أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 13 - صـ 1031

جلسة 15 من نوفمبر سنة 1962

برياسة السيد المستشار الحسينى العوضى، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق اسماعيل، ومحمد عبد الحميد السكرى، ولطفى على، وحافظ محمد بدوى.

(159)
الطعن رقم 163 لسنة 27 القضائية

( أ ) حكم. "الطعن فى الحكم". ميعاده. إعلان "إعلان الأحكام". نقض "إجراءات الطعن".
يجب فى الإعلان الذى يبدأ به ميعاد الطعن فى الحكم أن يكون لنفس المحكوم عليه أو فى موطنه الأصلى (م 379 مدنى). متى كان تحديد المحل - الذى وجه إليه إعلان الحكم المطعون فيه - إنما ينصب على تعيين محل تجارة الطاعن لا بيان محل إقامته، وأعلن الحكم له فى محل تجارته مع صدوره فى شأن لا يتعلق بإدارة أعمال هذه التجارة، فإنه يترتب على ذلك البطلان. لا ينفتح بالإعلان الباطل ميعاد الطعن.
(ب) إثبات. "الاثبات بالبينة". نظام عام.
قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة فيما يجب فيه الإثبات بالكتابة لا تتعلق بالنظام العام. جواز اتفاق الخصوم على مخالفتها كما يجوز لصاحب الحق فى التمسك بها أن يتنازل عنه. طلب الخصم تكليف الخصم الآخر إثبات ما يدعيه بشهادة الشهود، مما يقطع برضائه الإثبات بهذا الطريق.
(ج) حكم. "عيوب التدليل". قصور. "ما يعد كذلك".
تأييد الحكم المطعون فيه للحكم الابتدائى وأخذه بأسبابه التى لم تتناول بحث مستندات الطاعن ودلالتها فى موضوع النزاع، وبيان كيف ينتفى مضمونها الذى تؤديه بما حصله من البينة التى أقام قضاءه عليها. قصور.
1 - توجب المادة 379 من قانون المرافعات - قبل تعديلها بالقانون رقم 57 لسنة 1959 - فى الإعلان الذى يبدأ به ميعاد الطعن فى الحكم أن يكون لنفس المحكوم عليه أو فى موطنه الأصلى، فإذا كان تحديد المحل الذى وجه إليه إعلان الحكم المطعون فيه إنما ينصب على تعيين مكان تجارة الطاعن ولا ينصرف إلى بيان محل إقامته وكان من الثابت أن الحكم المطعون فيه قد أعلن للطاعن فى محل تجارته ولم يكن ذلك الحكم قد صدر فى شأن يتعلق بإدارة أعمال هذه التجارة فإن إعلان الحكم يكون باطلا ولا ينفتح به ميعاد الطعن.
2 - لا تتصل قاعدة عدم جواز الاثبات بالبينة فى الأحوال التى يجب فيها الاثبات بالكتابة بالنظام العام، ولذلك يجوز للخصوم الاتفاق على مخالفتها كما يجوز لصاحب الحق فى التمسك بها أن يتنازل عنه. فإذا كان الثابت من الحكم الصادر من المحكمة الابتدائية بإجراءات الاثبات أن الطاعن قد طلب تكليف خصمه بإثبات ما يدعيه بشهادة الشهود مما يقطع برضائه الاثبات بهذا الطريق فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه برفض الدفع بعدم جواز الاثبات بالبينة على أساس نزول الطاعن عن حقه فى طلب الاثبات بالكتابة، لا يكون قد خالف القانون.
3 - متى كان الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الابتدائى وأخذ بأسبابه التى لم تتناول بحث مستندات الطاعن المقدمة ولم يقل كلمته فى دلالتها فى موضوع النزاع وكيف ينتفى مضمونها الذى تؤديه بما حصله من البينة التى أقام قضاءه عليها فإن الحكم يكون قد شابه القصور.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن فى أن المطعون عليه أقام على الطاعن الدعوى رقم 2656 سنة 1948 كلى مصر طالبا الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 2603 ج و680 م والفوائد بواقع 8% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد والمصروفات...... وذكر الطاعن بيانا لدعواه أن المطعون عليه عهد إليه بصفته مهندسا ومقاولا ببناء طابقين فوق الطابق الأرضى بمنزله فقام بهذا العمل مع ما اقتضاه من تقوية مبانى الطابق الأرضى وإعادة تسقيفه ودفع النفقات من ماله الخاص على أن يحاسب الطاعن فيما بعد عن مقدار ما أنفقه ومقابل أتعابه وأرباحه. وقد بلغت التكاليف طبقا للمستندات مبلغ 2603 ج و680 م يضاف إليها قيمة الأتعاب والأرباح التى يقدرها بمبلغ 700 ج فتكون جملة ما يستحقه 3303 ج و680 م واستطرد الطاعن من ذلك إلى أن المطعون عليه لم يؤد إليه من مطلوبه إلا مبلغ 700 ج وامتنع عن الوفاء بالباقى وقدره 2603 ج و680 م وهو ما يطلب إلزامه بدفعه إليه. ثم عدل طلباته أثناء سير الدعوى إلى مبلغ 2196 ج و630 م، ودفع الطاعن الدعوى بأنه لم يتفق مع المطعون عليه كمهندس أو مقاول للبناء وإنما عهد إليه بالعمل كملاحظ بسيط للمبانى بينما تولى هو دفع النفقات من ماله، وطلب المطعون عليه ندب خبير لتصفية الحساب بينما طلب الطاعن إحالة الدعوى إلى التحقيق، وفى 15 مايو سنة 1950 قضت محكمة القاهرة الابتدائية بندب خبيرين أحدهما هندسى والآخر حسابى من مكتب الخبراء لمعاينة المبانى التى تمت وتقدير قيمتها فى وقت انشائها وتحقيق من قام بها من الطرفين وما إذا كان دور المطعون عليه فى الأعمال هو مجرد الملاحظة والاشراف أم أنه هو الذى دفع النفقات من ماله مع فحص مستندات الطرفين وتصفية الحساب على أساس ما يظهر، وقدم كل من الخبيرين تقريره وجاء بتقرير الخبير الهندسى أن المطعون عليه هو الذى أقام المبانى ودفع النفقات وأن الطاعن كان يسدد أحيانا بعض فواتير شراء مواد البناء، وأقر الخبير تقدير المطعون عليه لنفقات المبانى مضافا اليها الأرباح بمبلغ 2603 ج و680 م وقدر أتعابه عن تصميم الرسوم والاشراف على التنفيذ بمبلغ 100 ج، وجاء بتقرير الخبير الحسابى أن المطعون عليه يستحق على أساس التقرير السابق مبلغ 2703 ج و680 م يخصم منها ما أقر أخيرا بأنه استوفاه من الطاعن ومقداره 1134 ج و50 م فيكون الباقى له بعد ذلك هو مبلغ 1569 ج و630 م. وعارض الطاعن فيما انتهى اليه رأى الخبيرين وصمم على أن المطعون عليه لم يكن إلا ملاحظا للمبانى وطلب اثبات هذه الواقعة عن طريق التحقيق أمام المحكمة. وبتاريخ 14 ديسمبر سنة 1953 أحالت المحكمة الدعوى الى التحقيق ليثبت المطعون عليه بكافة طرق الاثبات بان الطاعن كلفه باعتباره مهندسا ومقاولا بأن يقوم بأعمال البناء فى منزله وأنه قام بالصرف على الأعمال من ماله الخاص، ولينفى الطاعن ذلك. وبعد سماع الشهود قضت المحكمة فى 27 ديسمبر سنة 1954 بالزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليه مبلغ 1569 ج و630 م - اعتمادا على تقدير الخبيرين - مع الفوائد بحساب 5% من تاريخ المطالبة..... استأنف الطاعن هذا الحكم الى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 99 سنة 72 ق. وبتاريخ 14 فبراير سنة 1957 قضت هذه المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف وأخذت بأسبابه أسبابا لقضائها وزادت عليها - ردا على دفاع الطاعن بعدم جواز الاثبات بغير الكتابة - بأنه لم يعارض فى إحالة الدعوى الى التحقيق ونفذ حكم التحقيق دون تحفظ بالإضافة الى أن من مستندات المطعون عليه ما يصح اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة. وفى 17 أبريل سنة 1957 قرر الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض وضمن تقرير الطعن أن المطعون عليه قد أعلنه بالحكم المطعون فيه فى يوم الأحد 3 مارس سنة 1957 بمحل تجارته الكائن بشارع بين الصورين رقم 13 بقسم الجمالية وقد أثبت المحضر فى محضره أنه وجد المحل مغلقا وسلم الاعلان إلى مأمور القسم وإذ كان النزاع لا يتعلق باعماله التجارية فإن اعلانه بالحكم المطعون فيه فى محله التجارى يكون اعلانا باطلا لا يبدأ به ميعاد الطعن، وبعد استيفاء إجراءات الطعن قدمت النيابة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن شكلا لرفعه بعد الميعاد وطلبت احتياطيا نقض الحكم نقضا جزئيا وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة 10 مايو سنة 1961 إحالته إلى هذه الدائرة، وحدد لنظره جلسة أول نوفمبر سنة 1962 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن مبنى دفع النيابة بعدم قبول الطعن شكلا هو أن الحكم المطعون فيه قد أعلن إلى الطاعن بتاريخ 3 مارس سنة 1957 فى العنوان الثابت له سواء فى ديباجة الحكم الابتدائى أو فى ديباجة الحكم الإستئنافى بشارع بين الصورين رقم 13 قسم الجمالية وأثبت المحضر أنه وجد المحل مغلقا وسلم الإعلان إلى مأمور القسم وأنه لا يبين من ذلك أن المكان الذى حصل فيه إعلان الطاعن هو محل تجارته وليس محل إقامته الواجب إعلانه فيه، ولما كان الطاعن لم يقرر بالطعن إلا فى 17 أبريل سنة 1957 أى بعد انقضاء مدة تزيد على ثلاثين يوما من تاريخ الإعلان فإن حقه فى الطعن يسقط عملا بالمادة 381 من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا الدفع مردود ذلك أنه وقد ورد بالحكم الابتدائى أنه صدر فى دعوى المطعون عليه ضد الطاعن "....... التاجر بشارع بين الصورين رقم 13 بقسم الجمالية" وورد بالحكم الاستئنافى أنه صدر فى استئناف الطاعن.... التاجر بشارع بين الصورين بقسم الجمالية "فإن تحديد المحل على هذا النحو إنما ينصب على تعيين مكان تجارة الطاعن ولا ينصرف إلى بيان المكان المقيم فيه، ولما كانت المادة 379 من قانون المرافعات قبل تعديلها بالقانون رقم 27 لسنة 1959 "التى تحكم واقعة الطعن" توجب أن يكون الإعلان الذى يبدأ به ميعاد الطعن فى الحكم لنفس المحكوم عليه أو فى موطنه الأصلى. وكان من الثابت أن الحكم المطعون فيه قد أعلن للطاعن فى محل تجارته ولم يكن ذلك الحكم قد صدر فى شأن متعلق بإدارة أعمال هذه التجارة، فإن الإعلان المذكور يكون باطلا ولا ينفتح به ميعاد الطعن.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسببين الثانى والرابع مخالفة القانون والقصور فى التسبيب ويذكر فى بيان ذلك أنه تمسك لدى محكمة الاستئناف بعدم جواز الإثبات بالبينة لمجاوزة قيمة الاتفاق لمبلغ عشرة جنيهات ورفض الحكم المطعون فيه هذا الدفع بمقولة إن المحكمة الابتدائية أحالت الدعوى إلى التحقيق وسمعت الشهود دون ممانعة منه أو اعتراض إلى وقت صدور الحكم فى الموضوع، وأنه يوجد بالدعوى من مستندات المطعون عليه ما يصح اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة. مع أن تنفيذ الطاعن لحكم التحقيق وعدم اعتراضه عليه لا يعد نزولا منه عن حقه فى التمسك بعدم جواز الإثبات بالبينة كما أن عدم تعيين المستند أو المستندات التى اعتبرها الحكم المطعون فيه مبدأ ثبوت بالكتابة يشوبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعى مردود لأن قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة فى الأحوال التى يجب فيها الإثبات بالكتابة لا تتصل بالنظام العام ولذلك يجوز للخصوم الاتفاق على مخالفتها كما يجوز لصاحب الحق فى التمسك بها أن يتنازل عنه. لما كان الثابت بالحكمين الصادرين من المحكمة الابتدائية بإجراءات الإثبات أن الطاعن قد طلب تكليف خصمه بإثبات ما يدعيه بشهادة الشهود مما يقطع برضائه بالإثبات بهذا الطريق. فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه برفض الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة على أساس نزول الطاعن عن حقه فى طلب الإثبات بالكتابة لا يكون قد خالف القانون ولا يقدح فى سلامته ما تزيد فيه من وجود مستندات بالدعوى تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة دون بيان لماهية هذه المستندات.
وحيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه بالأسباب الأول والثالث والخامس من تقرير الطعن القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال وذكر فى بيان ذلك أنه تمسك لدى محكمة الموضوع بأنه لم يتفق مع المطعون عليه كمهندس ومقاول للقيام بأعمال البناية فى منزله وإنما عهد إليه بمجرد الاشراف على إنشاء المبانى بوصفه ملاحظا للعمل لا يبذل شيئا من ماله فى النفقات... وقد استدل على صحة دفاعه ذاك بحوافظ حفلت بالمستندات وهى الفواتير التى دفع بمقتضاها أثمان مواد البناء المختلفة والأدوات الصحية والكهربائية والخطابات التى أرسلها إليه المطعون عليه لسداد أثمان بعض المواد الأخرى كالبلاط والمزايكو وأوفى ثمنها بناء على ذلك والخطابات المتعددة الصادرة إليه من المطعون عليه أيضا بطلب أداء أجور مقاولى أعمال البناء والنجارة والكهرباء فدفعها إليهم بعد التوقيع منهم على هذه الخطابات، وذلك إلى كشوف الحساب الموقع عليها من المطعون عليه وتتضمن سداد الطاعن لجميع النفقات فترة بعد أخرى على مدار المدة التى استغرقها العمل، وخطابات أخرى صدرت إليه من المطعون عليه يستحثه فيها على سداد بعض التكاليف مهما ضؤلت قيمتها حتى لا يتوقف العمل أو يتأخر إنجازه. وعاب الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه لم يعن بفحص كل هذه المستندات أو يستظهر دلالتها الحاسمة فى موضوع النزاع واكتفى فى بناء قضائه على ترجيح أقوال شهود المطعون عليه على شهود الطاعن دون مرجح، كما أحال على تقرير الخبير مع أن الخبير المذكور قد اطرح مستنداته كلية واعتبر أن المطعون عليه كان مهندسا ومقاولا فى أعمال المبانى وأنفق عليها من ماله الخاص معتمدا فى ذلك على الفواتير الصورية التى استصدرها المطعون عليه من بعض المحال التجارية والتى لا تعتبر حجة على الطاعن لعدم توقيعه عليها.
وحيث إن هذا النعى صحيح ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الابتدائى وأخذ فيما قضى به بأسباب ذلك الحكم الذى استدل من المستندات المقدمة من المطعون عليه وأقوال شهوده وتقرير الخبير على أن المطعون عليه المذكور "هو الذى قام بالعملية موضوع النزاع وصرف عليها من ماله الخاص بصفته مهندسا ومقاولا فدفع أثمان الحاجيات وأجور العمال" وانتهى من ذلك إلى الأخذ بتقرير الخبير - ولما كان الحكم الابتدائى لم يتناول بحث مستندات الطاعن التى ثبت تقديمها إلى محكمة الموضوع، ولم يقل كلمته فى دلالتها فى موضوع النزاع، وكيف ينتفى مضمونها الذى تؤديه بما حصله من البينة التى أقام قضاءه عليها، كما أن تقرير الخبير الذى أحال إليه ذلك الحكم فى أسبابه قد اقتصر على مجرد سرد هذه المستندات دون بحث لمضمونها أو استظهار لما تفيده منها الرسائل المتبادلة بين الطرفين فى خصوص سداد الطاعن بناء على طلب المطعون عليه أثمان مواد البناء وأجور بعض المقاولين وأوراق المحاسبات التى قدمها الطاعن للتدليل على أدائه لناتج كل محاسبة فترة بعد فترة وإنما طرح الخبير هذه المستندات بحجة أن المبالغ الثابتة بها لا تكفى لأعمال العمارة محل النزاع وأن المقاولين الواردة أسماؤهم بالفواتير التى سددها الطاعن هم بذاتهم المقاولين الذين تعاقد معهم المطعون عليه وهى حجة لا تكفى بذاتها لاستخلاص النتيجة التى انتهى إليها - لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بالقصور بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن.