أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 36 - صـ 48

جلسة 3 من يناير سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ حسن جمعه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ احمد أبو زيد، ومصطفى طاهر، وحسن عميره، ومحمد زايد.

(3)
الطعن رقم 2308 لسنة 54 القضائية

(1) رشوه. جريمة "اركانها". موظفون عموميون.
متى تتحقق الرشوة فى حق الموظف العام ومن فى حكمة؟
تنفيذ الغرض من الرشوة. ليس ركنا فى الجريمة.
تسوية الشارع بما إستحدثه من نصوص بين إرتشاء الموظف وبين إحتياله بإستغلال الثقة التى تفرضها الوظيفة فيه.
(2) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التناقض الذى يعيب الحكم. ماهيته؟
إنتهاء الحكم إلى إطراح التسجيل وعدم أخذه بالدليل المستمد منه لا يتعارض مع ما أورده من أقوال الشاهد. أساس ذلك؟
1 - إن جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله سواء كان العمل الذى يدفع الجعل لتنفيذه حقا أو غير حق ولا يستطيع الموظف أو لا ينتوى القيام به لمخالفته لأحكام القانون لان تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركنا فى الجريمة ولان الشارع سوى فى نطاق جريمة الرشوة بما إستنه فى نصوصه التى استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التى تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها وان الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقا للعقاب حين يتجر فى أعمال الوظيفة على أساس موهوم منه حين يتجر فيها على اساس من الواقع اذ هو يجمع بين اثنين هما الاحتيال والارتشاء.
2 - لما كان من المقرر ان التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة، فان ما انتهى اليه الحكم المطعون فيه من اطراح التسجيل وعدم أخذه بالدليل المستمد منه لا يتعارض مع ما أورده من أقوال الشاهد عضو الرقابة الادارية من أنه بعد أن كشف استماعه الى الحديث المسجل عند انتهاء اللقاء أسرع الى ضبط الطاعن وتفتيشه ما دام انه لم يحصل فى اقواله مضمون ما تناوله الحديث ولم يستند الى شىء من أقواله فى هذا الخصوص ومن ثم فقد انحسر الحكم قالة التناقض فى التسبيب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه - بصفته موظفا عموميا مأمور ضرائب بمأمورية ضرائب التمغة بالقاهرة. طلب وأخذ عطية لاداء عمل من أعمال وظيفته بأن طلب مبلغ الف جنيه قبل منه مبلغ ثلاثمائة جنيه من... على سبيل الرشوة مقابل تقدير ضريبة التمغة المستحقة عليه على نحو يتفق وحجم نشاطه ووفق الاسس القانونية السليمة. واحالته الى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الاحالة. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا عملا بالمادة 103 من قانون العقوبات مع اعمال المادة 17 من هذا القانون بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه الف جنيه.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث ان مبنى الطعن هو ان الحكم المطعون فيه اذ دان الطاعن بجريمة طلب وأخذ رشوه قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه تناقض فى التسبيب ذلك بأن دفاع الطاعن قام على ان ما وقع منه يخرج عن نطاق التأثيم لان تقدير الضريبة المزعوم لا يعدو أن يكون واقعة وهمية لا تتحقق بها جريمة الرشوة أو الشروع فى النصب اذ كان المبلغ على علم بالتقدير الحقيقى للضريبة المستحقة عليه بتوقيعه على محضر الأعمال الا أن الحكم أطرح هذا الدفاع بما لا يتفق وصحيح القانون، كما انه بعد أن أفصح فى مدوناته آن المحكمة. لا تعول على الحديث المسجل عاد واستند الى أقوال الشاهد "....." بأنه قام بضبط الطاعن بعد ان سمع من الحديث المسجل انتهاء اللقاء بينه وبين المبلغ مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث ان الحكم المطعون فيه قد أثبت بيانا للواقعة أن الطاعن - وهو مأمور ضرائب التمغة بضرائب القاهرة - توجه الى الشركة التى يديرها المبلغ وعرفه ان ضريبة التمغة المستحقة على الشركة تبلغ عدة آلاف من الجنيهات وأبدى له استعداده لاعداد تقرير بتخفيض قيمة الضريبة لقاء تقاضيه منه مبلغ الف جنيه فتظاهر بالموافقة واتفق معه على لقاء آخر وأبلغ الامر لعضو الرقابة الادارية الذى طلب منه مسايرة الطاعن وفى اللقاء الثانى توصل الاتفاق بينهما الى تخفيض الجعل الى ثلاثمائة جنيه وعد المبلغ بتدبيره فى لقاء ثالث وقام عضو الرقابة الادارية باثبات ارقام المبلغ بمحضره واستصدر اذنا من النيابة العامة بالضبط والتفتيش وأعد كمينا منه وأفراد القوة المرافقة له كما أعد اجراءات تسجيل الحديث بين الطاعن والمبلغ، وفى الموعد المحدد حضر الطاعن الى مقر الشركة وتم اللقاء بينه وبين المبلغ واثر خروجه قام بالقبض عليه وبتفتيش الحقيبة التى كان يحملها عثر بداخلها على المبلغ الثابت أرقامه بمحضره. ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الادلة، واثبت على الطاعن من شهادة رئيس مأمورية ضرائب المتغة بالقاهرة تحديدا لاختصاصه الوظيفى أنه يعمل مأمور ضرائب بالمأمورية ويدخل فى اختصاصه مراجعة مستندات الشركات ومعاملاتها للتحقق من سداد ضريبة التمغة المقررة وتقديرها وانهاء اجراءات تحصيل ما لم يحصل منها، وانتهى من تقريره واستدلاله الى أدانة الطاعن بجريمة الرشوة المقامة وهو تقرير صحيح فى الواقع سديد فى القانون، ذلك بأنه يبين من المساق المتقدم أن الطاعن طلب الرشوة وأخذها ليقوم بعمل معين هو اعداد تقرير بتخفيض قيمة ضريبة التمغة المستحقة على الشركة وهو عمل وظيفى يدخل فى اختصاصه والذى دفع الجعل مقابلا له. لما كان ذلك، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله سواء كان العمل الذى يدفع الجعل لتنفيذه حقا أو غير حق ولا يستطيعه الموظف أو لا ينتوى القيام به لمخالفته لأحكام القانون لان تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركنا فى الجريمة ولان الشارع سوى فى نطاق جريمة الرشوة بما استنه فى نصوصه التى استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التى تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها وان الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقا للعقاب حين يتجر فى أعمال الوظيفة على أساس موهوم منه حين يتجر فيها على اساس من الواقع اذ هو يجمع بين اثنين هما الاحتيال والارتشاء، ومن ثم فلا حجة لما يثيره الطاعن من أن تقدير الضريبة الذى طلب وأخذ الجعل من أجل تخفيضه هو تقدير وهمى كان المبلغ على بينة من أمره لعلمه بالتقدير الحقيقى ما دام قد طلب وأخذ الجعل ثمنا لاتجاره بوظيفته واستغلالها ولو لم يكن منتويا القيام بهذا العمل وبصرف النظر عن اعتقاد المبلغ بصحة أو عدم صحة هذا التقدير الذى وعد الطاعن بتخفيضه، واذ كان الحكم المطعون فيه قد تفطن الى المعانى القانونية المتقدمة فى رده على دفاع الطاعن فانه لا يكون قد أخطأ فى شىء ويكون النعى عليه فى هذا الصدد فى غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة، فان ما انتهى اليه الحكم المطعون فيه من اطراح التسجيل وعدم أخذه بالدليل المستمد منه لا يتعارض مع ما أورده من أقوال الشاهد عضو الرقابة الادارية من أنه بعد أن كشف استماعه الى الحديث المسجل عند انتهاء اللقاء أسرع الى ضبط الطاعن وتفتيشه ما دام انه لم يحصل فى اقواله مضمون ما تناوله الحديث ولم يستند الى شىء من أقواله فى هذا الخصوص ومن ثم فقد انحسر الحكم قالة التناقض فى التسبيب. لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.