أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 706

جلسة 24 من مايو سنة 1962

برياسة السيد/ حافظ سابق رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين/ محمد متولى عتلم، ومحمود القاضى، ومحمود توفيق اسماعيل، وأحمد شمس الدين.

(105)
الطعن رقم 531 لسنة 26 القضائية

( أ ) طرح البحر. أموال عامة "الأموال الخاصة للدولة". قرار إدارى "محل القرار الإدارى". "القرار الإدارى المعدوم". "حق الإدارة فى العدول عنه".
أراضى طرح البحر من أملاك الدولة الخاصة... توزيعها بقرار من وزير المالية غير قابل للطعن فيه (م 2 و10 ق 48 سنة 1932). إعئبار هذا القرار سندا للملكية له قوة العقد الرسمى. عدم سريان هذه القواعد على الأموال العامة التى لا يجوز تملكها أو التصرف فيها. نفى الحكم تخلف الأراضى المطالب بمقابل الانتفاع بها عن طرح البحر لوقوعها فى مجرى النهر المعتبر من الأموال العامة. لا محل لصدور قرار وزير المالية بتوزيعها أو قرار جهة الإدارة بإضافتها إلى الملك الخاص بالأفراد. صدور مثل هذا القرار لا يستند إلى القانون. حق جهة الإدارة فى العدول عنه.
(ب) رسوم. رى وصرف. أموال عامة. تقادم.
الرسم المستحق للدولة مقابل ترخيصها بإجراء عمل عن الأعمال ذات الصلة بالرى والصرف داخل حدود الأملاك العامة والمبينة بالمادة 22 ق 28 سنة 1953 يختلف - فى طبيعته - عن مقابل الانتفاع الذى يستحق للدولة عن شغل جزء من الأملاك العامة بغير ترخيص. الرسم يتقادم بمضى ثلاث سنوات فى حكم المادة 377 مدنى أما مقابل الانتفاع فيتقادم بخمس عشرة سنة ولا يعد من الحقوق الدورية المتجددة التى تسقط بالتقادم الخمسى.
(ج) تقادم. "الدفع بالتقادم". محكمة الموضوع. نظام عام.
لا يتعلق الدفع بالتقادم بالنظام العام. وجوب التمسك به أمام محكمة الموضوع فى عبارة واضحة لا تحتمل الابهام. لا يغنى عن ذلك طلب رفض الدعوى أو التمسك بنوع آخر من أنواع التقادم. لكل تقادم شروطه وأحكامه.
(د) حيازة. "الحائز سيء النية". "رد الثمرات". تقادم. أموال عامة.
التزام الحائز سيء النية برد الثمرات ليس من الحقوق الدورية أو المتجددة التى تسقط بالتقادم الخمسى، لا يتقادم إلا بخمس عشرة سنة. اعتبار الحكم واضع اليد على جزء من الأموال العامة بغير ترخيص حائزا سيء النية ومسئولا عن رد الثمرات وأن التزامه فى هذا الشأن لا يتقادم إلا بخمس عشرة سنة. لا مخالفة فى ذلك للقانون.
1 - تعتبر أراضى طرح البحر - وفقا لنصوص المادتين 2 و10 من القانون رقم 48 سنة 1932 - من أملاك الدولة التى توزع بقرار من وزير المالية غير قابل للمعارضة فيه. ويعتبر هذا القرار سندا للملكية له قوة العقد الرسمى(1).
وهذه النصوص إنما تسرى على أراضى "الميرى" الخاصة المتخلفة عن طرح البحر ولا شأن لها بالأملاك العامة. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد نفى تخلف الأجزاء المطالب بمقابل الانتفاع بها عن طرح البحر لوقوعها فى مجرى النهر المعتبر من الأموال العامة التى لا يجوز تملكها أو التصرف فيها، فإنها لا تكون محلا لصدور قرار من وزير المالية بتوزيعها ولا قرار من جهة الإدارة بإضافتها إلى الملك الخاص للأفراد. وصدور مثل هذا القرار لا يكون مستندا إلى القانون ويكون من حق جهة الإدارة العدول عنه.
2 - الرسم الذى تعنيه المادة 22 من القانون رقم 68 سنة 1953 - الذى يتقادم بثلاث سنوات بالتطبيق لحكم المادة 377 مدنى - هو المبلغ الذى تستحقه الدولة مقابل ترخيصها بإجراء أى عمل من الأعمال المبينة فيها داخل حدود الأملاك العامة ذات الصلة بالرى والصرف، وهو يختلف عن مقابل الانتفاع الذى يستحق للدولة عن شغل جزء من الأملاك العامة بغير ترخيص الذى لا يتقادم إلا بالمدة الطويلة كما أنه ليس من الحقوق الدورية المتجددة التى تسقط بالتقادم الخمسى.
3 - الدفع بالتقادم لا يتعلق بالنظام العام وينبغى التمسك به أمام محكمة الموضوع فى عبارة واضحة لا تحتمل الإبهام. ولا يغنى عن ذلك طلب الحكم برفض الدعوى كما لا يغنى عنه التمسك بنوع آخر من أنواع التقادم لأن لكل تقادم شروطه وأحكامه.
4 - التزام الحائز سئ النية برد الثمرات ليس من الحقوق الدورية أو المتجددة التى تسقط بالتقادم الخمسى ومن ثم فلا يتقادم إلا بانقضاء خمس عشرة سنة طبقا للمادة 375 من القانون المدنى التى قننت ما كان مقررا فى ظل القانون المدنى الملغى. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر الطاعنة سيئة النية فى وضع يدها على جزء من "الأملاك العامة" بغير ترخيص ومسئولة بالتالى عن رد الثمرات - وأن التزامها فى هذا الصدد لا يتقادم إلا بخمس عشرة سنة، فلا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائع النزاع - تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وباقى الأوراق - فى أن وزارة الأشغال "المطعون عليها" أقامت الدعوى 3930 سنة 51 كلى القاهرة ضد شركة السكر "الطاعنة" بصحيفة معلنة فى 6 نوفمبر سنة 1951 - وقالت فى بيانها إن الطاعنة أنشأت رصيفا على ساحل النيل الغربى بالحوامدية وشغلته بالآلات وأن تفتيش الرى كلفها بتقديم طلب للحصول على ترخيص بإقامة هذه المنشآت نظرا لوقوعها على جزء من الأملاك العامة تمهيدا لتحصيل مقابل الانتفاع عنها. فقدمت الشركة هذا الطلب فى يناير سنة 1929 ولكنها لم تؤد شيئا مقابل انتفاعها الذى تقدره بملغ جنيهين للمتر الواحد عملا بقرار وزير الأشغال الصادر فى 2 مايو سنة 1927 - وطلبت لذلك الحكم بإلزام الطاعنة بأن تدفع لها مبلغ 8464 جنيها وما يستجد من أول يناير سنة 1952 بواقع 368 جنيها سنويا - وقد أنكرت الطاعنة على المطعون عليها حقها فى اقتضاء هذا المبلغ تأسيسا على أن العين التى تطالبها بمقابل الانتفاع بها ليست من الأملاك العامة بل هى ملك خالص لها. إذ كانت مساحة مركز الجيزة قد حصرت 14 ط طرح بحر محل أكل بحر سابق كان واردا أصلا فى عقود تمليكها. وطالبتها الأموال المقررة بدفع إيجار هذا القدر بواقع 48 جنيها سنويا. كما أن ملكيتها له ثبتت بتحقيقات مأمور الجاشنى ومندوب مصلحة الأموال المقررة ثم صدر قرار مديرية الجيزة فى 21 مايو سنة 1944 باعتبار هذا القدر طرح بحر وأضيف إلى مكلفاتها - وقد أصدرت المحكمة الابتدائية فى 9 ديسمبر سنة 1952 حكمها بندب مكتب الخبراء لمعاينة العين محل النزاع وتطبيق الخريطة المقدمة من المطعون عليها على الطبيعة لمعرفة إن كانت هذه العين تقع فى أملاك الدولة العامة أو لا - وبدء شغل الطاعنة لها ومدته. وقدم الخبير تقريرا أورد به أن تطبيق الخريطة المساحية المقدمة من المطعون عليها على الطبيعة أورى ما أقامته الطاعنة من منشآت تعترض مجرى النهر فى مساحة قدرها 6 ط 1 س ومجموع أطوالها 179 مترا وأنها تدخل فى الأملاك العامة للدولة وتخضع للقانون 68 سنة 1953. ويقدر جعلها السنوى بمبلغ 358 جنيها طبقا لقرار وزير الأشغال الصادر فى سنة 1927. وأن تاريخ شغل الطاعنة لهذا القدر يرجع إلى سنة 1930 - وقد أخذت المحكمة الابتدائية بما جاء بهذا التقرير وقضت فى 17 مايو سنة 1955 بإلزام الطاعنة بمبلغ 2864 جنيها على أساس أن ما تشتغل به ذمة الشركة من جعل سنوى هو عن الخمس سنوات السابقة على رفع الدعوى دون ما عداها لسقوطه بالتقادم الخمسى طبقا للمادة 375/ 1 من القانون المدنى وهذا بالإضافة إلى جعل مدة ثلاث سنوات استجدت بعد رفع الدعوى (358 جنيها فى 8 سنوات) استأنفت المطعون عليها هذا الحكم بالاستئنافين رقمى 859 سنة 72 ق، 200 سنة 73 ق استئناف القاهرة. وطلبت تعديل المبلغ المحكوم به إلى 6444 جنيها وأقامت الطاعنة استئنافا مقابلا قيد برقم 1059 سنة 72 ق طلبت فيه إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى واحتياطيا قصر مقابل الانتفاع على المدة التالية ليوم 14 يونيه سنة 1951 تاريخ صدور قرار مديرية الجيزة رقم 50 برفع القدر المطالب بمقابل انتفاعه من ملك الطاعنة. وأصدرت محكمة الاستئناف حكمها فى 17 أبريل سنة 1956 بتعديل الحكم المستأنف وإلزام الطاعنة بمبلغ 6444 جنيها والمصروفات عن الدرجتين - وأخذت بوجهة نظر المحكمة الابتدائية فى تحميل الطاعنة مقابل انتفاعها بالجزء الذى تشغله بمنشآتها عن المدة التى حكمت بها مضافا إليها مدة العشر سنوات التى أسقطتها محكمة الدرجة الأولى - وقد طعنت الشركة فى هذا الحكم بطريق النقض بتقرير فى 26 ديسمبر سنة 1956 وقدمت النيابة العامة مذكرتها طالبة رفض الطعن - وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 9 مايو سنة 1961 وفيها صممت النيابة على رأيها - وأصدرت دائرة الفحص قرارها بإحالة الطعن إلى هذه الدائرة - وبعد استيفاء الإجراءات اللاحقة لقرار الإحالة حدد لنظر الطعن جلسة 3 مايو سنة 1962 لدى هذه الدائرة وفيها صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بنى على عشرة أسباب. حاصل ما تنعاه الطاعنة فى الأسباب الأول والثانى والثالث والخامس منها على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون وقصور أسبابه وإبهامها - ذلك ان الحكم المطعون فيه وقد بنى على تقرير الخبير قد أغفل دفاع الطاعنة فى الرد على هذا التقرير المتناقض. ولو صح هذا الدفاع الذى خطأت فيه الطاعنة عمل الخبير فى تحقيق ملكية الطاعنة لتغير وجه الحكم فى الدعوى. كما أن الحكم قد أسس قضاءه على خطابى الشركة المؤرخين 26 و 29 يناير سنة 1929 بشأن مطالبة الشركة بالتصاريح اللازمة. وهو لا يتضح منه إن كانت المحكمة قد اعتبرت الدليل المستمد من هذين الخطابين إقرارا قضائيا أو غير قضائى. أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة قضائية، أو غير قضائية وما هى أسباب ذلك وأسباب طرح الأدلة الناقضة لما كيفت به المحكمة هذين الخطابين فبات أمر تكييفهما القانونى مجهلا لا تستطيع معه محكمة النقض مراقبة تطبيق القانون - وما ذكره الحكم المطعون فيه بقوله إن هذين الخطابين يقطعان بأن دفاع الشركة لا سند له من الواقع أو القانون، هو إمعان فى الإبهام والتجهيل - وكذلك قد أخطأ الحكم فى فهم مناط الدعوى بقوله "إن مقطع النزاع بعيد جدا عما تزعمه الشركة عن طرح البحر المفقود سواء كان لها أم لم يكن. فإن مجرى النهر العميق المقامة فيه مؤسسات صناعية منذ سنة 1929 لا يمكن أن يكون ناشئا عن طرح بحر" وهو قول يدل على سوء فهم مناط الدعوى أو التشكك فيه مع ان جوهر النزاع هو معرفة إن كان للشركة الطاعنة طرح بحر محل أكل بحر مفقود. وإذ كانت المحكمة لم تصب مقطع النزاع وجوهره فإنها تكون قد أخطأت فهم الواقع فى الدعوى التى يجب أن يقام الحكم الصادر فيها على الجزم واليقين لا على الحدس والتخمين. أما الخطأ فى القانون فهو ماثل فى إهدار المستندات الرسمية التى تثبت ملكية الشركة إلى 14 ط طرح بحر بدل أكل بحر من ملكها أخذا بدليل مبهم مستفاد من خطابى الطاعنة المشار إليهما فى حين أن الوسيلة الوحيدة لإهدار هذين الخطابين هى الطعن بالتزوير.
وحيث إن هذا النعى مردود بما أقام الحكم قضاءه عليه فى هذا الخصوص إذ قال "ومن حيث إن شركة السكر تعيد ما ذكرته أمام المحكمة الإبتدائية وتناوله الحكم الإبتدائى بالتفنيد".
ومن حيث إن دفاع الشركة يقوم على التمسك بملكية 6 ط و1 س بحجة أنها طرح بحر فى مقابل أكل بحر من أملاك الشركة. وان طرح البحر هذا أضيف إلى تكليف الشركة. ودفعت عنه الضريبة العقارية وأيد ذلك قرار لجنة جاشنى المديرية".
"ومن حيث إن هذا الدفع تناوله الخبير فى تقريره بعد أن بحث مستندات الشركة وطبقها على الطبيعة وخرج إلى القول بأن المنشآت التى أقامتها الشركة هى منشآت صناعية قائمة على مجرى النيل لاستغلاله لأغراض صناعية. ولم يثبت أنها أصلا من أملاك الشركة. ولما كانت هذه المنشآت قائمة على المجرى الملاحى. وهى لا تقام إلا فى الأعماق - كما جاء بمكاتبة تفتيش الرى - أى فى منطقة لا تطمى. ولا ينتظر أن تطمى مع وجود هذه المنشآت. فإن هذا الدفع يكون فاسد الأساس. ولا أدل على ذلك من أن الشركة فى خطابيها المؤرخين 26 و29 يناير سنة 29 لم تثر بحال ما الإدعاء بالملكية بل كانت تطالب باستصدار التصاريح اللازمة لإقامة هذه المنشآت. ولو انها كانت قائمة فى ملكها لما طلبت استصدار هذه التصاريح... وما كانت الإجراءات الخاطئة التى دفعت الشركة إلى الحصول عليها من مأمور الجاشنى لتجعل من مجرى النهر وهو من الأملاك العامة ملكا خاصا للشركة.. أما الاحتجاج بعقدى التمليك فلا يفيد المستأنفة. لأنه لم يثبت لها طرح بحر ولا يمكن يأتى طرح البحر فى مجرى النهر العميق الذى لا تقام المنشآت الصناعية إلا فيه. كما لا أهمية للعمل الخاطئ الذى قام به مأمور الجاشنى وأيده مندوب الأموال المقررة. فمثل هذا العبث من كلا الموظفين لا ينزع عن الأملاك العامة صفتها ليضيفها إلى الأملاك الخاصة. ومن حيث إنه ينبنى على ما تقدم أن الحكم الإبتدائى أصاب الحق فيما قضى به من مسئولية الشركة" - ولما كان يبين من هذا الذى أورده الحكم المطعون فيه أنه استند فى قضائه إلى تقرير الخبير وما قام به من معاينة لمحل النزاع وتطبيق لمستندات الطرفين عليه، وعلى ما توافر من الدلائل الأخرى التى فحصها الخبير واستظهرتها المحكمة من أوراق الدعوى وكان ما استند إليه الحكم فى ذلك من شأنه أن يؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها وهى أن المنشآت التى أقامتها الطاعنة تقع فى المجرى الملاحى للنيل الذى هو من الأملاك العامة التى لا يجوز تملكها. وكانت المحكمة قد ردت على دفاع الطاعنة ردا سائغا على ما سلف بيانه ولم يكن عليها أن تستطرد إلى بحث ما إذا كان للطاعنة طرح بحر أعطى لها من أكل بحر سبق أخذه من أملاكها الخاصة، ولا أن تتعقب كل ما أثير من اعتراضات على تقرير الخبير وترد على كل منها استقلالا، بل ان أخذها بهذا التقرير يتضمن أنها لم تجد فى تلك الاعتراضات ما يستحق الالتفات إليه. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد اتخذ من الخطابين المؤرخين 26 و29 يناير سنة 1929 قرينة على انتفاء ملكية الطاعنة للموقع المقام عليه المنشآت بالاضافة إلى الأدلة الأخرى معللا ذلك بأن هذه المنشآت لو كانت قائمة فى ملكها لما طالبت باستخراج تصاريح عنها. وكان تقديرها فى ذلك كله موضوعيا لا يخضع لرقابة محكمة النقض فان النعى على الحكم بالقصور والخطأ فى تطبيق القانون لا يكون له أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى فى السببين الرابع والتاسع على الحكم المطعون فيه أنه خالف أحكام القانون 48 لسنة 1932 الذى يحكم واقعة الدعوى. ذلك أن هذا القانون يجعل عملية توزيع طرح البحر من أعمال السلطة الإدارية التى لا يجوز للمحاكم تأويلها أو وقف تنفيذها. وقد انحرف الحكم عن ذلك حين قرر أن موقع النزاع لا يمكن أن ينشأ عن طرح بحر - اذ يعتبر ذلك عدولا عن قرار الإدارة الصادر من مديرية الجيزة فى 21 مايو سنة 1944 باضافة موقع النزاع إلى أملاك الطاعنة وربطه فى مكلفاتها وتحصيل الأموال الأميرية عنها. مع أن قرارات الإدارة فى توزيع طرح البحر هى قرارات نهائية لا يجوز العدول عنها. وقد شاب الحكم قصور فى بيان أسباب هذا العدول.
وحيث إن هذا النعى غير سديد. ذلك أنه يبين من نصوص القانون 48 لسنة 1932 والمادتين 2 و10 أن أراضى طرح البحر تعتبر من أملاك الدولة وتوزع بقرار من وزير المالية ويؤشر بهذا القرار فى تكليف أرباب الأملاك ولا تجوز المعارضة فيه ويعتبر هذا القرار سندا للملكية له قوة العقد الرسمى. وهذه النصوص إنما تنطبق على أراضى الميرى الخاصة المتخلفة عن طرح البحر ولا شأن لها بالأملاك العامة. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد نفى إمكان تخلف الأجزاء المطالب بمقابل الانتفاع بها عن طرح البحر لوقوعها فى مجرى النهر المعتبر من الأملاك العامة التى لا يجوز تملكها أو التصرف فيها على ما سبق بيانه (م 9 من القانون المدنى القديم). فانها لا تكون محلا لصدور قرار من وزير المالية بتوزيعها ولا قرار من المديرية باضافتها إلى ملك الطاعنة. ومتى كان ذلك فان مثل هذا القرار لا يكون مستندا إلى القانون ويكون من حق الإدارة أن تعدل عنه وهو ما فعلته مديرية الجيزة عندما أصدرت قرارها رقم 50 فى 14 يونيه سنة 1951 برفع هذه الأجزاء من ملك الطاعنة.
وحيث إن الطاعنة تنعى فى السبب العاشر على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ القانون إذ كيف المبلغ المطالب به بأنه تعويض عن غصب مستمر. وقد شابه القصور إذ لم يرد على الدفاع الجوهرى الذى أثارته الطاعنة بجلسة 3 أبريل سنة 1956 من أن المبالغ المطلوبة منها إن هى إلا رسوم يحكمها قرار وزير الأشغال بتحديد فئات معينة للانتفاع بالأجزاء التى تشغل من الأملاك العامة. وهو ما عبرت عنه المادة 22 من القانون 68 لسنة 1953 وهذه الرسوم تتقادم بثلاث سنين عملا بالمادة 377 من القانون المدنى.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الرسم الذى تعنيه المادة 22 من القانون 68 لسنة 1953 هو المبلغ الذى يستحق للدولة مقابل ترخيصها بإجراء أى عمل من الأعمال المبينة فيها داخل حدود الأملاك العامة ذات الصلة بالرى والصرف - أما مقابل الانتفاع الذى يستحق للدولة عن شغل جزء من الأملاك العامة بغير ترخيص فلا يتقادم إلا بالمدة الطويلة. هذا إلى أن الطاعنة لم تثر هذا الدفاع أمام محكمة الموضوع وهو من الدفوع التى لا تتعلق بالنظام العام. ولا يغنى عن التمسك به طلب الحكم برفض الدعوى. لأن التمسك به يجب أن يكون بعبارة واضحة لا تحتمل الإبهام كما لا يغنى عنه التمسك بنوع آخر من أنواع التقادم لأن لكل تقادم شروطه وأحكامه.
وحيث إن الطاعنة تنعى فى الأسباب السادس والسابع والثامن على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ القانون وجاء مشوبا بقصور يبطله إذ اعتبر التعويض المطالب به مقابل الغصب المستمر غير المتجدد، وإذ أغفل الرد على ما طلبته احتياطيا من قصر الحكم عليها بمقابل الانتفاع على المدة التالية لصدور قرار مديرية الجيزة المؤرخ 14 يونيه سنة 1951 - كما شاب الحكم خطأ فى الإسناد إذ أورد فى أسبابه أن الحكم الابتدائى قد أصاب الحق فيما قضى به من مسئوليتها عن التعويض المطلوب. ولكنه أخطأ حين قصره على الخمس سنوات السابقة على رفع الدعوى. أى أن الحكم المطعون فيه توهم أن الحكم الابتدائى كيف المبلغ المقضى به على أنه تعويض مقابل الغصب، مع أن الحكم الابتدائى لم يكيفه كذلك بل وصفه بأنه جعل سنوى عن حق دورى متجدد وشتان بين الوصفين لما يترتب عن كل منهما من أثر قانونى فى احتساب مدة التقادم. وتضيف الطاعنة أن الحكم المطعون فيه شابه كذلك خطأ فى الاستدلال. ذلك أنه قد استدل على سوء نيتها فى وضع يدها على موقع النزاع بدليلين غير سائغين يتحصل أولهما فى ادعاء ملكيتها له ويتحصل ثانيهما فى أن الإجراءات التى استطاعت الطاعنة بها الحصول على قرارى لجنة الجاشنى ومندوب الأموال المقررة بإضافة طرح بحر إلى اسمها كانت مخطئة وذلك بالرغم من أن ما ادعته من ملكية كان جديا. وبالرغم من أن الإجراءات التى أضيفت بمقتضاها أرض طرح البحر إلى اسمها كانت صحيحة. وليس فى شئ من ذلك ما يدل على سوء نيتها بل ان حسن نيتها مفترض أصلا من الخطابين المؤرخين 26 و29 يناير سنة 1929 اللذين تتمثل فيهما الطاعنة لما تطلبه وزارة الأشغال.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الحكم المطعون فيه بعد أن خلص إلى أن القدر المشغول بمنشآت الشركة هو من الأملاك العامة، انتقل إلى تقدير مقابل الانتفاع به فقال "وحيث إنه ينبنى على ما تقدم أن الحكم الابتدائى أصاب الحق فيما قضى به من مسئولية الشركة عن التعويض المطلوب إلا أنه أخطأ حين قصره على خمس سنوات تأسيسا على المادة 375 مدنى باعتبار المبلغ المطالب به مما يستحق دوريا. مع أن هذا التعويض فى مقابل الغصب المستمر والغير متجدد ولا يسعف الشركة ما تتحدى به من حسن النية فادعاؤها الملكية والإجراءات الخاطئة التى استطاعت الحصول عليها لمصلحتها لا تدل إلا على اكتمال سوء النية - ومن ثم يتعين إجابة وزارة الأشغال إلى ما تطلبه من ريع العشر سنوات السابقة على رفع الدعوى" - وهذا الذى قاله الحكم المطعون فيه يتفق والحكم الابتدائى فى مبدأ سريان مقابل الانتفاع ولكنه اختلف معه بحق فى أن هذا المقابل ليس من الحقوق الدورية المتجددة التى تسقط بالتقادم الخمسى - ذلك أن هذا الحكم قد اعتبر الطاعنة سيئة النية فى وضع يدها على جزء من الأملاك العامة بغير ترخيص - وهذا الاعتبار يجعل الحائز سئ النية ومسئولا عن رد الثمرات - والتزام الحائز سيء النية برد الثمرات ليس من الحقوق الدورية أو المتجددة. ولذلك لا يتقادم إلا بانقضاء خمس عشرة سنة طبقا للفقرة الثانية من المادة 375 من القانون المدنى التى قننت ما كان مقررا فى ظل القانون المدنى الملغى - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه إذ استخلص سوء نية الطاعنة من ادعائها ملكية موقع النزاع ومن الاجراءات الخاطئة التى استطاعت الحصول عليها. وكان هذا استخلاصا موضوعيا سائغا فإنه لا يخضع لرقابة محكمة النقض - وإذ جرى الحكم المطعون فيه على اعتبار الطاعنة مسئولة عن الريع فى الخمس عشرة سنة السابقة على رفع الدعوى فإن اطراح الحكم طلب الطاعنة الاحتياطى يكون منه قضاء ضمنيا برفضه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه.


(1) راجع نقض 13/ 12/ 1956 مجموعة المكتب الفنى صـ 7 رقم 141 "متى صار توزيع طرح البحر على أربابه شيوعا فيما بينهم بمقتضى قرار وزير المالية طبقا للقانون رقم 48 سنة 1932 كان هذا القرار سندا بملكية الشركاء ومصدرا للشيوع فيما بينهم. ولا تكون هناك صلة لهذه الملكية بملكيتهم التى أكلها البحر والطرح الجديد يصبح منذ ظهوره ملكا للدولة حتى يوزع على أربابه طبقا لشروط القانون".