أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 36 - صـ 745

جلسة 4 من يونيه سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ فوزى احمد المملوك نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد الرحيم نافع نائب رئيس المحكمة، حسن غلاب، محمد احمد حسن والصاوى يوسف.

(131)
الطعن رقم 1364 لسنة 55 القضائية

(1) محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "بطلانه". "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الخطأ الذى يقع فيما هو مؤثر فى عقيدة المحكمة التى خلصت اليها. يعيب الحكم.
(2) قتل عمد. حكم "ما لا يعيبه فى نطاق التدليل". اثبات "بوجه عام". نقض "اسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
كفاية ايراد مؤدى تقرير الخبير الذى استند اليه الحكم فى قضائه. ايراد نصه ليس بلازم.
(3) قصد جنائى. جريمة "اركانها". قتل عمد. سبق اصرار. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل امر خفى لا يدرك بالحس الظاهر. مثال لتسبيب سائغ فى استظهاره فى جريمة قتل عمد.
(4) نقض "الطعن بالنقض". دعوى مدنية "اجراءات نظرها امام القاضى الجنائى".
نقض الحكم بناء على طلب احد الخصوم من غير النيابة العامة. اثره الا يضار الطاعن بطعنه. عدم جواز تدخل المدعى المدنى لأول مرة فى الدعوى الجنائية بعد احالتها من محكمة النقض الى محكمة الموضوع لاعادة الفصل فيها.
1 - إن الخطأ فى الاسناد الذى يعيب الحكم هو ذلك الذى يقع فيما هو مؤثر فى عقيدة المحكمة التى خلصت اليها فلا يقدح فى سلامة الحكم الخطأ فى الاسناد فيما خرج عن سياق استدلاله وجوهر تسبيبه.
2 - إن المحكمة غير ملزمه بايراد نص تقرير الخبير بكامل اجزائه ومن ثم فلن تكن فى حاجة الى أن تورد مؤدى ما جاء بمذكرة النيابة المشار اليها فى هذا التقرير.
3 - قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وانما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والامارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول الى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية.
4 - من المقرر أنه اذا كان نقض الحكم حاصلا بناء على طلب احد الخصوم - غير النيابة العامة - فلا يضار بطعنه وأن طبيعة الطعن بالنقض وأحكامه واجراءاته لا تسمح للقول بجواز تدخل المدعى بالحقوق المدنية لاول مرة فى الدعوى الجنائية بعد احالتها من محكمة النقض الى محكمة الموضوع لاعادة الفصل فيها بعد نقض الحكم. لما كان ذلك، وكان الحكم المنقوض لم يكن قد فصل فى الدعوى المدنية لان المدعية بالحق المدنى لم تكن قد تدخلت فى الدعوى آنذاك - ثم صدر الحكم المطعون فيه قاضيا بقبول دعواها المدنية واحالتها الى المحكمة المدنية المختصة وبرفض الدفع بعدم قبولها - فانه يكون قد اخطأ فى تطبيق القانون بما يستوجب نقضه فيما قضى به فى الدعوى المدنية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بانهما: اولا: - قتلا.... عمدا مع سبق الاصرار والترصد بأن بيتا النية وعقدا العزم المصمم على قتله واعدا لذلك الغرض سلاحين (مطواة وسكينا) وتربصا له فى المكان الذى ايقنا مروره فيه سلفا وما ان ظفرا به حتى انهالا عليه طعنا بالسلاحين سالفى الذكر قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الاصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. ثانيا: احرز كل منهما بغير ترخيص من وزير الداخلية سلاحا ابيض، وطلبت احالتهما الى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الاحالة. ومحكمة جنايات المنيا قضت حضوريا بمعاقبة كل من المتهمين بالاشغال الشاقة المؤبدة وبمصادرة السلاحين المضبوطين. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض (وقيد بجدولها برقم 2250 لسنة 53 ق) وقضى فيه بجلسة 30 من نوفمبر سنة 1983 "بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه واعادة القضية الى محكمة جنايات المنيا للفصل فيها مجددا من هيئة اخرى" وأمام محكمة جنايات المنيا ادعى كل من والدة المجنى عليه وزوجته عن نفسها وبصفتها قبل المتهمين بمبلغ عشرة الاف جنيه على سبيل التعويض. والمحكمة المذكورة - بهيئة اخرى - قضت حضوريا عملا بالمواد 230، 231، 232 من قانون العقوبات والمواد 1/1، 25 مكررا/ 1، 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقوانين 75 لسنة 1958، 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والجدول رقم واحد الملحق بالقانون الاول مع اعمال المادة 17 من قانون العقوبات اولا: بمعاقبة كلا من المتهمين بالاشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وبمصادرة الاسلحة المضبوطة. ثانيا: فى الدعوى المدنية باحالتها الى محكمة المنيا الابتدائية لنظرها وعلى قلم كتاب المحكمة المذكورة تحديد جلسة واخطار ذوى الشأن. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية).... الخ.


المحكمة

حيث ان مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه اذ دان الطاعنين بجريمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد، فقد شابه القصور فى التسبيب والخطأ فى الاسناد واعتراه فساد فى الاستدلال وانطوى على خطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن من بين ما قام به دفاع الطاعنين ان المجنى عليه لم يقتل من المكان الذى حدده الشاهدان الاول والثانى - بدلالة عدم وجود آثار دماء فى المكان الذى حدداه - رغم كثرة ما نزف من المجنى عليه، وهو ما يهدر شهادتهما - الا ان الحكم التفت عن هذا الدفاع ولم يرد عليه وعول فى الادانة على شهادة هذين. كما أشار الحكم الى وجود آثار دماء بالطريق خلافا للثبات بمحضر المعاينة والرسم النظرى (الكروكى) - المرفق به - كما عول الحكم - ضمن ما عول عليه فى الادانة على ما شهد به الشاهد الثالث بالتحقيقات وبالجلسة من أن الشاهد الثانى قد ابلغه بالحادث وأتهم الطاعنين بارتكابه وانتقل معه الى مكان الجثة وعثر بجوارها على سكين ومدية ملوثتين بالدماء وأن الحادث وقع اخذا بالثأر - مع ان اقوال الشاهد المذكور بالجلسة لا تساند الحكم فيما حصله وتغاير بالكلية اقواله فى التحقيقات. كما اسند الحكم الى الشاهد الثانى القول بأنه عقب علمه بالحادث من الشاهد الاول توجه الى الشاهد الثالث وأبلغه بالامر ثم عاد ادراجه الى مكان الحادث حيث نقل جثة المجنى عليه فى الطريق العام الى حيث وجدت عند المعاينة - بينما الثابت باقواله فى التحقيقات أنه شهد بانتقاله مباشرة الى مكان الحادث حيث اجرى نقل الجثة ثم انهى بالامر للشاهد الثالث - هذا وقد اعتمد الحكم فى الادانة على ما جاء بتقرير الصفة التشريحية من أن اصابات المجنى عليه يجوز حدوثها وفق التصوير المشار اليه بمذكرة النيابة دون أن يورد فحوى هذا التْصوير بيانا لمدى سلامة استدلاله. وما ساقه الحكم بيانا لنيه القتل لا يكفى استظهارها لدى الطاعنين. وأخيرا فقد قضى الحكم برفض الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية وبقبولها واحالتها الى المحكمة المدنية المختصة وهو ما يخالف ما تنص عليه المادة 43 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات واجراءات الطعن امام محكمة النقض من أنه اذا كان نقص الحكم حاصلا بناء على طلب احد الخصوم - غير النيابة العامة - فلا يضار بطعنه وكل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث ان الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها فى حقهما ادلة سائغة ومن شأنها ان تؤدى الى ما رتبه عليها. لما كان ذلك - وكان البين من مطالعة المفردات المضمومة - تحقيقا لما أثاره الطاعنان من انكار وقوع الحادث فى المكان الذى وجدت به جثة المجنى عليه - أنه قد ثبت بمحضر الشرطة المحرر فى الخامس من يناير سنة 1982 أنه بمعاينة مكان الحادث وجدت آثار دماء غزيرة تحد زراعة المزارعة.... وعلى الطرقة العمومية بجوار كومة من السماد البلدى، كما ان الثابت من محضر معاينة النيابة العامة - أن مكان الحادث هو طريق ترابى ومكان الجثة هو بجوار الطريق بزراعة القصب كما كشف الرسم النظرى (التخطيطى) الذى أجرته النيابة العامة وأرفقته بمحضر معاينتها وجود آثار للدماء على حافة الطريق الترابى وعلى مسافة أربعة امتار من جثة المجنى عليه. وهو ما لا يخرج الحكم المطعون فيه عن تحصيله ويتفق ما اورده الحكم نقلا عن الشاهد الاول من وقوع الحادث فى المكان الذى حدده، ومن ثم فان دفاع الطاعنين القائم على ان المجنى عليه لم يقتل فى المكان الذى حدده هذا الشاهد يكون عاريا من دليله ويدحضه الواقع بما يجعل المحكمة فى حل من ان تعرض له وتفنده لانه لا يعدو أن يكون دفاعا موضوعيا يكفى ان يكون الرد عليه مستفادا من أدلة الثبوت السائغة التى أوردها الحكم ولا يعتبر سكوتها عنه قصورا فى حكمها. لما كان ذلك، وكان حديث الحكم فيما أورده بخصوص وجود آثار للدماء بمكان الحادث - له أصله الثابت بالاوراق - على النحو المشار اليه من قبل، فان دعوى الطاعنين بخطأ الحكم فى الإِسناد تكون غير قويمه - كما ان الثابت من مطالعة محضر جلسة المحاكمة فى الرابع والعشرين من اكتوبر سنة 1984 ومن التحقيقات المضمومة - أن ما أورده الحكم المطعون فيه تحصيلا لاقوال الشاهد الثالث فى شأن انتقاله الى مكان الحادث بعد أن أبلغه الشاهد الثانى به واتهامه هو للطاعنين بارتكابه أخذا بالثأر ومشاهدته للسكين والمدية الملوثتين بالدماء - له أصله الثابت فى الاوراق، فان ما ينعاه الطاعنان فى هذا الصدد يكون فى غير محله. لما كان ذلك، وكان الخطأ فى الاسناد الذى يعيب الحكم هو ذلك الذى يقع فيما هو مؤثر فى عقيدة المحكمة التى خلصت اليها فلا يقدح فى سلامة الحكم الخطأ فى الاسناد فيما خرج عن سياق استدلاله وجوهر تسبيبه - ومن ثم، فانه ولئن كان الثابت من مطالعة المفردات أن الشاهد الثانى قد ذكر بالتحقيقات أنه توجه لمكان الحادث ونقل جثة المجنى عليه الى داخل زراعة القصب بالقرب من الطريق العام ثم هرع الى والد المجنى عليه (الشاهد الثالث) حيث أبلغه على حين ان الحكم قد اثبت أنه أبلغ الشاهد الثالث تم توجه ونقل الجثة - فان هذا الخطأ لا يعيب الحكم ولا ينال من صحته اذ ليس له من أثر فى جوهر الواقعة التى اقتنعت بها المحكمة وهى ان القتل وقع بيد الطاعنين فى الموضع الذى أشارت اليه وحددته المعاينة، ومن ثم فان دعوى الخطأ فى الاسناد فى هذا الخصوص تكون عقيمة الاثر غير مقبوله. لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة المفردات المضمومة - أن تقرير الصفة التشريحية قد احتوى ما جاء بمذكرة النيابة متضمنة ذات التصوير الذى أخذت به المحكمة، وكان الطاعنان لا يدعيان أن هناك تصويرا آخر للحادث يخالف ذلك التصوير الذى ورد فى مذكرة النيابة حسبما حصلها تقرير الصفة التشريحية، وكانت المحكمة غير ملزمه بايراد نص تقرير الخبير بكامل اجزائه ومن ثم فلن تكن فى حاجة الى أن تورد مؤدى ما جاء بمذكرة النيابة المشار اليها فى هذا التقرير - بما يضحى معه النعى على الحكم فى هذا الخصوص غير سديد. لما كان ذلك، وكان قصد القتل امرا خفيا لا يدرك بالحس الظاهر وانما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والامارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول الى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية. وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل فى قوله "وحيث انه وبالنسبة لنية القتل فهى متوافرة فى حق المتهمين ذلك ان الواضح للمحكمة من وصف الاصابات الواردة بتقرير الصفة التشريحية انها فاقت الخمسة عشر اصابة وشملت معظم اجزاء الجسم وكان العديد منها فى مقاتل من جسد المجنى عليه وبصورة ان دلت فانما تدل على أن المتهمين قد كالا الطعنات للمجنى عليه بالسكين والمطواه التى كانت معهما بكل ما فى ايديهما من قوة ما فى قلبيهما من غل ولم يتركاه الا جثة هامدة الامر الذى يقطع باقتناع المحكمة بتوافر نية القتل لديهما فانهما قد أرادا بما فعلاه بالمجنى عليه ازهاق روحه والقضاء عليه". واذ كان هذا الذى استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ وكاف فى التدليل على ثبوت توافر نية القتل لدى الطاعنين فانه لا محل للنعى عليه فى هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه اذا كان نقض الحكم حاصلا بناء على طلب أحد الخصوم - غير النيابة العامة - فلا يضار بطعنه وأن طبيعه الطعن بالنقض وأحكامه واجراءاته لا تسمح للقول بجواز تدخل المدعى بالحقوق المدنية لاول مرة فى الدعوى الجنائية بعد احالتها من محكمة النقض الى محكمة الموضوع لاعادة الفصل فيها بعد نقض الحكم، لما كان ذلك، وكان الحكم المنقوض لم يكن قد فصل فى الدعوى المدنية لان المدعية بالحق المدنى لم تكن قد تدخلت فى الدعوى آنذاك - ثم صدر الحكم المطعون فيه قاضيا بقبول دعواها المدنية واحالتها الى المحكمة المدنية المختصة وبرفض الدفع بعدم قبولها - فانه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يستوجب نقضه فيما قضى به فى الدعوى المدنية. لما كان ذلك، وكان الطعن الراهن هو للمرة الثانية، وكانت المادة 45 من القانون رقم 57 لسنة 1959 فى شأن حالات واجراءات الطعن امام محكمة النقض تنص على أنه "اذا طعن مرة ثانية فى الحكم الصادر من المحكمة المحال عليها الدعوى تحكم محكمة النقض فى الموضوع...." بيد أنه لما كان العيب الذى شاب الحكم قد اقتصر على الخطأ فى تطبيق القانون على الواقعة كما صار اثباتها بالحكم فان ذلك يقتضى حسب القاعدة الاصلية المنصوص عليها فى المادة 39 من القانون المشار اليه أن تصحح محكمة النقض ذلك الخطأ وتحكم فى الطعن طبقا للقانون بغير حاجة الى تحديد جلسة. لنظر الموضوع ما دام تصحيح الخطأ المشار اليه لا يرد على بطلان فى الحكم او بطلان فى الاجراءات اثر فيه. واذ ما تقدم فانه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضا جزئيا وتصحيحه بالغاء ما قضى به فى الدعوى المدنية، والقضاء بعدم قبولها والزام المدعيتين بالحقوق المدنية بصفتيهما المصروفات المدنية ومقابل اتعاب المحاماه. ورفض الطعن فيما عدا ذلك.