مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 723

(92)
جلسة 8 من مارس سنة 1958

المشكلة برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1645 لسنة 2 القضائية

موظف - مستخدم - وقفه عن العمل - الأصل هو حرمانه من ماهيته طوال مدة الوقف والاستثناء هو جواز صرفها كلها أو بعضها حسب قرار مجلس التأديب أو الرئيس المختص إن لم تكن ثمة محاكمة تأديبية - البند (5) من تعليمات المالية رقم (8) في أول يونيه سنة 1912 - نصه على أن رئيس المصلحة يصرف للعامل المؤقت أو الخارج عن هيئة العمال مرتبه عن مدة الوقف إذا اتضحت براءته من الجرم الذي سبق إسناده إليه - ليس في هذا النص خروج على أصل القاعدة السالف إيرادها.
الأصل هو حرمان الموظف أو المستخدم الموقوف عن العمل من ماهيته طوال مدة الوقف، والاستثناء هو جواز صرفها كلها أو بعضها حسبما يقرره مجلس التأديب، أو الرئيس المختص إن لم يكن ثمة محاكمة تأديبية، وذلك في كل حالة بحسب ظروفها. والبند (5) من تعليمات المالية رقم (8) الصادرة في أول يونيه سنة 1912، إذ نص على أن العامل المؤقت أو الخارج عن هيئة العمال الذي أوقف عن عمله - بسبب ارتكابه جرماً موجباً للرفت - يصرف إليه مرتبه عن مدة الوقف المؤقت إذا اتضح بعد التحقيق براءته مما أسند إليه، وأن الترخيص بصرف ماهية العامل المؤقت يصدر من رئيس المصلحة التابع لها - قد ردد أصل القاعدة السالف إيرادها، والحكمة ظاهرة في ترك تقدير صرف المرتب كله أو بعضه أو عدم صرفه إلى رئيس المصلحة في كل حالة على حدة وبحسب ظروفها، فالبراءة لعدم الصحة أو لعدم الجناية تختلف عن البراءة لعدم كفاية الأدلة أو لبطلان القبض والتفتيش في هذا التقدير، والبراءة من التهمة الجنائية لا تستتبع حتماً عدم المؤاخذة الإدارية. وليس من شك في أن السلطة التأديبية - أي رئيس المصلحة - تصدر قرارها في صرف المرتب أو عدم صرفه على مقتضى هذه الاعتبارات؛ ومن ثم يكون القرار الصادر من مدير مصلحة السكك الحديدية بحرمان المدعي، وهو عامل باليومية التملية، من أجره عن مدة وقفه قد صدر ممن يملكه.


إجراءات الطعن

في يوم 28 من يونيه سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 30 من إبريل سنة 1956 في القضية رقم 1980 لسنة 8 القضائية المرفوعة من وزارة المواصلات ضد محمود محمد مرسي عيسى، والقاضي برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً، وبقبولها، وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، وألزمت المدعي بالمصروفات - وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب الواردة في عريضة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وتأييد قرار اللجنة القضائية باستحقاق المتظلم لأجرته عن مدة الوقف، وإلزام الوزارة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 29 من يوليه سنة 1956، وللمدعي في 5 من أغسطس سنة 1956، وعين لنظره جلسة 15 من يونيه سنة 1957، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات وقررت إصدار الحكم بجلسة 29 من يونيه سنة 1957، وفي هذه الجلسة قررت المحكمة إعادة القضية للمرافعة لجلسة 9 من نوفمبر سنة 1957 للسبب المبين بالمحضر، ثم تأجلت لجلسة 11 من يناير سنة 1958، وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي تقدم إلى اللجنة القضائية بتظلم في 9 من مايو سنة 1953 قيد بجدولها تحت رقم 4333 لسنة 1 ق، قال فيه إنه سبق أن اتهم بإحراز مواد مخدرة وحوكم وحكم ببراءته منها من محكمة الجنح المستأنفة في القضية رقم 2803 جنح سنة 1952 طنطا، وقد أعادته مصلحة التليفونات إلى عمله بعد صدور هذا الحكم، ولكنها لم تصرف إليه مرتبه المستحق له عن المدة التي أوقف فيها عن العمل، وطلب من اللجنة أن تصدر قراراً باستحقاقه لهذا المرتب. وبجلسة 7 من سبتمبر سنة 1953 قررت اللجنة استحقاقه لمرتبه عن مدة الإيقاف، واستندت في ذلك إلى أن المصلحة لم ترد التظلم رغم مطالبتها مرراً بتقديم هذا الرد مما يعتبر تسليماً منها بطلبات المدعي، ونظراً لأنه لم يتبين للجنة من الأوراق أن المدعي ارتكب ما يقيم شبهات قوية توجب اتهامه، أو أن قراراً صدر من الجهة التأديبية المختصة بحرمانه من مرتبه مدة وقفه عن العمل، وقد طعنت الوزارة في هذا القرار، الذي أبلغ إليها في 2 من نوفمبر سنة 1953، بعريضة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في يوم السبت 2 من يناير سنة 1954، طالبة الحكم بإلغائه؛ ذلك لأن الحكم الاستئنافي القاضي ببراءة المدعي أسس قضاءه على بطلان التفتيش والقبض وهذا لا يعني براءته مما نسب إليه، وأن المصلحة وافقت بعد صدور الحكم على إعادته إلى عمله مع حرمانه من أجره عن مدة انقطاعه عن العمل، وهي المدة التي قضاها في الحبس الاحتياطي قبل صدور الحكم الابتدائي وتنفيذياً بعد صدور هذا الحكم وقبل براءته استئنافياً؛ ولذلك يتعين حرمانه من مرتبه عنها، إذ لم يؤد خلالها عملاً للمصلحة، ولم يكن وقفه عن العمل بناء على طلبها، وبجلسة 30 من إبريل سنة 1956 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وألزمت المدعي بالمصروفات. وأسست قضاءها فيما يتعلق بالدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً على أن الدعوى رفعت في الميعاد القانوني، أما عن الموضوع فقالت إنه من المسلم به أن الموظف أو العامل الذي يحبس حبساً احتياطياً أو تنفيذاً لحكم جنائي يعتبر موقوفاً عن عمله بحكم القانون، والأصل أنه لا يستحق ماهية أو أجراً عن مدة إيقافه إلا إذا قررت السلطة التأديبية التابع لها غير ذلك. وقد قرر مدير عام مصلحة السكك الحديدية، وهو السلطة التأديبية التابع لها المدعي، حرمانه من أجره عن مدة انقطاعه عن العمل؛ ومن ثم فلا يكون له أي حق في المطالبة بأجره عن هذه المدة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المدعي، وهو عامل باليومية، أوقف عن عمله بقوة القانون، إذ قبض عليه في 12 إبريل سنة 1952 لاتهامه بإحراز مخدرات، ثم حكم استئنافياً ببراءته في 7 من يناير 1953 وأعيد إلى الخدمة في 17 من إبريل سنة 1953. ولما كان البند (5) من تعليمات المالية رقم 8 الصادرة في أول يوليه 1912 تنص على أن "العامل المؤقت أو الخارج عن هيئة العمال المتهم بجرم موجب للرفت يصير إيقافه مؤقتاً عن العمل في كل حالة، فإذا اتضح بعد التحقيق أنه بريء تصرف له ماهيته عن كل مدة الإيقاف المؤقت، وإذا ثبت إدانته يرفت من تاريخ الإيقاف المؤقت، ويصدر الترخيص بصرف ماهية العامل المشار إليه عن مدة الإيقاف المؤقت من رئيس المصلحة التابع لها" - فإن العامل يستحق صرف أجره عن مدة الإيقاف المؤقت، ويتعين على رئيس المصلحة أن يصدر قراراً بذلك، وليست الإشارة إلى أن الترخيص بالصرف يصدر منه إلا إشارة إلى الإجراء التنفيذي الذي يصدره رئيس المصلحة بهذا الصرف مقيداً بالقاعدة القانونية المتقدم ذكرها، وليس بما له من سلطة تقديرية في ذلك، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فيكون قد أخطأ في تطبيق القانون، وتكون قد قامت به حالة من حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن الأصل هو حرمان الموظف أو المستخدم الموقوف عن العمل من ماهيته طوال مدة الوقف، والاستثناء هو جواز صرفه كله أو بعضه حسبما يقرره مجلس التأديب، أو الرئيس المختص إن لم يكن ثمة محاكمة تأديبية، وذلك في كل حالة بحسب ظروفها، وقد طبقت منشورات المالية هذه القاعدة ( أ ) في حالة الوقف لذنب يستوجب الرفت، فنصت المادة 111 من قانون المصلحة المالية على أن كل مستخدم يرتكب ذنباً يستوجب الرفت يلزم إيقافه عن أشغال وظيفته في الحال، وهذا الإيقاف يعلن إليه كتابة ويترتب على توقيف الموظف عن العمل حرمانه من ماهيته ما لم يقرر مجلس التأديب غير ذلك. (ب) وفي حالة الوقف بسبب حبس المستخدم احتياطياً لجريمة من الجرائم العادية فإن المادة (134) من قانون المصلحة المالية المعدلة بقرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من إبريل سنة 1912 تنص على أن "كل مستخدم يحبس احتياطياً أو تنفيذاً لحكم قضائي يجب إيقافه عن أعمال وظيفته من يوم حبسه، وذلك لا يمنع الجزاءات التأديبية التي يمكن توقيعها عليه، وتكون ماهيته حقاً للحكومة في كل مدة إيقافه ما لم يتقرر عدم وجه لإقامة الدعوى عليه أو تحكم المحكمة الجنائية ببراءته من التهمة التي ترتب عليها حبسه، ففي هذه الحالة يجوز صرف ماهيته عن مدة إيقافه ما لم تقرر السلطة التابع لها تأديبياً غير ذلك". والمقصود بعبارة "السلطة التابع لها تأديبياً" مجلس التأديب فيما يختص بالمستخدمين الداخلين في هيئة العمال، ورئيس المصلحة فيما يختص بالخدمة المؤقتين والخارجين عن الهيئة. وأن مجالس التأديب كانت، طبقاً للقوانين واللوائح المعمول بها قبل صدور القانون رقم 210 لسنة 1951، هي السلطة التأديبية المختصة بالنسبة للموظفين والمستخدمين الدائمين، وقد كانوا بحسب مفهوم تلك القوانين واللوائح السابقة على القانون المذكور من كان يجرى على راتبهم حكم الاستقطاع، أي من كانوا مثبتين، أما من عدا هؤلاء الموظفين الدائمين فكانت السلطة التأديبية - بالنسبة لهم - الوزراء أو رئيس المصلحة حسب الأحوال.
ومن حيث إن البند (5) من تعليمات المالية رقم (8) الصادرة في أول يونيه سنة 1912 المشار إليها، إذ نص على أن العامل المؤقت أو الخارج عن هيئة العمال الذي أوقف عن عمله بسبب ارتكابه جرماً موجباً للرفت يصرف إليه مرتبه عن مدة الوقف المؤقت إذا اتضح بعد التحقيق براءته مما أسند إليه، وأن الترخيص بصرف ماهية العامل المؤقت يصدر من رئيس المصلحة التابع لها - قد ردد أصل القاعدة السالف إيرادها. والحكمة ظاهرة في ترك تقدير صرف المرتب كله أو بعضه أو عدم صرفه إلى رئيس المصلحة في كل حالة على حدة وبحسب ظروفها، فالبراءة لعدم الصحة أو لعدم الجناية تختلف عن البراءة لعدم كفاية الأدلة أو لبطلان القبض والتفتيش في هذا التقدير، والبراءة من التهمة الجنائية لا تستتبع حتماً عدم المؤاخذة الإدارية، وليس من شك في أن السلطة التأديبية - أي رئيس المصلحة - تصدر قرارها في صرف المرتب أو عدم صرفه على مقتضى هذه الاعتبارات؛ ومن ثم يكون القرار الصادر من مدير مصلحة السكك الحديدية بحرمان المدعي، وهو عامل باليومية التملية، من أجره عن مدة وقفه قد صدر ممن يملكه، ويكون الطعن - والحالة - هذه على غير أساس سليم من القانون، ويتعين من أجل ذلك رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً. وبرفضه موضوعاً.