مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة - العدد الثاني (من فبراير سنة 1958 إلى آخر مايو سنة 1958) - صـ 836

(94)
جلسة 8 من مارس سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1721 لسنة 2 القضائية

( أ ) عمال الجيش البريطاني - ترخص الإدارة في تكليفهم القيام بأعمال تتفق وحرفهم الأصلية، أو تدانيها، أو حتى تغايرها حسب مقتضيات الأحوال - عدم استحقاقه إلا الأجر الذي يتفق والعمل المناط به.
(ب) عمال الجيش البريطاني - كيفية إثبات أدائهم للامتحان.
1 - للجهة الإدارية - طبقاً لأحكام كادر عمال القناة - أن تترخص في تكليف عمال الجيش البريطاني أن يقوموا، إما بأعمال تتفق وحرفهم الأصلية بالجيش البريطاني، وإما بأعمال تدانيها بقدر المستطاع، أو حتى بأعمال أخرى مغايرة لحرفهم الأصلية حسب مقتضيات الأحوال - فإذا أفصحت الجهة الإدارية عن إرادتها في هذا الخصوص، وقررت تعيين المطعون عليه "خادماً" بمدارسها، فإنه لا يستحق من الأجر إلا ما يتفق والعمل الذي نيط به، أو أقام به فعلاً، ولو كان يعمل بالجيش البريطاني "طاهياً".
2 - متى كان المدعي قد استدل على أدائه الامتحان قبل التعيين بكتاب وقعته إحدى المراقبات المساعدات باستراحة المفتشات التي عين بها. بني عليه أنه اجتاز هذا الامتحان، فإن هذا لا يصلح سنداً للتدليل على تمام الامتحان، إذ من المقرر أنه لا عبرة بمثل هذه الموافقة اللاحقة في التدليل على حصول الاختبار عند تعيينه باستراحة المفتشات، ما دامت أوراق الملف خالية من الأسانيد الكتابية التي تثبت حصول هذا الامتحان أمام اللجنة المختصة ونجاح المدعي فيه.


إجراءات الطعن

في 2 من أغسطس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1721 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "أ") بجلسة 11 من يونيه سنة 1946 في الدعوى رقم 162 لسنة 1 القضائية المقامة من وزارة التربية والتعليم ضد السيد/ عبد الجليل علي حسن، القاضي "برفض الدعوى، وألزمت الحكومة المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وقرار اللجنة القضائية الصادر في التظلم رقم 265 لسنة 2 القضائية، ورفض التظلم، مع إلزام المتظلم المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 14 من أغسطس سنة 1956، وإلى وزارة التربية والتعليم في 15 من ذات الشهر، وعين لنظره أخيراً أمام هذه المحكمة جلسة 25 من يناير سنة 1958، وقد بعث المطعون عليه بمذكرة بملاحظاته ذكر فيها أنه أدى امتحاناً أمام لجنة مشكلة بمدرسة المعلمات العامة بالزقازيق. وقد أبلغ الطرفان في ديسمبر سنة 1957 بميعاد الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه قدم تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة التربية والتعليم قيد برقم 265 لسنة 2 القضائية، جاء به أنه من عمال القناة الذين تركوا العمل في الجيش البريطاني، وأنه يعمل في حرفة طباخ بمدرسة الزقازيق الإعدادية القديمة بأجر يومي قدره 120 م باعتباره أجراً مؤقتاً، وطلب الحكم له بأحقيته في أن يوضع في الدرجة 160/ 240 م، وقد ردت الوزارة بكتابها المؤرخ 24 من ديسمبر سنة 1953 بأن المتظلم قد ألحق بوظيفة خادم بأجر يومي قدره 120 م إعمالاً للفقرة الرابعة من كتاب المالية المؤرخ 19 من مارس سنة 1953، التي تقضي بأن العمال الذين لا توجد لهم أعمال تتفق مع حرفهم الأصلية يكلفون بأعمال يستطيعون القيام بها، ويمنح العامل في هذه الحالة الأجر المقرر لهذه الحرفة؛ لأن الأجر يقدر على أساس العمل الذي يؤديه العامل فعلاً لا على أساس حرفته الأصلية وقالت الوزارة إنه لم تكن توجد بمدرسة الزقازيق الإعدادية القديمة ولا بدائرة المنطقة وظيفة طباخ؛ ولهذا فقد تقرر إلحاقه بوظيفة خادم بأجر يومي قدره 120 م، وانتهت إلى طلب رفض التظلم، وقد قضت اللجنة القضائية بجلسة 27 من فبراير سنة 1954 "باستحقاق المتظلم للأجر المقرر لمهنة طباخ بكادر العمال من تاريخ اشتغاله طباخاً باستراحة المفتشات، مع ما يترتب على ذلك من آثار"، وأسست قضاءها على أن المتظلم كان قد وافق المختص في 3 و4 من نوفمبر سنة 1953 على نقله إلى الإعدادية القديمة ليعمل طاهياً للاستراحة، وعلى أن كتاب المالية رقم ف 234/ 9/ 77 المؤرخ 19 من يوليه سنة 1952 يقضي بتحديد أجور عمال القنال وفقاً لكادر العمال، على أن يمنح العامل بداية الدرجة؛ ومن ثم يكون تعيين المتظلم في وظيفة خادم غير متفق مع العمل الذي يقوم به فعلاً، وقد طعنت وزارة التربية والتعليم في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 17 من أكتوبر سنة 1954، طلبت فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه والمقيد تحت رقم 265 لسنة 2 القضائية، مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وقيدت هذه الدعوى تحت رقم 163 لسنة 9 القضائية؛ وأسست الوزارة طعنها على أن اللجنة القضائية قد جانبت الحق في قضائها؛ لأنه "ليس صحيحاً ما ذهبت إليه من أن المطعون ضده نقل طاهياً باستراحة المفتشات؛ لأنه نقل بموجب الإذن رقم 41 المودع بملف خدمته (ص 41) إلى وظيفة خادم باستراحة المفتشات في 7 من نوفمبر سنة 1953، وعلى ذلك يكون قرار اللجنة القضائية قائماً على غير أساس سليم". وبجلسة 11 من يونيه سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "أ") في هذه القضية "برفض الدعوى، وألزمت الحكومة المصروفات وأقامت قضاءها على أنه "يبين من استعراض مستندات الملف أن المراقب عندما وافق على نقل المدعى عليه إلى استراحة المفتشات إنما وافق على نقله طاهياً للاستراحة لا خادماً؛ إذ أن موافقته على اقتراح نقله لهذه الوظيفة وهذه التأشيرة، هي القرار الإداري الذي أنشأ المركز القانوني للمدعى عليه في الوظيفة، وليس الإذن الصادر تنفيذاً لها، فلا يغير من حق المدعى عليه في الوظيفة أن يصدر الإذن بها في وظيفة خادم (صحيفة 40 و41 من ملف الخدمة)، كما لا يغير منه أن يكون من وقع هذا الإذن بتعيينه في وظيفة خادم هو بذاته الذي أشر عليه بالموافقة على نقله إلى وظيفة طاه، فهذا الإذن لم ينشئ المركز القانوني للمدعى عليه، وإنما هو تنفيذ للقرار الإداري الذي أنشأه، ويجب أن يكون مطابقاً له، وإذ خالفه فلا أثر لهذه المخالفة، ولا يعتبر هذا الإذن المخالف للقرار السابق سحباً له باعتباره موقعاً من ذات مصدره وفي خلال الستين يوماً التي يجوز فيها سحب القرار الإداري؛ ذلك أن جهة الإدارة لا تملك سحب قرار إداري صدر منها إلا إذا كان القرار المسحوب مخالفاً للقانون وهو أمر لم تدعه جهة الإدارة في أي مرحلة من مراحل الدعوى، والمدعي وقد عين تعييناً صحيحاً بوظيفة طاه اعتباراً من 4 من نوفمبر سنة 1953 - وهي وظيفة من الوظائف الواردة في كادر العمال - يستحق أجر هذه الوظيفة من تاريخ تعيينه فيها طبقاً لما قضى به القرار المطعون فيه، ويكون الطعن فيه على غير أساس سليم من القانون.
ومن حيث إن الطعن قد بني على أن مركز المطعون عليه قد تحدد بوضعه في وظيفة خادم بعد نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لإعادة توزيع عمال القناة بصفة نهائية، بحسب حاجة العمل في الوزارات والمصالح، أي بعد أول إبريل سنة 1952، وأنه بناء على ذلك لا حق له في المطالبة بوضعه في وظيفة طاه التي كان يعمل فيها بالجيش البريطاني، وعلى أنه لم يقم دليل من الأوراق على وجود وظيفة طاه باستراحة المفتشات، وهذا ما يفسر صدور الإذن رقم 41 في 7 من نوفمبر سنة 1953 بنقله إلى وظيفة خادم باستراحة المفتشات، لا إلى وظيفة طاه كما اتجهت المنطقة إلى نقله إليها بادئ الرأي، وعلى أنه يؤخذ من تقرير لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني وجوب نجاح العامل في امتحان يعقد له بوساطة لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني، وهو ما لم يثبت أنه تم في شأن المطعون عليه، كما بني على أن الحكم - إذ جرى على خلاف هذا النظر، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من ملف خدمة المطعون عليه أنه على إثر تركه خدمة الجيش البريطاني بمنطقة القناة، وكان يعمل فيه "طاهياً"، قررت وزارة المعارف العمومية في 12 من نوفمبر سنة 1951 تعيينه في وظيفة "خادم" بالدرجة الرابعة بماهية شهرية قدرها ثلاثة جنيهات، وأرسلت إلى مراقبة منطقة الزقازيق التعليمية تكليفاً بتهيئة عمل له فور تقدمه إليها، ثم أكد هذا القرار من حيث نوع الوظيفة التي عين فيها - مراقب عام المنطقة في كتاب بعث به إلى ناظر مدرسة الزقازيق الابتدائية القديمة للبنين في 17 من نوفمبر سنة 1951 لتنفيذ قرار الوزارة المشار إليه. وتسلم المطعون عليه عمله بالمدرسة المذكورة في 24 من نوفمبر سنة 1951، إلى أن تقدم في 28 من سبتمبر سنة 1953، بشكوى يطلب فيها تعيينه في وظيفة "طاهي"؛ بحجة أن تسلمه العمل كفراش قد وقع بصورة مؤقتة. ولما رفعت المدرسة الشكوى إلى المنطقة، دونت ملاحظة عليها من أحد المختصين بها تفيد أن المنطقة سبق أن أبلغت المدرسة بأن المطعون عليه معين في وظيفة "خادم"، وعلق المراقب المساعد بالمنطقة على هذه الظلامة في 10 من أكتوبر سنة 1953، بأن الوجبات المطهية قد ألغيت من المدارس.، واستمر شاغلاً لوظيفة "خادم" إلى أن ووفق في 4 من نوفمبر سنة 1953. على اقتراح لإحدى المراقبات المساعدات بنقله "طاهياً" من المدرسة الابتدائية القديمة للبنين إلى استراحة المفتشات، غير أنه في 7 من نوفمبر سنة 1953، صدر قرار آخر من المنطقة بنقله إلى وظيفة "خادم" باستراحة المفتشات، ولم يتبين من ملف الخدمة إجراء أي امتحان له.
ومن حيث إنه لا شبهة في أن المطعون عليه لم يعين بوزارة المعارف في الجهات التي عمل بها بمنطقة الزقازيق التعليمية في وظيفة "طاهي" كما يدعي، سواء في ذلك قبل نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لإعادة توزيع عمال القناة على الوزارات والمصالح الحكومية، أو بعد نفاذ هذه القواعد، بل ظل من بادئ الأمر شاغلاً وظيفة "خادم" بحكم تعيينه فيها، إلى أن صدر قرار المنطقة التعليمية بالزقازيق في 7 من نوفمبر سنة 1953 ملحقاً إياه باستراحة المفتشات التابعة للمنطقة المذكورة ومحدداً الوظيفة المنقول إليها بأنها وظيفة "خادم".
ومن حيث إنه ليس المطعون عليه أن يحتج بحرفته الأصلية في الجيش البريطاني للقول باستحقاقه درجتها وأجرها؛ إذ من المسلم به أن للجهة الإدارية - طبقاً لأحكام كادر عمال القناة - أن تترخص في تكليف هؤلاء العمال أن يقوموا إما بأعمال تتفق وحرفهم الأصلية بالجيش البريطاني، وإما بأعمال تدانيها بقدر المستطاع، أو حتى بأعمال أخر مغايرة لحرفهم الأصلية حسب مقتضيات الأحوال. فإذا أفصحت الجهة الإدارية عن إرادتها في هذا الخصوص وقررت تعيين المطعون عليه "خادماً" بمدارسها، فإنه لا يستحق من الأجر إلا ما يتفق والعمل الذي نيط به أو قام به فعلاً.
ومن حيث إن المركز القانوني النهائي الذي استقر للمطعون عليه بعد نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لتحديد درجات عمال القناة وتقدير أجورهم وإعادة توزيعهم على المصالح حسب حاجة العمل بها، هو حرفة "خادم"، وقد ظل شاغلاً له حتى بعد التحاقه باستراحة المفتشات في 7 من نوفمبر سنة 1953 كما سلف إيضاحه؛ وبذلك يكون مركزه القانوني قد تحدد بأجرها ودرجتها من غير شبهة.
ومن حيث إنه لو صح في الجدل أن ثمة قراراً إدارياً صادراً في 4 من نوفمبر سنة 1953 بتعيين المطعون عليه طاهياً باستراحة المفتشات - حسبما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه - فإن هذا القرار يكون مؤثماً ومعيباً؛ لعدم اجتياز المعين بموجبه الامتحان اللازم لحرفته، ولوروده كذلك على غير محل بعد أن لم يقم دليل من الأوراق على وجود هذه الوظيفة بالاستراحة المذكورة؛ وعلى ذلك يكون قرار المنطقة التعليمية الثاني في 7 من نوفمبر سنة 1953 بتعيين المطعون عليه "خادماً" قد تدارك الخطأ الذي تردت فيه الإدارة بإصدار القرار الأول؛ ومن ثم انطوى على سحب هذا القرار في ميعاده القانوني، وهو ما تملكه الإدارة بالنسبة إلى أي قرار إداري صدر منها مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه إذا كان استحقاق أجر الدرجة المقررة لحرفة الطاهي - وهي واردة تحت بند 6 من الجدول رقم 2 الملحق بكادر عمال القناة والمتضمن بياناً لأجور أرباب الحرف بما يطابق كادر عمال الحكومة - رهيناً باجتياز العامل امتحاناً تجريه اللجنة المختصة، طبقاً لما جاء في تقرير اللجنة المؤلفة في وزارة المالية لإعادة توزيع عمال القنال المؤرخ 19 من مارس سنة 1951، فإن المطعون عليه لا يكون على حق في المطالبة بأجر الدرجة المقررة لحرفة الطاهي، استناداً إلى أن القرار الإداري الأول قد شابه عيب شكلي بسبب عدم استيفائه إجراء لازماً قبل صدوره.
ومن حيث إنه يظاهر ما تقدم أن ملف خدمة المطعون عليه قد خلا من أي دليل معتبر يفيد أنه أدى امتحاناً عند التحاقه باستراحة المفتشات التابعة لمنطقة الزقازيق التعليمية، وكل ما هنالك أنه استدل في مذكرته الأخيرة لنصرة دفاعه بتأييد مكتوب وقعته إحدى المراقبات المساعدات، بني عليه أنه اجتاز هذا الامتحان، بيد أنه من المقرر أنه لا عبرة بمثل هذه الموافقة اللاحقة في التدليل على حصول الاختبار عند تعيينه باستراحة المفتشات، ما دامت أوراق الملف خالية من الأسانيد الكتابية التي تثبت حصول هذا الامتحان أمام اللجنة المختصة ونجاح المطعون عليه فيه.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون المطعون عليه قد أقام دعواه على غير أساس، ويكون الحكم المطعون فيه قد جانب محجة الصواب في قضائه، ويكون الطعن قائماً على أساس سليم من القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.