مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 769

(88)
جلسة أول مارس سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 178 لسنة 3 القضائية

( أ ) قرار إداري - قرار وكيل وزارة الداخلية بفصل باشجاويش بالبوليس - تسبيبه - الإحالة في الأسباب إلى مذكرة تنطوي على المبرر الكافي - النعي على القرار ببطلانه من حيث الشكل - في غير محله.
(ب) كادر العمال - فصل العمال الحكوميين الذين يخضعون لأحكامه - وجوب أخذ رأي اللجنة الفنية التي نصت عليها تعليمات المالية - عدم سريان هذا الحكم على من يخضعون لقواعد مغايرة ونظام خاص كنظام هيئات البوليس.
(جـ) جزاء تأديبي - التحقيق مع موظف - لا بطلان على إغفال إجراء التحقيق في شكل معين.
(د) جزاء تأديبي - سببه - حدود رقابة القضاء الإداري في هذا الشأن.
1 - إذا ثبت أن قرار وكيل وزارة الداخلية قد صدر بفصل المدعي (وكيل باشجاويش بالبوليس) مستنداً في تبرير الفصل إلى الأسباب الواردة في تقرير معاون بوليس المركز (والتي تنطوي على المبرر الكافي للفصل والتي تعززها باقي الأوراق)، ورأى في تقديره كفاية الأسباب، فليس في هذا ما يعيب من ناحية الشكل أو الموضوع قراره القائم على عدم صلاحية المدعي لأن يكون رجل بوليس.
2 - لا وجه لما يذهب إليه المدعي من أن القرار الصادر من وكيل الوزارة بفصله من وظيفته كوكيل باشجاويش مشوب بعيب شكلي يبطله، هو عدم أخذ رأي اللجنة الفنية التي نصت عليها تعليمات المالية في شأن فصل العمال من الخدمة بسب تأديبي؛ لأن هذا الحكم لا يصدق إلا على عمال اليومية الحكوميين الذين يسري كادر العمال في حقهم وحدهم، والمدعي ليس منهم؛ إذ أنه يخضع في هذا الشأن لقواعد مغايرة ونظام خاص هو نظام هيئات البوليس.
3 - إن القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة والمرسوم الصادر في 8 من يناير سنة 1953 باللائحة التنفيذية لهذا القانون لم يقررا جزاء البطلان على إعفاء إجراء التحقيق في شكل معين.
4 - إذا استند القرار التأديبي إلى وقائع مادية صحية لها وجود ثابت فعلاً بالأوراق، وهي وقائع لها دلالتها في تقدير سلوك الموظف الذي وقع عليه الجزاء، وقد استخلصت منها السلطة الإدارية المختصة عقيدتها واقتناعها بعدم صلاحيته للاستمرار في الخدمة - كرجل بوليس - استخلاصاً سائغاً سليماً يبرر النتيجة التي انتهت إليها في شأنه وهي الفصل، فإن قرارها - والحالة هذه - يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون، دون أن تكون للقضاء الإداري رقابة على تقدير مدى عدم الصلاحية هذه، أو تناسبها مع التصرفات المأخوذة عليه؛ إذ أن هذا من الملاءمات التي تنفرد الإدارة بتقديرها بما لا معقب عليها في ذلك، والتي تخرج عن رقابة القضاء الإداري.


إجراءات الطعن

في 21 من يناير سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 178 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 2 من ديسمبر سنة 1956 في الدعوى رقم 87 لسنة 3 القضائية المقامة من محمود محمد أبو العطا ضد وزارة الداخلية، القاضي "بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها من جديد". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 6 من فبراير سنة 1957، وإلى المطعون لصالحه في 14 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته، وعين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 18 من يناير سنة 1958. وفي 19 من نوفمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة. وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن عدم قبول الدعوى:
من حيث إنه يبين من أوراق الطعن أن المدعي كان يعمل في خدمة البوليس بوظيفة وكيل باشجاويش سيارة بمركز المنشأة بمديرية جرجا، وفي 4 من نوفمبر سنة 1954 صدر قرار وزارة الداخلية بفصله من الخدمة اعتباراً من 3 من نوفمبر سنة 1954، للأسباب التي وردت بتقرير السيد معاون بوليس مركز المنشأة المؤرخ 19 من أكتوبر سنة 1954، والتي أخذت منها الوزارة أنه أصبح لا يصلح لأن يكون رجل بوليس. وقد أبلغ بقرار الفصل هذا في 6 من نوفمبر سنة 1954، فتظلم منه إلى السيد وزير الداخلية بعريضة مؤرخة 10 من نوفمبر سنة 1954، طلب فيها إلغاء قرار فصله، والأمر بإعادته إلى عمله، وقد تلقت الوزارة هذه العريضة في 14 منه. وفي 20 من نوفمبر سنة 1954 تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية لشئون القصر ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بطلب الإعفاء رقم 917 لسنة 2 القضائية لإعفائه من رسوم الدعوى التي يزمع إقامتها ضد وزارة الداخلية بطلب وقف قرار فصله، والحكم بإلغاء هذا القرار. وبجلسة 29 من سبتمبر سنة 1955 أصدرت اللجنة قرارها بقبول هذا الطلب وندب محام لمباشرة الدعوى. وبناء على هذا أقام دعواه الحالية رقم 87 لسنة 3 القضائية ضد وزارة الداخلية أمام المحكمة الإدارية المشار إليها بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 22 من نوفمبر سنة 1955، طلب فيها "الحكم بصفة مستعجلة بإيقاف قرار الفصل الصادر بتاريخ 3 من نوفمبر سنة 1954، وإلغاء هذا القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المعلن إليه بصفته بالمصاريف وأتعاب المحاماة، مع حفظ كافة حقوق الطالب الأخرى". وبجلسة 18 من نوفمبر سنة 1956 قرر الحاضر عن المدعي بتنازله عن الطلب المستعجل الخاص بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وبقصر طلباته على الموضوع، ولم يعارض الحاضر عن الوزارة في ذلك، وقد قدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً، انتهى فيه إلى طلب الحكم (أصلياً) بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، مستنداً في ذلك إلى أن طلب الإعفاء لا يعتبر إجراء قاطعاً للمدة المحددة لرفع دعوى الإلغاء إلا إذا اعتبر بمثابة تظلم إلى السلطة الإدارية موجهاً إليها عن طريق لجنة المساعدة القضائية، فإذا كان قد سبقه تظلم إداري بالفعل فلا يكون له ذلك الأثر، إذ تكون العبرة في حساب ميعاد رفع الدعوى بالتظلم الأول لا الثاني في هذه الحالة. وقد عقب المدعي على ذلك في مذكرته المؤرخة 20 من سبتمبر سنة 1956 بأن الدعوى مقبولة شكلاً لرفعها في الميعاد القانوني، إذ أن طلب المساعدة القضائية قاطع لهذا الميعاد وبجلسة 2 من ديسمبر سنة 1956 قضت المحكمة الإدارية "بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات". وأقامت قضاءها على أن التظلم الإداري المقدم من المدعي يقطع مدة سقوط دعوى الإلغاء ويظل هذا الأثر قائماً طيلة الأربعة الأشهر المقررة للبت في التظلم، ثم يبدأ بعد ذلك ميعاد جديد عدته ستون يوماً؛ ومن ثم كان يتعين على المدعي أن يقيم دعواه بطلب إلغاء القرار المطعون فيه في أجل غايته 14 من مايو سنة 1955، أما وقد رفعها في 22 من نوفمبر سنة 1955 فإنها تكون قد رفعت بعد الميعاد القانوني، ولا عبرة بطلب الإعفاء؛ إذ أنه لا يقطع مدة سقوط دعوى الإلغاء أصلاً، وإنما يترتب هذا الأثر على التظلم الأول وحده دون ما يتبعه من تظلمات أخرى، وبذلك تكون الدعوى غير مقبولة شكلاً، وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 21 من يناير سنة 1957 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية للفصل فيها من جديد". واستند في أسباب طعنه إلى أن طلب المساعدة القضائية هو إجراء قاطع للتقادم ولميعاد رفع دعوى الإلغاء كقاعدة قضائية من قواعد القانون الإداري تقوم جنباً إلى جنب مع القواعد التشريعية في مجالات روابط القانون العام، وإذا ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون، وتكون قد قامت به إحدى حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن مقتضيات النظام الإداري قد مالت بالقضاء الإداري إلى تقرير أنه يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة الإدارية المختصة متمسكاً فيه بحقه طالباً أداءه، وأن هذا يصدق من باب أولى على طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة؛ إذ هو أبلغ في معنى الاستمساك بالحق والمطالبة بأدائه، وأمعن في طلب الانتصاف من مجرد الطلب أو التظلم الذي يقدمه الموظف إلى الجهة الإدارية، بل هو في الحق يجمع بين طبيعة التظلم الإداري من حيث الإفصاح بالشكوى من التصرف الإداري وبين طبيعة التظلم القضائي من حيث الاتجاه إلى القضاء طلباً للانتصاف، فلا أقل والحالة هذه - من أن يترتب عليه ذات الأثر المترتب على مجرد الطلب أو التظلم الإداري من حيث قطع التقادم أو قطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء. ويظل هذا الأثر قائماً ويقف سريان التقادم أو الميعاد لحين صدور القرار في الطلب سواء بالقبول أو الرفض، طالما كان الأمر بيد الجهة القضائية المختصة بنظره، ولكن إذا ما صدر القرار وجب رفع الدعوى خلال الميعاد القانوني محسوباً من تاريخ صدوره، فإن كانت دعوى إلغاء، تعين أن يكون خلال الستين يوماً التالية.
ومن حيث إنه ثابت مما تقدم أن قرار الجزاء المطعون فيه صدر في 4 من نوفمبر سنة 1954 بفصل المدعي من الخدمة اعتباراً من 3 منه، وأبلغ إلى هذا الأخير في 6 من الشهر عينه، فتظلم منه في 10 من الشهر ذاته إلى السيد وزير الداخلية، وتقدم بطلب إعفائه من رسوم الدعوى الحالية إلى لجنة المساعدة القضائية في 20 منه، أي أنه تظلم إدارياً، وقدم طلب المساعدة القضائية في المواعيد القانونية، وقد انقطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء بتقديم هذا الطلب، وظل أثره في وقف سريان الميعاد قائماً حتى صدر القرار بقبوله في 29 من سبتمبر سنة 1955. ولما كان قد رفع دعواه بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة الإدارية في 22 من نوفمبر سنة 1955، أي خلال الستين يوماً التالية لتاريخ صدور القرار المشار إليه، فإنها تكون قد رفعت في الميعاد القانوني، ويكون طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في محله، ويتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى.
(ب) عن الموضوع:
من حيث إن الدعوى مهيأة للفصل في موضوعها.
ومن حيث إنه يتضح من الأوراق أن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أن المدعي يطلب الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزارة الداخلية في 4 من نوفمبر سنة 1954 بفصله من وظيفة وكيل باشجاويش بالبوليس اعتباراً من 3 منه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ويستند في طلبه هذا - في صحيفة دعواه وفي مذكرته - إلى أنه التحق بخدمة البوليس كنفر بمصلحة السجون اعتباراً من أول يناير سنة 1933، وفي أواخر سنة 1936 أصابه مرض أعيد بعده للخدمة في أول يناير سنة 1937، وظل بها حتى أصبح وكيل أومباشي، وفي يوم 20 من إبريل سنة 1954 أثناء قيامه بعمله بإبيار مركز كفر الزيات بمديرية الغربية تعدى عليه الأومباشي محجوب مرعي النجار وهو من أهالي البلدة ومعه أقاربه بالضرب، وجوزي المعتدي على ذلك بخصم عشرة أيام من راتبه، كما جوزي المدعي بخصم سبعة أيام من راتبه مع نقله إلى مديرية جرجا، فتقدم بعدة شكاوى متظلماً من هذا الجزاء، بيد أنه فوجئ بفصله من غير مختص وفي غير الأحوال التي تجيز الفصل دون تحقيق أو إحالة إلى مجلس تأديب أو مجلس عسكري أو تمكينه من الدفاع عن نفسه؛ ولذلك فإنه يطعن في هذا القرار بالبطلان ويعني عليه صدوره مشوباً بعيب عدم الاختصاص وعيب مخالفة القانون وعيب الانحراف. أما عيب عدم الاختصاص فمرده إلى أن الجهة الإدارية قد استنفدت سلطتها بتوقيع جزاء تأديبي عليه بالخصم من مرتبه، فلا تملك بعد ذلك توقيع عقوبة تأديبية أخرى عليه عن الذنب ذاته، على أن قرار الفصل المطعون فيه إنما صدر في الواقع من معاون بوليس مركز المنشأة، ولا عبرة بتصديق السيد وكيل وزارة الداخلية، إذ أنه لم ترفع إليه سوى مذكرة معاون البوليس دون ملف خدمة المدعي لمراجعته والتثبت من صحة الوقائع التي تضمنتها هذه المذكرة، بل إنه بغض النظر عن هذا التصديق اللاحق الذي لا يصحح العيب الأصلي الذي شاب القرار بصدوره من غير مختص، بفرض أن القرار صدر ابتداء من السيد وكيل الوزارة، فإنه لا يزال يعتوره عيب شكلي يبطله، هو عدم أخذ رأي اللجنة الفنية التي نصت عليها تعليمات المالية بصدد فصل العامل من الخدمة بسبب تأديبي، ولو كان رأي هذه اللجنة استشارياً وغير ملزم للإدارة. كما أنه طبقاً لنص المادة 128 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة كان يتعين، بعد إذ تظلم المدعي إدارياً من قرار فصله قبل مضي الأسبوعين المحددين في هذه المادة للتظلم، أن تحيل الجهة الإدارية تظلمه إلى لجنة شئون الموظفين للفصل فيه وفقاً لنص القانون. وأما عيب مخالفة القانون فمرجعه إلى أن عدم الصلاحية للخدمة كرجل بوليس التي تعللت بها الإدارة كسبب أفصحت عنه لتبرير قرار الفصل لا تصلح لأن تكون جرماً إدارياً أو تهمة تأديبية دون بيان عناصر عدم الصلاحية، كما أن تقديمه شكاوى لا ينهض سبباً قانونياً مسوغاً لفصله من الخدمة. أما الاتهامات الأخرى التي أسندت إليه فبعيدة عن الواقع، ولا أساس لها في الأوراق، أو في ملف خدمته، هذا إلى أن فصله لم يسبقه تحقيق أو محاكمة وسماع دفاع. وأما عيب الانحراف فثابت من تناقض الإدارة في معاملة المدعي؛ إذ أنها رقته إلى درجة وكيل باشجاويش في 31 من مارس سنة 1954، أي قبل فصله بزهاء ستة أشهر، وما ذلك إلا لجدارته بالترقية، ثم إذا بها تفصله بعد ذلك بحجة عدم صلاحيته للخدمة بعد مدة خدمته الطويلة، الأمر الذي يستشف منه أنه كان ضحية اضطهاد موعز به في فترة عمله الأخيرة. وإذا صح أنه ارتكب خطأ يسيراً لا يفقده الصلاحية للعمل، فقد كان يجب أن يتدرج الجزاء بحيث يتناسب مع الخطأ، وإلا كان قرار الفصل مشوباً بعدم الملاءمة الظاهرة، فضلاً عن أنه صدر لسبب لا يمت للمصلحة العامة بصلة، مما يجعله خليقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن وزارة الداخلية ردت على هذه الدعوى بأنه منذ حضر المدعي إلى مركز المنشأة وينط به عملية النظام بالمركز تبين للمركز الآتي:
1 - لاحظ المركز عليه أنه يرتب الخدمات للقوة بطريقة أدت إلى كثرة الشكاوى والتظلمات، مما أدى بالمركز إلى القيام بعملية النظام وترتيب الخدمات بنفسه منعاً من تكرار هذه الشكاوى. ونظراً إلى وجود عساكر بالمركز - كما هو الحال بكل مراكز مديرية جرجا - من مديرية قنا، فقد كان المدعي يعتبر نفسه أعلى منهم رتبة هم وباقي العساكر الآخرين، كما كون لنفسه مجموعة من العساكر يراعيهم في الخدمات عن غيرهم.
2 - لاحظ عليه المركز أنه كثيراً ما يدفع العساكر أمامه بيده عندما يصدر إليهم أوامر، أو عندما يتحدث إليهم في تمام المساء، أو عند خروجهم للداورية الليلية للحراسة بالبندر، مما أدى إلى التظلم من هذه الطريقة الشاذة في المعاملة.
3 - لاحظ المركز أنه يتعسف مع بعض العساكر عندما يكونون في حراسة السجن أو المركز، بألا يسمح لهم بالجلوس ويأخذ منهم الكراسي بالقوة، على الرغم من أن التعليمات تقضي بأن يسمح للديدبان بالجلوس.
4 - لاحظ المركز أنه يثبت بيانات بدفتر الأحوال غير صحيحة، منها أنه أثبت مرة عودة عسكري من إجازة في الصباح بينما لم يحضر العسكري إلا في المساء، كما اعترف بذلك في التحقيق الذي عمل عن هذه الواقعة.
5 - لاحظ المركز أنه كثيراً ما يثبت بدفتر الخدمة مذكرات تافهة، ولما كثرت هذه المذكرات وجه إليه أمر كتابي بعدم إثبات ملحوظات بالمرة بالدفتر، وبأن يقدم مذكرات منفصلة لرؤسائه عندما يتراءى له وقوع أمر مخالف للنظام، ولكنه لم يمتثل لهذا الأمر مما استدعى إجراء تحقيق معه في هذا الشأن.
6 - لاحظ المركز أنه لا يمثل لأوامر السادة الضابط. وقد سئل في تحقيق عن واقعة إثبات عودة العسكري في غير الميعاد الحقيقي فرفض إبداء أقواله أولاً، ثم عدل وامتنع عن التوقيع على أقواله.
7 - لاحظ المركز أنه طالما يتردد على أماكن بالبلدة معدة لتعاطي الخمر، ويحتسى فيها كميات تؤدي به إلى حالة السكر. وقد يعتبر هذا التصرف من الأعمال الشخصية، إلا أنه يفعل ذلك ثم يعود على حالته هذه إلى مركز للمبيت فيه، مع أنه لم يكن له سكن بالمركز إلا في الأسبوع الأخير فقط. وقد شاهده كثير من الأهالي والعساكر يسير في الطرقات وهو على هذه الحالة.
8 - لاحظ المركز أنه دائم التردد على المقاهي، وأنه طالما يجالس الأهالي ويتحدث معهم في أسرار العمل، ويعتز أمامهم بأنه يقدم شكاوى في حق رؤسائه، وأنه تقدم بشكوى للسيد الوزير، ورفض إبداء أقواله أمام أي شخص حتى أمام حكمدار المديرية.
9 - سبق أن طلب المركز نقله منه لبعض الأسباب السابق ذكرها. ومن هذا يتضح أن المدعي لم يكن يصلح لأن يكون عسكري بوليس، ومن باب أولى فإنه لا يصلح قط لأن يكون باشجاويش نظام بالمركز. ولما كان قانون هيئات البوليس رقم 140 لسنة 1944 لم يتضمن القواعد والأحكام التأديبية الخاصة بعساكر البوليس، فإنه يرجع في شأن هؤلاء إلى القواعد العامة المنصوص عليها في القانون رقم 210 لسنة 1951، وهي لا تنص على وجوب إجراء تحقيق قبل توقيع الجزاء التأديبي؛ ومن ثم يكون قرار الوزارة سليماً من الناحية القانونية وصادراً ممن يملكه، ومبنياً على أسباب جدية تبرره دون تعسف في استعمال السلطة. وخلصت الوزارة من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى.
ومن حيث إن ما ينعاه المدعي على القرار المطعون فيه من وقوعه مشوباً بعيب عدم الاختصاص، بمقولة إن الجهة الإدارية قد استنفدت سلطتها بتوقيع جزاء تأديبي عليه بخصم سبعة أيام من راتبه في حادث التعدي بينه وبين الأومباشي محجوب مرعي النجار أثناء خدمته بمركز كفر الزيات بحيث لم تعد تملك بعد ذلك توقيع عقوبة تأديبية أخرى عليه عن الذنب ذاته - هذا القول مردود بما هو ثابت مما تقدم من أن فصله من الخدمة لم يكن سببه هذا الذنب الذي لم تجعل له الإدارة أي اعتبار في تقدير عدم صلاحيته للاستمرار في وظيفته، بل إن هذا الفصل كان بسبب عدم الصلاحية التي استخلصتها الإدارة من مجموعة عناصر ووقائع أخرى منبتة الصلة بالحادث المشار إليه، كما أن قوله بأن قرار فصله إنما صدر في الواقع من معاون بوليس مركز المنشأة، ولا عبرة بتصديق السيد وكيل وزارة الداخلية اللاحق على هذا القرار لعدم إرسال ملف الخدمة إليه للاطلاع عليه، والثبت من صحة الوقائع التي تضمنتها مذكرة السيد معاون المركز - هذا القول مردود كذلك بما هو ثابت بالأوراق من أن السيد مدير جرجا أرسل إلى السيد وكيل وزارة الداخلية المختص بشئون الأمن العام والخفر الكتاب رقم 290 سري سائرة في 25 من أكتوبر سنة 1954، مرفقاً به ملف المدعي وسجل خدمته والشكاوى المتعلقة بالموضوع وكذا تقرير واف عن حالة المذكور محرر في 19 من أكتوبر سنة 1954. وقد تأشر على هذا الكتاب في 31 من أكتوبر سنة 1954 بأن "يعرض على السيد وكيل الوزارة، ونرى فصله من الخدمة". وبعد ذلك أشر السيد الوكيل في 3 من نوفمبر سنة 1954 على الأوراق المعروضة بموافقته على فصل المدعي من الخدمة بناء على ما جاء بهذه الأوراق.
وفي 4 من نوفمبر سنة 1954 أرسل السيد وكيل وزارة الداخلية إلى السيد مدير جرجا الكتاب رقم 27/ 18/ 4 الذي أعاد به إليه أوراق وملف وسجل خدمة المدعي وذكر فيه أنه "ونظراً للأسباب التي جاءت بتقرير السيد معاون بوليس مركز المنشأة المؤرخ في 19 أكتوبر سنة 1954، والتي يؤخذ منها أن المذكور لا يصلح لأن يكون رجل بوليس؛ فلذلك قررت الوزارة فصله من الخدمة اعتباراً من 3 نوفمبر الحالي....."؛ ومن ثم فلا صحة للقول بأن قرار الفصل إنما صدر من السيد معاون بوليس المركز، وأن السيد وكيل وزارة الداخلية إنما صدق فيما بعد على هذا القرار دون الاطلاع على الأوراق؛ إذ الواقع أن هذا الأخير هو وحده مصدر القرار، وهو المختص قانوناً بإصداره وصاحب السلطة في ذلك، وأن جميع الأوراق كانت مطروحة تحت نظره، وإذا كان قد استند في تبرير الفصل إلى الأسباب الواردة في تقرير السيد معاون بوليس المركز التي تعززها باقي الأوراق، ورأى في تقريره كفاية هذه الأسباب، فليس في هذا ما يعيب من ناحية الشكل أو الموضوع قراره القائم على عدم صلاحية المدعي لأن يكون رجل بوليس، ولا وجه لما يذهب إليه المدعي من أن هذا القرار لو صح صدوره من السيد وكيل الوزارة لاعتوره عيب شكلي يبطله، هو عدم أخذ رأي اللجنة الفنية التي نصت عليها تعليمات المالية في شأن فصل العمال من الخدمة بسبب تأديبي، ولو كان رأي اللجنة استشارياً وغير ملزم للإدارة - لا وجه لذلك؛ لأن هذا الحكم لا يصدق إلا على عمال اليومية الحكوميين الذي يسري كادر العمال في حقهم وحدهم، والمدعي ليس منهم؛ إذ أنه يخضع في هذا الشأن لقواعد مغايرة ونظام خاص هو نظام هيئات البوليس. كما لا حجة فيما يتحدى به المذكور من أنه طبقاً لنص المادة 128 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة كان يتعين، وقد تظلم إدارياً من قرار فصله قبل مضي أسبوعين من تاريخ إبلاغه بهذا القرار، أن تحيل الجهة الإدارية تظلمه إلى لجنة شئون الموظفين للفصل فيه وفقاً لحكم المادة المشار إليها - لا حجة في ذلك؛ لأن المادة 131 من الباب الثالث الخاص بالأحكام العامة والانتقالية من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة نصت على أنه "لا تسري أحكام هذا القانون على: (1).... (2).... (3) عساكر البوليس والخفر......"، وإذ كان المدعي من أفراد هذه الفئة الأخيرة، فإن ما تسري في حقه هي أحكام القانون رقم 140 لسنة 1944 الخاص بنظام هيئات البوليس واختصاصاتها، وهو الذي يحكم واقعة فصله التي تمت في 3 من نوفمبر سنة 1954، أي في ظل نفاذ أحكامه، وقبل صدور القانون رقم 234 لسنة 1955 في 27 من إبريل سنة 1955 بنظام هيئة البوليس، وإذا كانت المادة 41 من القانون رقم 140 لسنة 1944 قد نصت على أنه "فيما عدا الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون، تسري على هيئة البوليس القواعد المقررة للموظفين والمستخدمين المدنيين"، فليس مقتضى هذا، إزاء نص المادة 131 من قانون نظام موظفي الدولة، أن عدم التقيد فيما يتعلق بعساكر البوليس والخفر بالتزام الأحكام والإجراءات الخاصة الواردة في هذا القانون يبطل التصرف الصادر من الإدارة في حقهم، والمطابق للقواعد المقررة للموظفين والمستخدمين المدنيين في عمومها.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بعيب مخالفة القانون الذي يأخذه المدعي على القرار المطعون فيه، استناداً إلى أنه لم يسبقه تحقيق أو محاكمة، وأن الاتهامات التي قام عليها لا أساس لها في الأوراق، وأن عدم الصلاحية للخدمة كرجل بوليس لا تصلح لأن تكون ذنباً تأديبياً، وأنه إذا صح أنه ارتكب خطأ يسيراً فإن هذا الخطأ لا يفقده الصلاحية للعمل؛ إذ كان يجب أن يتدرج الجزاء بحيث يتناسب مع الخطأ. فإنه ثابت من الاطلاع على الملف الخاص بالمدعي أنه حافل بالعديد من الشكاوى والتحقيقات والجزاءات والتقارير الصادرة من رؤسائه في مختلف الأزمنة والجهات والمناسبات لمآخذ تمس السمعة والخلق واستقامة السلوك والكرامة وتحوطه بالشبهات؛ إذ جاء عنه في تقرير معاون المباحث المؤرخ 15 من مارس سنة 1954 أنه "تشوب سمعته الأخلاقية الشائبات التي تتنافى مع كرامة وظيفته. وقد حدث في الماضي أن كان متزوجاً من زوجة طلقت منه حيث ضبطت مع زميل له في وضع مخل بالآداب، رفت من الخدمة من أجلها. والباشجاويش المذكور يستحضر الخدمات من بلاد المركز لكل من يطلب منه ذلك، بل ويحمل في جيبه دفتراً مدونة به أسماء الخامات اللاتي استحضرهن وأسماء من يخدمن عندهم، ويأخذ أجراً نظير ذلك، وقد تقدمت شكاوى كثيرة من أهالي المركز ضده يذكرون فيها أنه أخذ بناتهم للعمل كخادمات ولم يعطهم أجرهن، بل وأخفى عنهم الأماكن التي يعملن بها، وقد حققت هذه الشكاوى وثبت صحتها. هذا والباشجاويش المذكور مشاغب دائم الصياح بالقشلاق، وقد أحاط نفسه بمجموعة من العساكر تكتلوا حوله ليشاغبوا رؤساءهم وزملاءهم، الأمر الذي دعا قوة المركز إلى أن تنقسم على نفسها، وكل قسم يكره الآخر، ويعمل على الإضرار به، بل إنه يحرض أفراد القوة التي تكتلت حوله على عدم احترام الرؤساء وتحرير الشكاوى المجهولة ضدهم. وقد سبق وحكم على المذكور بأحكام بالسجن لتعديه على رؤسائه. ومن ناحية عمله فإنه إذا خرج للخدمة رئيساً لداورية البندر، فإنه يترك المرور على أفراد الداورية ويجلس المقاهي ويتناول فيها المشروبات دون أن يدفع ثمناً لها...". كما وصفه مأمور مركز السنطة في كتابه إلى السيد حكمدار بوليس الغربية المؤرخ 24 من مارس سنة 1954 بأنه "من أسوأ الصف ضباط خلقاً، ومشاغب مشاكس ودائم المعارضة والمناقشة في كل ما يصدر إليه من أوامر، وتحوط سمعته أسوأ الإشاعات، مما يشين كرامته كرجل قبل أن يكون رجل بوليس". كذلك جاء بكتاب المأمور إلى السيد حكمدار بوليس الغربية المؤرخ 27 من مارس ستة 1954 "أرسل لسيادتكم طية أربعة تحقيقات ضد الوكيل باشجاويش السيارة محمود محمد أبو العطا الذي نقل أخيراً من المركز إلى نقطة إبيار التابعة لمركز كفر الزيات، وبتصفحها تتبينون سيادتكم مدى ما انطوت عليه نفسيته من استهتار وفوضى، وأخلاقه من تعارض مع النظام وعدم تقديره للمسئولية، كما تدل على دناءة في الخلق؛ إذ جعل من نفسه مجرماً بأجر، فتردى بزيه العسكري إلى الحضيض. مشاغب مشاكس، دائم المعارضة والمناقشة في كل ما يصدر إليه من أوامر وتعليمات، متبرم بعمله، دائم الشكوى والتذمر منه. عديد السوابق في التعدي على رؤسائه والسباب والمشاجرة مع زملائه، كما يشهد بذلك سجله. ويبث في زملائه الصف والعساكر روحاً خبيثة هي التذمر وتقديم الشكاوى الكيدية المجهولة. تحوط سمعته الشخصية الشائعات والأقاويل الخلقية السيئة مما يشين كرامته كرجل قبل أن يكون رجل بوليس.... مثل هذا الشخص يجب ألا يترك ليعيث فساداً في وسط أساسه النظام والطاعة وحسن السمعة والكرامة؛ إذ شأن الجرثومة تنشر وباءها في كل وسط تعيش فيه. وأرى 1 - إما محاكمته عسكرياً. 2 - أو فصله إدارياً لسوء السلوك". وفي 25 من يونيه سنة 1954 قام ضابط بوليس منشأة الكردي بمفاجأة النقطة ليلاً فوجد المدعي غائباً عنها. وقد جرى مع المذكور تحقيق في هذا الخصوص انتهى بمذكرة مؤرخة 21 من يوليه سنة 1954 تدين سلوكه. وقد زخر ملفه بجزاءات إدارية طوال مدة خدمته تبلغ زهاء الستين جزاء، وتتراوح بين حجز القشلاق والخصم من المرتب والسجن لأسباب تتعلق بتخلفه عن الطوابير وإهماله في الخدمة ومخالفته للتعليمات وعدم إطاعته للأوامر، وسلوكه المغاير لقواعد الضبط والربط العسكري، واعتدائه بالسب والضرب على مرؤوسيه.
ومن حيث إنه ولئن كان قرار فصل المدعي من الخدمة قد بني على الأسباب الواردة بتقرير السيد معاون بوليس مركز المنشأة المؤرخ 19 من أكتوبر سنة 1954، إلا أن ما ورد بالتقرير المذكور إنما يتضمن - في جانب كبير منه في الواقع من الأمر - ترديداً وتأكيداً للوقائع السابقة وانعكاساً لسلوك المدعي وصفاته الخلقية التي لمسها فيه رؤساؤه من قبل، والتي لها دلالتها في تعزيز ما جاء بالتقرير المشار إليه. وقد حقق معه بالفعل في بعض ما أسند إليه مما تناوله هذا التقرير، فأبدى دفاعه تارة، ورفض الإدلاء بأقواله تارة أخرى، وهذا كاف لدحض ادعائه بأن فصله من الخدمة لم يسبقه تحقيق ما. وقد سلف القول بعدم وجوب التزام أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة في هذا الخصوص، وبالتالي أحكام المرسوم الصادر في 8 من يناير سنة 1953 باللائحة التنفيذية لهذا القانون، وهما اللذان لم يقررا جزاء البطلان على إغفال إجراء التحقيق في شكل معين، ذلك التحقيق الذي تم في حق المدعي مكملاً بالتقارير والتحريات والمذكرات الخاصة بتفاصيل ما نسب إليه. هذا إلى أن قرار فصل المذكور من الخدمة لم يبن على ارتكابه ذنباً إدارياً تأديبياً بذاته، بل قام على فقدانه الصلاحية للاستمرار في الخدمة كرجل بوليس. ولما كان هذا القرار قد استند إلى وقائع مادية صحيحة لها وجود ثابت فعلاً بالأوراق، وهي وقائع لها دلالتها في تقدير سلوكه، وقد استخلصت منها السلطة الإدارية المختصة عقيدتها واقتناعها بعدم صلاحيته للاستمرار في الخدمة كرجل بوليس استخلاصاً سائغاً سليماً يبرر النتيجة التي انتهت إليها في شأنه، فإن قرارها - والحالة هذه - يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون، دون أن تكون للقضاء الإداري رقابة على تقدير مدى عدم الصلاحية هذه، أو تناسبها مع التصرفات المأخوذة عليه، إذ أن هذا من الملاءمات التي تنفرد الإدارة بتقديرها بما لا معقب عليها في ذلك، والتي تخرج عن رقابة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه فيما يختص بعيب الانحراف بالسلطة الذي يصم المدعى به القرار المطعون فيه، بمقولة إنه كان ضحية اضطهاد موعز به في فترة عمله الأخيرة - فإن فيما سلف إيراده من تدليل على سلوكه في ماضي خدمته قبل الفترة المشار إليها، وفي غير الجهة التي قضى بها هذه الفترة، ومع غير الرؤساء الذين عمل معهم خلالها، وفي الجزاءات العديدة التي وقعت علية طوال مدة خدمته، مع عدم نهوض الدليل على وقوع الاضطهاد الذي يزعمه أو على قيام الباعث عليه، في هذا كله ما يشهد بسلامة موقف الإدارة الذي اتخذته منه للمصلحة العامة، وينفي إساءة استعمالها لسلطتها في حقه.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون القرار المطعون فيه الصادر بفصل المدعي من الخدمة قد وقع سليماً مطابقاً للقانون، ويكون المدعي على غير حق في دعواه، ومن ثم فإنه يتعين القضاء برفضها، مع إلزامه بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى، ورفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصرفات.