالى عزبة سعد... ومن حيث إنه يؤيد ذلك أن الثابت عن الواهب فى محضر الدعوى المستعجلة أن الهبة كانت لأهالى عزبة سعد لا للمدعيين شخصيا وان كان المدعيان قررا فى مذكرتهما أن هذا يعتبر تعديلا لاحقا من الواهب لا يملكه ومن حيث إنه تأسيسا على ما تقدم يكون ثابتا من عقد الوكالة الصادر للاستاذ ابراهيم طلعت وعقد الهبة الابتدائى وعقد الهبة الرسمى وتقرير النائب عن الواهب فى الدعوى المستعجلة - ثابت من هذه الأمور الأربعة أن الأرض التى أقيمت عليها المدرسة لم توهب للمدعيين شخصيا وإنما وهبت لأهالى عزبة سعد لإقامة مدرسة عليها وورود اسم المدعيين فى عقدى الهبة الابتدائى والرسمى لم يكن إلا بصفتهما نائبين عن أهالى الحى لتلقى الهبة من الواهب. ومن حيث إنه ثابت مما تقدم أن التبرع بالأرض التى أقيمت عليها المدرسة كان لأهالى عزبة سعد لاقامة مدرسة عليها وتلقى المدعيان هذه الهبة بصفتهما نائبين عن الجمعية الخيرية التى كانت فى طور التكوين وقد تم إنشاء هذه الجمعية وتسجيلها بوزارة الشئون الاجتماعية تحت رقم 461 اسكندرية كخطاب مدير إدارة الجمعيات الخيرية لرئيس الجمعية بتاريخ 23 يناير سنة 1951... وسميت جمعية عزبة سعد الخيرية بالاسكندرية. ومن ثم فلها طبقا للمادة 57/ 2 حق التملك وهى وإن لم يتم تسجيلها إلا بعد تمام هبة الأرض إلا أنه كما هو ظاهر من نصوص عقد الهبة كانت لأهالى عزبة سعد الذين تألفت منهم هذه الجمعية ولتباشر ما رمى أهالى هذا الحى بشكل نظامى يتفق ونصوص القانون ومن ثم فلا تعارض فى القول بأن الأرض التى وهبت من يوسف سموحة لانشاء المدرسة ملك للجمعية". وقد أقر الحكم الاستئنافى هذه الأسباب وأضاف إليها ردا على ما ورد فى أسباب الاستئناف فى الخصوص ما يأتى: "ومن حيث إن السبب الأول - مردود - بأن توقيع مورث المستأنفين الأربعة الأول على التوكيل الصادر للأستاذ ابراهيم طلعت المحامى له دلالتان الأولى - اقراره بقيام لجنة البر لأهالى عزبة سعد - والثانية - أن سموحة وهب قطعة الأرض المقام عليها المدرسة للجنة المذكورة ولا يقلل من هاتين الدلالتين عدم توقيع المستأنف الأخير على التوكيل أو أن التوكيل لم ينفذ ومن حيث إن السببين السادس والسابع - مردودان - كذلك بأن مورث المستأنفين الأربعة الأول مقر فى التوكيل الصادر للأستاذ ابراهيم طلعت المحامى بتاريخ 22/ 11/ 1947 بوجود لجنة البر لأهالى عزبة سعد مما يؤيد صحة القول بأنها كانت وقت صدور عقد الهبة فى طور التكوين وأن المورث المذكور والمستأنف الرابع تلقيا الهبة نيابة عن الجمعية - ومن حيث إن السبب الثامن - مردود - بأنه وان كان عقد الهبة وبناء المدرسة قد تما قبل صدور القانون المدنى الجديد إلا أنه لم يكن هناك قبل صدوره ما يمنع الجمعيات الخيرية من حق التملك". ولما كان يبين من هذا الذى قاله الحكمان الابتدائى والاستئنافى أن محكمة الموضوع لم تذهب فى تفسيرها لعقد الوكالة الصادر للأستاذ ابراهيم طلعت المحامى بتاريخ 22 نوفمبر سنة 1947 إلى جواز الاحتجاج بما ورد فيه على الطاعن الأخير الذى لم يوقعه وانما استظهرت من شمول هذه الوكالة تسجيل العقد الخاص بقطعة الأرض الموهوبة من سموحة للجنة البر لأهالى عزبة سعد ومن التصريح للوكيل فى التوقيع عن هذه اللجنة فى قبول هذه الهبة، ان هذه اللجنة قائمة فعلا وقت صدور عقد الهبة وكانت المحكمة قد اعتبرت "لجنة البر لأهالى عزبة سعد" و"جمعية عزبة سعد الخيرية بالاسكندرية" هما لمسمى واحد مستدلة على ذلك بما جاء بخطاب مدى إدارة الجمعيات الخيرية لرئيس تلك اللجنة فى 23/ 1/ 1951 وكان استكمال الجمعية لوضعها القانونى سنة 1951 لا ينفى قيامها فعلا منذ سنة 1948 وصلاحيتها لتلقى الهبة، لما كان كل ذلك وكان ما قررته محكمة الموضوع فى خصوص ما تضمنه هذا النعى بجميع وجوهه لا مخالفة فيه للقانون ويقوم على أسباب سائغة لها سندها من أوراق الدعوى ومستنداتها ومن شأنها أن تؤدى إلى ما انتهت اليه تلك المحكمة من أن مورث الطاعنين الأولى والثانى والطاعن الثالث تلقيا الهبة نيابة عن تلك الجمعية، فان هذا النعى لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا يدور حول تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز اثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه إذ استند فى قضائه بملكية الجمعية للمدرسة إلى القول بأن عقد الايجار المبرم بين مورث الطاعنة الأولى والثانى قد صدر منه بصفته رئيسا للجمعية لا بصفته مالكا وأن الطاعن الثالث لم يشترك فى هذا التعاقد قد جاء مشوبا بقصور يعيبه - ذلك أن العبارة الواردة بالعقد من أن مورث الطاعنين الأولى والثانى تعاقد بصفته رئيسا للجمعية هى نعت له اظهارا لمركزه الاجتماعى بدليل ما تلاها من أنه تعاقد بصفته مالكا للمبنى، ولأنه ليس بلازم أن يشترك جميع الشركاء فى تأجير العين المملوكة لهم لجواز أن ينفرد أحدهم بتأجيرها أصلا عن نفسه ونائبا عن شركائه. ولأن الحكم اعتد بشهادة المستأجر على أن المؤجر كان يؤجر بصفته رئيسا لجمعية خيرية لا بصفته الشخصية مع أنه لا يجوز الاعتماد على البينة فى نفى ما ورد بالعقد كتابة من أن المؤجر كان يؤجر بصفته مالكا.
وحيث إن هذا النعى مردود بأنه لما كانت محكمة الموضوع على ما سبق بيانه قد استخلصت لأسباب سائغة أن الهبة صدرت لمورث الطاعنين الأولى والثانى والطاعن الثالث بصفتهما نائبين عن جمعية البر لأهالى عزبة سعد وليس بصفتهما الشخصية فانه لا يقدح فى صحة الحكم أن تتزيد المحكمة وتضيف إلى تلك الأسباب، وهى فى سبيل التدليل على صدور الهبة للجمعية، ما استخلصته من اقتران اسم مورث الطاعنين الأولى والثانى بعقد الايجار المحرر بينه وبين وزارة التربية والتعليم بأنه "رئيس الجمعية البر والخدمة الاجتماعية لأهالى عزبة سعد" دون الصفة التى اتخذها بصحيفة الدعوى وهى "تاجر ألبان" ومن عدم اشتراك الطاعن الثالث فى ذلك التعاقد ومما قرره مراقب منطقة التعليم بالاسكندرية من أن المورث المذكور تقدم اليه بصفته رئيسا لتلك الجمعية وهو الوصف الذى اتخذه مورث الطاعنين الأولى والثانى لنفسه بعقد الايجار على أن ما استخلصه الحكم فى هذا الخصوص له سنده فى أوراق الدعوى ولا يعدو أن يكون تقديرا موضوعيا فان النعى على الحكم بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.