أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 734

جلسة 31 من مايو سنة 1962

برياسة السيد/ المستشار محمد متولى عتلم، وبحضور السادة المستشارين/ محمد زعفرانى سالم، ومحمود توفيق اسماعيل، وأحمد شمس الدين، ومحمد عبد اللطيف مرسى.

(110)
الطعن رقم 476 لسنة 26 القضائية

( أ ) عقد. "تفسير العقد". محكمة الموضوع. حكم "قصور". "ما يعد كذلك".
لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تفسير المستندات وصيغ العقود والشروط المختلف عليها بما تراه أوفى بمقصود المتعاقدين. لا رقابة لمحكمة النقض عليها متى كانت عبارات العقد تحتمل المعنى الذى حصلته محكمة الموضوع منها. اعتماد الحكم المطعون فيه فيما استخلصه من العقد على المعنى الظاهر له مع بيان الإعتبارات المعقولة المزدية إلى ما ذهب إليه لا مخالفة للقانون ولا يشوبه قصور.
(ب) نقد. توريد. "الإلتزام بتقديم ترخيص الإستيراد". تعويض.
الإلتزام بتقديم ترخيص الإستيراد لمتعهد التوريد لا يتضمن بذاته وبطريق اللزوم تعهد المستورد تمكين المورد من الحصول على الدولارات اللازمة ومن فتح الاعتماد بالترخيص له. ليس فى نصوص القانون 80 سنة 1947 أوفى قرار وزير المالية رقم 51 سنة 1947 ما يفرض على الملتزم بتقديم ترخيص الاستيراد واجب تمكين المتعاقد مع الصادر باسمه هذا الترخيص من تحويل العملة الأجنبية اللازمة إلى الخارج. خلو شروط التعاقد من الإلتزام بالضمان فى حالة تعطيل مفعول ترخيص الاستيراد قبل انتهاء مدته بفعل غير فعل المستورد. عدم التزامه قانونا بهذا الضمان.
(ج) قانون. "التفويض التشريعى". قرار إدارى. "أركانه". "عيب عدم الإختصاص". نقد.
لا يجوز لسلطة أدنى فى مدارج التشريع إلغاء أو تعديل قاعدة تنظيمية وضعتها سلطة أعلى أو إضافة أحكام جديدة إليها إلا بتفويض خاص من السلطة العليا أو من القانون صدور قرار إدارى خارج عن نطاق التفويض المخول لمن أصدره يجعله مشوبا بعيب عدم الإختصاص.
(د) قرار إدارى. "مسئولية الإدارة عن التضمينات". "رابطة السببية بين العيب والضرر".
عيب عدم الإختصاص فى القرار الإدارى وإن كان يكفى فى ذاته لتبرير الغائه من القضاء الإدارى إلا أنه بالنسبة لمسئولية الإدارة عن التضمينات ينبغى توافر رابطة السببية بين هذا العيب والضرر المدعى به. وقوع الضرر حتما سواء عن طريق القرار المعيب أو القرار السليم. صحة موضوع القرار الإدارى. انتفاء رابطة السببية بين العيب والضرر ولا محل مع ذلك لطلب التعويض.
1 - لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تفسير المستندات وصيغ العقود والشروط المختلف عليها بما تراه هى أوفى بمقصود المتعاقدين واستخلاص ما يمكن استخلاصه منها. ولا رقابة لمحكمة النقض عليها فى ذلك متى كانت عبارات العقد تحتمل المعنى الذى حصلته محكمة الموضوع منها. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد اعتمد فيما استخلصه من العقد على المعنى الظاهر له وبين الاعتبارات المعقولة المؤدية إلى ما ذهب إليه فإنه لا يكون قد خالف القانون أو شابه قصور.
2 - مجرد التزام مصلحة السكك الحديدية بتقديم ترخيص الاستيراد للطاعنة (التى اتفقت معها على توريد أشياء لها) لا يتضمن بذاته وبطريق اللزوم تعهد هذه المصلحة بتمكين الطاعنة من الحصول على الدولارات اللازمة ومن فتح الاعتماد بالترخيص للموردين. وليس فى أحكام القانون رقم 80 سنة 1947 الخاص بالرقابة على عمليات النقد الأجنبى ولا فى قرار وزير المالية رقم 51 سنة 1947 ما يفرض على الملتزم بتقديم ترخيص الاستيراد واجب تمكين المتعاقد معه الصادر باسمه هذا الترخيص من تحويل العملة الأجنبية اللازمة إلى الخارج بل ان هذا الترخيص كان عند صدوره كافيا بذاته لإجراء التحويلات إلى الخارج أداء لثمن البضائع المستوردة وذلك عن طريق أحد المصارف المرخص لها بمزاولة عمليات النقد الأجنبى. ومن ثم فإذا كانت شروط التعاقد قد خلت - مما يلزم مصلحة السكك الحديدية بالضمان فى حالة تعطيل مفعول ترخيص الاستيراد قبل انتهاء مدته بفعل غير فعلها الشخصى، فإنها لا تكون ملزمة قانونا بهذا الضمان.
3 - من المقرر أنه لا يجوز لسلطة أدنى فى مدارج التشريع أن تلغى أو تعدل قاعدة تنظيمية وضعتها سلطة أعلى أو أن تضيف إليها أحكاما جديدة إلا بتفويض خاص من هذه السلطة العليا أو من القانون. فإذا كان القرار الوزارى رقم 51 سنة 1947 الذى نص على قيام المصارف بإجراء التحويلات دون الرجوع إلى اللجنة العليا لمراقبة النقد قد خول اللجنة العليا سلطة وضع وإصدار التعليمات التى يقتضيها حسن سير الأعمال فيما يتعلق بعمليات النقد الأجنبى وكان قرار اللجنة العليا بوجوب رجوع المصارف إلى مراقبة النقد فى حالة فتح اعتمادات أو إجراء مدفوعات بالدولارات الأمريكية أو بالاسترلينى، ليس من قبيل القواعد اللازمة لضمان حسن سير الأعمال فإن قرارى اللجنة العليا ومراقبة النقد بإيجاب رجوع المصارف إلى مراقبة النقد فى هذه الحالة يكونان مشوبين بعيب عدم الاختصاص(1).
4 - عيب عدم الاختصاص الذى يشوب القرار الإدارى وإن كان يكفى فى ذاته لتبرير إلغائه من القضاء الإدارى إلا أنه فى خصوص مسئولية الإدارة عن التضمينات ينبغى توافر رابطة السببية بين هذا العيب والضرر المدعى به، ومن ثم فإذا كان العيب لا ينال من صحة القرار الإدارى من حيث موضوعه لقيام ظروف كانت تبرر إصداره وتداركت جهة الإدارة العيب بإصدار قرار إدارى لاحق، وكان الضرر المترتب على عيب عدم الاختصاص واقع لا محالة سواء عن طريق القرار المعيب أو القرار السليم فإنه لا محل لطلب التعويض لانتفاء رابطة السببية بين العيب والضرر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعة الشكلية.
وحيث إن وقائعه - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وباقى أوراق الطعن - تتحصل فى أن الشركة الطاعنة أقامت فى 16 من أغسطس سنة 1948 الدعوى رقم 2816 سنة 1949 كلى القاهرة ضد المطعون عليها الأولى انتهت فيها إلى طلب الحكم بإلزام الأخيرة بأن تدفع لها على سبيل التعويض مبلغ 64918 جنيها وفوائده القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية. وبتاريخ 15 من أغسطس سنة 1949 اختصمت فى الدعوى وزارة المالية المطعون عليها الثانية وطلبت أن يقضى عليها بنفس الطلبات بالتضامن مع مصلحة السكة الحديدية المطعون عليها الأولى وقالت الطاعنة فى بيان دعواها إنه فى 6 من أغسطس سنة 1947 تعاقدت مع هذه المصلحة على أن تورد إليها مائة ألف فلنكة من خشب البتش باين تستورد من الولايات المتحدة الأمريكية بسعر 210 قروش للقطعة الواحدة وعلى أساس سعر الدولار 24.3 قرشا وسعر الجنيه الاسترلينى 97.5 قرشا وبحيث يكون كل تغيير فى هذين السعرين لحساب المصلحة أو عليها. واتفق على أن يتم التسليم خلال خمسة شهور من تاريخ الحصول على ترخيص الاستيراد والعملة الأجنبية والتزمت مصلحة السكة الحديدية فى العقد بأن تسلم الطاعنة ترخيص الاستيراد اللازم فى أقرب فرصة وكان هذا الترخيص يكفى بذاته لتحويل العملة الأجنبية إلى الخارج ثمنا للبضائع التى تستورد بموجبه طوال مدة سريانه وهى شهران ودون الرجوع إلى اللجنة العليا أو مراقبة النقد وذلك بالتطبيق لقرار وزير المالية رقم 51 لسنة 1947 وقد قامت المصلحة بتاريخ 10 من أغسطس سنة 1947 بتسليم الطاعنة ترخيص استيراد يحمل تاريخ 9 من الشهر المذكور وبادرت الطاعنة على الفور باتخاذ الخطوات اللازمة لفتح الاعتماد للموردين فتقدمت إلى البنك العثمانى وهو من المصارف المرخص لها بتحويل النقد الأجنبى طالبة فتح هذا الاعتماد بموجب ترخيص الاستيراد وقبل أن ينتهى البنك من إتمام الإجراءات اللازمة لذلك فوجئت الطاعنة فى 21 أغسطس سنة 1947 بالغاء ترخيص الاستيراد المسلم إليها ولما يمض على صدوره عشرة أيام وتعللت مراقبة النقد فى هذا الالغاء بقرار الحكومة البريطانية الصادر فى 20 من الشهر المذكور بايقاف تحويل الاسترلينى إلى دولارات فى منطقة الدولارات وذهبت المساعى التى بذلتها الطاعنة للعدول عن هذا الالغاء أو الحصول على ترخيص استيراد جديد سدى الأمر الذى ترتب عليه عدم تنفيذ التعاقد. ومسئولية ذلك كما تقول الطاعنة، تقع على عاتق مصلحة السكك الحديدية ووزارة المالية لذلك أقامت ضدهما الدعوى تطالبهما فيها بالتعويض عما فاتها من الكسب ممثلا فى الفرق بين الثمن الذى كانت قد تعاقدت عليه مع المصلحة المذكورة والثمن الذى كان قد اتفقت مع الشركة الأمريكية على أن تشترى به منها - واحتفظت الطاعنة لنفسها بالحق فى المطالبة بما عسى أن تطالبها به هذه الشركة من تعويض بسبب عدم تنفيذ الصفقة. وفى 16 من ديسمبر سنة 1951 قضت المحكمة الابتدائية برفض الدعوى فاستأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 479 سنة 69 ق وبتاريخ 2 من يناير سنة 1955 قررت محكمة الاستئناف انتقال أحد أعضائها إلى مكتب الاستيراد والتصدير ومكتب مراقبة النقد للاطلاع على الأوراق الخاصة بترخيص الاستيراد والأمر الصادر من مراقبة النقد على إثر صدور قرار الحكومة البريطانية بايقاف قابلية الاسترلينى للتحويل بعملات أخرى. ونفذ هذا القرار ثم حكمت المحكمة فى 16 من أبريل سنة 1956 بتأييد الحكم المستأنف فطعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض بتقرير تاريخه 13 من أكتوبر سنة 1956. وعرض الطعن على دائرة الفحص بجلسة 19 من فبراير سنة 1961 وفيها صممت النيابة على ما جاء بالمذكرة التى قدمتها وطلبت فيها رفض الطعن وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبعد استيفاء الإجراءات التالية للاحالة حدد لنظره أخيرا جلسة 12/ 4/ 1962 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق وصمم الخصوم على ما ورد فى مذكراتهم.
وحيث إن الطاعنة جعلت أسباب طعنها من شقين الأول خاص بما قضى به الحكم المطعون فيه فى شأن عدم مسئولية مصلحة السكة الحديدية والشق الثانى خاص بما قضى به هذا الحكم فى خصوص عدم مسئولية وزارة المالية (مراقبة النقد) - وتنعى الطاعنة فى الشق الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله والقصور فى التسبيب فى وجهين الأول - ويتحصل فى أن الطاعنة أقامت مسئولية مصلحة السكة الحديدية على كونها أخلت بالتزام عقدى ترتب فى ذمتها بموجب عقد التوريد الذى أبرم بينهما - هو الالتزام بأن تقدم إلى الطاعنة ترخيصا بالاستيراد وأوضحت الطاعنة أن مضمون هذا الالتزام أو محله ليس تقديم ذات ورقة الترخيص وإنما هو تمكين الطاعنة من الحصول على الدولار ومن فتح الاعتماد به تمكينا يظل نافذا طوال المدة المقررة قانونا لسريان مفعول ترخيص الاستيراد وهى شهران بمعنى أن الإلتزام بتقديم هذا الترخيص ينطوى قانونا على الالتزام بضمان سريان مفعوله لمدته كاملة فإذا حصل التعرض أثناء هذه المدة كان الملتزم مكلفا قانونا بأن يدفع هذا التعرض وإلا كان مخلا بالتزامه - ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنة قبل مصلحة السكة الحديدية على ما قاله من أن أوراق التعاقد ليس فى ألفاظها ما يلزم المصلحة بأن تمكن الطاعنة من الحصول على الدولارات اللازمة لدفع ثمن الأخشاب المستوردة أو فتح الاعتماد الذى يخول لها ذلك قولا من الحكم بأن كل ما التزمت به المصلحة هو أن توافى الشركة الطاعنة بترخيص الاستيراد اللازم وقد أبرأت ذمتها من هذا الالتزام بتسليم الترخيص المؤرخ 10/ 8/ 1947 للشركة مستوفيا للأوضاع المقررة لمثله وأنه إذا كان هذا الإذن قد أوقف أو تعطل بفعل مراقبة النقد كما تقول الطاعنة فإن مصلحة السكة الحديدية وهى مصلحة مستقلة لها ميزانيتها الخاصة لا تكون مسئولة عن هذا التعطيل - لما كان ذلك فإن الحكم يكون قد أخطأ تعريف مضمون الالتزام بتقديم ترخيص الاستيراد كما تدل عليه أحكام قانون النقد وقرار وزير المالية رقم 51 لسنة 1947 المنفذ له وقد أدى به هذا الخطأ فى تفهم الأثر القانونى لترخيص الاستيراد إلى مخالفة قانون العقد ومسخ دلالته فقد أغفل الحكم بذلك التزاما جوهريا ما كان العقد ليتم بدونه وليس أدل على الصفة الجوهرية لهذا الالتزام من خطاب المصلحة الذى وجهته فى 7/ 8/ 1947 إلى وزارة المالية (مراقبة النقد) تنبه فيه إلى ما اشترطه الموردون من ضرورة الحصول على ترخيص الاستيراد لإمكان فتح الاعتمادات ولقد مسخ الحكم دلالة هذا الخطاب إذ قال بأن توجيهه كان من قبيل المساعدة للطاعنة وأن هذه المساعدة لم تكن وليدة إلتزام - وتضيف الطاعنة أن ذمة المصلحة لا تبرأ من تنفيذ الالتزام لمجرد تدخل من جانب الغير طالما أن هذا التدخل لا يصل إلى مرتبة القوة القاهرة وإذا كان الحكم قد توهم أن تدخل مراقبة النقد بتعطيل الترخيص أو وقفه يرقى إلى مرتبة السبب الأجنبى فإنه يكون قد أخطأ فهم معنى السبب الأجنبى فى عرف القانون ذلك أن مراقبة النقد لا تعتبر من الغير بالنسبة إلى مصلحة السكة الحديدية فكل منهما فرع من فروع الحكومة والحكومة هى الشخصية المعنوية التى تترتب فى ذمتها الحقوق والالتزامات التى تعقدها فروعها المختلفة ولا تتغير هذه الحقيقة لمجرد أن يكون التعاقد باسم الفرع فإن ذلك لمجرد التنظيم الداخلى وليس لاستقلال كل فرع بذمة مالية خاصة ولم يصادف قول الحكم بوجود ميزانية مستقلة لمصلحة السكة الحديدية محله من الصواب لا من الوجهة القانونية ولا من جهة الواقع فإن هذه المصلحة لا تستقل بشخصية معنوية عامة ولا هى تستقل بميزانية خاصة - والوجه الثانى وحاصله أن الحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه وأقر أسبابه ذهب إلى القول بأن ترخيص الاستيراد إنما الغى فى 12 من أكتوبر سنة 1947 أى بعد أكثر من شهرين من تاريخ صدوره وقد تم هذا الإلغاء فى حدود ما يقضى به القرار الوزارى رقم 83 لسنة 1947 الخاص بتنظيم منح تراخيص الاستيراد وأنه طالما أن الشركة لم تقم بفتح الاعتماد الخاص بهذا الاذن خلال الشهرين التاليين لتاريخ صدوره فقد سقط مفعوله بمقتضى القانون ولا مسئولية على المصلحة من جراء هذا الإلغاء وتقول الطاعنة إن هذا التسبيب معيب بالقصور ذلك ان الحكم اغفل الاعتداد بأمر جوهرى يتغير له وجه الرأى فان مجرد فوات الميعاد دون فتح الاعتماد ليس من شأنه ان يعفى المصلحة من المسئولية متى كان السبب فى عدم فتح الإعتماد لا يرجع إلى تقصير من جانب الطاعنة بل كان راجعا إلى تقصير من جانب المصلحة فى ازالة العقبات التى اعترضت نفاذ مفعول الإذن أثناء مدة سريانه أو راجعا إلى تدخل غير مشروع من جانب مراقبة النقد فى تعطيل الإذن مع أنها لم تكن فى ذلك الوقت تملك هذه السلطة.
وحيث إن النعى بهذين الوجهين مردود بأن الحكم المطعون فيه قال فى خصوص ما تثيره الطاعنة فى هذين الوجهين ما يأتى: "وحيث إن الذى تستخلصه المحكمة من الاطلاع على الأوراق والمستندات ودفاع الطرفين أنه ليس فى شروط العطاء الذى تقدمت به الشركة المستأنفة "الطاعنة" فى 31 يوليو سنة 1947 - ولا فى برقية مصلحة السكة الحديدية التى أرسلتها إليها فى 6 أغسطس سنة 1947 بقبول هذا العطاء - ولا فى الكتاب المؤيد لهذه البرقية والمتضمن لشروط التعاقد المبلغ من المصلحة للشركة فى 14 أغسطس سنة 1947 ما يلزم هذه المصلحة بأن تمكن الشركة المستأنفة من الحصول على الدولارات الأمريكية اللازمة لدفع ثمن الأخشاب المستوردة أو فتح الاعتماد الذى يخول لها ذلك. وكل ما التزمت به المصلحة على ما جاء فى البند السابع من شروط التعاقد تعهدها بأن توافى الشركة بترخيص الاستيراد اللازم فى أقرب فرصة. أما ما ذكر قبل ذلك من أن الشحن يبتدئ فى أقرب فرصة ممكنة وينتهى خلال خمسة شهور من تاريخ الحصول على ترخيص الاستيراد والعملة الأجنبية - ما ذكر فى هذا البند لا يلقى على كاهل المصلحة أى التزام خاص بتمكين الشركة من الحصول على العملة الأجنبية ولا يمكن أن يفهم هذا من عطف "العملة الأجنبية" على "ترخيص الاستيراد" فى هذه العبارة إذ أن ذكرهما فيها إنما جاء بصدد تحديد المهلة المعطاة للشركة لإتمام الشحن خلالها وقد وضعت تلك العبارة فى الشروط تحت عنوان "مكان التوريد وميعاده" ولو أن المتعاقدين قصدا أن تتعهد المصلحة بتمكين الشركة من الحصول على الدولارات أو فتح الاعتماد اللازم لها لنص على ذلك صراحة فى الشروط كما هو الحال بالنسبة لترخيص الاستيراد الذى تعهدت المصلحة فى البند السابع بتقديمه للشركة فى أقرب فرصة - وقد أبرأت المصلحة ذمتها من التزامها بتسليمها ترخيص الاستيراد المؤرخ 10 أغسطس سنة 1947 للشركة.. وهذا الإذن كما تسلم الشركة كان مستوفيا للأوضاع المقررة لمثله وبخاصة من ناحية سريانه لمدة شهرين يتحتم فى خلالهما فتح الاعتماد فإذا كان هذا الإذن قد أوقف أو تعطل مفعوله - كما تقول الشركة - فى 21 أغسطس سنة 1947 بفعل مراقبة النقد فإن مصلحة السكة الحديدية لا تكون مسئولة عن هذا التعطيل ولا تجبر على تقديم ترخيص جديد للشركة ولا ترمى بالتقصير أو التسبب فى فسخ التعاقد طالما قد ثبت أنها أوفت بتعهدها وقدمت للشركة الترخيص فى أقرب فرصة - وليس صحيحا ما تذكره المستأنفة من التزام مصلحة السكة الحديدية بتقديم ترخيص الاستيراد يتضمن حتما وبحكم التلازم تعهدها بأن تمكن الشركة من فتح الاعتماد لأنه وإن صح أن الاعتماد لا يمكن فتحه إلا إذا وجد الترخيص فإن مسئولية المصلحة تنتهى عند حد تقديم الترخيص السارى المفعول أما ما بقى بعد ذلك من فتح الاعتماد فهو من عمل الشركة باتفاقها مع البنك الذى تعامله ولا شأن للمصلحة به - على أن المصلحة لم تقصر فى مساعدة الشركة وغيرها ممن تعهدوا لها بتوريد الفلنكات فى تيسير حصولهم على العملة اللازمة بأن حررت لوزارة المالية فى 7 أغسطس سنة 1947 كتابا تناشدها فيه بذل المعونة لهم ومذكرة إياها بأن وزير المالية أبدى استعداده لذلك أثناء حضوره مجلس إدارة مصلحة السكة الحديدية. ولم تكن هذه المساعدة من جانب المصلحة وليدة التزام كما سلف البيان وإنما جاءت برهانا على مبلغ اهتمامها بتنفيذ العقد وايذانا بحاجتها الشديدة إلى الفلنكات المطلوبة" ولما كان لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تفسير المستندات وصيغ العقود والشروط المختلف عليها بما تراه هى أوفى بمقصود المتعاقدين وفى استخلاص ما يمكن استخلاصه منها ولا سلطان لمحكمة النقض عليها متى كانت عبارة الورقة تحتمل المعنى الذى حصلته محكمة الموضوع منها - وكان الحكم المطعون فيه قد اعتمد فيما استخلصه من العقد على المعنى الظاهر له وللأوراق الأخرى التى أشار إليها وبين الاعتبارات المعقولة المؤيدة لما ذهب إليه - وكان مجرد التزام مصلحة السكك الحديدية بتقديم ترخيص الاستيراد للطاعنة لا يتضمن بذاته وبطريق اللزوم - خلافا لما تقول الطاعنة - تعهد هذه المصلحة بتمكين الطاعنة من الحصول على الدولارات اللازمة ومن فتح الاعتماد بالترخيص للموردين وليس فى أحكام القانون رقم 80 لسنة 1947 الخاص بتنظيم الرقابة على عمليات النقد الأجنبى ولا فى قرار وزير المالية رقم 51 لسنة 1947 اللذين تستند إليهما الطاعنة ما يفرض على الملتزم بتقديم ترخيص الاستيراد واجب تمكين المتعاقد معه الصادر باسمه هذا الترخيص من تحويل العملة الأجنبية اللازمة إلى الخارج بل ان هذا الترخيص كان عند صدور وطبقا لما كان يقضى به قرار وزير المالية رقم 51 لسنة 1947 كافيا بذاته لاجراء التحويلات إلى الخارج أداء لثمن البضائع المستوردة به وذلك عن طريق أحد المصارف المرخص لها بمزاولة عمليات النقد الأجنبى ودون حاجة إلى الرجوع إلى اللجنة العليا أو إلى مراقبة النقد، لما كان ذلك وكان تفسير الحكم المطعون فيه لما تضمنه خطاب المصلحة الموجه إلى وكيل وزير المالية (للنقد) فى 7 من أغسطس سنة 1947 مما يدخل فى سلطة محكمة الموضوع وليس فيه انحراف عن المدلول الظاهر لعبارات هذا الخطاب - وكان لا يوجد فى شروط التعاقد أوفى القانون ما يلزم المصلحة بالضمان فى حالة تعطيل مفعول ترخيص الاستيراد قبل انتهاء مدته بفعل غير فعلها الشخصى لما كان ذلك كله فإن النعى بالوجهين السابقين يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى فى الشق الثانى من أسباب طعنها على الحكم المطعون فيه (أولا) مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله ذلك أنه فيما أقام عليه قضاءه بعدم مسئولية وزارة المالية (مراقبة النقد) قد استند إلى القول "بأن الأمر الصادر من مراقبة النقد بالاسكندرية فى كتابها إلى البنك العثمانى بتاريخ 21/ 8/ 1947 إنما كان تنفيذا لتعليمات تليفونية تلقتها المراقبة من الإدارة العامة نتيجة لصدور قرار الحكومة البريطانية بايقاف تحويل الاسترلينى وأنه قد تعززت هذه التعليمات بالكتاب المبلغ لمراقبة النقد بالاسكندرية فى 28/ 8/ 1947 وهذا الكتاب لم يمنع بتاتا فتح الاعتمادات واجراء المدفوعات بالدولارات الأمريكية بالاسترلينى إلى الولايات المتحدة والبلاد التابعة لمنطقة النقد الأمريكى وإنما قيد ذلك بوجوب رجوع البنك فى ذلك إلى الإدارة المركزية للنقد فأوجب عليها أن تقدم الطلبات الخاصة بالواردات مشفوعة باذن استيراد سارى المفعول. وقد أقرت اللجنة العليا للنقد هذا التصرف وصدر به منشور أبلغ إلى البنوك فى 4 سبتمبر سنة 1947 ولا شك أن لهذه اللجنة اختصاصها القانونى فى التوجيه والإشراف واصدار التعليمات الواجب ابتاعها فى خصوص النقد وهى مشكلة بقرار من ويزر المالية رقم 49 لسنة 1947 فى 14 يوليو سنة 1947 استنادا إلى المادة الثامنة من القانون رقم 80 لسنة 1947 التى أباحت لوزير المالية أن يعين بقرار منه هيئة رقابة تقوم على تنفيذ هذا القانون. وما يصدر من هذه اللجنة ومن إدارة النقد من التعليمات يعتبر من القواعد التنظيمية المكملة للقانون والملزمة للكافة" وتقول الطاعنة إن فى هذا الذى استند إليه الحكم مخالفة صارخة للقانون ذلك أن مراقبة النقد بالاسكندرية لا هى ولا الإدارة المركزية للنقد ولا اللجنة العليا للنقد المشكلة بموجب القرار رقم 49 لسنة 1947 كانت تملك أن تعطل سلطة المصارف المرخصة أو توقفها أو تأمرها بالرجوع إلى واحدة من تلك الهيئات وأن صدور الأمر من أى من هذه الهيئات إلى تلك المصارف بضرورة الرجوع إليها قبل فتح الاعتماد المطلوب آداء لثمن واردات مستوردة من الخارج بموجب ترخيص استيراد هو أمر مخالف لنص المادة الثالثة من القرار الوزارى رقم 51 لسنة 1947 الذى جاء صريحا فى إقصاء كل إشراف للجنة العليا أو مراقبة النقد على ما تجريه تلك المصارف من تحويلات إلى الخارج مقابل تراخيص استيراد ولقد صدر بهذا النص قرار وزير المالية رقم 51 لسنة 1947 معاصرا لقراره الرقيم 49 لسنة 1947 بتشكيل اللجنة العليا فلو أن الوزير مصدر القرارين كان يقصد إخضاع تلك المصارف فى عمليات التحويل مقابل ترخيص الاستيراد إلى إشراف تلك اللجنة لما نص صراحة على إبعاد هذا الإشراف فى القرار رقم 51 وهو تال فى الترقيم لقرار إنشاء اللجنة وهو رقم 49 - هذا فضلا عن أن اللجنة العليا وهى سلطة أدنى من سلطة الوزير لا تملك تعديل قرار الوزير وهو السلطة الأعلى وليس للجنة أن تخلق لنفسها اختصاصا محرما عليها بقرار الوزير كما أنه ليس لمراقبة النقد أو اللجنة العليا أن تستمد سلطتها من القرار رقم 73 لسنة 1947 الصادر فى 2 نوفمبر سنة 1947 بتعديل نص المادة الثالثة من القرار رقم 51 لسنة 1947 بحذف النص الذى يعفى المصارف من الرجوع إلى اللجنة العليا ومراقبة النقد فإن هذا القرار لم يكن قائما وقت صدور الترخيص فى 10/ 8/ 1947 ولا وقت التقدم إلى البنك العثمانى بطلب فتح الاعتماد ولا ينعطف أثر هذا القرار على الماضى (ثانيا) أن الحكم قد شابه القصور فيها اتخذه دعامة لقضائه برفض تضمين إدارة النقد عن وقفها مفعول ترخيص الاستيراد وتعطيل تنفيذ عقد التوريد إذ قرر الحكم أن البنك العثمانى على ما جاء بخطابه الرقيم 25 أغسطس سنة 1947 هو الذى تغاضى عن فتح الاعتماد لا خضوعا لقرار مراقبة النقد الصادر فى 21 من الشهر المذكور ولكن لمصلحة خاصة له ارتآها عقب علمه بقرار الحكومة البريطانية - ورتب الحكم على ذلك أن تعطيل فتح الاعتماد لم يكن راجعا إلى قرار مراقبة النقد بل هو راجع إلى فعل البنك بوحى من تلقاء نفسه وتقول الطاعنة إن الحكم فيما استخلصه من خطاب البنك العثمانى ومن كتاب مراقبة النقد إلى هذا البنك قد أغفل وأهدر واقعا ثابتا فى الدعوى إغفالا أوصل الحكم إلى مسخ دلالة عبارة الخطاب مسخا يعيب الحكم بالقصور ذلك أن قرار الحكومة البريطانية بمنع تحويل الاسترلينى هو الذى حمل مراقبة النقد على إصدار أمرها إلى البنك العثمانى بوقف كل بيع لدولارات أمريكية وبتحويل رصيد ما يوجد لدى البنك من هذه العملة إلى خزانة البنك الأهلى ولما كان البنك العثمانى قد أصبح ممنوعا من كل بيع للدولارات فإن إشارته فى خطابه إلى أن قرار الحكومة البريطانية اضطره إلى وقف العملية نظرا لعدم إمكانه الحصول على دولارات - هذا القول من البنك مفسرا فى ضوء الأمر السابق عليه الصادر من مراقبة النقد إنما يدل على أن وقف العملية يرجع إلى عدم إمكان الحصول على دولارات لاستيلاء مراقبة النقد عليها ولا يدل على ما فهمه الحكم من أن وقف العملية راجع إلى فعل البنك بوحى من تلقاء نفسه وبذلك يكون الحكم قد استخلص فهم الواقع من عناصر قاصرة وبطريقة ليس من شأنها أن توصل إلى الفهم الصحيح كما أنه غير مستساغ فى التدليل ما قاله الحكم بعد ذلك من أن البنك كان يستطيع مخالفة قرار المراقبة إذا كان مطمئنا إلى صحة موقفه (ثالثا) أن الحكم المطعون فيه قد شابه بطلان فى الإسناد فيما قرره من أن الطاعنة لم تتوخ السبيل الصحيح لفتح الاعتماد مدة سريان مفعول ترخيص الاستيراد وأنها أهملت اتباع هذا السبيل حتى سقط الترخيص بمرور شهرين وأنها لما تقدمت بعد ذلك فى 11 من أكتوبر سنة 1947 بطلب تسهيل لفتح الاعتماد رفض طلبها نظرا لسقوط الترخيص فلا تلومن والحالة هذه إلا نفسها وأنه لا يقبل منها الاحتجاج بأن كتاب مراقبة النقد ألغى الترخيص أو تسبب فى وقف الاعتماد إذ أن هذا الكتاب لم يؤد إلى ذلك بحال وكان لدى الشركة الطاعنة الفرصة الكافية لاتباع التعليمات الجديدة وكان لها فى هذا غنية عن مطالبة مصلحة السكة الحديدية بعد ذلك باستصدار ترخيص جديد لها - وتقول الطاعنة إن هذا الذى قاله الحكم مخالف لما هو ثابت فى نفس تدويناته عند عرضه لدفاع المصلحة والوزارة ولما هو ثابت فى أصول المستندات التى كانت تحت نظر المحكمة ذلك أن الطاعنة بعد أن أوقف فتح الاعتماد الخاص بها على اثر صدور قرار مراقبة النقد بالاسكندرية فى 21/ 8/ 1947 وبعد أن أرسل البنك العثمانى كتابه الرقيم 25/ 8/ 1947 تقدمت بطلب جديد تاريخه 28 من أغسطس سنة 1947 تطلب فتح الاعتماد عملا بترخيص الاستيراد السارى المفعول وقام البنك بإبلاغ هذا الطلب إلى المراقبة المركزية بالقاهرة فكان ردها فى 4 سبتمبر سنة 1947 أى قبل مضى الشهرين برفض الطلب (رابعا) أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون فيما قاله من أن الطاعنة لم تتخذ من شركة أخرى أسوة حسنة فقد تمكنت تلك الشركة من فتح الاعتماد الخاص بها تلغرافيا فى يوم 20/ 8/ 1947 قبل صدور قرار الحكومة البريطانية. ذلك أن معيار التقصير فى المسئولية هو معيار موضوعى لا شخصى ولم تقصر الطاعنة فى شئ فلا يجوز أخذها بمعيار شخصى فردى.
وحيث إنه وإن كان قرار وزير المالية رقم 51 لسنة 1947 الصادر فى 14 يوليه سنة 1947 قد نص فى المادة الثالثة منه على أن "المصارف المرخص لها بمزاولة عمليات النقد الأجنبى تقوم بإجراء التحويلات إلى الخارج أداء لثمن واردات مستوردة بترخيص استيراد... دون حاجة إلى الرجوع إلى اللجنة العليا أو إلى مراقب عمليات النقد وفقا للقواعد التى تضعها لذلك اللجنة العليا ومراقبة النقد". وكان صحيحا ما تقوله الطاعنة من أن قرار مراقبة النقد الصادر فى 28 من أغسطس سنة 1947 والذى تعزز بقرار اللجنة العليا للنقد الصادر بجلستها المنعقدة فى 2 من سبتمبر سنة 1947 والقاضى بوجوب رجوع المصارف إلى مراقبة النقد فى حالة فتح اعتمادات أو إجراء مدفوعات بالدولارات الأمريكية أو بالاسترلينى أداء لثمن واردات مستوردة بتراخيص استيراد - هذا القرار يتضمن تعديلا للقرار الوزارى رقم 51 لسنة 1947 ذلك أنه يفرض قيدا أعفى منه القرار الوزارى بنص صريح وهذا القيد له خطره إذ من شأنه أن يجعل لمراقبة النقد الحق فى رفض الاذن بتحويل العملة ولو بعد الحصول على ترخيص الاستيراد وهو الأمر الذى حدث فعلا مع الطاعنة عندما رجعت إلى مراقبة النقد والذى لم تكن هذه المراقبة أو اللجنة العليا تملكه بمقتضى نص المادة الثالثة من القرار الوزارى سالف الذكر إذ هو يعفى من الرجوع بتاتا إلى اللجنة العليا أو إلى مراقبة النقد فى حالة تحويل العملة أداء لثمن بضائع مستوردة بترخيص استيراد ولا تملك مراقبة النقد أو اللجنة العليا تعديل القرار الوزارى على النحو السابق لخروج ذلك عن اختصاصهما المحدد فى المادة الثامنة من القانون رقم 80 لسنة 1947 وفى قرار وزير المالية رقم 49 لسنة 1947 الذى صدر بالاستناد إلى تلك المادة ولا يمكن اعتبار قرار اللجنة العليا من قبيل القواعد اللازمة لضمان حسن سير الأعمال فيما يتعلق بعمليات النقد الأجنبى تلك القواعد التى خول القرار الوزارى المذكور اللجنة العليا سلطة وضعها وإصدار التعليمات المتضمنة لها ذلك أن مناط وضع هذه القواعد التنظيمية ألا تكون هناك قواعد واردة بالفعل فى قانون النقد أو فى القرارات الوزارية المنفذة له تنظم الحالة التى تريد اللجنة وضع قواعد لتنظيمها إذ المقرر أنه لا يجوز لسلطة أدنى فى مدارج التشريع أن تلغى أو تعدل قاعدة تنظيمية وضعتها سلطة أعلى أو أن تضيف إليها أحكاما جديدة إلا بتفويض خاص من هذه السلطة العليا أو من القانون هذا إلى أن القرار الوزارى رقم 51 لسنة 1947 صدر فى يوم صدور القرار الوزارى رقم 49 لسنة 1947 وتاليا له فى الترقيم ولو أن الوزير مصدر القرارين قصد إخضاع المصارف فى عمليات التحويل مقابل بضائع مستوردة بتراخيص استيراد إلى إشراف اللجنة العليا العام المقرر فى القرار الوزارى رقم 49 لسنة 1947 لما نص صراحة فى قراره رقم 51 لسنة 1947 على إقصاء هذا الإشراف فى هذه الحالة - وإن كان صحيحا ما تقدم وكان من مؤداه أن قرار اللجنة العليا وقرار مراقبة النقد بإيجاب رجوع المصارف إلى مراقبة النقد فى الحالة المذكورة يكونان مشوبين بعيب عدم الاختصاص إلا أن هذا العيب وإن كان يكفى بذاته لتبرير إلغاء هذين القرارين من القضاء الإدارى إلا أنه فى خصوص مسئولية الادارة عن التضمينات فإنه لما كان العيب الذى شاب هذين القرارين لا ينال من صحتهما من حيث موضوعهما إذ أن الظروف التى نتجت عن إصدار الحكومة البريطانية قرارها المفاجئ فى 20 أغسطس سنة 1947 بوقف تحويل الاسترلينى إلى دولارات فى منطقة الدولار هذه الظروف كانت تبرر اصدار هذين القرارين ولما كانت الادارة قد تداركت العيب الذى شاب القرارين وصححت الوضع بإصدار وزير المالية فى 9 من نوفمبر سنة 1947 قراره رقم 73 لسنة 1947 بتعديل نص المادة الثالثة من قراره رقم 51 لسنة 1947 على النحو الآتى: "المصارف المرخص لها فى مزاولة عمليات النقد الأجنبى تقوم بإجراء التحويلات إلى الخارج أداء لثمن واردات مستوردة بترخيص استيراد... طبقا للقواعد التى تقررها اللجنة العليا للرقابة على عمليات النقد" - لما كان ذلك فإن الضرر الذى تدعيه الطاعنة إن صح حصوله كان سيلحقها لا محالة سواء عن طريق القرار المعيب أو القرار السليم فليس لها أن تطلب تعويضها عن هذا الضرر استنادا إلى عيب عدم الاختصاص الذى شاب القرار الأول وذلك لانتفاء رابطة السببية بين هذا العيب وبين الضرر فى هذه الحالة - وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى فى منطوقه إلى هذه النتيجة الموافقة للقانون فإنه لا يعيبه بعد ذلك ما ورد فيه من تقريرات قانونية خاطئة كذلك لا يعيبه ما اشتمل عليه من قصور مما هو محل نعى الوجهين الثانى والثالث لأن هذا القصور غير ذى أثر فى قضاء الحكم أما ما تنعى به الطاعنة فى الوجه الرابع فمردود بأن ما ورد فى الحكم مما هو محل نعى فى هذا الوجه قد جاء فيما استطرد إليه الحكم تزيدا.
وحيث إنه متى انتفت مسئولية وزارة المالية على الوجه المتقدم فإنه يكون غير مجد بعد ذلك ما أثارته الطاعنة فى خصوص مسئولية مصلحة السكة الحديدية عن فعل مراقبة النقد باعتبارهما فرعين لأصل واحد هو الحكومة.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه.


(1) راجع نقض 17/ 12/ 1959 مجموعة المكتب الفنى س 10 رقم 124 "لا يجوز إلغاء نص تشريعى إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الالغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع" (المادة 2 مدنى).