أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
السنة 53 - الجزء 2 - صـ 1095

جلسة 26 من نوفمبر سنة 2002

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ رفعت محمد عبد المجيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ على محمد على، محمد درويش، عبد المنعم دسوقى ود. خالد عبد الحميد نواب رئيس المحكمة.

(212)
الطعن رقم 86 لسنة 70 القضائية

(1 - 3) اختصاص "اختصاص هيئة التحكيم بنظر الدعوى". بطلان. تحكيم. حكم. "حكم المحكمين". قانون.
(1) التحكيم. طريق استثنائى لفض المنازعات وسلباً لاختصاص القضاء. مؤدى ذلك. قصر ولاية هيئة التحكيم على نظر الموضوع الذى انصرفت إليه إرادة المحتكمين. فصلها فى مسألة لا يشملها هذا الموضوع أو تجاوز نطاقه. أثره. ورود قضائها على غير محل ومن جهة لا ولاية لها. علة ذلك.
(2) وجوب أن يحدد الإتفاق على التحكيم المسائل التى يشملها وإلا كان الإتفاق باطلاً. فصل هيئة التحكيم فيما خرج عن ذلك الاتفاق أو جاوز حدوده. جزاؤه. البطلان. مؤدى ذلك. وجوب تفسير هيئة التحكيم نطاق الاتفاق تفسيراً ضيقاً. المادتان 10/ 2، 53/ 1 من ق 27 لسنة 1994.
(3) اتفاق المحتكمان على الموضوع محل النزاع. مؤداه. وجوب تطبيق هيئة التحكيم القواعد القانونية المتفق عليها. عدم الاتفاق على ذلك. أثره. وجوب تطبيقها للقواعد الموضوعية للقانون الذى ترى أنه أكثر اتصالاً بالنزاع. م 39 ق 37 لسنة 1994.
(4) التزام "انتقال الالتزام". حوالة "حوالة الحق".
حوالة الحق. لا تنشئ التزاماً جديداً فى ذمة المدين (المحال عليه). نفاذها قبله. شرطه. قبوله لها أو إعلانه بها. أثره. انتقال الالتزام ذاته بجميع مقوماته وخصائصه إلى المحال إليه.
(5) تحكيم "اتفاق التحكيم". تعويض "التعويض عن الخطأ التقصيرى". حكم "حكم المحكمين". حوالة "حوالة الحق". مسئولية "المسئولية العقدية" "المسئولية التقصيرية".
اتفاق التحكيم. تحديد نطاقه وفقاً لعقد ضمان المخاطر الصادر من الشركة الطاعنة إلى الشركة المصدرة. أثره. خضوع التعويض لأحكام المسئولية العقدية أو المسئولية التقصيرية الناشئة عن فعل أحد أطراف العقد يشكل جريمة أو غش أو خطأ جسيم. انتهاء حكم التحكيم إلى إلزام الطاعنة بالتعويض وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية والناتج عن خطأ مشترك بينهما لا شأن له باتفاق التحكيم ولا يسار إليه إلا بدعوى مبتدأة. خطأ. علة ذلك.
(6) حكم "أسباب الحكم: المنطوق".
قضاء الحكم. هو القول الفصل سواء فى أسبابه أو منطوقه.
(7, 8) اختصاص "اختصاص هيئة التحكيم". بطلان. حكم "حكم المحكمين". مسئولية "المسئولية التقصيرية".
(7) اشتمال حكم هيئة التحكيم على مسائل خاضعة للتحكيم وأخرى غير خاضعة له. أثر ذلك. بطلان أجزائه المتعلقة بالمسائل الغير خاضعة للتحكيم وحدها. م 53/ 1/ و من ق 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم فى المواد المدنية والتجارية.
(8) انتهاء حكم هيئة التحكيم إلى رفض طلب المطعون ضدها بإلزام الطاعنة بأداء التعويض المستحق للشركة المصدرة طبقاً لعقد ضمان الائتمان. قضائها فى شأن تعويض المطعون ضدها وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية. تجاوز لنطاق اتفاق التحكيم. أثر ذلك القضاء ببطلان حكمها فى هذا الخصوص.
1 - إذ كان يترتب على كون التحكيم طريق استثنائى لفض المنازعات قوامه الخروج على طرق التقاضى العادية، وسلباً لاختصاص جهات القضاء أن تقصير ولاية هيئة التحكيم على نظر موضوع النزاع الذى تنصرف إليه إرادة المحتكمين فإذا فصلت فى مسألة لا يشملها هذا الموضوع أو تجاوزت نطاقه، فإن قضائها بشأنه يضحى وارداً على غير محل من خصومة التحكيم وصادراً من جهة لا ولاية لها بالفصل فيه لدخوله فى اختصاص جهة القضاء صاحبة الولاية العامة بنظره.
2 - إذ كان المشرع قد اشترط فى الفقرة الثانية من المادة العاشرة من القانون رقم 27 لسنة 1994 الخاص بالتحكيم فى المواد المدنية والتجارية وجوب أن يحدد الاتفاق على التحكيم المسائل التى يشملها وإلا كان الاتفاق باطلاً ورتبت المادة (153/ 1/ و) منه جزاء البطلان إذا فصل حكم التحكيم فى مسائل لا يشملها الاتفاق أو جاوز حدوده بما يستتبع وبالضرورة أن تتولى هيئة التحكيم تفسير هذا الاتفاق تفسيراً ضيقاً يتفق وطبيعته.
3 - إذ كان المقرر وعلى ما تقضى به المادة 39 من قانون 27 لسنة 1994 الخاص بالتحكيم فى المواد المدنية والتجارية أنه متى اتفق المحتكمان على الموضوع محل النزاع تعين على هيئة التحكيم أن تطبق عليه القواعد القانونية التى اتفقا عليه فإذا لم يتفقا طبقت القواعد الموضوعية فى القانون الذى ترى أنه الأكثر اتصالاً بالنزاع وعلى هدى من ذلك فإذا اتفق المحتكمان على تطبيق القانون المصرى تعين على تلك الهيئة أن تطبق فرع القانون الأكثر انطباقاً على موضوع التحكيم.
4 - إذ كان المقرر أن حوالة الحق - وفقاً لأحكام القانون المدنى المصرى - لا تنشئ التزاماً جديداً فى ذمة المحال عليه (المدين) وإنما يترتب على انعقادها صحيحة ونفاذها فى حقه - بالإعلان أو القبول - انتقال ذات الالتزام الثابت أصلاً فى ذمة المحال عليه (المدين) من المحال إلى المحال له بجميع مقوماته وخصائصه.
5 - إذ كان الواقع حسبما حصله الحكم المطعون فيه وما تضمنته سائر الأوراق أن الطاعنة كانت قد أبرمت مع الشركة الاسترالية للتجارة والتصدير - الغير مختصمة فى الطعن - عقد ضمان ائتمان صادرات ضد المخاطر التجارية وغير التجارية مؤرخ 15 من يناير سنة 1996 بغرض تغطية ضمان المبالغ المستحقة عن شحنات الأرز التى ترغب هذه الشركة فى تصديرها إلى الخارج وقد تضمنت بنوده المخاطر التى يغطيها هذا العقد وحدودها وشروط استحقاق التعويض ومداه، وأحقية تلك الشركة المصدرة فى أن تتنازل عن حقها فى التعويض المستحق لها وفقاً لهذا العقد للبنك أو المؤسسة المالية التى قامت بتمويل صادراتها، ثم خضوع العقد لأحكام القانون المصرى وأخيراً الاتفاق على شرط التحكيم، وأنه إزاء تقاعس تلك الشركة عن الوفاء بقيمة كميات الأرز التى قامت المطعون ضدها بتمويلها فقد تنازلت للأخيرة بتاريخ 29 من فبراير سنة 1996 عن ما قد يستحق لها من تعويض وفقاً لعقد الضمان سالف الذكر وورد فى هذا التنازل ما نصه (نتنازل نحن الشركة الاسترالية للتجارة والتصدير.. عن حقنا فى التعويض الذى قد ينشأ لنا قبل الشركة المصرية لضمان الصادرات بموجب وثيقة الضمان رقم 1/ 96 بتاريخ 15/ 1/ 1996 والسارية حتى 14/ 1/ 1997) وقد تم إعلان الطاعنة بهذا التنازل فقبلته بموجب كتابها المرسل إلى المطعون ضدها فى 6/ 3/ 1996 الذى أرفقت به ملحقاً لوثيقة الضمان الموضح به الحدود الائتمانية والشروط والضوابط الخاصة بتنفيذ عملية التصدير على نحو ما جاء بأصل هذا الخطاب المرفق بالأوراق وورد فى نهايته العبارة الآتية (نعزز لسيادتكم بأن التعويض الذى قد يستحق لكم بناء على هذا التنازل سوف يتم دائماً طبقاً لأحكام وضوابط وثيقة الضمان بعاليه.) وإذ تعذر الاتفاق بين طرفى الطعن على ما يستحق للمطعون ضدها من تعويض بالتراضى فقد طلبت من الطاعن الالتجاء إلى التحكيم فتحرر اتفاق بينهما بشأنه فى 8/ 7/ 1998 جاء فى التمهيد الوارد به عرض لمضمون عقد الضمان آنف البيان واتفاق تنازل الشركة المصدرة للمطعون ضدها عن الحق فى التعويض المقرر وفقاً له وقبول الطاعنة لذلك وتحديداً لطلبات المطعون ضدها بإلزام الطاعن أن تؤدى لها مبلغ 125100 دولار أمريكى والفوائد القانونية من تاريخ الاستحقاق فى 17/ 4/ 96 وحتى السداد مع تعويض عن الأضرار الأدبية قدرته بمبلغ خمسون ألف جنيه كطلب أصلى وإلزامها بذات المبلغ الأول كطلب إحتياطى وفقاً لمسئولية الطاعنة التقصيرية وجاء بالبند الثانى من هذا الاتفاق بأن يجرى هذا التحكيم طبقاً لأحكام عقد الضمان ونصوص ومواد القانون رقم 27/ 94 الخاص بالتحكيم وقواعد القانون المدنى ثم توالت بنوده ببيان الإجراءات الواجب اتباعها أمام هيئة التحكيم وجاء أخيراً فى البند العاشر منه ما نصه (هذا الاتفاق مكمل لاتفاق التحكيم المبرم ضمن وثيقة الضمان وهو بمثابة اتفاق على إجراءات التحكيم وما يتطلبه من شروط يتفق عليها أطراف التحكيم بداية وقبل إجراءات التحكيم) وكان البين مما جاء باتفاق التنازل الصادر من الشركة المصدرة للمطعون ضدها وكتاب الطاعنة المتضمن قبولها هذا التنازل وما ورد بعقد الاتفاق على التحكيم المحرر بين طرفى الطعن وما جاء بعقد الضمان - على نحو ما سلف بيانه - أن موضوع اتفاق التحكيم قد تحدد باتفاق طرفيه فيما يكون للمطعون ضدها (المحال لها) من حق فى التعويض الذى قد يستحق للشركة المصدرة (المحالة) لدى الطاعنة (المحال عليها) وفقاً لعقد الضمان باعتباره ذات الحق الذى فى ذمتها وانتقل بجميع مقوماته وخصائصه للمطعون ضدها ومن ثم يخضع التحقق من موجبات أداء هذا التعويض لأحكام المسئولية العقدية، ما لم يرتكب أحد طرفى عقد الضمان سالف الذكر فعلاً يؤدى إلى الإضرار بالطرف الآخر يكون جريمة أو غش أو خطأ جسيم يرتب تطبيق أحكام المسئولية التقصيرية - وذلك وفقاً لأحكام القانون المدنى الذى اتفق طرفى التحكيم على إعمال مواده - وكان الثابت من حكم التحكيم محل دعوى البطلان أنه بعد أن عرضت هيئة التحكيم فى أسباب قضائها لدفاع طرفى التحكيم بشأن مدى أحقية الشركة المطعون ضدها فى مطالبة الطاعنة بالتعويض وفقاً لأحكام عقد ضمان الائتمان باعتباره موضوع اتفاق التحكيم - محل حوالة الحق - وانتهت إلى رفض القضاء بإلزام الطاعنة بأدائه لعدم تحقق موجبه - وفقاً لأحكام المسئولية العقدية أو التقصيرية تبعاً للمفهوم السابق بيانه - عادت وتناولت بحث مدى أحقية المطعون ضدها فى إلزام الطاعنة بأداء التعويض المطالب به وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية الناتج عن خطأ ادعت أنها ارتكبته وهو عدم التحقق من حسن سمعة وملاءة شخص المصدر قبل إصدارها عقد ضمان الائتمان له بما ساهم فى تردى المطعون ضدها فى التعامل معه وتمويل قيمة الشحنة المصدرة للخارج وفقدان قيمتها وخلصت من بحثها إلى توافر خطأ كل من طرفى خصومة التحكيم فى التعاقد مع الشركة المصدرة والمتمثل فى خطأ الطاعنة فى إبرام عقد الضمان معها، وخطأ المطعون ضدها فى اختياره هذه الشركة وتمويل الشحنة التى صدرتها للخارج وتعذر استرداد قيمتها، ورتبت هيئة التحكيم على هذه النتيجة تحمل كل من الطاعنة والمطعون ضدها جزءً من قيمة الشحنة بلغ نصيب الطاعنة منها المبلغ المقضى به محل دعوى البطلان وإذ كان ما انتهت إليه هيئة التحكيم فى هذا الخصوص يتعلق بمسألة لا يشملها اتفاق التحكيم آنف البيان ولا يسار إليه إلا بدعوى مباشرة تقيمها المطعون ضدها على الطاعنة لا شأن لها بالالتزام التعاقدى موضوع طلب التحكيم (محل حوالة الحق) بما يضحى معه قضاؤها فيه وارداً على غير محل من خصومة التحكيم وصادراً من جهة لا ولاية لها بالفصل فيه وافتئات على الاختصاص الولائى للقضاء العادى صاحب الولاية العامة فى النظر والفصل فى المنازعات المدنية والتجارية ومنها طلب التعويض عن الخطأ التقصيرى المشترك سالف البيان على فرض صحة تحققه.
6- إذ كان المقرر أن قضاء الحكم هو القول الفصل الذى يرد سواء فى الأسباب أو المنطوق.
7 - مؤدى النص فى المادة (53/ 1/ و) من قانون 37 لسنة 1994 الخاص بالتحكيم فى المواد المدنية والتجارية أنه إذا فصل فى حكم هيئة التحكيم فى مسائل خاضعة للتحكيم وأخرى غير خاضعة له فإن البطلان لا يقع إلا على أجزاء الحكم المتعلقة بالمسائل الأخيرة وحدها.
8 - إذ كان حكم هيئة التحكيم محل الطعن قد انتهى فى أسبابه وفى حدود ولاية هذه الهيئة بنظر اتفاق التحكيم إلى رفض طلب المطعون ضدها (المحتكمة) إلزام الطاعنة (المحتكم ضدها) بأداء التعويض الذى استحق للشركة المصدرة وفقاً لعقد ضمان الائتمان - محل حوالة الحق - إلا أن قضاءها فى شأن تعويض المطعون ضدها وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية عن الخطأ المشترك يعد تجاوزاً منها لبطلان اتفاق التحكيم وفصلاً فى مسألة لا يشملها ولا تدخل فى ولايتها على نحو يوجب القضاء ببطلان حكمها فى هذا الخصوص.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع- على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن الشركة الطاعنة أقامت لدى محكمة استئناف القاهرة الدعوى رقم.... لسنة..... ق ببطلان الحكم الصادر بتاريخ 6 من أغسطس سنة 1998 من هيئة التحكيم فى الطلب رقم.... لسنة..... - تحكيم خاص- وقالت بياناً لها إنها كانت قد أبرمت مع الشركة الاسترالية للتجارة والتصدير - الغير ممثلة فى خصومة التحكيم - عقد ضمان ائتمان صادرات ضد المخاطر التجارية وغير التجارية لتصدير أرز إلى خارج البلاد - وإزاء عدم سداد المستورد الأجنبى لجزء من قيمة الشحنة المرسلة إليه والتى كانت المطعون ضدها قد أمدت الشركة المصدرة سالفة الذكر بها وتوقفت عن سداد قيمتها فقد تنازلت الأخيرة للمطعون ضدها عن ما قد يستحق لها من تعويض بموجب عقد الضمان وأخطرت به الطاعنة التى قبلته. وإذ ارتأت المطعون ضدها الالتجاء إلى التحكيم نفاذاً لما ورد فى عقد الضمان واتفاق التنازل الصادر لها عنه فقد قامت دعوى التحكيم سالفة الذكر بطلب الحكم بإلزام الطاعنة أصلياً بأن تؤدى لها 80% من قيمة الشحنة التى تم تصديرها ولم يسدد المستورد الأجنبى قيمتها ومقدارها ثلاثمائة طن أرز بثمن مقداره مائة وخمسة وعشرون ألفا ومائة دولار أمريكى أو ما يعادله بالعملة المصرية والفوائد القانونية من تاريخ الاستحقاق فى 17 من إبريل سنة 1996 وحتى السداد مع إلزامها بأداء مبلغ خمسون ألف جنيه تعويضاً عن الأضرار التى لحقتها واحتياطياً بأداء ذات المبلغ الأول كتعويض يعادل قيمة تلك الصفقة وذلك وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية. وبجلسة 6 من أغسطس سنة 1998 قضت هيئة التحكيم بإلزام الطاعنة أن تؤدى للشركة المطعون ضدها مبلغ 31270 واحد وثلاثون ألفا ومائتان وسبعون دولار أمريكى أو ما يعادله بالعملة المصرية وإذ لم ترتض الطاعنة هذا الحكم فقد أقامت دعوى البطلان سالفة الذكر لدى محكمة استئناف القاهرة التى حكمت فى 8 من ديسمبر سنة 1999 بعدم قبول الدعوى لتخلف إحدى حالات البطلان المنصوص عليها فى المادة 53 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 فطعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرِض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب ذلك أنه لم يعرض فى قضائه لما تمسكت به من بطلان حكم التحكيم لتجاوزه نطاق موضوع التحكيم المعروض على هيئة التحكيم وفق اتفاق طرفيه والذى ينحصر فى التحقق من مدى صحة الادعاء بإخلالها بالتزامها التعاقدى مع الشركة المصدرة بموجب عقد الضمان التى حلت المطعون ضدها محل هذه الشركة فى المطالبة بما قد يستحق لها من تعويض تبعاً له، ذلك أن هيئة التحكيم انتهت إلى إلزامها بالتعويض وفق أحكام المسئولية التقصيرية بادعاء توافر الخطأ فى جانبها المتمثل فى عدم تحققها من حسن سمعة ومدى ملاءة كل من شخص المصدر والمستورد فضلاً عن إصدارها وثيقة ضمان للمصدر اطمأنت له المطعون ضدها فى التعاقد معه، مما أدى إلى فقدانها قيمة الشحنة المصدرة التى مولتها وهو ما يعد من حكم التحكيم تجاوزاً لحدود الموضوع محل الاتفاق وفصلاً فى مسألة لا يشملها يمتنع على هيئة التحكيم المضى فى نظرها والفصل فيها وإذ كان هذا الدفاع دفاعاً جوهرياً من شأن بحثه وتمحيصه أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى فى أساسه سديد ذلك أنه يترتب على كون التحكيم طريق استثنائى لفض المنازعات قوامه الخروج على طرق التقاضى العادية، وسلباً لاختصاص جهات القضاء أن تقتصر ولاية هيئة التحكيم على نظر موضوع النزاع الذى تنصرف إليه إرادة المحتكمين، فإذا فصلت فى مسألة لا يشملها هذا الموضوع أو تجاوزت نطاقه، فإن قضائها بشأنه يضحى وارداً على غير محل من خصومة التحكيم وصادراً من جهة لا ولاية لها بالفصل فيه لدخوله فى اختصاص جهة القضاء صاحبة الولاية العامة بنظره، الأمر الذى حدا بالمشرع أن يشترط فى الفقرة الثانية من المادة العاشرة من القانون رقم 27 لسنة 1994 الخاص بالتحكيم فى المواد المدنية والتجارية وجوب أن يحدد الاتفاق على التحكيم المسائل التى يشملها وإلا كان الاتفاق باطلاً ورتبت المادة (153/ 1/ و) منه جزاء البطلان إذا فصل حكم التحكيم فى مسائل لا يشملها الاتفاق أو جاوز حدوده بما يستتبع وبالضرورة أن تتولى هيئة التحكيم تفسير هذا الاتفاق تفسيراً ضيقاً يتفق وطبيعته، وكان المقرر وعلى ما تقضى به المادة 39 من ذات القانون أنه متى اتفق المحتكمان على الموضوع محل النزاع تعين على هيئة التحكيم أن تطبق عليه القواعد القانونية التى اتفقا عليه فإذا لم يتفقا طبقت القواعد الموضوعية فى القانون الذى ترى أنه الأكثر اتصالاً بالنزاع وعلى هدى من ذلك فإذا اتفق المحتكمان على تطبيق القانون المصرى تعين على تلك الهيئة أن تطبق فرع القانون الأكثر انطباقاً على موضوع التحكيم. وكان من المقرر أن حوالة الحق - وفقاً لأحكام القانون المدنى المصرى - لا تنشئ التزاماً جديداً فى ذمة المحال عليه (المدين) وإنما يترتب على انعقادها صحيحة ونفاذها فى حقه - بالإعلان أو القبول - انتقال ذات الالتزام الثابت أصلاً فى ذمة المحال عليه (المدين) من المحال إلى المحال له بجميع مقوماته وخصائصه، لما كان ذلك، وكان الواقع حسبما حصله الحكم المطعون فيه وما تضمنته سائر الأوراق أن الطاعنة كانت قد أبرمت مع الشركة الاسترالية للتجارة والتصدير - الغير مختصمة فى الطعن - عقد ضمان ائتمان صادرات ضد المخاطر التجارية وغير التجارية مؤرخ 15 من يناير سنة 1996 بغرض تغطية ضمان المبالغ المستحقة عن شحنات الأرز التى ترغب هذه الشركة فى تصديرها إلى الخارج وقد تضمنت بنوه المخاطر التى يغطيها هذا العقد وحدودها وشروط استحقاق التعويض ومداه، وأحقية تلك الشركة المصدرة فى أن تتنازل عن حقها فى التعويض المستحق لها وفقاً لهذا العقد للبنك أو المؤسسة المالية التى قامت بتمويل صادراتها، ثم خضوع العقد لأحكام القانون المصرى وأخيراً الاتفاق على شرط التحكيم، وأنه إزاء تقاعس تلك الشركة عن الوفاء بقيمة كميات الأرز التى قامت المطعون ضدها بتمويلها فقد تنازلت للأخيرة بتاريخ 29 من فبراير سنة 1996 عن ما قد يستحق لها من تعويض وفقاً لعقد الضمان سالف الذكر وورد فى هذا التنازل ما نصه (نتنازل نحن الشركة الاسترالية للتجارة والتصدير.. عن حقنا فى التعويض الذى قد ينشأ لنا قبل الشركة المصرية لضمان الصادرات بموجب وثيقة الضمان رقم 1/ 96 بتاريخ 15/ 1/ 1996 والسارية حتى 14/ 1/ 1997) وقد تم إعلان الطاعنة بهذا التنازل فقبلته بموجب كتابها المرسل إلى المطعون ضدها فى 6/ 3/ 1996 الذى أرفقت به ملحقاً لوثيقة الضمان الموضح به الحدود الائتمانية والشروط والضوابط الخاصة بتنفيذ عملية التصدير على نحو ما جاء بأصل هذا الخطاب المرفق بالأوراق وورد فى نهايته العبارة الآتية (نعزز لسيادتكم بأن التعويض الذى قد يستحق لكم بناء على هذا التنازل سوف يتم دائماً طبقاً لأحكام وضوابط وثيقة الضمان بعاليه.) وإذ تعذر الاتفاق بين طرفى الطعن على ما يستحق للمطعون ضدها من تعويض بالتراضى فقد طلبت من الطاعن الالتجاء إلى التحكيم فتحرر اتفاق بينهما بشأنه فى 8/ 7/ 1998 جاء فى التمهيد الوارد به عرض لمضمون عقد الضمان آنف البيان واتفاق تنازل الشركة المصدرة للمطعون ضدها عن الحق فى التعويض المقرر وفقاً له وقبول الطاعنة لذلك وتحديداً لطلبات المطعون ضدها بإلزام الطاعنة أن تؤدى لها مبلغ 125100 دولار أمريكى والفوائد القانونية من تاريخ الاستحقاق فى 17/ 4/ 96 وحتى السداد مع تعويض عن الأضرار الأدبية قدرته بمبلغ خمسون ألف جنيه كطلب أصلى وإلزامها بذات المبلغ الأول كطلب احتياطى وفقاً لمسئولية الطاعنة التقصيرية وجاء بالبند الثانى من هذا الاتفاق بأن يجرى هذا التحكيم طبقاً لأحكام عقد الضمان ونصوص ومواد القانون رقم 27/ 94 الخاص بالتحكيم وقواعد القانون المدنى ثم توالت بنوده ببيان الإجراءات الواجب اتباعها أمام هيئة التحكيم وجاء أخيراً فى البند العاشر منه ما نصه (هذا الاتفاق مكمل لاتفاق التحكيم المبرم ضمن وثيقة الضمان وهو بمثابة اتفاق على إجراءات التحكيم وما يتطلبه من شروط يتفق عليها أطراف التحكيم بداية وقبل إجراءات التحكيم) وكان البين مما جاء باتفاق التنازل الصادر من الشركة المصدرة للمطعون ضدها وكتاب الطاعنة المتضمن قبولها هذا التنازل وما ورد بعقد الاتفاق على التحكيم المحرر بين طرفى الطعن وما جاء بعقد الضمان - على نحو ما سلف بيانه - أن موضوع اتفاق التحكيم قد تحدد باتفاق طرفيه فيما يكون للمطعون ضدها (المحال لها) من حق فى التعويض الذى قد يستحق للشركة المصدرة (المحالة) لدى الطاعنة (المحال عليها) وفقاً لعقد الضمان باعتباره ذات الحق الذى فى ذمتها وانتقل بجميع مقوماته وخصائصه للمطعون ضدها ومن ثم يخضع التحقق من موجبات أداء هذا التعويض لأحكام المسئولية العقدية، ما لم يرتكب أحد طرفى عقد الضمان سالف الذكر فعلاً يؤدى إلى الإضرار بالطرف الآخر يكون جريمة أو غش أو خطأ جسيم يرتب تطبيق أحكام المسئولية التقصيرية - وذلك وفقاً لأحكام القانون المدنى الذى اتفق طرفى التحكيم على إعمال مواده - وكان الثابت من حكم التحكيم محل دعوى البطلان أنه بعد أن عرضت هيئة التحكيم فى أسباب قضائها لدفاع طرفى التحكيم بشأن مدى أحقية الشركة المطعون ضدها فى مطالبة الطاعنة بالتعويض وفقاً لأحكام عقد ضمان الائتمان باعتباره موضوع اتفاق التحكيم - محل حوالة الحق - وانتهت إلى رفض القضاء بإلزام الطاعنة بأدائه لعدم تحقق موجبه - وفقاً لأحكام المسئولية العقدية أو التقصيرية تبعاً للمفهوم السابق بيانه - عادت وتناولت بحث مدى أحقية المطعون ضدها فى إلزام الطاعن بأداء التعويض المطالب به وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية الناتج عن خطأ ادعت أنها ارتكبته وهو عدم التحقق من حسن سمعة وملاءة شخص المصدر قبل إصدارها عقد ضمان الائتمان له بما ساهم فى تردى المطعون ضدها فى التعامل معه وتمويل قيمة الشحنة المصدرة للخارج وفقدان قيمتها وخلصت من بحثها إلى توافر خطأ كل من طرفى خصومة التحكيم فى التعاقد مع الشركة المصدرة والمتمثل فى خطأ الطاعنة فى إبرام عقد الضمان معها، وخطأ المطعون ضدها فى اختياره هذه الشركة وتمويل الشحنة التى صدرتها للخارج وتعذر استرداد قيمتها، ورتبت هيئة التحكيم على هذه النتيجة تحمل كل من الطاعنة والمطعون ضدها جزءً من قيمة الشحنة بلغ نصيب الطاعنة منها المبلغ المقضى به محل دعوى البطلان وإذ كان ما انتهت إليه هيئة التحكيم فى هذا الخصوص يتعلق بمسألة لا يشملها اتفاق التحكيم آنف البيان ولا يسار إليه إلا بدعوى مباشرة تقيمها المطعون ضدها على الطاعنة لا شأن لها بالالتزام التعاقدى موضوع طلب التحكيم (محل حوالة الحق) بما يضحى معه قضاؤها فيه وارداً على غير محل من خصومة التحكيم وصادراً من جهة لا ولاية لها بالفصل فيه وافتئات على الاختصاص الولائى للقضاء العادى صاحب الولاية العامة فى النظر والفصل فى المنازعات المدنية والتجارية ومنها طلب التعويض عن الخطأ التقصيرى المشترك سالف البيان على فرض صحة تحققه، وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه لدفاع الطاعنة فى هذا الخصوص ويتناوله بالبحث والتمحيص لإعمال أثره عند التحقق من صحته فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم، وكان من المقرر أن قضاء الحكم هو القول الفصل الذى يرد سواء فى الأسباب أو المنطوق، وإن النص فى المادة 53/ 1 من قانون التحكيم - سالف البيان - على أنه "لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الآتية ( أ )... (و) إذا فصل حكم التحكيم فى مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاص بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها" مفاده أنه إذا فصل حكم هيئة التحكيم فى مسائل خاضعة للتحكيم وأخرى غير خاضعة له فإن البطلان لا يقع إلا على أجزاء الحكم المتعلقة بالمسائل الأخيرة وحدها، لما كان ذلك، وكان حكم هيئة التحكيم محل الطعن وإن انتهى فى أسبابه وفى حدود ولاية هذه الهيئة بنظر اتفاق التحكيم إلى رفض طلب المطعون ضدها (المحتكمة) إلزام الطاعنة (المحتكم ضدها) بأداء التعويض الذى استحق للشركة المصدرة وفقاً لعقد ضمان الائتمان - محل حوالة الحق - إلا أن قضاءها فى شأن تعويض المطعون ضدها (المحتكمة) وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية عن الخطأ المشترك على نحو ما سلف بيانه - يعد تجاوزاً منها لنطاق اتفاق التحكيم وفصلاً فى مسألة لا يشملها ولا تدخل فى ولايتها على نحو يوجب القضاء ببطلان حكمها فى هذا الخصوص.