أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثانى - السنة 13 - صـ 864

جلسة 28 من يونيه سنة 1962

برياسة السيد المستشار محمد متولى عتلم، وبحضور السادة المستشارين: محمد زعفرانى سالم ومحمود القاضى، ومحمود توفيق إسماعيل، وأحمد شمس الدين.

(128)
الطعن رقم 19 لسنة 27 القضائية

( أ ) استئناف "إجراءات نظر الاستئناف". "تقرير التلخيص". "تلاوته".
وجوب وضع تقرير تلخيص فى الدعوى الاستئنافية (فى الاستئناف الذى يرفع بعريضة إلى قلم الكتاب) وتلاوته قبل المرافعة. لم يستلزم القانون وضع تقرير آخر كلما جد جديد فى الدعوى أثناء نظرها أمام المحكمة. تغيير بعض أعضاء المحكمة بعد تلاوة التقرير. وجوب تلاوته من جديد ولا يشترط أن يكون التقرير من عمل أحد أعضاء الهيئة الجديدة.
(ب) إثبات. الإقرار: "القضائى أو غير القضائى" "حجية الإقرار" محكمة الموضوع.
قوة الإقرار القضائى فى الإثبات مقصورة على الدعوى التى صدر فيها. تمسك الخصم المقر له أو الغير به فى دعوى أخرى تالية يجعل الإقرار بالنسبة إلى هذه الدعوى الأخرى إقرارا غير قضائى لا يعد حجة قاطعة على المقر بل يكون خاضعا لتقدير محكمة الموضوع. لها أن تعتبره دليلا كتابيا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة ولها ألا تأخذ به أصلا.
1 - إن كل ما أوجبه القانون فى المادة 407 مكررا المضافة بالقانون رقم 264 لسنة 1953 والمادة 408 مرافعات المعدلة بالقانون المذكور هو أن يضع العضو المقرر فى الدائرة الاستئنافية تقريرا يلخص فيه موضوع الاستئناف وطلبات الخصوم وأسانيد كل منهم ودفوعهم ودفاعهم وأن يتلى هذا التقرير فى الجلسة قبل بدء المرافعة ولم يستلزم القانون وضع تقرير آخر كلما جد جديد فى الدعوى أثناء نظرها أمام المحكمة كما أنه فى حالة تغيير بعض أعضاء المحكمة بعد تلاوة التقرير وإن كان يجب تلاوة التقرير من جديد ليعلم من لم يكن حاضرا منهم عند تلاوة التقرير السابق بما لم يحط به علما من قبل إلا أنه لا يشترط أن يكون التقرير الذى يتلى فى هذه الحالة من عمل أحد أعضاء الهيئة الجديدة بل يكفى تلاوة التقرير الذى وضعه العضو المقرر الأول لأن تلاوة هذا التقرير تفيد أن العضو الذى تلاه قد أقره وتبناه ولم يجد داعيا لوضع تقرير جديد وتتحقق بهذه التلاوة الغاية التى يهدف إليها المشرع من إيجاب وضع التقرير وتلاوته.
2 - قوة الإقرار القضائى فى الإثبات مقصورة على الدعوى التى صدر فيها فإذا تمسك به الخصم المقر له أو الغير فى دعوى أخرى تالية كان الإقرار بالنسبة إلى هذه الدعوى الأخرى إقرارا غير قضائى فلا يعتبر حجة قاطعة على المقر بل يكون خاضعا لتقرير محكمة الموضوع، ولهذه المحكمة بعد تقدير الظروف التى صدر فيها وملابسات الدعوى أن تعتبره دليلا مكتوبا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة كما أن لها ألا تأخذ به أصلا ولا معقب على تقديرها فى ذلك متى بنى على أسباب سائغة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وباقى أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون عليهم عدا الأخير أقاموا فى 29 من نوفمبر سنة 1950 الدعوى رقم 436 سنة 1950 مدنى كلى كفر الشيخ ضد الطاعنين وطلبوا الحكم اولا - ببراءة ذمة مورثهم المرحوم أحمد السيد نعيم من أصل الدين وملحقاته المحرر عنه عقد الرهن الحيازى المؤرخ 5/ 9/ 1942 لصالح الطاعن الثانى وإلغاء وشطب كافة ما ترتب عليه من تسجيلات مع إلزام الأخير بتسليم العين المرهونة ومساحتها 36 فدانا وقالوا شرحا لدعواهم إنه بموجب عقد رهن حيازى تاريخه 5/ 9/ 1942 ومسجل فى 10/ 9/ 1942 اقترض مورثهم من الطاعن الثانى مبلغ ثلاثة آلاف جنيه إلتزم بالوفاء به فى أول أكتوبر سنة 1947 وضمانا لهذا الدين رهن المورث لصالح هذا الدائن 36 فدانا رهنا حيازيا وقد استلم الأخير الأرض المرهونة من تاريخ الرهن واستغلها واستوفى دينه وفوائده من ريعها بل وأصبحت ذمته مشغولة لهم بالفائض بعد ذلك من الريع ولامتناعه عن تسليم العين المرهونة - اضطروا لرفع هذه الدعوى عليه بطلباتهم السالفة الذكر التى أصروا عليها وطلبوا احتياطيا ندب خبير لإجراء عملية استهلاك دين الرهن من غلة العين المرهونة - وبتاريخ 23 يناير سنة 1952 قضت المحكمة الابتدائية بتعيين خبير باشر هذه العملية وانتهى فى تقريره إلى أن الدين قد استهلك جميعه وأصبحت ذمة الطاعن الثانى "المرتهن" مشغولة للمطعون عليهم المذكورين بمبلغ 1275 جنيها و407 مليمات لغاية يوم أول نوفمبر سنة 1951 وأثناء نظر الدعوى تدخل الطاعن الأول فيها وقبلته المحكمة خصما ثالثا وبنى تدخله على أنه اشترى الأرض المرهونة من مورث المطعون عليهم بعقد بيع عرفى مؤرخ 16/ 2/ 1945 بموجبه وضع يده على هذه الأرض وأصبحت غلتها من حقه هو باعتباره مالكا وأنه قد باع نصف هذه الأرض إلى الطاعن الثانى وأنهما أقاما معا الدعوى رقم 150 سنة 1951 مدنى كلى كفر الشيخ فى 24 ديسمبر سنة 1950 ضد ورثة الطاعن الأول وهم المطعون عليهم عدا الأخير بطلب الحكم "أولا" بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 16/ 2/ 1945 الصادر من مورث هؤلاء المطعون عليهم إلى الطاعن الأول - ثانيا - بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ أول أكتوبر سنة 1947 الصادر من الطاعن الأول إلى الطاعن الثانى ببيع 18 فدانا مشاعا فى الـ 36 فدانا سالفة الذكر وطلب الطاعن الأول فى الدعوى 436 سنة 1950 أصليا الحكم برفضها واحتياطيا وقفها حتى يفصل فى دعواه رقم 150 سنة 1951 وطعن الطاعنان كلاهما بصورية عقد الرهن الصادر إلى ثانيهما إذ لم يقترن بوضع يد المرتهن وقد قصد به تفويت حق الشفعة على من يدعى عبد الفتاح سعيد تلك الشفعة التى تولدت عن البيع الصادر إلى الطاعن الأول بالعقد المؤرخ 16/ 2/ 1945 - وقررت المحكمة الابتدائية ضم الدعويين للإرتباط ودفع المطعون عليه الأول بجلسة 30 أبريل سنة 1952 بجهله توقيع مورثه على عقد البيع المذكور وقضت المحكمة فى 30 مايو سنة 1952 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات صحة التوقيع على هذا العقد وبعد سماع شهود الطاعن الأول قرر المطعون عليهم عدا الأخير بالطعن بالتزوير فى هذا العقد وذلك بتقرير فى قلم الكتاب تاريخه 29 أكتوبر سنة 1952 وقاموا بإعلان شواهد التزوير وقبلت المحكمة الشاهد الأول منها وندبت قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعى لإجراء المضاهاة وقدم القسم المذكور تقريرا انتهى فيه إلى أن التوقيع المنسوب للمورث على عقد البيع المطعون فيه بالتزوير مزور - وبعد تقديم هذا التقرير تنازل الطاعن الأول عن التمسك بهذا العقد وعدل طلباته فى الدعوى رقم 150 سنة 1951 المرفوعة منه ومن الطاعن الثانى إلى طلب الحكم بصحة ونفاذ التعاقد الحاصل بينه وبين مورث المطعون عليهم المرحوم أحمد السيد نعيم بتاريخ 11/ 8/ 1942 والمتضمن بيع الأخير له 36 فدانا المبينة الحدود والمعالم بعريضة تلك الدعوى ودعوى الشفعة المضمومة رقم 521 سنة 1942 كلى طنطا وذلك نظير ثمن قدره سبعون جنيها للفدان وارتكن فى إثبات هذا التعاقد إلى إقرار البائع له "أحمد السيد نعيم" فى دعوى الشفعة المذكور بصدور البيع منه عن القدر المطالب بصحة التعاقد عنه - وأصر الطاعن الثانى على طلب صحة ونفاذ عقد البيع الصادر إليه من الطاعن الأول - وبتاريخ 9 من مارس سنة 1955 حكمت المحكمة الابتدائية فى الدعويين: أولا - برفض الدعوى رقم 150 سنة 1951 مدنى كلى كفر الشيخ. ثانيا - فى الدعوى رقم 436 سنة 1950 مدنى كلى كفر الشيخ 1 - ببراءة ذمة مورث المطعون عليهم - عدا الأخير - المرحوم أحمد السيد نعيم من أصل الدين وملحقاته المحرر به عقد الرهن الحيازى المؤرخ 5 سبتمبر سنة 1942 والمسجل فى 10 منه لمصلحة الطاعن الثانى وشطب ومحو كافة ما ترتب عليه من تسجيلات - 2 - بإلزام الطاعن الثانى بأن يسلم للمطعون عليهم المذكورين الـ 36 فدانا المرهونة... استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 190 سنة 5 ق طنطا ولدى نظر هذا الاستئناف أدخلا بتصريح من المحكمة المطعون عليه الأخير خصما فى الدعوى ليقدم ما لديه من مستندات تؤيد دعواهما وقد أودع المذكور ثلاثة مستندات وبتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1956 حكمت محكمة استئناف طنطا بقبول الاستئناف شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف تأسيسا على ذات أسباب الحكم الابتدائى وعلى أن المحكمة أسقطت قيمة الأوراق التى قدمها المطعون عليه الأخير فى الإثبات وذلك بما لها من سلطة مقررة فى المادة 260 مرافعات - وقد طعن الطاعنان بطريق النقض فى هذا الحكم بتاريخ 22 يناير سنة 1957 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 7 مارس سنة 1961 وفيها صممت النيابة على ما جاء بمذكرتها التى طلبت فيها رفض الطعن وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وحدد لنظره جلسة 31 مايو سنة 1962 وفيها أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه فى ثلاثة أسباب يتحصل أولها فى أن الحكم المطعون عليه قد شابه بطلان جوهرى ذلك أن الهيئة التى حكمت فى الاستئناف كانت قد خلفت هيئة أخرى فى نظر الدعوى ولم تقم بما يفرضه عليها القانون فى هذه الحالة من وضع تقرير تلخيص جديد من عمل أحد أعضائها بل اكتفت بتلاوة التقرير الذى كان قد وضعه أحد أعضاء الهيئة السابقة ويقول الطاعنان إن هذا المسلك لا يحقق غرض الشارع الذى أوجب على المستشار المقرر أن يتولى بنفسه مأمورية التلخيص ولا يجوز له مطلقا أن يتبنى التقرير الذى وضعه أحد أعضاء الهيئة السابقة هذا فضلا عن أن التقرير الذى تلاه أحد أعضاء الهيئة التى أصدرت الحكم فى جلسة 22 فبراير سنة 1956 جاء قاصرا لعدم شموله على تطور سير الخصومة وخاصة فيما يتعلق بالمستندات الجديدة التى قدمها فى الدعوى الخصم المدخل فيها بناء على طلب الطاعنين وتنفيذا لقرار أصدرته محكمة الاستئناف فى 23 مايو سنة 1956 ولا يقلل من أهمية هذه المستندات أن الحكم المطعون فيه قد ردها إستنادا منه إلى الرخصة الواردة فى المادة 260 مرافعات إذ لو أن تقرير التلخيص تحدث عنها لأمكن للطاعنين وللطرف المدخل فى الدعوى أن يعدوا دفاعهم عنها فى هدى ما كان يمكن أن يفصح عنه التقرير خاصا بها وفى قصور التقرير الذى تلاه المستشار المقرر مخالفة لنص المادة 408 مرافعات ومن شأن هذا القصور أن يبطل التقرير وبالتالى يبطل الحكم.
وحيث إن كل ما أوجبه القانون فى المادة 407 مكررا - 2 - المضافة بالقانون رقم 264 لسنة 1953 والمادة 408 مرافعات المعدلة بالقانون المذكور هو أن يضع العضو المقرر فى الدائرة الاستئنافية تقريرا يلخص فيه موضوع الاستئناف وطلبات الخصوم وأسانيد كل منهم ودفوعهم ودفاعهم وأن يتلى هذا التقرير فى الجلسة قبل بدء المرافعة ولم يستلزم القانون وضع تقرير آخر كلما جد جديد فى الدعوى أثناء نظرها أمام المحكمة. كما أنه فى حالة تغيير بعض أعضاء المحكمة بعد تلاوة التقرير وإن كان يجب تلاوة التقرير من جديد ليعلم من لم يكن حاضرا منهم عند تلاوة التقرير السابق بما لم يحط به علما من قبل إلا أنه لا يشترط أن يكون التقرير الذى يتلى فى هذه الحالة من عمل أحد أعضاء الهيئة الجديدة بل يكفى تلاوة التقرير الذى وضعه المقرر الأول لأن تلاوة هذا التقرير تفيد أن العضو الذى تلاه قد أقره وتبناه ولم يجدد داعيا لوضع تقرير جديد وتتحقق بهذه التلاوة الغاية التى يهدف إليها المشرع من إيجاب وضع التقرير وتلاوته لما كان ذلك وكان الثابت من بيانات الحكم المطعون فيه أن عضو اليسار فى الدائرة التى حكمت فى الاستئناف تلا التقرير فى جلسة المرافعة الأخيرة فإن محكمة الاستئناف تكون قد قامت بما فرضه عليها القانون ويكون النعى على حكمها فى هذا السبب بالبطلان على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان فى السبب الثانى على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون فيما قرره من تأييد الحكم الابتدائى فى خصوص ما ورد فى هذا الحكم من أن الإقرار غير القضائى الصادر فى دعوى أخرى خلاف المنظورة لا يعتبر دليلا عن المقر ذلك أن القانون لا يميز من حيث الحجية بين الإقرار القضائى وغير القضائى إذا كان هذا الأخير مستوفيا للشرائط القانونية ولا ينفذ الحكم المطعون فيه من المخالفة ما جاء فيه من أن الإقرار المستند عليه مشوب بالغموض ذلك لأن هذا التعلل يعتبر من قبيل التزيد البحت ما دام أن الحكم قد جرد الإقرار من حجيته القاطعة لمجرد صدوره فى دعوى أخرى خلاف تلك التى يفصل فيها الحكم - ثم إن الحكم قد خالف القانون أيضا عندما وصف الإقرار الصادر من مورث المطعون عليهم بأنه إقرار مركب ومن ثم لا تصح تجزئته فى حين أن هذا الإقرار بسيط صريح إذ كيانه مصادقة المورث على شهادة الأستاذ مصطفى الجنزورى المحامى وهى شهادة صريحة تؤكد تمام البيع للطاعن الأول وصورية الرهن للطاعن الثانى وليس فى مصادقة المورث عليها أى تحوير من شأنه أن يجعل هذه المصادقة بمثابة إقرار مركب - والواقع من الأمر أن مورث المطعون عليهم قد حاول فى محضر التحقيق الذى تم فى قضية الشفعة أن يفلت من الاعتراف بحصول البيع تهربا من الشفعة وذلك عندما واجهه المحقق بالشاهد أبو شعيشع ولكنه لم يستطع ذلك عند مواجهته بأقوال الشاهد الأستاذ مصطفى الجنزورى فكان أن صادق على أقوال الأخير مصادقة تامة وهذه الأقوال صريحة فى حصول البيع ولو سلم جدلا بأن مورث المطعون عليهم أنكر فى المواجهة الأولى حصول البيع واعترف فى المواجهة التالية والأخيرة بحصوله فإن الأمر فى هذه الحالة لا يعدو أن يكون اعترافا سبقه إنكار ولا يمكن وصف الإقرار بأنه مركب - وينعى الطاعنان فى السبب الثالث على الحكم المطعون فيه بطلانه لقصور تسبيبه وفى بيان ذلك يذكران أن الحكم المطعون فيه استند فى القول بغموض إقرار مورث المطعون عليهم فى دعوى الشفعة إلى أقوال أسندها إلى هذا المورث فى محضر الاستجواب المؤرخ 29 يناير سنة 1944 بتلك القضية فى حين أن محضر 29 يناير سنة 1944 الذى أشار إليه الحكم لم يشتمل على أى استجواب لمورث المطعون عليهم فمن الخطأ فى الإسناد إذن الركون إليه. ثم إن عيب الغموض الذى يتحدث عنه الحكم المطعون فيه لا وجود له فى الأقوال المثبتة لإقرار هذا المورث إذ أن أقواله الحرفية هى "حقيقة حصل كل هذا" وهذه الأقوال تعنى المصادقة التامة على أقوال محاميه الأستاذ مصطفى الجنزورى وهذه الأقوال صريحة كل الصراحة فليس هناك إذن مجال للغموض الذى اتخذ منه الحكم المطعون فيه تكئة لاستبعاد ما تبقى من دلالة قانونية للإقرار بعد أن نفى عنه الحكم الحجية القاطعة المقررة فى المادة 409 من القانون المدنى وأخيرا فإن التناقض المدعى به فى أقوال مورث المطعون عليهم فى محضر التحقيق لا محل له بل على العكس فإن إقراره بحصول البيع مؤيد بأقوال الشهود الآخرين الذين سمعهم المحقق وكل ما هناك هو أن المقر حاول فى البداية التخلص من حق الشفعة عن طريق قوله بأنه عدل عن البيع ولكنه انتهى بأن أقر صراحة بقيام البيع وبصورية الرهن للطاعن الثانى وهذا الإقرار صريح لصالح الشفيع ولا يمكن أن يعد وسيلة من وسائل الدفاع فى دعوى الشفعة حتى يجوز التحلل منه فى دعوى أخرى كما قال المطعون عليهم وكما أقرهم عليه الحكم المطعون فيه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الصورة الرسمية لمحضر التحقيق فى قضية الشفعة رقم 521 سنة 1942 كلى طنطا أنه وإن كان صحيحا ما يقوله الطاعنان من أن محضر 29 يناير سنة 1944 الذى أشار إليه الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه لم يتضمن أى استجواب لمورث المطعون عليهم إلا أن الاستجواب الذى عناه الحكم قد جرى فى المحضر التالى المؤرخ 11 مارس سنة 1944 وأدلى المورث فى هذا المحضر بالأقوال التى أسندها إليه ذلك الحكم ومن ثم فإن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد خطأ مادى وقع فيه الحكم عند ذكر تاريخ محضر الاستجواب ولا يكون هناك محل للنعى عليه فى هذا الخصوص بالخطأ فى الاسناد ما دام أن الأقوال التى أسندها إلى المورث قد صدرت منه بالفعل.
وحيث إنه عما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه من إهداره حجية الإقرار الصادر من المورث فى قضية الشفعة سالفة الذكر فإن الحكم الابتدائى الذى أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه استند فى عدم الأخذ بهذا الاقرار إلى ما قاله "أولا - أنه يبين من الاطلاع على دعوى الشفعة رقم 521 سنة 1942 المقامة من عبد الفتاح سعيد ضد المدعى الأول (الطاعن الأول) كمشترى ومورث المدعى عليهم (المطعون عليهم عدا الأخير) كبائع للمطالبة بأخذ الأرض المبيعة موضوع الدعوى الحالية بطريق الشفعة وعلى الإقرار الصادر فيها من مورث المدعى عليهم والذى يفيد حصول البيع منه للمدعى الأول الذى عدل طلباته تأسيسا عليه بديلا من عقد البيع الذى ثبت تزويره - نجده إقرارا مشوبا بالغموض إذ بينما يقر المورث المذكور فى صدر محضر الاستجواب المؤرخ 29/ 1/ 1944 بتلك القضية أنه قام ببيع أرض النزاع للمدعى الأول بسعر الفدان 70 جنيها وأن الأخير قد استلم الثمن من المدعى الثانى (الطاعن الثانى) إذا به فى نفس الحالة يقرر أن المدعى الثانى عندما حضر إليه وقتئذ وعرض عليه ارتهان الأرض بسعر الفدان 70 جنيها فضله أى رهن إليه الأرض بدلا من بيعها. ثم يعود عند مواجهته بأقوال الاستاذ مصطفى الجنزورى أحد الشهود فى تلك الدعوى والذى شهد بصحة صدور البيع من مورث المدعى عليهم للمدعى الأول واطلاعه هو على العقد المبرم بينهما. فيوافق الشاهد المذكور على أقواله المتضمنة حصول البيع وحصول الرهن أيضا قصد تفويت حق الشفعة على مدعيها - الأمر الذى يجعل إقرار المورث والذى إستند عليه المدعيان (الطاعنان) كسند لدعواهما غير منتج فى الدعوى لأنه من المسلم به قانونا أن الإقرار لا يتجزأ على صاحبه كما أنه ليس من العدل الأخذ بما يضر المقر وترك ما ينفعه وحمل إقراره على غير محمله وذلك كصريح نص المادة 409/ 2 مدنى كما أن هذا الإقرار ان اعتبر كذلك ليس حجة على المورث لأنه من المسلم به أن الإقرار هو إعتراف من الخصم بالحق المدعى به أمام المحكمة أثناء نظر الدعوى الخاصة بذلك الحق والثابت أن الإقرار المدعى به قد صدر فى صدد نظر دعوى الشفعة المشار اليها آنفا ومن ثم فلا يعتبر دليلا على المقر فى الدعوى الحالية - هذا كله فضلا عما لابس أقوال الشهود فى دعوى الشفعة المذكورة من تناقض إذ بينما يقرر الاستاذ الجنزورى المحامى بصحة البيع وصدوره من المورث بسعر الفدان 70 جنيها وعقده الرهن للأرض المبيعة لطه محمود (الطاعن الثانى) قصد تفويت حق الشفعة على مدعيها إذ يقرر الشاهد أبو شعيشع على وهو عم المدعى الأول أن عقد البيع الابتدائى الصادر من مورث المدعى عليهم للمدعى الأول قد استبدل بعقد الرهن الحيازى لصالح طه محمود وذلك بعد وصول انذار الشفعة من مدعيها كما يلاحظ أخيرا أن نفس المدعى الأول (الطاعن الأول) قد أقر فى الدعوى المذكورة بعدم حصول بيع إليه وتأسيسا على ذلك ترك مدعى الشفعة دعواه حيث حكم فيها بالشطب - ثانيا - لم يقم المدعيان (الطاعنان) أثناء نظر الدعوى الحالية خلال سنين ثلاث بالاشارة إلى صورية عقد الرهن كما لم يشيرا إلى إقرار المورث بالبيع فى دعوى الشفعة إلا بعد أن أثبت تقرير مصلحة الطب الشرعى تزوير عقد البيع أساس الدعوى الأمر الذى يجعل إستنادهما إلى هذا الاقرار من قبيل خلق سند لدعواهما بعد أن ثبت تزوير عقد البيع - ثالثا - إن قيام المدعى الثانى بإنذار المدعى عليهم فى 1/ 9/ 1947 بسداد دين الرهن وقدره 3000 جنيه مضافا إليه ما سدده نيابة عن مورثهم وقدره 1100 جنيه والا نزع ملكية الأرض المرهونة يتنافى مع القول بجدية البيع الصادر إليه من المدعى الأول بتاريخ 1/ 10/ 1947 إذ لا يعقل أن تكون الأرض جميعها مرهونة إليه ولم يسدد دين الرهن له ثم يقوم بشراء نصفها - 18 فدانا - ويدفع كامل الثمن وقدره 3060 جنيها بعد شهر من تاريخ الانذار - رابعا - قيام المدعى الثانى بشراء نصف الأرض المرهونة إليه وشهادته على عقد البيع للمدعى الأول الذى ثبت تزويره مع علمه بأن جزءا من هذه الأرض وقدره ستة أفدنة ونصف قد بيع من مورث المدعى عليهم لشقيقه المدعو محمد السيد نعيم الذى قام بإختصام المدعى الثانى فى القضية 385 لسنة 1944 التى طلب فيها إستلام الأرض المبيعة له بعد أن حكم له بصحة ونفاذ العقد ورفض طلب التسليم تأسيسا على ما دفع به المدعى الثانى من إرتهانه لتلك الأرض - إذ كيف يعقل أن يشترى لنفسه أرضا قدرها 18 فدانا ويشهد على عقد بيع صادر للمدعى الأول بـ 36 فدانا مع علمه بأن جزءا من الأرض المبيعة اليه مملوكة لشخص آخر الأمر الدال بذاته على عدم صحة ما ادعاه المدعيان من صدور بيع من مورث المدعى عليهم للمدعى الأول - خامسا - قيام المدعى الثانى بتجديد قائمة الرهن لغاية سنة 1952 دليل على جدية عقد الرهن... ولا يعقل أن يقوم بذلك فى وقت أصبح هو فيه مالكا لنصف الأرض المرهونة ونصفها الآخر مملوك للمدعى الأول - سادسا - بالإطلاع على تقرير الخبير المنتدب فى دعوى الإستهلاك الرقيمة 436 سنة 1950 يبين أن المدعى الثانى اعترف للخبير بأنه ارتهن الأرض جميعها من مورث المدعى عليهم فى سنة 1942 ووضع اليد عليها واستغلها إلى سنة 1945 بتلك الصفة إلى أن طالب البنك مورث المدعى عليهم "الراهن" بدفع ما عليه من ديون ولما لم يرد على إنذار البنك تقدم الدكتور أحمد السيد (الطاعن الأول) إلى المدين الراهن حيث باعه الأخير الأرض جميعها والتزم المشترى بسداد دين البنك - ويبين من هذا القول الصادر من نفس المدعى الثانى (الطاعن الثانى) أن بيعا لم يحصل سنة 1942 كما ذكر المدعى الأول بمقولة إن مورث المدعى عليهم اعترف بحصول بيع منه إليه لأن بيع الأرض المرهونة لم يتم حسب قول الطاعن الثانى - إلا فى سنة 1945 بموجب عقد البيع الذى تقدم به المدعيان وثبت تزويره. فتنازلا عن التمسك به معتمدين على الإقرار السالف الاشارة اليه... كل هذه الوقائع تحمل فى طياتها الدليل على جدية عقد الرهن وعلى عدم صحة عقد البيع المدعى به... وقد بان من استعراض ظروف صدور الإقرار المنسوب لمورث المدعى عليهم والذى اتخذ أساسا للدعوى بعد التنازل عن عقد البيع المزور أنه اقرار غير قضائى ومن ثم فهو ليس حجة على المورث كما أنه مشوب بالتناقض والغموض الأمر الذى لا يصح القول معه باعتباره أساسا سليما للدعوى الحالية وحالا محل عقد البيع المستوفى شرائطه القانونية من بيع محدد إلى ثمن معين وتراض عليهما... ويتعين على أساس ما تقدم إستبعاد هذا الاقرار. "ولما كانت قوة الإقرار القضائى فى الإثبات مقصورة على الدعوى التى صدر فيها فإذا تمسك به الخصم المقر له أو الغير فى دعوى أخرى تالية كان الاقرار بالنسبة إلى هذه الدعوى الأخرى إقرارا غير قضائى فلا يعتبر حجة قاطعة على المقر بل يكون خاضعا لتقدير محكمة الموضوع ولهذه المحكمة بعد تقدير الظروف التى صدر فيها وملابسات الدعوى أن تعتبره دليلا مكتوبا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة كما أن لها ألا تأخذ به أصلا ولا معقب على تقديرها فى ذلك متى بنى على أسباب سائغة - لما كان ذلك، فإن محكمة الموضوع إذ قررت أن مصادقة مورث المطعون عليهم على أقوال الأستاذ الجنزورى فى التحقيق الذى أجرى فى دعوى الشفعة بفرض أنها تعتبر إقرارا من المورث بصحة الوقائع التى أدلى بها هذا الشاهد فإن هذا الإقرار يكون إقرارا غير قضائى وأخضعته لذلك لتقديرها فإنها لا تكون قد خالفت القانون ولما كانت الأسباب التى استندت اليها فى عدم الأخذ بهذا الاقرار سائغة ولها سندها فى الأوراق فإن المحكمة لا تكون قد جاوزت سلطتها فى تقدير الأدلة - ولا يعيب حكمها بعد ذلك ما ورد فيه خاصا بعدم جواز تجزئة الإقرار لأن هذا القول وإن كان لا يصادف محلا فى صورة الإقرار المنسوب إلى مورث المطعون عليهم إلا أن الحكم لم يؤسس عليه قضاءه بعدم الأخذ بهذا الاقرار وإنما أسسه على أسباب أخرى سائغة وسليمة فى القانون. ويعتبر هذا القول تزيدا من الحكم يستقيم بدونه - لما كان ذلك، وكان استخلاص الحكم لوجود غموض فى الإقرار ولقيام التناقض بين مدلوله كما يفسره الطاعنان وبين أقوال أخرى صادرة من المورث نفسه فى ذات الجلسة التى صدر فيها هذا الإقرار منه - لما كان هذا الاستخلاص مستمدا من أصل ينتجه فإن ما يثيره الطاعنان فى سببى الطعن لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فى تقدير المحكمة للدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.