أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 36 - صـ 1027

جلسة 20 من نوفمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ محمد وجدى عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: ابراهيم حسين رضوان نائب رئيس المحكمة، محمد ممدوح سالم نائب رئيس المحكمة، محمد رفيق البسطويسى نائب رئيس المحكمة وفتحى خليفة.

(188)
الطعن رقم 2584 لسنة 55 القضائية

(1) دستور. قانون إلغاؤه "الألغاء الضمنى للقانون".
الدستور هو القانون الوضعى الأسمى صاحب الصدارة. على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه. مؤدى ذلك؟
إيراد الدستور نصا صالحا بذاتة للأعمال بغير حاجة الى سن تشريع أدنى. وجوب اعمال النص من يوم العمل به واعتبار الحكم المخالف له منسوخا ضمنا بقوة الدستور.
(2) دستور "تفسيره". تفتيش "تفتيش المساكن" "التفتيش باذن". تلبس.
للمساكن حرمة. عدم جواز دخولها او تفتيشها إلا بأمر قضائى مسبب وفقا للقانون. عدم استثناء حالة التلبس من ذلك. أساس ذلك ومؤداه؟
النص فى المادة 44 من الدستور على صون حرمة المسكن وحظر دخوله او تفتيشه الا بامر قضائى مسبب وفقا للقانون. قابل للاعمال بذاته.
(3) دستور. قانون "الغاؤه". مأمور الضبط القضائى. تلبس. تفتيش "تفتيش المساكن" "التفتيش بدون إذن".
تخويل المادة 47 اجراءات مأمور الضبط القضائى حق تفتيش منزل المتهم فى حالة التلبس. دون استصدار أمر قضائى مسبب. بالمخالفة لحكم المادة 44 من الدستور. أثره؟
(4) اثبات "بوجه عام".
تساند الأدلة فى المواد الجنائية. مؤداه؟
(5) رشوة. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". موظفين عموميون.
إختصاص الموظف بالعمل الذى طلب اليه أداؤه. ركن فى جريمة عرض الرشوة. وجوب إثباته بما ينحسم به أمره. اعراض الحكم المطعون فيه عن الرد على دفاع الطاعن بعدم اختصاص الموظف بالعمل. يعيبه.
1 - لما كان الدستور هو القانون الوضعى الأسمى، صاحب الصدارة، فان على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه، فاذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور واهدار ما سواها، يستوى فى ذلك أن يكون التعارض سابقا أو لاحقا على العمل بالدستور، فاذا ما أورد الدستور نصا صالحا بذاته للاعمال بغير حاجة الى سن تشريع أدنى، لزم اعمال هذا النص فى يوم العمل به، ويعتبر الحكم المخالف له فى هذه الحالة قد نسخ ضمنا بقوة الدستور نفسه.
2 - لما كان الدستور قد نص فى المادة 44 منه على ان "للمساكن حرمه فلا يجوز دخولها او تفتيشها الا بأمر قضائى مسبب وفقا لأحكام القانون" وهو نص عام مطلق لم يرد عليه ما يخصصه او يقيدة مما مؤداه أن هذا النص الدستورى يستلزم فى جميع أحوال تفتيش المساكن صدور الأمر القضائى المسبب وذلك صونا لحرمة المسكن التى تنبثق من الحرية الشخصية التى تتعلق بكيان الفرد وحياته الخاصة ومسكنه الذى يأوى اليه وهو موضع سره وسكينته، ولذلك حرص الدستور على تأكيد حظر انتهاك حرمة المسكن سواء بدخوله او بتفتيشه ما لم يصدر أمر قضائى مسبب دون ان يستثنى من ذلك حالة التلبس التى لا تجيز - وفقا لنص المادة 41 من الدستور - سوى القبض على الشخص وتفتيشه أينما وجد. يؤكد ذلك ان مشروع لجنه الحريات التى شكلت بمجلس الشعب عند اعداد الدستور كان يضمن نص المادة 44 استثناء حالة التلبس فى حكمها، غير ان هذا الاستثناء قد أسقط فى المشروع النهائى لهذا المادة وصدر الدستور متضمنا نص المادة 44 الحالى حرصا منه على صيانة حرمة المساكن على ما سلف بيانه. لما كان ذلك، وكان نص المادة 44 من الدستور واضح الدلالة على عدم استثناء حالة التلبس فى الضمانين اللذين أوردهما أى صدور أمر قضائى وأن يكون مسببا - فلا يسوغ القول باستثناء حالة التلبس فى حكم هذين الضمانين قياسا على اخراجها من حكمهما فى حالة تفتيش الشخص أو القبض عليه، لأن الاستثناء لا يقاس عليه كما أن القياس محظور لصراحة نص المادة 44 سالفة البين ووضوح دلالته. ولا يغير من ذلك عبارة "وفقا لأحكام القانون" التى وردت فى نهاية تلك المادة بعد ايرادها الضمانين المشار اليهما، لأن هذه العبارة لا تعنى تفويض الشارع العادى فى اطلاق حالة التلبس من قيدهما، والقول بغير ذلك يفضى الى اهدار ضمانين وضعهما الشارع الدستورى وتعليق اعمالها على ارادة الشارع القانونى وهو ما لا يفيده نص المادة 44 من الدستور، وانما تشير عبارة "وفقا لأحكام القانون" الى الاحالة الى القانون العادى فى تحديد الجرائم التى يجوز فيها صدور الامر بتفتيش المساكن وبيان كيفية صدوره وتسبيبه الى غير ذلك من الاجراءات التى يتم بها هذا التفتيش لما كان ذلك، فان ما قضى به الدستور فى المادة 44 منه من صون حرمة المسكن واطلاق حظر دخوله او تفتيشه الا بأمر قضائى مسبب وفقا لأحكام القانون، يكون حكما قابلا للاعمال بذاته، وما نصت عليه المادة 191 من الدستور من أن "كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحا نافذا ومع ذلك يجوز الغاؤها او تعديلها وفقا للقواعد والاجراءات المقررة فى هذا الدستور "لا ينصرف حكمها بداهة الا الى التشريع الذى لم يعتبر ملغيا او معدلا بقوة نفاذه الدستور ذاته، بغير حاجه الى تدخل من الشارع.
3 - لما كان ما قضى به نص المادة 47 من قانون الاجراءات الجنائية من تخويل مأمور الضبط القضائى الحق فى اجراء تفتيش مسكن المتهم فى حالة التلبس بجناية او جنحه دون أن يصدر له أمر قضائى مسبب ممن يملك سلطة التحقيق، يخالف حكم المادة 44 من الدستور على النحو سالف البيان، فان حكم المادة 47 من قانون الاجراءات الجنائية يعتبر منسوخا ضمنا بقوة الدستور نفسه منذ العمل بأحكامه دون تربص صدور قانونى أدنى، ويكون دخول المسكن او تفتيشة بأمر قضائى مسبب لا مندوحة عنه منذ ذلك التاريخ. لما كان ذلك، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه لا يبين منها ان تفتيش مسكن الطاعن كان بناء على اذن تفتيش مسبب، وكان الحكم قد عول فى قضائه بادانة الطاعن - من بين ما عول عليه - على الدليل المستمد من ذلك التفتيش دون ان يرد على ما أثاره الطاعن فى شأن بطلانه مع أنه لو صح لما جاز الاستناد اليه كدليل فى الدعوى، فان الحكم يكون معيبا بالقصور الذى يبطله.
4 - الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا، بحيث اذ سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذى كان للدليل الباطل فى الرأى الذى أنتهت اليه المحكمة.
5 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة ان الطاعن أثار فى دفاعه ان الموظف الذى قبل بعرض الرشوة عليه غير مختص بختم تصاريح العمل وأن الخاتم ليس فى عهدته، وكان من المقرر ان اختصاص الموظف بالعمل الذى طلب اليه أداؤه، أيا كان نصيبه فيه، ركن فى جريمة عرض الرشوة المنصوص عليها فى المادة 109 مكررا من قانون العقوبات مما يتعين اثباته بما ينحسم به أمره وخاصة عند المنازعه فيه، فان الحكم المطعون فيه اذ لم يعرض البتة لما أثاره الطاعن فى دفاع هذا الشأن، يكون معيبا بما يبطله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: عرض رشوه على موظف عام للاخلال بواجب من واجبات وظيفته بأن عرض على.... الباحث بقسم تصاريح العمل بمصلحة الامن العام..... مبلغ خمسمائه جنيه على سبيل الرشوة مقابل ختم عدد قدمه اليه من تصاريح العمل بخاتم الجهة التى يعمل بها دون أتباع الاجراءات المقررة قانونا لاستخراجها ولكن الموظف العام لم يقبل الرشوة منه. واحالته الى محكمة جنايات طنطا لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمادة 109 مكررا من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من القانون ذاته بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمه الف جنيه وبمصادرة المضبوطات. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث ان مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه اذ دانه بجريمة عرض الرشوة قد شابه القصور فى التسبيب، ذلك بأنه لم يعرض للدفع ببطلان تفتيش مسكنه لحصوله بغير اذن من النيابة اذ أن حالة التلبس لا تبرر تفتيش المساكن لمخالفة ذلك لحكم المادة 44 من الدستور، كما أن الطاعن أثار فى دفاعه أن الموظف المبلغ لا يختص بختم تصاريح العمل وأن الأختام ليست فى عهدته الا أن الحكم التفت عن هذا الدفاع ولم يبين مدى اختصاص الموظف بالعمل الذى طلب اليه أداؤه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوة فى قوله "ان..... أبلغ العقيد.... رئيس قسم التصاريح بأن المتهمين.... و... (الطاعن) عرضا عليه مبلغ 500 جنيه على سبيل الرشوه مقابل ختم عدد من تصاريح العمل بخاتم جهة عمله دون اتباع الاجراءات القانونية لاستخراج هذه التصاريح وطلب منه العقيد...... مسايرتهما فى هذا الغرض والتظاهر بالقبول وختم عدد من التصاريح وتم الحصول على اذن النيابة العامة والمحكمة بضبط الواقعة بمنزل المتهم الأول وقت عرض الرشوة مقابل تسليم تصاريح العمل وتم ضبط مستندات ونماذج مماثلة بمسكن المتهم الثانى...... (الطاعن). ويبين من محضر جلسة المحاكمة ان الطاعن دفع ببطلان تفتيش مسكنه لحصوله بغير اذن من النيابة العامة، كما يبين فى مدونات الحكم المطعون فيه ان العقيد.... رئيس قسم مكافحة جرائم الأموال العامة بعد ان ضبط الواقعة والمتهم الآخر بمسكنه انتقل الى مسكن الطاعن وأجرى ضبطه وتفتيش مسكنه حيث عثر بالمسكن على مستندات ونماذج مماثلة لتلك التى ضبطت مع المتهم الآخر. لما كان ذلك، وكان الدستور هو القانون الوضعى الأسمى، صاحب الصدارة، فان على ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه، فاذا ما تعارضت هذه وتلك وجب التزام احكام الدستور واهدار ما سواها، يستوى فى ذلك أن يكون التعارض سابقا أو لاحقا على العمل بالدستور، فاذا ما أورد الدستور نصا صالحا بذاته للاعمال بغير حاجه الى سن تشريع أدنى، لزم اعمال هذا النص فى يوم العمل به، ويعتبر الحكم المخالف له فى هذه الحالة قد نسخ ضمنا بقوة الدستور نفسه. لما كان ذلك، وكان الدستور قد نص فى المادة 44 منه على أن "للمساكن حرمه فلا يجوز دخولها او تفتيشها الا بأمر قضائى مسبب وفقا لأحكام القانون" وهو نص عام مطلق لم يرد عليه ما يخصصه او يقيده مما مؤداه أن هذا النص الدستورى يستلزم فى جميع احوال تفتيش المساكن صدور الأمر القضائى المسبب وذلك صونا لحرمة المسكن التى تنبثق من الحرية الشخصية التى تتعلق بكيان الفرد وحياته الخاصة ومسكنه الذى يأوى اليه وهو موضع سره وسكينته، ولذلك حرص الدستور على تأكيد حظر انتهاك حرمة المسكن سواء بدخوله او بتفتيشه ما لم يصدر أمر قضائى مسبب دون أن يستثنى من ذلك حالة التلبس التى لا تجيز - وفقا لنص المادة 41 من الدستور - سوى القبض على الشخص وتفتيشه أينما وجد. يؤكد ذلك ان مشروع لجنه الحريات التى شكلت بمجلس الشعب عند اعداد الدستور كان يضمن نص المادة 44 استثناء حالة التلبس فى حكمها، غير ان هذا الاستثناء قد أسقط فى المشروع النهائى لهذه المادة وصدر الدستور متضمنا نص المادة 44 الحالى حرصا منه على صيانة حرمة المساكن على ما سلف بيانه. لما كان ذلك، وكان نص المادة 44 من الدستور واضح الدلالة على عدم استثناء حالة التلبس فى الضمانين اللذين أوردهما أى صدور أمر قضائى وأن يكون الأمر مسببا - فلا يسوغ القول باستثناء حالة التلبس فى حكم هذين الضمانين قياسا على اخراجها من حكمهما فى حالة تفتيش الشخص أو القبض عليه، لأن الاستثناء لا يقاس عليه كما أن القياس محظور لصراحة نص المادة 44 سالفة البيان ووضوح دلالته. ولا يغير من ذلك عبارة "وفقا لأحكام القانون" التى وردت فى نهاية تلك المادة بعد ايرادها الضمانين المشار اليهما، لأن هذه العبارة لا تعنى تفويض الشارع العادى فى اطلاق حالة التلبس من قيدهما، والقول بغير ذلك يفضى الى اهدار ضمانين وضعهما الشارع الدستورى وتعليق اعمالها على ارادة الشارع القانونى وهو ما لا يفيده نص المادة 44 من الدستور، وانما تشير عبارة "وفقا لأحكام القانون" الى الاحالة الى القانون العادى فى تحديد الجرائم التى يجوز فيها صدور الأمر بتفتيش المساكن وبيان كيفية صدوره وتسبيبه الى غير ذلك من الاجراءات التى يتم بها هذا التفتيش لما كان ذلك، فان ما قضى به الدستور فى المادة 44 منه من صون حرمة المسكن واطلاق حظر دخوله أو تفتيشه إلا بأمر قضائى مسبب وفقا لأحكام القانون، يكون حكما قابلا للاعمال بذاته، وما نصت عليه المادة 191 من الدستور من أن "كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحا ونافذا ومع ذلك يجوز الغاؤها او تعديلها وفقا للقواعد والاجراءات المقررة فى هذا الدستور "لا ينصرف حكمها بداهة الا الى التشريع الذى لم يعتبر ملغيا او معدلا بقوة نفاذه الدستور ذاته، بغير حاجه الى تدخل من الشارع. لما كان ذلك، وكان ما قضى به نص المادة 47 من قانون الاجراءات الجنائية من تخويل مأمور الضبط القضائى الحق فى اجراء تفتيش مسكن المتهم فى حالة التلبس بجناية أو جنحة دون أن يصدر له أمر قضائى مسبب ممن يملك سلطة التحقيق، يخالف حكم المادة 44 من الدستور على النحو سالف البيان، فان حكم المادة 47 من قانون الاجراءات الجنائية يعتبر منسوخا ضمنا بقوة الدستور نفسه منذ العمل بأحكامه دون تربص صدور قانون أدنى، ويكون دخول المسكن أو تفتيشة بأمر قضائى مسبب اجراء لا مندوحة عنه منذ ذلك التاريخ. لما كان ذلك، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه لا يبين منها أن تفتيش مسكن الطاعن كان بناء على اذن تفتيش مسبب، وكان الحكم قد عول فى قضائه بادانة الطاعن - من بين ما عول عليه - على الدليل المستمد من ذلك التفتيش دون أن يرد على ما أثاره الطاعن فى شأن بطلانه مع أنه لو صح لما جاز الاستناد اليه كدليل فى الدعوى، فان الحكم يكون معيبا بالقصور الذى يبطله ويوجب نقضه. ولا يمنع من ذلك ما أورده الحكم من أدلة أخرى، اذ الأدلة فى المواد الجنائية متسانده يكمل بعضها بعضا، بحيث اذ سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذى كان للدليل الباطل فى الرأى الذى انتهت اليه المحكمة. وفضلا عما تقدم، فإنه لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أثار فى دفاعه أن الموظف الذى قبل بعرض الرشوة عليه غير مختص بختم تصاريح العمل وأن الخاتم ليس فى عهدته، وكان من المقرر أن أختصاص الموظف بالعمل الذى طلب اليه أداؤه، أيا كان نصيبه فيه، ركن فى جريمة عرض الرشوة المنصوص عليها فى المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات مما يتعين اثباته بما ينحسم به أمرة وخاصة عند المنازعة فيه، فان الحكم المطعون فيه اذ لم يعرض البته لما أثاره الطاعن فى دفاع هذا الشأن، يكون معيبا بما يبطله ويوجب نقضه والاعادة لهذا السبب أيضا، دون حاجة للتعرض لباقى أوجه الطعن.