أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 13 - صـ 1179

جلسة 20 من ديسمبر سنة 1962

برياسة السيد/ محمود عياد رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضى، ومحمد عبد اللطيف مرسى، وأميل جبران، ومحمد ممتاز نصار.

(187)
الطعن رقم 245 لسنة 27 القضائية

( أ ) حوادث طارئة "صدور قانون الإصلاح الزراعى". إصلاح زراعى التزام. "تنفيذ الالتزام".
مناط انطباق نظرية الحوادث الطارئة - م 147/ 2 مدنى - أن يكون الحادث قد طرأ فى فترة من الزمن تفصل بين إبرام العقد وبين تنفيذ الالتزام الذى رتبه. متى كان الالتزام قد نفذ فانه ينقضى ولا يكون هناك محل لتطبيق نظرية الحوادث الطارئة لأنها إنما ترد على التزام قائم لم ينفذ بعد.
(ب) حكم "الطعن فى الأحكام". "الأحكام التى يجوز الطعن فيها". "الأحكام القطعية فى أساس الدعوى".
القضاء القطعى فى أساس "النزاع" يجوز الطعن فيه استقلالا. متى انتهت محكمة الموضوع فى حكمها إلى ثبوت الإرهاق نتيجة لصدور قانون الإصلاح الزراعى باعتباره ظرفا طارئا، كان ذلك منها قضاء قطعيا فى أساس النزاع وان كانت قد أرجأت رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول - طبقا للمادة 147/ 2 مدنى - حتى يتحدد مدى الإرهاق على ضوء تقرير الخبير الذى ندبته.
1 - إذ نصت المادة 147/ 2 من القانون المدنى على أنه "إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن فى الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدى وان لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضى... أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول" فقد دلت على أنها إنما تنطبق عندما يكون الحادث قد طرأ فى فترة من الزمن تفصل بين إبرام العقد وبين تنفيذ الالتزام الذى رتبه فان كان الالتزام قد نفذ فانه ينقضى وعندئذ يمتنع انطباق نظرية الحوادث الطارئة - المنصوص عليها فى المادة المذكورة - لأنها إنما ترد على التزام قائم لم ينفذ بعد(1).
2 - إذا كان الحكم بندب خبير لتقدير ثمن أرض النزاع على ضوء الظروف التى حدثت بعد قانون الاصلاح الزراعى قد أقام قضاءه على أن صدور هذا القانون يعد حادثا طارئا يجيز رد الالتزام إلى الحد المعقول وان مهمة القاضى فى ذلك طبقا للمادة 147 من القانون المدنى لا تقتصر على تفسير العقود بل تجاوز ذلك إلى تعديله مما يبين منه أن المحكمة قد انتهت إلى ثبوت الإرهاق نتيجة للظرف الطارئ وان كانت قد أرجأت رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول حتى يتحدد مدى الإرهاق على ضوء ما يبين من تقرير الخبير الذى ندبته، فان قضاء الحكم بذلك قضاء قطعى فى أساس الخصومة يجوز الطعن فيه استقلالا.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل، على ما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق، فى أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 2744 سنة 1955 كلى القاهرة طالبين الحكم ببراءة ذمتهم من مبلغ 800 ج وبإلزام المطعون عليهم أن يدفعوا إليهم مبلغ 10418 ج و55 م مع المصاريف - وقالوا فى بيان الدعوى إنهم بعقد تاريخه 26/ 3/ 1952، اشتروا من المطعون عليهم الثلاثة الأولين ومن مورثة المطعون عليه الرابع 32 ف و1 ط و8 س بثمن مقداره 20836 ج و110 م نص فى العقد على أنه دفع جميعه، وواقع الأمر أنه بقى منه مبلغ 800 ج حرر به سندان على الطاعن الأول، أحدهما بمبلغ 450 ج للمطعون عليه الأول والسند الثانى بمبلغ 350 ج للمطعون عليها الثالثة - وإذا صدر بعد ذلك قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 وكان حادثا استثنائيا طارئا ترتب عليه صيرورة الثمن عاليا مرهقا فقد أقاموا هذه الدعوى ليردوا الثمن إلى الحد المعقول عملا بحكم المادة 147/ 2 من القانون المدنى - ولما كان كل من المطعون عليه الأول والمطعون عليها الثالثة قد استصدر أمر أداء بقيمة السند المحرر له، فقد عارض الطاعن الأول فى هذين الأمرين بالمعارضتين رقمى 2770 و2771 سنة 1955 كلى القاهرة - وبتاريخ 21/ 3/ 1956 ضمت المحكمة المعارضتين إلى القضية رقم 2744 سنة 1955 السابق الإشارة إليها وحكمت قبل الفصل فى الموضوع بندب مكتب الخبراء الحكوميين ليعهد إلى أحد خبرائه الزراعيين بالإنتقال إلى الأرض موضوع النزاع ومعاينتها وتقدير ثمنها على ضوء ما أحدثه قانون الإصلاح الزراعى من تغيير فى أثمان الأراضى الزراعية... إلخ استأنف المطعون عليهم هذا الحكم طالبين إلغاءه ورفض طلبات الطاعنين جميعها، وقيد الاستئناف برقم 387 سنة 73 ق محكمة استئناف القاهرة - دفع الطاعنون بعدم جواز الاستئناف، وبتاريخ 14/ 2/ 1957 حكمت المحكمة برفض الدفع المبدى - وبجواز الاستئناف وبقبوله شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف عليهم ورفض جميع طلبات المستأنف عليهم وألزمتهم بالمصروفات عن الدرجتين... إلخ - طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة بالتقرير وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن، وبتاريخ 22/ 11/ 1961 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية والتجارية قدم المطعون عليهم بعد ذلك مذكرة طلبوا فيها الحكم بعدم قبول الطعن شكلا من الطاعن الأخير لتقديمه بعد الميعاد، ورفض الطعن موضوعا - ثم قدمت النيابة العامة مذكرة انتهت فيها إلى أن الطعن غير مقبول شكلا من الطاعن الأخير لتقديمه بعد الميعاد، وأحالت بالنسبة للموضوع إلى مذكرتها السابقة - وبالجلسة التى حددت لنظر الطعن صمم كل طرف على طلباته وصممت النيابة على ما أوردته فى مذكرتيها.
وحيث إن الثابت من المستندات المقدمة من المطعون عليهم، أن الحكم المطعون فيه أعلن إلى الطاعن الأخير عمر عبد المجيد ابراهيم فى موطنه الأصلى بتاريخ 14/ 5/ 1957 - وأنه لم يقرر بالطعن فيه إلا بتاريخ 24/ 6/ 1957 أى بعد الميعاد وعلى ذلك يكون الطعن بالنسبة له غير مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة لباقى الطاعنين.
وحيث إنه أقيم على ثلاثة أسباب، حاصل أولها أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى قضائه بجواز الاستئناف ذلك أن الطاعنين أسسوا دفعهم بعدم جواز الاستئناف على أمرين أولهما أن الظرف الطارئ ليس من شأنه، مجردا، أن ينقص الثمن وإنما الذى ينقصه هو الإرهاق الذى لا يتحقق إلا بندب خبير، لكن الحكم المطعون فيه بنى قضاءه فى هذا الخصوص على أن الإرهاق مترتب على الظرف الطارئ فلا ينظر إليه إلا بعد التحقق من قيام هذا الظرف - هذا فى حين أن قيام الظرف الطارئ لم يكن موضع تحقيق إذ قرر حكم محكمة الدرجة الأولى، فى أسبابه، أن قانون الإصلاح الزراعى هو من الظروف الاستثنائية العامة - أما الأمر بتحقيق الارهاق فى ذاته فإنه غير منه للخصومة ولذلك فإن استئناف حكم محكمة الدرجة الأولى الذى أمر بالتحقيق غير جائز، وبالتالى فإن الحكم المطعون فيه وقد خالف هذا النظر يكون قد أخطأ فى القانون - كذلك تمسك الطاعنون بعدم جواز الاستئناف لأن المطعون عليهم وقد أقروا أمام محكمة الدرجة الأولى بأن مبلغ 800 جنيه المحرر به السندان هو الجزء الباقى من الثمن لا يجوز لهم بعد ذلك أن يقيموا الاستئناف على أن الثمن كله مدفوع - وإذ قرر الحكم المطعون فيه وهو فى مقام الرد على هذا الدفع أن الالتزام كله منفذ فإنه يكون متعين النقض لمخالفة الواقع الذى تدل عليه الأوراق.
وحيث إنه عن الشق الأول من هذا السبب فإنه يتضح من الأوراق أن الحكم الابتدائى الذى أمر بالتحقيق أورد فى أسبابه ما يلى (وحيث إن عقد البيع موضوع النزاع قد أبرم فى 26/ 3/ 1952 وقد قامت حركة الجيش بعد كتابته ثم صدر قانون الاصلاح الزراعى فأحدث ما أحدث من آثار... ومن ثم فإن هؤلاء المشترين يكونون من الموقف فى القانون الصحيح حين يطلبون تعديل الالتزام ورده إلى الحد المعقول.... وحيث إنه لما كانت مهمة القاضى من توقيع هذا الجزاء المرن الذى حولته المادة رقم 147 من القانون المدنى تختلف عن حد المألوف فى رسالته فهو لا يقتصر على تفسير العقود بل يجاوز ذلك إلى تعديلها فإن المحكمة أملا منها فى الوصول إلى تقدير سليم ترى الاستعانة بمعارف أهل الخبرة لتقدير ثمن أرض النزاع على ضوء الظروف التى حدثت بعد قانون الاصلاح الزراعى... الخ) ويبين من ذلك أن محكمة الدرجة الاولى قد انتهت فى حكمها إلى ثبوت الإرهاق نتيجة للظرف الطارئ وإن كانت قد أرجأت رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول حتى يتحدد مدى الارهاق على ضوء ما يبين من تقرير الخبير الذى ندبته - وهذا الذى بت فيه الحكم قضاء قطعى فى أساس الخصومة يطعن عليه استقلالا - ومن ثم يكون صحيحا ما ورد بالحكم المطعون فيه من أن الحكم المستأنف منه للخصومة فى شق منه.
ومن حيث إن النعى مردود فى شقه الثانى بأن الحكم المطعون فيه أورد فى الرد على الدفع ما يلى "وحيث إن المستأنف عليهم دفعوا أخيرا بعدم جواز الاستئناف لأن الحكم المستأنف أخذ باعتراف المستأنفين بأن مبلغ 800 جنيه هو الجزء الباقى من الثمن، وهو دفع غير سديد لأن هذا المبلغ والمبلغ المسدد من الثمن شملتها مطالبة المستأنف عليهم فى دعواهم الابتدائية وكان السبب واحدا فى المطالبة بالمبلغين ولهذا لم تستطع محكمة الدرجة الأولى القضاء به منفصلا بالرغم من اعتراف المستأنف عليه الأول ببقائه فى ذمته" - وهذا الذى قرره الحكم لا مخالفة فيه للواقع.
وحيث إن السبب الثانى يتحصل فى أن المادة رقم 147 من القانون المدنى نصها عام يسرى على العقد ولو كان تنفيذه قد تم ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ أسس قضاءه على أن نظرية الظروف الطارئة لا تنطبق على الالتزام إلا إذا كان متراخيا، ولا يسرى حكمها على ما تم تنفيذه - وهذا النعى مردود بأن الفقرة الثانية من المادة رقم 147 من القانون المدنى إذ نصت على أنه "إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن فى الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدى وإن لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضى... الخ" - فإنها تكون قد دلت على أن نظرية الحوادث الاستثنائية الطارئة المنصوص عليها فى هذه الفقرة إنما تنطبق عندما يكون الحادث قد طرأ فى فترة من الزمن تفصل بين إبرام العقد وبين تنفيذ الالتزام الذى رتبه، فإن كان الالتزام قد نفذ فإنه ينقضى وعندئذ يمتنع انطباق هذه النظرية عليه لأنها إنما ترد على التزام قائم لم ينفذ بعد - وعلى ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ التزم هذا النظر لا يكون مخالفا للقانون.
وحيث إن السبب الأخير من أسباب الطعن يتحصل فى إن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ استند فى قضائه باعتبار الارهاق منتفيا إلى أوراق صادرة من الطاعن الأول لزوج المطعون عليها الثالثة، ذلك لأنه وقد نص فى المادة رقم 147 السابق الإشارة إليها على أنه يقع باطلا كل اتفاق على خلاف حكمها فإن مؤدى ذلك أنه ما دام الإرهاق أمرا واقعيا فإن استعداد المدين للسداد بالرغم من ذلك لا يلتفت إليه.
ومن حيث إن هذا النعى فى غير محله ذلك أنه ورد فى أسباب الحكم المطعون فيه ما يلى (وحيث إن الأمر لم يقف بالمستأنف عليه الأول - أى الطاعن الأول - عند حد تحرير السندين بتاريخ 28/ 7/ 1952 استحقاق 3/ 10/ 1952 بل أخذ يوالى سداد بعض المبالغ من قيمتها فى تواريخ مختلفة وحتى بعدد صدور قانون الاصلاح الزراعى فسدد للمستأنف الأول - أى المطعون عليه الأول - 10 ج فى 11/ 7/ 1953 و50 جنيها فى 12/ 3/ 1954 و150 جنيها فى 5/ 10/ 1953 وسدد للمستأنفة الثانية - أى المطعون عليها الثالثة - 100 جنيه فى 22/ 7/ 1953 و50 جنيها فى 4/ 9/ 1953... وقد جاوز المستأنف عليه المذكور هذا السداد إلى إرسال خطابين للاميرالاى الدكتور محمد فهمى السيد زوج المستأنفة الثانية بتاريخ 5/ 11/ 1953 و5/ 1/ 1954 يقول فى أولهما "وقد وصلكم مبلغا كبيرا منا والباقى قليل جدا لا يهمكم ولا يهمنا أيضا وأرجو قبول عذرى هذا وانتظارنا وقتا قليلا حتى نرسل لكم مبلغا يرضيكم فى خلال هذا الشهر وسنواصل الدفع حتى ينتهى كل شئ بخير وسلام - أما إذا جال بفكركم شئ آخر من هبوط فى الأسعار أو خلافه فنحن لا نفكر فى ذلك أبدا لأن الحال عال والحمد لله" - وفى الخطاب الثانى يذكر أنه لم يبق فى ذمته غير دين المستأنفين الأول والثانية ومن السهل عليه جدا سداده وسيكون ذاك فى أقرب فرصة ممكنة) وقد استخلص الحكم من ذلك أن الصفقة محل النزاع لم تتأثر بالظرف الاستثنائى الطارئ وهو استخلاص موضوعى سائغ يكفى لحمل الحكم فى قضائه برفض دعوى الطاعنين بالنسبة للمبلغ الباقى من الثمن.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس.


(1) راجع نقض 11/ 5/ 1961 مجموعة المكتب الفنى س 12 صـ 466 "مناط تطبيق نظرية الحوادث الطارئة قيام الالتزام بين الطرفين. امتناع تطبيقها عند تغير الالتزام الأصلى".